ملفات خلافية .. الاتحاد الأوروبي في مواجهة السياسات التركية
تصاعد التوتر في العلاقات التركية- الأوروبية بفعل
سياسات أنقرة في شرق المتوسط، وتجاوز حقوق قبرص واليونان في البحث عن مكامن
الطاقة. وقد ظهر ذلك في تأسيس الاتحاد الأوروبي بعثة أوروبية لمراقبة حظر السلاح
على ليبيا. وتُشير مواقف الاتحاد الأوروبي المناهِضة للسلوك التركي في شرق المتوسط
وليبيا وسوريا إلى تباعد المسافة بين الطرفين، وهو الأمر الذي يقلّص فرص أنقرة في
أن تصبح عضوًا بالاتحاد، برغم مساعٍ قامت بها لتهدئة التوتر مع دول الاتحاد.
واحتدمت الخلافات بين الطرفين الشحن عقب تصريح أنقرة بأنها لن توقف المهاجرين
واللاجئين السوريين الذين يحاولون حالياً التوجه إلى أوروبا، بسبب عدم قدرة تركيا
على تحمل تدفق طوفان اللاجئين الجدد القادمين من سوريا.
وخلال الفترة الأخيرة عقدت دول الاتحاد الأوروبي مجموعة
مختلفة من الاجتماعات لمناقشة الأوضاع الداخلية لها والتطورات الإقليمية والدولية
ذات الصلة، ففي 13 يوليو 2020، تم التوافق
حول الخيارات الأوروبية في مواجهة التدخلات التركية في ليبيا وما لهذه السياسات من
تأثير على الأمن الإقليمي الأوروبي، بالإضافة إلى اجتماعهم في 18 يوليو 2020؛ لبحث
سبل التعاون الاقتصادي والاتفاق حول الميزانية الاقتصادية المخخصصة لمواجهة
تداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد(كوفيد- 19).
توترات متلاحقة
تتشابك التوترات وتتعدد بين كل من تركيا ودول
الاتحاد الأوروبي خاصة فرنسا وألمانيا باعتبارهما أكبر دول الاتحاد، وشهدت الفترة
الماضية تصعيدًا كبيرًا بين كل من فرنسا وتركيا بسبب اتجاه تركيا نحو استمرارها في
إرسال الأسلحة والمرتزقة إلى ليبيا عبر البحر المتوسط، وهو الأمر الذي أكدته عملية
إيريني التي يقوم بتنفيذها الاتحاد الأوروبي كآلية أوروبية لتنفيذ مؤتمر برلين
السياسي للحد من تدفق الأسلحة إلى ليبيا، وهو الأمر الذي أشارت إليه كل من ألمانيا
وفرنسا وإيطاليا خلال القمة الأوروبية، من ناحية أخرى ومن جهته قال وزير الخارجية
التركي مولود جاويش أوغلو إن "امتناع بعض الدول الأوروبية عن التعامل
بإيجابية ومرونة، مع القضايا ذات المستوى الإستراتيجي"، يضيّق نطاق التعاون
بين أنقرة والاتحاد الأوروبي، وقد أعلن جوزيف بوريل أنه أجرى مع الوزراء
الأوروبيين مشاورات مطولة بشأن تركيا، مشددًا أن على تركيا احترام القيم والمصالح
الأوروبية من أجل علاقات أفضل بين الطرفين، وأن الإجراءات الأحادية الجانب لتركيا
في المتوسط مناقضة لسيادة الدول، وفيما يلي أبرز النقاط الخلافية بينهما:
1)
الوضع في ليبيا وانتهاكات تركيا حظر توريد الأسلحة وإرسال
المرتزقة والميليشيات المسلحة، خاصة وأن التحدي الأكبر الماثل أمام أوروبا حاليًا
هو كيفية نزع فتيل التوتر الناتج عن التدخل التركي في الملف الليبي وتصرفات أنقرة
في البحر المتوسط.
