الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020 .. ما الذي يمكن أن يتوقعه العالم؟
تركز
الحملة الانتخابية للرئاسة في الولايات المتحدة على مكانة أمريكا في العالم إذ
يسعى كلًا من المنافسين الرئيسيين للوصول للبيت الأبيض، فالسياسة الخارجية الحالية
لواشنطن مسيرة للجدل إلى حد كبير من ناحية أن العديد من تصرفات الرئيس الامريكي
" دونالد ترامب" تبدو وكأنها محاولة متعمدة لتدمير المؤسسات الدولية
التي انشأتها الولايات المتحدة نفسها في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
هذه
السياسة جعلت الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب موضع نقد لاذع من قبل خصومها
السياسيين ومن ناحية أخرى من الصعب القول ما إذا كان البيت الأبيض يسعى حقًا إلى
خلق فوضى جديدة تقوم على أساس " حرب الجميع ضد الجميع" وهو ما يتصوره
القارئ والمتابع لمجريات السياسة الخارجية الأمريكية بعد الاطلاع على استراتيجية الأمن
القومي المنشورة في ديسمبر 2017 يتضح أن هذه الاستراتيجية ما هي إلا محاولة
لانتزاع تنازلات من خصوم أمريكا.
إذا كان
الرئيس " ترامب" يأمل في تخفيف عبء التزامات السياسة الخارجية الأمريكية
من خلال إعادة تشكيل المؤسسات العالمية ودفع حلفائها نحو " استقلال"
أكبر فمن الواضح أن خططه إلى الأن لم تفعل فلم ينجح في إجبار حلفاء الإدارة الأمريكية
على التخلي عن مصالحهم وبخاصة الذين يرون أن الولايات المتحدة تشبه " رجل
الشرطة" فلذلك بات من الواضح أن مصطلح " أمريكا أولًا" لا يعني
بالضرورة " أمريكا وفقط" ولذلك، فأن معظم الدول بما في ذلك الغرب يبحثون
عن طريقة مثلى لبناء نظام دولي قادر على العمل دون الهيمنة الأمريكية ومع ذلك فأن
غالبية الحزب الجمهوري يسعى إلى الحفاظ على هذه الهيمنة.
كيف ينظر المتنافسون
إلى وضع أمريكا الدولي؟
تعتبر من
الحالات النادرة التي يكون هناك اجماع أراء المرشحين النظرية والعملية حول السياسة
الخارجية لبلادهم، وبخاصة " جو بايدن" وهو أحد السياسيين الامريكيين منذ
السبعينيات وكان له دو كبير في مضمون السياسة الخارجية الأمريكية في عهد "
باراك اوباما"
في إطار
وصف السياسة الخارجية الأمريكية لإدارة ترامب يختلف وزير الخارجية "مايك
بومبيو" بشدة مع القادة الغربيين الذين يتشككون في ألزامات الولايات المتحدة الأمريكية
وقيادتها للعالم فخلال مؤتمر ميونيخ للأمن الذي عقد في فبراير من هذا العام أوضح
" بومبيو" أن سياسة الرئيس "ترامب" مزيج من الصلابة والقوة في
إدارة القضايا الدولية.
يسعى "جو
بايدن" إلى استعادة احترام أمريكا في العالم ولهذه الغاية يعتزم "بايدن"
"إصلاح الضرر" الذي ألحقته إدارة "ترامب" في السياسة الخارجية
للولايات المتحدة وإعادة بناء التحالفات التقليدية والمؤسسات الدولية، إذ يسعى
"بايدن" إلى إعادة الانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ وإعادة الولايات
المتحدة إلى منظمة الصحة العالمية واستئناف مشاركة أمريكا في الاتفاق النووي الإيراني
لعام 2015، والحفاظ على الالتزامات الأمريكية الخاصة بالحد من انتشار الأسلحة.
