تسبب الانفجار الذي وقع في مخزن بمرفأ بيروت في مطلع أغسطس لعام 2020 في دمار كبير للمباني والممتلكات، فضلاً عن عشرات القتلى وآلاف الجرحى؛ وهو الأمر الذي يفسر قيام تل أبيب بنقل وحدات عسكرية متخصصة إلى حدودها الشمالية لتعزيز مواقعها الأمامية المتوترة على طول الحدود مع لبنان وسوريا، على خلفية بعض المناوشات المتواصلة مع جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة إيرانيًا، بسبب قيام إسرائيل خلال الفترة الماضية بشن عدد كبير من الغارات على مواقع إيرانية في سوريا، الأمر الذي أدى لتراجع النفوذ الإيراني هناك وتسبب في خسائر مادية جسيمة في العتاد والأرواح.

وعليه، يمكن القول أن قتل غارة إسرائيلية في 20 يوليو الفائت لأحد مسؤولي حزب الله في سوريا كانت بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير؛ حيث أعلنت جماعة حزب الله على إثرها أنها سترد على هذه الحادثة وأي هجمات قادمة، وبالفعل أعلن رئيس الوزراء  بنيامين نتنياهو في 27 يوليو 2020 أن أن مقاتلي حزب الله حاولوا التسلل إلى الأراضي الإسرائيلية وهو ما يشير إلى احتمالية نشوب حرب مدمرة بين الطرفين  على المدى الطويل. كما يمكن القول أن حادث مرفأ بيروت يعتبر بمثابة رد على هذه الحادثة واستمرار المناوشات مع جماعة حزب الله.

وعلى الرغم من أن إشارة حزب الله المدعوم إيرانيُا إلى أن الهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا بمثابة الدافع الرئيسي لاستمرار حملات التصعيد مع إسرائيل، إلا أن هناك عدد من المحفزات الأخرى يمكن إبرازها فيما يلي:

أولاً- التصعيد مع واشنطن

اتجهت تل أبيب للسير على النهج الأمريكي – السعودي فيما يتعلق بالرغبة في الحد من النفوذ الإيراني المتصاعد في غالبية العواصم العربية، ولاسيما بعد خروج واشنطن من الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (4+1) في مايو لعام 2018، وتأييد إسرائيل للاستراتجية الأمريكية تجاه طهران والمتمثلة في فرض أكبر قدر ممكن من الضغوط القصوى من خلال جملة من العقوبات الاقتصادية التي تم فرضها على أبرز قطاعات الاقتصاد الإيراني، مما أدى إلى تدهوره وبخاصًة مع تفشي جائحة كورونا بشكل كبير في إيران. في السياق ذاته، تعارض طهران الرغبة الإسرائيلية في توثيق العلاقات مع دول الخليج وأبرزهم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، زاعمة أنهم دولاً عربية ومن الأولى لهم الوقوف إلى جانب فلسطين في حربها المستمرة مع تل أبيب.

وعليه، تعتبر تل أبيب من أبرز المنافسين لإيران في المنطقة وهو الأمر الذي بدأ تاريخيًا بعد الثورة الإيرانية  في عام 1979وسقوط نظام الشاه ومجيء ولاية الفقيه الذي أهتم بفكرة تصدير الثورة ونصرة المستضعفين، وبالتالي، كانت القضية الفلسطينية في ذلك الوقت بمثابة المادة الخام التي شرعت طهران في تطبيق هذه المبادئ الأيديولوجية عليها، وإظهار ذاتها على أنها بمثابة النموذج الذي يجب أن يحتذى به فيما يتعلق بمقاومة الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط على حد اعتقادها⁽¹⁾.

ثانيًا- مأزق الأمن السيبراني

أكدت بعض التقارير الغربية إلى أن الهجمات السيبرانية المتبادلة بين طهران وتل أبيب تأتى ضمن حرب الظل الدائرة بين كل من إسرائيل وإيران في المنطقة، والتي تقوم بالتركيز على الأهداف المدنية الحرجة التي يؤدى الهجوم عليها لأضرار منخفضة نسبيًا، لاسيما وأن المهاجم ليس هو الوحيد الذي يلجأ إلى الإنكار، فقد يدعي الضحية أن هذه الأضرار نتيجة مشكلات فنية بدلاً من الاعتراف بأنه تعرض لهجوم سيبراني ناجح. واللافت للانتباه في هذا السياق، هو أن كلا الدولتين تمتلكان قدرات سيبرانية معقولة، وبخاصًة تل أبيب التي تعتبر بمثابة قوة إلكترونية رائدة على مستوى العالم بفضل مواردها الحكومية الهائلة المستثمرة في الأمن الرقمي والحروب السيبرانية.

حيث شنت تل أبيب خلال شهر يوليو الفائت مجموعة كبيرة من الهجمات السيبرانية على بعض المواقع الحيوية في إيران ولاسيما النووية منها؛ حيث حدث انفجار كبير في منشأة "نطنز" النووية، وهو الأمر الذي أعلن على إثره المتحدث باسم الخارجية الإيرانية في 13 يوليو الماضي أن إيران سترد بشكل حازم في حال تبين تورط جهة أو دولة ما في هذه الحادثة. والجدير بالذكر، أن كلا البلدين يمتلك تاريخ طويل وخبرة كبيرة في هذا الشأن، كما تكررت هذه الحوادث كثيراً فيما سبق،  والتي تمثل أبرزها في  إعلان وكالة المياه الوطنية الإسرائيلية في 14 إبريل 2020 بوجود عطل فني في عدد كبير من مرافق معالجة المياه والصرف الصحي في جميع أنحاء البلاد، أقرت فيما بعد أنها كانت عبارة عن هجوم الكتروني من قبل إيران تم توجيهه عبر خوادم أمريكية – أوروبية⁽²⁾.

ثالثًا– تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة

تتشابك كل من إسرائيل وإيران في خلافات سياسية وعسكرية موجودة في أكثر من ساحة عربية، تؤدى في الغالب إلى مناوشات دائمة بين تل أبيب وجماعة حزب الله المدعومة من قبل طهران؛ حيث قامت تل أبيب خلال الفترة الماضية بهجمات كثيرة على مواقع إيرانية في سوريا؛ حيث تعرضت مواقع إيرانية في ريف دير الزور في 19 يوليو 2020 لقصف من قبل طائرات بدون طيار⁽³⁾،كما  اعتبرت مصادر دبلوماسية غربية في 26 يوليو 2020 التصعيد العسكري في ريف القنيطرة تبادلاً للرسائل بين إيران وإسرائيل عبر جنوب سوريا، على خلفية سعي تل أبيب إلى تكثيف الغارات في سوريا لإبعاد تنظيمات تابعة لطهران عن الجنوب وتوجيه ضربات داخل إيران لتأخير البرنامج النووي، مقابل جهود إيران لاستدراج مواجهة في سوريا بدلاً من أن تكون في أراضيها ⁽⁴⁾.

أما فيما يتعلق بالعراق التي تتشابك فيها كل من إيران وتل أبيب بصورة غير مباشرة عن طريق الخلافات الموجودة بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية  والميليشيات التابعة لطهران وأبرزها جماعة "حزب الله العراقية"؛ حيث ألقى التصعيد الخطير اللاحق لاغتيال واشنطن لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني برفقة قائد الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس بالقرب من مطار بغداد الدولي في 3 يناير الفائت بظلاله على التصعيد بين جماعة حزب الله وإسرائيل في المنطقة. 

وعليه، كانت إسرائيل من أشد المؤيدين لمقتل سليماني على خلفية كونه مهندس العمليات الخارجية الإيراني في المنطقة وكان سبب رئيسي في تهديد أمنها القومي، فضلاً عن تصريح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في ذلك الوقت مؤكداً على أنه لم يكن قراراً أمريكيًا بانفراد، بل تمت استشارة عدد لا بأس به من قادة الأنظمة في المنطقة، وهو الأمر الذي توعدت على إثره طهران واشنطن بأن الثأر لسليمانى سيمتد لعدة سنوات قادمة وسيطال جميع حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في جميع أنحاء العالم⁽³⁾.  

الهوامش:

-                   U.S.-Iran Conflict and Implications for U.S. Policy, Congressional Research Service, 8/5/2020, available at:

https://fas.org/sgp/crs/mideast/R45795.pdf.

-                   Gil Baram, Kevjn Lim, Israel and Iran Just Showed Us the Future of Cyberwar With Their Unusual Attacks: A shadow war fought largely in secret has reached a new, more open phase, Foreign Policy, June 5, 2020, available at:  

https://cutt.ly/Qd1rgud .

-          غارات غامضة على مواقع إيرانية في ريفي دير الزور وحماة، الشرق الأوسط، 19 يوليو 2020، متاح على الرابط التالي:

 https://cutt.ly/id1tql0

-          إسرائيل وإيران تتبادلان "الرسائل" جنوب سوريا، الشرق الأوسط، 26 يوليو 2020، متاح على الرابط التالي:

 https://cutt.ly/rd1tatV .

-                   U.S. Killing of Qasem Soleimani: Frequently Asked Questions, Congressional Research Service, January 13, 2020, available  at:

https://crsreports.congress.gov/product/pdf/R/R46148.