2)
التنقيب غير المشروع عن الغاز شرق المتوسط، وما
تحاول تركيا من تجاوز الاتفاقيات الدولية الخاصة بترسيم الحدود البحرية والمناطق
الاقتصادية الخاصة ببعض الدول مثل اليونان وقبرص ومحاولة شرعنة وجودها من خلال
اتفاقها مع حكومة الوفاق.
3)
دعم التنظيمات المتطرفة، يمثل هذا الملف أحد القضايا المحورية
في تصاعد الخلافات بين الجانبين؛ حيث تعتمد تركيا على توظيف هذه الجماعات في تحقيق
أهدافها التي هي بالأساس ضد المصالح الأوروبية.
4)
مواجهة الأكراد الذين يمثلون الحليف الأساسي للتحالف الدولي
الذي تشارك فيه العديد من دول الاتحاد الأوروبي في القضاء على تنظيم "الدولة
الإسلامية" (داعش). كما أن دول أوروبا تعتبر قوات سوريا الديمقراطية ومنطقة
الأكراد حصن الحماية الخاص بهم، وخط الحماية الأول من عودة عناصر داعش للمنطقة
وانتشارهم نحو أوروبا.
5)
ملف اللاجئين، يستخدم النظام التركي بقيادة أردوغان ورقة
اللاجئين للضغط على أوروبا للتخلي عن موقفهم الرافض للسياسة التركية، من خلال التهديد
بفتح الحدود أمامهم للدخول إلى دول الاتحاد، ويعتبر ملف اللاجئين من أكثر الملفات
التي يتم توظيفها في مقايضة دول الاتحاد الأوروبي حول اتجاههم نحو فرض عقوبات على
أنقرة.
6)
انتهاكات حقوق الانسان، برز هذا الملف إلى السطح بالتزامن من اتجاه تركيا نحو
تأميم الحياة الداخلية ومواجهة الأصوات المعارضة، وفرض قوانين على حرية الرأي
والتعبير والعودة للعمل بعقوبة الإعدام، وندد البرلمان الأوروبي بتدهور وضع دولة
القانون في تركيا، مطالبًا بإنهاء حال الطوارئ التي تستخدَم ذريعةً لاعتقال
معارضين وصحافيين في شكل يعد تعسفيًا. وقرر الاتحاد تجميد بعض التمويل الذي كان من
حق تركيا الحصول عليه باعتبارها من الدول المرشحة لعضويته، وتعليق محادثات
الانضمام المتعثرة منذ فترة طويلة.
ويمكن القول أنه في ظل التوترات المتصاعدة بين
الجانبين التركي والأوروبي واستمرار تركيا في انتهاج سياسات من شأنها إلحاق الضرر
وتعظيم المخاطر التي تهدد الأمن الإقليمي الأوروبي، ظهرت مجموعة من المؤشرات التي
تدل على اتجاه الدول الأوروبية نحو تقويض هذه المخاطر والقيام بدور فاعل
لمجابهتها، وضمن هذا السياق يجب الإشارة إلى إن الخيارات الأوروبية تظل محدودة في
ظل عدم قدرتها على تسوية الأزمات الإقليمية التي ترتبط بصورة مباشرة بالتأثير على
أمنها الإقليمي وخاصة مشكلة اللاجئين.
