لم تمتلك الظروف ومتغيرات البنية الداخلية اليمنية
والإقليمية والدولية القدرة على الحد من استمرارية الحرب و وضع نقطة نهاية في آخر
السطر للحرب المندلعة في اليمن رغم حجم سعارها وارتفاع حدتها و إستمراريتها منذ
العام 2011 حتى الآن .
كغيرها من الحركات الاحتجاجية التي جرت في الدول العربية
مطالبة بالعدالة والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان، خرجت الحركات الاحتجاجية
في اليمن بقيادة مجموعة من الحركات الإسلامية والأحزاب الاشتراكية أيضا التي قادت
إجراءات تصعيدها للازمة إلى إجبار الرئيس علي عبدالله صالح على التنحي عن الحكم في
العام 2012، وليخلفه من بعده الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي لم تتوقف الاحتجاجات
أيضا على عهده بل استمر الصراع الداخلي اليمني بالصعود تدريجيا مع تعدد كبير لأطراف
وموضوعات هذا الصراع، وقد عجزت كما ذكرنا ظروف كثيرة ومتغيرات كبيرة عن وضع حد
للصراع الدائر بين جماعة الحوثيين التي تعتبر من اكبر الميليشيات الدينية المسلحة
في المنطقة، ومن والاهم في مقرهم في صعدة ثم امتدادهم إلى عمران وصنعاء، بدعم
إيراني يسعى لقلب الموازين في المنطقة كاملة .(1)
ماذا جرى؟
دفع حجم الزخم في الاحتجاجات الشعبية بالرئيس صالح الى
التنحي عن سدة الحكم و إفساح المجال لعبد ربه منصور هادي كرئيس مؤقت وفق حطة
انتقال سياسي تم خرقها من قبل قوات النظام والجماعات التي تمردت على النظام
السياسي، حتى سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء وطرد الرئيس هادي في العام 2015 .
أعقب ذلك تدخلات عربية عسكرية تمت وفق تحالفات عاجلة قادتها السعودية لإيقاف الحرب
في اليمن .
تفاقمت حجم الخسائر في اليمن مع استمرار وتيرة الصراع، و
آثار التدخلات الدولية الجارية على الساحة اليمنية، والتوقعات بانتهاء الأزمة في
كل حدث تشهده المنطقة بما له من قوة علاقة على الأطراف المتحاربة ابتداء من تنحي
علي عبدالله صالح وتسلم منصور هادي للسلطة 2012، سيطرة الحوثيين على صنعاء في
العام 2014، اتفاق السلم والشراكة القائم على أساس "الحوار الوطني" بين
أطراف النزاع 2014، ثورة 21 سبتمبر 2014، دخول التحالف العربي في العام 2015، مقتل
علي عبدالله صالح في العام 2017 ،(2) دخول اليمن في حالة هستيريا دموية يمكن أن يقال عنها
ب"حرب الحرب" لكثرة الأطراف وتعددها وانعدام الأهداف المنشودة سوى في
قضية واحدة يمكن ان يقال عنها وهي إبادة اليمن بالكامل، توزع مناطق نفوذ الأطراف
وسيطرتها.(3)
من يقف وراء ما جرى؟
تقف المشروعات الدولية على قدم وساق وراء ما يجري
المنطقة العربية، مبتدأ بالمشروعات الإسرائيلية والأمريكية والغربية و أحلامها
بإعادة ماضيها الاستعماري، المشروع التركي، المشروع الإيراني، المشروع الروسي
وغيرها من الاستراتيجيات الدولية التي لم تجد مجرى لمخططاتها سوى في المنطقة
العربية، وكانت الفرصة مواتية لكل مشروع –مع إيماننا بأن ما جرى في المنطقة
العربية في ظل ما يسمى ب"الربيع العربي" لم يكن إلاّ جزءا من إحدى
مشاريع هذه الدول- .
تلتقي في اليمن أيضا اذرع هذه المشروعات على اختلافها، بدءا
بالذراع الأمريكية التي دفعت باتجاه سير الأحداث الداخلية في اليمن باتجاه التقسيم،
فضلا عن تأثيرها على قرارات الأمم المتحدة بخصوص مشروعات التسوية، وما تبعه من
تنسيق مع المشروع الإسرائيلي كما ظهر بوضوح هذا التخطيط على لسان خبير الأمن الإسرائيلي "اليكس
فيشمان" في صحيفة بديعوت احرنوت والذي حمل عنوان "ساعة اليمن
تدق"مصرحا فيها " إن الحرب في اليمن تدخل في مصلحة إسرائيل، وهي فرصة لقطف
ثمار إستراتيجية حيوية لأمن الدولة ".(4)
على الجانب الآخر تسعى إيران أيضا إلى تعزيز هيمنتها
ونفوذها في المنطقة العربية، وقد رأت في اليمن إحدى المنافذ الرئيسية للولوج إلى
قلب المنطقة، خاصة في إطار دعمها لجماعة أنصار الله الحوثية، انطلاقا من هواجس
أمنية أيضا والرغبة أيضا في تحقيق أمنها القومي، عبر تغلغلها بادئا ذي بدء بتشيعها
السياسي لبناء نفوذها كقوة ناعمة ،ومن ثم الدعم العسكري للحوثيين سواء بإمدادها
بالعتاد أو بالخبرات العسكرية والتدريب، وتشاركيته مع حزب الله في إمداد الحوثيين
بكل مستلزماتهم في معاركهم .(5)
ماذا يجري؟
لا
يزال الصراع في اليمن على أجلّه في الوقت الحالي، ما بين قوى متناحرة لا شك أنها
ستقع ضحية في مستنقع الأناضول هذا الذي عجزت إلى الآن حشود مصالح متناقضة على الإيقاع
به . و لا تزال كل جماعة منها تصر على محاولة فرض قواعد لعبة الحرب الخاصة بها، سياسيا
أو اقتصاديا أو اجتماعيا . وطبول الحرب تأبى بين كل حين واخر التوقف، مع حجم
الخسائر الكبيرة في كل جانب، و التأثير الكبير على اليمن والشعب اليمني خاصة بعد
"بعثرة" ثرواته، وكسر اقتصاده من بعد السيطرة على النفط وموارد الدولة
الاقتصادية الاخرى، ليصل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي اليمني في العام 2017
الى 12.6، بعد الانكماش الذي حصل في العام 2016 بنسبة 4.2%، فيما وصلت نسبة الفقر في
العام 2020 ما بين 71%-78% أي بما يزيد عن ثلثي الشعب اليمني(قرابة 21 مليون)، وانتشار
البطالة على مستوى واسع بسبب توقف عمل الكثير من الأنشطة الاقتصادية ، وهو ما ظهر في التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بحسب التقدير الإجمالي
لخسائر الحرب حتى نهاية العام 2019، فقد كان في وجود 233 ألف حالة وفاة كانت أسبابها
سواء في المشاركة في الحرب اليمنية او بسبب تأثيرات هذه الحرب بسبب نقص المواد
الغذائية ونقص الأدوية وغيرها ،مضافا لها وجود 140 ألف حالة وفاة لأطفال دون السن
الخامسة من العمر، يعاني قرابة 17% من سكان اليمن من سوء تغذية .
يطلق التقرير أيضاً فرضيات كثيرة في حالة استمرار النزاع
القائم في اليمن، بحالة كوارث سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة ترتفع بشكل هستيري
لتضاعف الارقام المذكورة سابقا، فضلا عن التمنيات والتصريحات الساذجة من قبل الدول
المختلفة –عربية وغربية – ودعواتها الماكرة لإيقاف الحرب اليمنية، لكن شرارة الحرب
اليمنية في تصاعد اكبر، وحالة الجماعات المتقاتلة في طور تناحرها ايضا تزداد تصلبا
ومرارة، وكل منها وهي في صلب النزاع القائم وتفاقم الخسارات
المتكررة الا انها في طور الإعلان عن فتاوى ومشاريع سياسية واقتصادية لتعزيز
نفوذها وسيطرتها كما حصل مع جماعة أنصار
الله (الحوثيين) وخاصة في آخر ما تمّ الإعلان عنه بخصوص قانون الخمس اليمني .
ما هو قانون الخمس ؟
اعتادت
المذاهب الإسلامية على اختلافها الانصياع لقانون ضريبة خاص يتم بناء على فرض ضريبة
مقدارها 20 بالمية (الخمس) على الغنائم التي يغنمها المسلمون في حروبهم، وما بعد
ذلك يوزع هذا الخمس على خمسة فئات حددتها آيات كريمة سنأتي على ذكرها .
فيما
كان التعديل الأخير لجماعة أنصار الله الحوثية هو في البند الجديد الذي تمت إضافته
على قانون الضريبة بما يمنحهم الحق في إعطاء خمس الغنائم لبني هاشم ضمن حالة
"استيلاء " سواء كانت في البر أو في البحر أو ملكاً للدولة أو المواطنين
فضلا عن إنشاء هيئة خاصة لتحصيل هذه الأموال و إعطائها إلى الهاشميين تحت مسمى
"هيئة الزكاة" .
وقد
استندت جماعة الحوثيين في إصدارها لهذا المرسوم على أساس ديني شرعي كانت بدايته في
الآية رقم 41 من سورة الأنفال والقائلة ب"وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم
مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ وَمَا
أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ
وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". وما تبعه من القسمة بما يقضي بذلك منح خمس غنائم المعارك التي خاضها
المسلمون للرسول وأهل بيته انطلاقا أيضا من التاريخ الذي حظي بمثل هذه القسمة و انطلاقا
أيضا من حجة دخولهم في عبائة النبي وبيت النبي وحقهم في حصته، تضمينا لأنهم يعودون
في نسبهم إلى بني هاشم والارتباط الأخص بالنبي محمد والإمام علي بن أبي طالب، خاصة
مثلا مع ما روي عن أبي هريرة قول الرسول ص " العجماء جبار،والبئر جبار،
والمعدن جبار،وفي الركاز الخمس"
وفي
لقاء مع الكاتب والباحث زياد جابر في حوار تلفزيوني عبر قناة السبيل الفضائية، صرّح
ب : كل ما يصدر عن الحوثي باطل، وما يقوم به هو انقلابي ومعتدي، فضلا عن أنّ الإمامة
عبر التاريخ لم تكن سوى وسيلة جباية فقط، وما صدر عن الحوثي من قرار الخمس هو في
سبيل تقسيم المجتمع على أساس عرقي، وما ورد فيها هو باطل مع بطلان الظروف التي أحكمت
العمل بالخمس قديما .
ومما ورد
فيها / في الفصل السابع الذي حمل عنوان "ما يجب في الركاز والمعادن" ما
يلي :
-يجب
الخمس 20% على الركاز والمعادن المستخرجة من باطن الأرض أو البحر في كل حالاتها الفيزيائية،
ويشمل ذلك ( الذهب ، الفضة،النحاس،الماس،العقيق،الزمرد، الفيروز،النفط،الغاز، القير،
الماء،الملح،الزئبق، الاحجار،الكري،النيس،الرخام، الخ)
-يفرض
الخمس على كل ما يستخرج من البحر سواء من
حيوانات بحرية او اي صيد ثمين .
- يفرض الخمس على العسل المستخرج من الكهوف او من الشجر
.
ماذا بعد ؟
لا يكاد هذا القرار
يخلو من الهجوم على إنسانية اليمنيين كأناس لهم حقوقهم المعترف بها سواء من قبل
التشاريع الموجودة لديهم والتي حفظت لهم حقوقهم على اختلاف كل تشريع او مذهب مأخوذ
به هناك، او حتى في ظل القوانين الوضعية مبتدئا بقوانين الأمم المتحدة ومواثيق
حقوق الإنسان التي وقعت عليها اليمن وصادقت على ما جاء فيها، و أكدّت على ذلك في
المادة السادسة من الدستور اليمني "تؤكد الدولة العمل بميثاق الأمم المتحدة
والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق جامعة الدول العربية وقواعد القانون الدولي
المعترف بها بصورة عامة " .، مرورا بالدستور اليمني الذي نص في المادة 41 منه
على " المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة" وصولا إلى
الأعراف والتقاليد وقبل كل ذلكم المنطق والعقل والفطرة السليمة التي ترفض رفضا
قاطعا هذا العلو غير المبرر وما سيترتب عليه .
يترتب على هذا القرار-ان
تم تطبيقه- تقسيم المجتمع اليمني إلى قسمين، يتجسد الأول في كل من دعا لنفسه على
أنه"هاشمي" متسيّدين متربعين على عرش اليمن كطبقة عليا
"السادة"، والقسم الثاني ممثلا ببقية المجتمع اليمني ممن لا يحمل نفس
الكروموسات الهاشمية ممثلين ب"العبيد" . وفي ذلكم نداء صارخ للعودة إلى
عصر العبودية التي جاء الهاشمي الأعظم محمد النبي للقضاء عليها ولكن من يدعي انه من
نسله يريد أن يحييها مرة أخرى .
