كيف يشكل فيروس كورونا اختباراً للعلاقات الأورومتوسطية؟
هناك العديد من الدراسات والتقارير التي تتناول أثر فيروس كورونا
على التضامن الأوروبي. بعض المراقبين يذهبون وفق رؤيتهم الأيدلوجية للقول بأن
الانتشار السريع لفيروس كورونا قد أضعف من ديناميكية التعاون الأوروبي. وبينما كان
الفيروس ينتشر بشراسة داخل أوروبا، لم يهتم كثيرون بأثر ذلك على علاقات الإتحاد
الخارجية، وخصوصا علاقة الإتحاد الأوروبي ودول جنوب المتوسط.
يقول الكاتب، ايمانويل كوهينداريا، رئيس قسم
السياسات الأورومتوسطية بالمعهد الأوروبي لدراسات المتوسط، أنه يوجد القليل من
الشك بكون فيروس كورونا قد يشكل تهديدًا حقيقيا للعلاقات الأورومتوسطية التي كانت
متوترة بالفعل خلال الفترة الماضية لعدد من الأسباب؛ أهمها تناقض الرؤى بين الدول
الأوروبية من ناحية والدول جنوب المتوسط من ناحية أخرى بشأن عدد من القضايا
السياسية والأمنية، فضلا عن حقوق الإنسان وعمليات الإصلاح السياسي من أجل منح
المزيد من الحريات السياسية.
من وجهة نظر الكاتب، يعد 2020 عاما مميزا للعلاقات الأورومتوسطية،
ليس فقط بسبب مرور 25 عام على إعلان برشلونة الذي بدأ يكتسب زخما، لكن أيضاً بسبب
التجديد المخطط لأولويات الشراكة بين بلدان الجوار الجنوبي والاتحاد الأوروبي.
وكجزء من سياسة الجوار الأوروبية، كان من المفترض لهذه الأولويات الجديدة أن تكون
بمثابة الأساس السياسي لممارسة البرمجة في الأداة المالية الجديدة (أداة الجوار
والتنمية والتعاون الدولي، NDICI) في إطار الإطار المالي المتعدد للفترة 2020-2027.
ويؤكد الكاتب أنه بينما يقوم بكتابة مقالته، لا
يزال من المبكر جدا تحديد مدى قوة الفيروس الذي سيضرب البلدان المغاربية
والمشرقية. وهناك علامات استفهام هامة فيما يتعلق بموثوقية الأرقام الرسمية
والسيناريوهات المستقبلية.
ومع ذلك، وحتى في ظل أكثر التوقعات تفاؤلا، من
المرجح أن يكون الأثر على المنطقة شديدا. وعلى المدى القصير، فإن الميزة النسبية
لهذه الموجة الثالثة من البلدان المتضررة (بإمكان هذه البلاد أن تتعلم من الأخطاء
التي ارتكبتها البلدان الأخرى) قد لا تكون نقطة مفصلية في مواجهة الفيروس، خاصة أن
هذه الدول تعاني من عدم استعداد الأنظمة الصحية وغيرها من نقاط الضعف الهيكلية.
ويرى الكاتب أنه على المدى المتوسط، فإن ضعف
شبكات الضمان الاجتماعي، سوء حالة خزائن بعض الولايات، تقلص عائدات النفط في
ولايات أخرى، وقطاع السياحة المدمر، من بين أمور أخرى، قد تؤدي إلى أوضاع مأساوية
وتضخيم المشاكل الحالية مثل أوجه عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية. ومن المرجح
أيضا أن تكون للأزمة آثار سياسية هامة في عدد من البلدان التي قد يزداد فيها الضغط
على المعارضة وعلى الصعيد الأمني، يبقى أن نرى كيف ستحاول بعض الجماعات الإرهابية
استغلال الأزمة كفرصة لاستعادة قوتها.