توجهات أوروبية متعددة
يسعى الاتحاد الأوروبي لإيجاد صيغة ناجعة للتعامل
مع أزمة اللاجئين على حدوده بعد أن ألغت تركيا رقابتها على الحدود، إضافة إلى وقف
التمدد التركي في مناطق نفوذه، وضمن السياق ذاته فإن تهديدات أردوغان ربما تزيد
الأمور تعقيدًا في الملفات الشائكة للعلاقات بين تركيا والدول الأوروبية، مثل أزمة
تركيا في حلف الناتو، خاصة بعد سياساتها الأحادية وتصميمها على امتلاك S400 من روسيا، بالإضافة إلى ملفات الغاز والاتحاد الأوروبي والمساعدات
التي يمنحها لتركيا. وتتمثل أبرز خيارات الاتحاد في التعامل مع الملفات العالقة مع
تركيا فيما يلي:
1)
إستعادة الدور الأوروبي: من خلال إظهار الدول الأوروبية
لسياساتها في مواجهة الابتزازات التركية المستمرة، ومحاولة هذه الدول التدخل في
هذه الأزمات بصورة مباشرة والابتعاد عن الاعتماد على أنقرة في تنفيذ أهدافها، وهو
الأمر الذي ظهر من خلال عمليتي صوفيا وإيريني الخاصتان بمواجهة ومنع انتقال
المهاجرين والأسلحة في شرق البحر المتوسط، بالإضافة إلى محاولة الدول الأوروبية
الانخراط بصورة مباشرة في تسوية الأزمات مثل الأزمتين الليبية والسورية اللتان
يمثلان مصادر للتهديد، ومن قبل فقد أفرزت الأزمة السورية مجموعة من التحديات
أبرزهم مشكلة اللاجئين والتي تم الاعتماد فيها على تركيا واتجهت نحو تقديم
المساعدات لها للحيلولة دون انتقالهم إلى الجانب الأوروبي ولكن اتجهت أنقرة نحو
استثمار هذه الملف للضغط على دول الاتحاد في إطار تحقيق مصالحها، وبالنسبة للأزمة
الليبية فهناك تخوفات أوروبية متصاعدة من إمكانية انتقال المرتزقة والجماعات
المتطرفة التي ترسلها تركيا إلى الساحة الليبية، وهو ما يهدد الأمن الأوروبي من جهة
الجنوب.
2)
الاتجاه نحو فرض عقوبات: ووفق هذا الاتجاه تمتلك الدول
الأوروبية وتركيا مجموعة من الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتي يمكن
من خلالها تحقيق الضغط من جانب الدول
الأوروبية على تركيا سواء من خلال إلغاءها أو فرض عقوبات عسكرية واقتصادية على
المنتجات والبضائع التركية، ومن المحتمل أن تتجه الدول الأوروبية إلى هذا
السيناريو كمسار استكمالي للسيناريو الأول، خاصة وأن تركيا تشهد مجموعة من الأزمات
الاقتصادية الداخلية التي ساهمت في زيادة مستوى الرفض الشعبي للسياسة التركية في
ظل رئاسة أردوغان.
ختامًا:
هناك توجه عام في السياسة الخارجية الأوروبية تجاه مواجهة المخاطر التي تتعرض لها
دول الاتحاد خاصة من جانب تركيا التي كانت تمثل في السابق حليف قوي في
الاستراتيجية الغربية وهو الأمر الذي تبدل بصورة كبيرة مع اتجاه تركيا نحو انتهاج
سياسة من شأنها تهديد مصالح الدول الأوروبية في العديد من الأزمات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، ويجب
الإشارة إلى أن الدول الأوروبية أدركت بصورة كبيرة مدى التناقض في السياسة التركية
تجاه التعامل مع الملفات ذات الصلة بالمصالح الأوروبية وتحاول هذه الدول خلال
الفترة الماضية والقادمة تبني استراتيجية أوروبية جديدة لمواجهة هذه التهديدات بما
يحافظ على مصالحها.
المراجع
1) تركيا تزعزع
أمن المتوسط.. متى ستضرب أوروبا "بالعصا الغليظة"؟، على الرابط: https://cutt.us/OqYh1
2) لماذا تخشى
أوروبا تركيا؟!، على الرابط: http://gate.ahram.org.eg/News/2443437.aspx
3) تركيا تواصل
التنقيب.. وعقوبات أوروبا تلوح في الأفق، على الرابط: https://cutt.us/ocOZF