يترتب أيضا على هذا
القرار زرع كل أدوات الثروة والسلطة بيد فئة واحدة (بني هاشم)، بما معنى ان ثروات
اليمن وثروات الشعب اليمني خمسها الصافي يذهب لصالح بنو هاشم وفق قرارات غريبة .
مما يعني ان الحوثي فقط يخترع طريقة جديدة للجباية والسلب والنهب .
يحسب التعداد السكاني
للشعب اليمني استنادا لإحصائيات الأمم المتحدة في مطلع العام 2020 إلى 29.822 نسمة،
مصنفين ضمن تركيبة اجتماعية قبلية متوزعة على عدد كبير جدا من القبائل رجح عددها
الباحث نزار العبادي في دراسة له بقرابة مئتين قبيلة، مصنفين أيضا في أقسام رئيسية
ستة متعارف عليها وهي : قبائل بكيل،قبائل حاشد، قبائل مذحج، قبائل حمير، قبائل
كندة، قبيلة السقلدي .
وعلى ذلكم فان إحدى
اخطر النتائج المترتبة على تطبيق قانون الخمس يكمن في هذا الغلو والعلو الذي
سينبثق في حال حصول بنو هاشم على الخمس –ضمن استحقاقات الهيه كما يدعون- وما
سيتفتق عنه من تمزيق جديد للنسيج الاجتماعي اليمني بعد هذا الخرق الأكبر الصارخ
استنادا إلى أصول عرقية .
ماذا سيكون دور
الهاشمين غير اليمنيين إذا ؟ وما هي حصتهم من هذا الخمس؟، لاسيما وان هنالك قبائل
كثيرة جدا تدعي بعودة أصولها إلى الهاشميين ولكنهم متناثرون في شتى الدول العربية
؟ أم أن الاقتصار سيكون فقط على هاشميي
اليمن ؟ وما ذا بعد هذا الخمس؟، وعودة هذا المجتمع العبودي ؟، أليس من المفترض أن
يفرض أيضا ضرائب مماثلة على الخمس الهاشمي، بما تكون بها ضرائب وضربات استباقية
لهذا المجتمع العبودي الذي سيتشكل .
أم يجب علينا أن
نتذكر وصايا الحكومة البريطانية للكابتن هنس في إطار حملاته على اليمن حين كتبت له حكومته ردا
عليه ب"حرّض القبيلة الموالية على القبيلة المعادية، فلا تحتاج إلى قوات
بريطانية . أم أنهم أيضا تناسوا قول الشاعر : وما ينفع الأصل من هاشم - إذا كانت
النفس من باهلة.
يبقى
التاريخ وحجم الأسطرة فيه إحدى اللعنات التي تصوغ الحاضر بقوالب شبه جاهزة ستبقى
سارية وفق سيل واحد احمر لن تجد لروافد منبعه من بدّ لتعدادها وحجم الخراب الذي
سينتاب المستقبل ايضا طبقا لهذا الواقع المتناحر الذي يسخر منه الماضي ويصفق له، ويبكي
منه المستقبل من حجم هذه الصفعات الإستباقية والناشد الرحيل من الآن .
باختصار،
في قانون الخمس دعوة جديدة للعودة الى قانون العبودية ولكن بلون جديد تحفه ألوان
الدين والعرق، انه باختصار دعوة لعلو الهاشميين فوق غيرهم بما يتضمن أمور السلطة
والثروة والموارد والخيرات رفعا بلا عمد منطقي يستندون له، وهو ما يشكل شرارة جولة
كبيرة من جولات الحرب في اليمن، بما معناه أن اليمن لن يلفظ انفاس سعادته حتى اجل
أطول مما يتوقع كثير .
المراجع
1) https://web.archive.org/web/20200317100840/https://archive.is/rV2nE
2) https://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKBN1JD0F4
3) https://arabicpost.net/تحليلات-شارحة/تحليلات/2019/09/01/كيف-أصبحت-خريطة-اليمن-السياسية-الجديد/
4) http://althawrah.ye/archives/570861
5) القاضي ، محمد حسن ، الدور الايراني في اليمن وانعكاساته
على الامن الاقليمي ، مركز الخليج العربي للدراسات الايرانية ، 26نوفمبر
2017، ص 42-55 .