في نفس السياق، يؤكد الكاتب أن استجابة الإتحاد
الأوروبي سوف تتحدد وفقا لعدد من العوامل من مختلف الأنواع. أولاً، حتى لو كانت
مؤسسات الإتحاد الأوروبي والدول الأعضاء تعمل بالفعل على كيفية مساعدة جيرانها
الجنوبيين، فإن الاتحاد الأوروبي سوف يظل لبعض الوقت مستهلكًا بالتعقيدات الداخلية
التي نجمت عن الأزمة، ومن ثم سوف يؤثر ذلك بالسلب على مجهوده الخارجي.
ثانياً، إن هامش المناورة المادي ليس بلا حدود. وقد
بدأ الاتحاد الأوروبي بالفعل في إطلاق آليات للطوارئ؛ حيث قام بتحمل الدعم
والمساعدة في الميزانية في إطار التعاون مع المنظمات المتعددة الأطراف مثل الأمم
المتحدة أو منظمة الصحة العالمية لتلبية الاحتياجات الملحة. ومع ذلك، ومع اقترابنا
من نهاية الدورة المالية 2014-2020، فإن الموارد الجديدة نادرة.
ثالثاً، ومن الناحية العملية، بعد العمل على مدار
الساعة، خلال الأسابيع الماضية، لتنسيق إعادة مواطني الاتحاد الأوروبي العالقين في
الخارج إلى دولهم، فضلا عن إرسال التقارير الدورية إلى بروكسل، قد تضطر بعض وفود
الاتحاد الأوروبي إلى النظر في إعادة موظفيها جزئياً أو كلياً، الأمر الذي من شأنه
أيضاً أن يعوق قدرة الاتحاد الأوروبي على أرض الواقع لتحسين علاقاته الخارجية أو
لتقديم الدعم لدول جنوب المتوسط.
رابعاً، من الواضح أن دعم الاتحاد الأوروبي، لدول
جنوب المتوسط، سوف يحتاج إلى التكيف مع الاحتياجات التي أعربت عنها هذه البلدان.
وحتى الآن، طلب عدد من البلدان الدعم، ولكن يبدو أن بلدانا أخرى تتردد في اللجوء
إلى مجتمع المانحين. وعلى أي حال، سيكون التنسيق بين المانحين أمراً أساسياً أكثر
من أي وقت مضى.
وعلى الرغم من كل هذه القيود، كان الاتحاد
الأوروبي سريعاً إلى حد ما في توحيد جهوده. في 31 مارس، أعلن مفوض الاتحاد
الأوروبي لشؤون الجوار والتوسعة، أوليفير فرافيليي، عن حزمة جديدة بقيمة 240 مليون
يورو تقريباً كجزء من استجابة الإتحاد للأزمة السورية. وقد استهدفت هذه المساعدات
ثلاثة بلدان تستضيف اللاجئين السوريين( أي الأردن ولبنان والعراق) بهدف مساعدتهم
على مواجهة تحديات الصحة العامة بشكل أفضل. وخلال الأيام القليلة الماضية، أعلن
الاتحاد الأوروبي أيضاً أنه سيقدم 250 مليون يورو لمساعدة تونس على التعامل مع
الاحتياجات الفورية، وأنه سيدعم المغرب بمساهمة مباشرة قدرها 150 مليون
يورو.
في النهاية، قد يلعب فيروس كورونا دورا كبيرا في
إعادة تشكيل العلاقات الأورومتوسطية من جديد؛ حيث أنه وبعد التركيز على الاحتياجات
الفورية لبلدان جنوب المتوسط، يتعين على الاتحاد الأوروبي القيام بتعديل أدواته
الخاصة بـ "سياسة الجوار الأوروبية" على المدى المتوسط، وتحقيق التوازن
بين مصالحه الأساسية من حيث الأمن والهجرة، وأولوياته السياسية الجديدة مثل
"الاتفاق الأخضر" والرقمنة، والواقع الجديد الناشئ عن الأزمة. وفي أثناء
القيام بذلك، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يعيد اختراع نفسه داخلياً وأن يأتي
بأدوات جديدة للتعامل مع الوضع. وربما ينطبق نفس الشيء على سياساتها الخارجية.
Emmanuel Cohenhadria,
Covid -19, a Stress Test for Euro-Mediterranean Relations, at: