عثرات متزامنة....تصاعد الخلافات الداخلية حول وضع الاقتصاد الإيراني
يبدو وكأن هناك حالة متفاقمة من الشد والجذب بين
التيارات السياسية الموجودة داخل الدولة الإيرانية بشأن الوضع الاقتصادي المتدهور
على خلفية العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وتدنى
مستوى معيشة المواطن الإيراني، وهو الأمر الذى أدى بالبرلمان الإيراني لشن حملة
انتقادات كبيرة ضد الحكومة الحالية متهمًا
إياها بالفشل في إدارة شؤون البلاد، وهو ما طالب على إثره الرئيس الإيراني حسن روحاني روحانى بضرورة تنحية
الخلافات الداخلية جانبًا حتى لا يتم استغلالها من قبل أعداء طهران في الخارج في
هكذا ظروف صعبة تمر بها البلاد.
وسنعرض
فيما يلي لأبرز دلالات تصاعد هذه الخلافات:
أولاً
– مواجهة بعض المؤسسات الموازية
يبدو وكأن هناك نوعًا من الصراع الخفى بين حكومة روحانى
المحسوبة على التيار الإصلاحى ونظيره المتشدد في إيران ولاسيما مع الحرس الثوري
الذى يسعى لتقديم نفسه خلال هذه الفترة
كطرف ثالث بعيداً عن المناوشات الموجودة على الساحة السياسية؛ فلطالما
انتقد روحانى الدور المتغلغل للشركات التابعة للحرس الثورى داخل الاقتصاد
الإيرانى، ولاسيما مع تصاعد هذا الدور بالتوازى مع تكثيف الولايات المتحدة
الأمريكية للعقوبات على طهران(1).
يتوازى ذلك، مع صدور تقرير نشرته وكالة بلومبرج
الأمريكية في 18 أكتوبر الجارى تشير فيه إلى ازدهار أداء الشركات الصغيرة في إيران
والتى ترجع ملكية الغالبية العظمى منها للحرس الثورى؛ حيث بدأت هذه الشركات في ردء
الفراغ الناتج عن التداعيات السلبية للعقوبات الأمريكية علىى السلع الاستهلاكية،
من خلال زيادة معدل التصنيع المحلى بغرض تحقيق الاكتفاء الذاتى، بل والإتجاه
لتطوير خطوط التصدير للدول القريبة(2).
ثانيًا
– مأزق العلاقة مع واشنطن
أثارت تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحانى في بداية أكتوبر
الجارى خلال الاجتماع 174 لمجلس التنسيق الاقتصادى حول ضرورة السعى نحو السلام من قبل
طرف لايقوى على الحرب، حفيظة عدد كبير من قيادات التيار المتشدد، على خلفية افتراضاتهم
بأنها تلميحات صريحة للرغبة في التفاوض مع واشنطن.
وهو الأمر الذى
طالب على إثره رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة
الخارجية في البرلمان الإيراني موجتبي ذو النوري
بإعدام روحانى، قائلاً:" يتعين أن يُصدر القائد الأعلى لإيران أمراً
بإعدامك 1000 مرة، حتى تبتهج قلوب الشعب الإيراني"، على خلفية اعتبار مثل
هذه الدعوات خيانة كبيرة للشعب الإيراني، ولاسيما في هكذا فترة تمر بها الدولة الإيرانية
بظروف اقتصادية صعبة تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية هى المتسبب الرئيسي في وجودها(3).
ثالثًا – انخفاض بعض المؤشرات الاقتصادية
أعلنت مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد استمرار معدل الانكماش
الاقتصادى في إيران البالغ 9.5%هذا العام إلى2021، وأشارت بعض التقديرات التي
أعلنها البنك الدولى في أوائل أكتوبر الجارى أن الاقتصاد الإيراني سيختم السنة المالية
2019-2020 بحجم يقل 90% عما كان عليه قبل عامين، على خلفية العقوبات الاقتصادية المشددة
المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
كما توقع صندوق
النقد الدولي أن يبلغ معدل التضخم الاقتصادي
في إيران بنهاية العام الحالي حوالى 35.7%،
فضلاً عن الانهيار التدريجى في قيمة العملة
الإيرانية ؛ حيث بلغ سعر الصرف الرسمي للريال الإيراني في 15 أكتوبر 2020 حوالي 42
ألف ريال مقابل الدولار الأميركي، في حين بلغ
سعر صرف السوق 115 ألفًا.