ففي إطار
استراتيجية "بايدن" للمناخ رأي أن الانسحاب من هذه الاتفاقية
بمثابة تهديد رئيسي للأمن القومي وهو ما يعني أنه في حالة فوز "بايدن"
فأن العقوبات الأمريكية يمكن أن تطال الدول التي لا تحترم الاجراءات الخاصة بهذه
الاتفاقية ولا تسعى إلى التغلب على العواقب السلبية لتغير المناخ، ويعتهد "بايدن"
بأن يجعل السياسة الأمريكية قائمة على اساس الحصول على تنازلات من الدول الأخرى
بشأن الالتزام بالحفاظ على البيئة مع حث الدول على احترام حقوق الأنسان.
لذلك فإنه
من المؤكد أن أجندة بايدن البيئية ستلقى صدأ في أوروبا وكذلك أجندة العودة
إلى السياسة الاطلسية التقليدية ومع ذلك فإن انتخاب "بايدن"
سيغير على الأرجح شكل السياسة الخارجية لواشنطن سيصبح أكثر ليونة تجاه الخارج
وستكون معاملة الحلفاء أكثر تهذيبًا لكن هذا سيتوقف على الخطوات التي سيتخذها الاتحاد
الأوروبي لاستعادة دوره كأحد العناصر المهمة في النظام الدولي أو على الأقل اعتباره
ثقل موازي للولايات المتحدة قد تتعارض رغباته مع التوجهات المؤسسية الأمريكية.
أما
بالنسبة لترامب فقد كانت سياسته تجاه أوروبا لها تأثير مزدوج على القادة
الاوروبيين فالبعض منهم يريد الحفاظ على القيادة الأمريكية وبخاصة في القضايا
المتعلقة بالدفاع والأمن وبخاصة أن بعض النخب الأوروبية لا يزال يرون أن الولايات
المتحدة هي الضامن الرئيسي لعدم سيطرة الاتحاد الأوروبي على الأخرين، وثقل قوى في
علاقاتهم الخارجية مع موسكو وبكين.
أما عن الحجج المقدمة لإدارة "ترامب"
حول منعه من فرض الرسوم الجمركية والتهديدات المتعلقة بفرض عقوبات خارجية فهي لا
تزال غير مطمئنة بالنسبة إلى القادة الاوروبيين فلم يعد بمقدور أوروبا القدرة على
تحمل دفن راسها في الرمال وتحتاج إلى بناء تحالفات قادرة على اتخاذ تدابير مضادة
وحاسمة، وهو ما وضحته مجلة "دير شبيجل" الألمانية عندما كتبت لولا "ترامب"
لكان الاتحاد الأوروبي ظل في موضعه وكان "ترامب" سينجح في أن يحرمهم من
دورهم في المنظومة الدولية فبعد أربعة سنوات من "الفوضى" بالبيت الأبيض
وبسبب وباء الفيروس التاجي كل هذا دفع القادة الاوروبيين إلى الإيمان بأنه لا يجب
الاعتماد على أصدقاء من الخارج.
المواجهة بين أمريكا
والقوى الكبرى:
ستظل
المواجهة بين أمريكا والصين قائمة بغض النظر عن نتيجة الانتخابات في نوفمبر القادم
على الرغم من أن "جو بايدن" لم يعلنها صراحة وهذا لان "بايدن"
يعلم أن الخلافات بينه وبين " ترامب" هي خلافات تكتيكية بحته حيث يوجد إجماع
قوى من الحزبين على ضرورة احتواء الصين.
سيستمر
"دونالد ترامب" في تبني الخطاب التصعيدي تجاه الصين لأنه يعتقد أن هذا
النوع من الخطابات يؤتي ثماره بينما "بايدن" سيتجه إلى سياسة أخرى تقوم
على أساس محاولة جذب بكين إلى المؤسسات الدولية تحت رعاية الولايات المتحدة
وسيتصرف في هذا الأمر باسم "القيم ومصالح المجتمع الدولي". كما أنه من
المتوقع أن يتخذ "جو بايدن" نهج يقوم بالضغط على الصين المتهمة بزيادة
انبعاثات الكربون في المناخ بما في ذلك المشاريع التي تنفذها بكين كجزء من مبادرة
الحزام والطريق.
أما بالنسبة إلى ردة الفعل الصينية فأنه وفقًا
لبعض وسائل الاعلام البريطاني فإن النخب الصينية منقسمة حول مصير التراجع في
القرار الأمريكي فهناك من يرى أنه قد يكون مفيد للصين وبأن عودة انتخاب "ترامب"
سيؤدي إلى زيادة ضعف أمريكا ومزيد من التدهور في علاقاتها مع حلفائها في أسيا
وأماكن أخرى من العالم.
يخشى القسم
الثاني من الانهيار المبكر لنظام التجارة العالمي في حالة انتخاب ترامب مرة أخرى
ويرون أن "بايدن" خيار أفضل لأنه في ظل الإدارة الديمقراطية سيكون إعادة
التوازن الاقتصادي للقوتين أكبر ومنظم بقدر كبير، حيث تدرك الإدارة الصينية أن "بايدن"
سيكون أقل عداء للصين من إدارة "ترامب".
أما روسيا
فلا يتوقع غالبية المراقبين السياسيين أي تغير في العلاقات الأمريكية الروسية بغض
النظر عمن سيفوز في الانتخابات فلن يغير فوز " ترامب" المشاعر المعادية
لروسيا في الكونجرس خاصة مع الحديث عن الاتهامات الأمريكية لروسيا بالتدخل في
الانتخابات الرئاسية المقبلة "لصالح" الرئيس الحالي.
يعتقد مدير مركز "كارنيجي" في موسكو
أنه حتى لو فاز " جوبايدن" بالانتخابات الرئاسية ستظل واشنطن
تنظر إلى موسكو على أنها منافس ولن يكون هناك أي تحسن في العلاقات الثنائية في
حالة فوز الإدارة الديمقراطية بالانتخابات بل سيتم الدفع في اتجاه مزيد من الحد من
التسلح، بل قد يلوم "بايدن" روسيا على نشاطها في القطب الشمالي ويسعى
إلى التصدي للمصالح الروسية في تلك المنطقة تحت شعار حماية النظم البيئة في تلك
البقعة من العالم.
وبشكل
عام يمكن القول إن كلًا من المرشحين الرئاسيين لديه
القابلية للتأكيد أنه حان الوقت للولايات المتحدة للتكيف مع عالم جديد لا مركزي
ولا فوضوي وعلى أن يناضل كل طرف فيه من أجل الحفاظ على الهيمنة الامريكية.
لقد أعاد
"دونالد ترامب" بشكل لا لبس فيه نموذج السياسة الواقعية حيث أعطى
الاولوية للمصالح الأمريكية بالطريقة التي يفهمها هو ومؤيديه، وهو ما أدى إلى نفور
الكثيرين لا سيما بين حلفاء واشنطن القدامى، وإذا أعيد انتخاب "ترامب"
سيكون من الصعب التنبؤ برد فعل معارضيه في المجتمع الامريكي.
أما "جو
بايدن" يبدوا أنه متمسك بنموذج جديد لإدارة العولمة يرفع من القدرة
التنافسية والاجتماعية لمعظم الامريكيين ولتحقيق ذلك يجب إعادة تشكيل المجتمع
الأمريكي بأكمله تقريبًا وزيادة الضغط على الدول التي ترفض الأسلوب الأمريكي
القائم على أساس " الاجندة التقدمية" وسيكون إعادة السياسة الخارجية الأمريكية
إلى مسارها أولوية في حالة الرئيس الديمقراطي.
مع فقدان
الولايات المتحدة لمكانتها المهيمنة في العالم سيتعين على الدول الاخرى إنشاء نظام
خاص بها أو الاندماج مع الدول الأخرى من أجل موقع مناسب في النظام الدولي أو
محاولة عزل نفسها ضد أي تغير خاصة في ظل المخاوف من حالة الصراع وعدم الاستقرار.
Andrei Kadomtsev,2020 US presidential election: What can the world
expect? , at: