كان نجاح إطلاق «الحرس الثوري الإيراني» قمراً صناعياً عسكرياً إلى المدار رسالة تحدٍ قوية للولايات المتحدة منافسيها الإقليميين. ولكن ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها بشأن برامج القذائف في البلد وما مدى جدية هذه البرامج؟

في 22 أبريل 2020، نجحت قوات الفضاء الجوية التابعة للحرس الثوري الإسلامي في إطلاق قمر صناعي إلى مداره باستخدام نسخة معدلة بشكل كبير من مركبة إطلاق الفضاء "سفير" التابعة لوكالة الفضاء الإيراني ISA. ويأتي نجاح الجيش بعد سلسلة من الحوادث التي شهدتها مؤخراً محاولات البرنامج المدني استخدام طائراته من طراز سفير وسيمورغ. ويبرهن ذلك اصرار ايران على تحقيق تقدم في مجال صناعات الفضاء لإدراكها بأهمية جوانبها العسكرية.

ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام القريبة من الحرس الثوري الإيراني، يعود مسار البرنامج الفضائي للجيش إلى عقد كامل، والدليل على ذلك بناء مصنع لإنتاج الوقود الصلب، ومرافق لاختبار محركات الوقود الصلب الأرضية، ومنصة إطلاق كبيرة بالقرب من شهرود. تم إطلاق القمر الصناعي من المنصة الكبيرة في شهرود بدلاً من ميناء الخميني الفضائي بالقرب من سمنان، حيث جرت جميع محاولات إطلاق الأقمار الصناعية السابقة.

وفي مقابلة أجريت معه بعد الإطلاق الناجح، قال قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي إن الإطلاق الناجح للقمر الصناعي متعدد الأغراض هو "إنجاز استراتيجي" لا يعزز القدرات الدفاعية فحسب، بل يعزز أيضاً قدرات الدولة في مجال المعلومات والتكنولوجيا إلى المستوى التالي. وأضاف أن هذه الخطوة عنصر أساسي في سعي إيران لتعزيز قوتها في المنطقة وعلى الصعيد العالمي.

لماذا الحرس الثوري الإيراني وليس جهاز ISA؟

ويأتي نجاح إطلاق "الحرس الثوري" قمراً صناعياً عسكرياً في وقت تتصاعد فيه التوترات بين إيران والولايات المتحدة. ويعد إطلاق القمر الصناعي المعروف باسم نور إلى مداره أمر متسقا مع السياسة الإيرانية الهادفة إلى مواجهة الولايات المتحدة خاصة بعد قيام الأخيرة بفرض عقوبات اقتصادية عقب الانسحاب من الاتفاق النووي. يذكر أنه قبل إطلاق قمر صناعي عسكري، يُعتقد على نطاق واسع أن الحرس الثوري الإيراني هاجم البنية التحتية النفطية السعودية بطائرات بدون طيار وصواريخ كروز، وأطلق صواريخ باليستية على قواعد أمريكية في العراق، ولا يزال يضايق سفن البحرية الأمريكية في الخليج. ورداً على الإجراءات الإيرانية، غرّد مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون على تويتر قائلاً إن الإطلاق الناجح هو مؤشر على أنه على الرغم من سياسة الضغط القصوى التي تنتهجها واشنطن، "لا نزال لا نضغط بما فيه الكفاية".

إضافة إلى ذلك، يتعين أن نشير الولايات المتحدة تحاول منع إيران بكل الطرق من امتلاك تكنولوجيا عسكرية متطورة.  ويعد النجاح ف بإطلاق القمر الصناعي دليلاً إلى أن إيران لا تزال قوية خاصة في وقت تكافح فيه وباء كورونا المتفشي في البلاد. كما يبعث هذا الأمر برسالة قوية إلى منافسي إيران الإقليمين.

                في الوقت ذاته، يحاول الحرس الثوري الإيراني استمالة الجمهور داخل إيران. في أعقاب إسقاطه على نطاق واسع من الطيران الأوكراني 752، حاول الحرس الثوري الإيراني إصلاح صورته العامة. وفي حين تعرضت الحكومة الإيرانية لانتقادات شديدة بسبب سوء إدارتها لوباء "كوفيد-19"، فضلاً عن الاقتصاد، الذي لا يزال يضعف، تسعى مجموعة الهلال الأحمر الإيراني إلى إبراز قوتها وقدراتها. وفي خطوة مثيرة للجدل في مكافحة هذا الوباء، فوض «الحرس الثوري» مؤخراً ميليشيا "الباسيج" التابعة له بتوزيع مطهرات اليد الحرة على الجمهور وقيادة الجهود الرامية إلى تطهير المدن.

إن ميل «الحرس الثوري» إلى التنافس بالتوازي مع الحكومة ليس نمطاً جديداً، وفي أي أزمة وطنية حاولت القوة تصوير نفسها على أنها أكثر فعالية وكفاءة من الحكومة. وقد اشتدت المنافسة منذ انسحاب الولايات المتحدة من «خطة العمل الشاملة المشتركة» وحملة الضغط القصوى التي قامت بها. وقد اغتنم «الحرس الثوري» الفرصة لتصوير نفسه على أنه كيان قوي يُقدم مهامه لحماية البلاد من خلال محاربة «داعش» خارج حدود إيران، على النقيض من إخفاقات الحكومة في تحسين الاقتصاد. ويمكن لـ «الحرس الثوري» الآن أن يستغل نجاح إطلاقه الأقمار الصناعية لتعزيز موقفه من الاعتماد على الذات. وقد استخدمت وسائل الإعلام القريبة من القوة خطاب «الحرس الثوري» الإيراني لمقارنة الإطلاق الناجح للقمر الصناعي نور بسلسلة من إخفاقات إطلاق جهاز "ISA" الذي تديره الحكومة. وفي الوقت الذي يسلط فيه الضوء على قدرات القوة، يتباهي قائد الحرس الثوري الإيراني بأن ايران أصبحت تحقق إنجازات عالمية المستوى في أي شيء نسعى إلى تحقيقه".

مركبة "قاصد" لإطلاق الأقمار

القاصد( The Qased) هو عبارة عن ثلاث مراحل من SLV. المرحلة الأولى من قعيد مدفوعة بصاروخ متوسط المدى من طراز غدر، ناقص الرأس الحربي، في حين يعتمد السفير على نسخة ممتدة من الوقود السائل (يعرف باسم غادر أو Ghader) مرحلته الأولى. ويعزز هذا التقييم بيانات الطيران المعروضة على شاشة فيديو موجودة في غرفة التحكم. وتشير الشاشة إلى أن محرك المرحلة الأولى من القاصد، الذي يعتمد على محرك وقود سائل كان نشطاً لأكثر من 100 ثانية بقليل، وهو ما يتفق مع وقت حرق الوقود السائل Ghader الذي بلغ 103 ثوانٍ. وعلاوة على ذلك، يُظهر مقطع فيديو تم نشره على تويتر بعد وقت قصير من الإطلاق، محرك وقود سائل محطم (من طراز نودونج) يستريح على الأرض بالقرب من مدينة خاش، على بعد حوالي 1000 كيلومتر من موقع الإطلاق. وتتفق نقطة تأثير المحرك مع إعادة بناء مسار القاصد عندما تدفعها المرحلة الأولى التي تستند إلى غدر.

إن قرار الحرس الثوري الإيراني بالتخلي عن استخدام المرحلة الأولى من "السفير"، التي تحمل ما يقرب من أربعة أطنان أكثر من الوقود السائل الذي يعرف باسم (Ghader) وتوفر 30 إلى 32 ثانية إضافية من وقت التعزيز، يؤدي إلى انخفاض سرعة قطع المحرك في المرحلة الأولى للقاصد. و لتعويض الفارق في السرعة في نهاية تشغيل المرحلة الأولى، استخدم القعيد مرحلة ثانية وثالثة، في حين أن السفير لم يتطلب سوى مرحلة إضافية واحدة ليدور حول قمر صناعي مماثل الحجم.

ومن المرجح أن تستخدم شركة "قاصد" محركاً يعمل بالوقود الصلب( يطلق عليه سلمان) في مرحلته الثانية التي تسرع القمر الصناعي لمدة 60 ثانية تقريباً. تم تطوير وإنتاج محرك سلمان الذي يبلغ وزنه 1900 كجم تقريبًا من قبل منظمة جهاد الاكتفاء الذاتي التابعة للحرس الثوري الإيراني. ويتميز بالعديد من التطورات التكنولوجية، بما في ذلك غلاف مركب معزز بالألياف خفيف الوزن، فضلا عن فوهة مرنة للتوجيه أثناء تشغيل المرحلة الثانية. التفاصيل حول المرحلة الثالثة غير موجودة. ربما استخدمت القاصد محرك سلمان الذي تم الكشف عنه مؤخرًا لإدخال القمر الصناعي نور في مداره النهائي. ومع ذلك، فإن محرك Arash-24 الذي يصل وزنه إلى 240 كجم هو منتج من منتجات ISA الذي لا يحبذ الحرس الثوري استخدامه. ويبدو أن «الحرس الثوري» سينشئ على الأرجح محركاً صلباً مماثلاً الحجم والأداء.

ومن المهم الإشارة إلى أن القاصد، شأنه شأن نظيره سفير، هو الأمثل لاستخدامه كصاروخ حامل لرفع الأقمار إلى مدار أرضي منخفض. ويعد تصميم المركبة غير مناسبا لعملها كمنصة للصواريخ البالستية، إلا أن الحرس الثوري بمقدرته القيام بهذا الأمر من خلال إجراء بعض التعديلات. وإذا أعيد استخدامها لاستخدام الصواريخ، فإن القاصد، مثل السفير، سيكون لها مدى أقصى يبلغ 2200 كيلومتر تقريباً عندما تكون مزودة برأس حربي يتراوح وزنه بين 750 و1000 كيلوغرام.

Michael Eleman & Mahsa Roughi, The IRGG gets into space launch business, International al Institute for strategic Studies,   at:

https://www.iiss.org/blogs/analysis/2020/05/iran-military-satellite-launch-irgc?fbclid=IwAR2VTwl5EvJfZQxvh3P3evqd7IfOotv6sYgdIyk2yGhXZ5XN62kTDgWkz_0