يشير ما سبق إلى حجم المعاناة التى يعيشها المواطن الإيراني
من ارتفاع أسعار السلع، تدني مستوى الخدمات، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى الكفاف الاقتصادى؛
حيث أظهر تقرير المركز الإحصائي الإيراني الأخير عن التضخم أن متوسط مؤشر أسعار المستهلك
للسلع والخدمات ارتفع في فترة الـ 12 شهرًا المنتهية في 21 سبتمبر 2020 بنسبة 26٪ مقارنة
بالفترة المماثلة من العام الماضي، وهو الأمر الذى من شأنه أن يكون مدعاة لتصاعد بعض
الاحتجاجات مرة أخرى في إيران(4).
رابعًا – جدلية الاعتماد على الداخل والخارج
من الواضح أن هناك خلافات داخلية حادة بشأن النهج الاقتصادي
الذي من المفترض أن تسير عليه الدولة الإيرانية خلال هذه الأزمة؛ حيث تحاول حكومة روحانى
التفكير في حلول واقعية من خلال الاتجاه لجذب الأرصدة الإيرانية المجمدة في الخارج،
وهو ما اتضح في زيارة محافظ البنك المركزى عبد الناصر همتى للعراق في بداية أكتوبر
الجارى للتباحث بشأن استرداد الأموال الإيرانية الخاصة باستيراد الطاقة، ومطالبات روحانى
لكوريا الجنوبية بالافراج عن أصول تترواح قيمتها بين 7 إلى 8 مليار دولار.
على الناحية الأخرى،
يرى الكثير من المحسوبين على التيار المحافظ
أن اتجاه روحانى إلى الخارج للبحث عن حلول للمشكلات الاقتصادية يعبر عن سوء إدارته
للعملية الاقتصادية برمتها، وهو ما اتضح في تصريح المنسق العام للحرس الثوري محمد رضا
نقدي في أواخر سبتمبر الفائت، قائلاً:" إن المشكلات الاقتصادية للبلد اليوم
تعود إلى عدم استخدام الطاقات والتجارب الثورية، وبعض من لا يزالون يعلقون آمالاً على
الغربيين لإصلاح أمور البلاد".
واللافت للانتباه
في هذا السياق، هو ترويج كلا الطرفين لمبدأ تحقيق الاكتفاء الذاتى، ولكن من الواضح
أن كلا الطرفين يمتلك رؤية مغايرة لهذا النهج؛ ففي الوقت الذى تسعى فيه حكومة روحانى
لتنشيط الصادرات غير النفطية والاتجاه لتعزيز الشركات الخارجية مع بعض الدول مثل الصين،
ترى القيادات المتشددة أنه لابد من تشجيع عمليات
تهريب النفط من خلال بيعه في السوق السوداء، فضلاً عن الاعتماد على ألية غسيل الأموال
وتوجيه ذلك لإنعاش الصناعات المحلية(5).
الهوامش:
1- روحاني يحذر من الخلافات الداخلية وقاليباف ينتقد سوء الإدارة، الشرق الأوسط،
19 /10/2020 ، متاح على الرابط التالى:
2- بلومبيرغ: الاقتصاد الايراني يزدهر رغم محاولات ترامب تقويضه، وكالة أنباء
فارس، 19 /10/2020، متاح على الرابط التالي:
https://ar.farsnews.ir/iran/news/13990728000049 .
3- نائب برلماني إيراني يطالب بإعدام روحاني، الشروق، 17 أكتوبر 2020 ،
متاح على الرابط التالي:
4- منى طنطاوى، إيران والتضخم.. أرقام قياسية في ظل ارتفاع أسعار العملات، جادة
إيران، 26 /10/2020، متاح على الرابط التالي:
https://jadehiran.com/archives/19213 .
5- صراع الإصلاحيين والمحافظين على خلافة خامنئي يخرج إلى العلن، العربي الجديد،
23 /10/2020، متاح على الرابط التالى: