الاحتجاجات الأمريكية .. من حراك ضد العنصرية إلى موجة غضب شعبي
شهدت الولايات المتحدة الأمريكية موجة غضب غير
مسبوقة عمت كافة أرجاء البلاد، وقد بدأت شرارة تلك الاحتجاجات عقب مقتل "جورج
فلويد" المواطن الأميركي من أصل إفريقي، والذي قضى خنقًا من قبل شرطي أمريكي أبيض
خلال إلقاء القبض عليه، الأمر الذي يعيد لأذهان الشعب الأمريكي مآسي الحرب الأهلية
ذات الأسس العرقية لتشير إلى إشكالية العنصرية التي لا تزال قائمة بين صفوف
المجتمع الأمريكي، وقد انطلقت الاحتجاجات من مدينة "مينيابوليس"، إلا
أنها سرعان ما امتدت الموجة الاحتجاجية كالنار في الهشيم في كافة أرجاء الولايات
المتحدة الأمريكية على الرغم من شدة التدابير الوقائية المتخذة للسيطرة على وباء
فيروس كورونا المستجد الذي تفشي بالبلاد، وقد شهدت بالتزامن مع الممارسات
الاحتجاجية بعض ممارسات العنف وفوضى ونهب وتدمير، الأمر الذي واجهته الشرطة وقوات
الحرس الوطني بحسم شديد من خلال وقوع مواجهات دامية بينهم وبين المتظاهرين، مما
أدى إلى تصاعد موجة الغضب الاحتجاجي الرافضة لتصعيد الرئيس الأمريكي وتصريحاته
بشأن إمكانية اللجوء للقوات العسكرية لقمع التظاهرات واستعادة الأمن والاستقرار.
ومن خلال الورقة لراهنة يتم إلقاء الضوء على
الأسباب التي أدت لتفاقم الحالة الاحتجاجية وتحولها من مجرد احتجاج ضد مقتل أحد
المواطنين لأسباب عنصرية وعرقية إلى موجة احتجاجية غاضبة ضد الأوضاع الداخلية
بالبلاد، ثم يتم تحليل تداعيات مثل تلك الاحتجاجات على استقرار النظام السياسي
الأمريكي وعلى شرعية الحزب الجمهوري وكذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع
الإشارة إلى المسارات المستقبلية المحتملة لتلك الموجة الاحتجاجية.
أولاً- أسباب تفاقم الاحتجاجات الأمريكية
لم يكن مقتل "جورج
فلويد" هو السبب الوحيد لاندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد الممارسات العنصرية
للشرطة الأمريكية، إلا أنها كانت بمثابة الشرارة التي أطلقت موجة الغضب بين صفوف
الشعب الأمريكي الذي يواجه العديد من التحديات التي أضافت لمعاناته، سواء على
الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو المجتمعي.
على الجانب الاقتصادي، فبالإضافة
إلى إشكالية التفاوت في توزيع الدخل والثروات التي يعاني منها جل المجتمع الأمريكي
وكذلك الاختلاف حول النظام الضريبي الذي يعد بمثابة أمرًا شائكًا بل ويعد أحد
المحاور الرئيسية ببرنامج كل مرشح رئاسي بصفة مستمرة باعتبار تلك التحديات
الاقتصادية بمثابة قضايا خلافية مزمنة(1)،
فإن حالة الركود التي أصابت
الاقتصاد العالمي وألقت بظلالها على الاقتصاد الأمريكي -الذي تأثر بشدة بتداعيات
جائحة فيروس كورونا المستجد- فإنها قد تسببت في تعميق الأزمة الاقتصادية ومن ثم
زادت من معاناة قطاع عريض من صفوف الشعب الأمريكي.(2)
حيث تشير تقديرات وزارة العمل
الأمريكية إلى أن نحو39 مليون أمريكي قد فقدوا وظائفهم وتحولوا إلى عاطلين عن
العمل في غضون تسعة أسابيع فقط من بداية أزمة فيروس كورونا المستجد وما يصحبها من
إجراءات إغلاق وتوقف عن العمل، وقد بلغت ذروة معدلات فقدان الوظائف أسبوعيًا نحو
6.6 مليون حالة فقدان في بداية شهر أبريل، وهي معدلات لم تشهدها الولايات المتحدة منذ
الكساد العظيم الذي حدث في الثلاثينيات من القرن الماضي.(3) وبرغم من تزايد
مطالبات الحصول على إعانات البطالة إلا أنها لم تكن كافية للتقليل من حدة التوترات
الناجمة عن تدهور الأوضاع الاقتصادية.
ووفقًا لتقديرات المؤسسات البحثية
الأمريكية، فإن حالة الركود الاقتصادي الناجمة عن تأثير فيروس كورونا المستجد قد تؤدي
إلى استمرار ارتفاع معدلات البطالة فإذا ما وصلت إلى 30%، فإن ذلك قد يدفع معدلات الفقر
في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوياتها منذ خمسة عقود بحيث ترتفع المعدلات بنحو 50%
لتصل إلى نحو 18.9%، وهو ما يعني دخول أكثر من 21 مليون شخص إلى قوائم الفقر بما
يمثل أعلى معدل للفقر منذ عام 1967 على الأقل، وما يقرب من ثلث العائلات من ذوي
البشرة السمراء ستقع تحت خط الفقر وفقًا لتلك التقديرات، وحتى في ظل أفضل
التقديرات التي تشير إلى حدوث التعافي الاقتصادي في الأجل القريب بنهاية الصيف
واتجاه معدلات البطالة للانخفاض مع بدء عودة التشغيل فإن معدلات الفقر سوف تظل
مرتفعة ليصل معدل الفقر السنوي إلى مستويات مماثلة للكساد الكبير.(4)
وعلى الجانب المجتمعي، فإن
طبيعة المجتمع الأمريكي أنه غير متجانس بالأساس يضم العديد من الأجناس والأعراق،
الأمر الذي يتطلب تعزيز قيم المواطنة وتقبل التنوع والاختلاف، إلا أن السياق العام
لا يخلو من ممارسات العنصرية ضد الأقليات سواء على أسس الدين أو اللون أو الأصل
العرقي، مما يزيد من حالة الغضب المجتمعي ويزيد من فرص وقوع الاحتجاجات المصحوبة
بالعنف للاعتراض على مثل تلك الممارسات التي تؤدي للتمييز وغياب العدالة بين
الفصائل المختلفة بالمجتمع، وقد تصل إلى حد الحراك الشعبي شأن الأحداث الراهنة
والتي لم تكن الواقعة الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد حفل التاريخ الأمريكي بالعديد
من موجات الغضب ضد ممارسات العنصرية شأن ما حدث في الحراك المدني عام 1968.(5)
فضلاً عن أن التفاوتات الاجتماعية
قد تبلورت بشكل خاص خلال جائحة فيروس كورونا، حيث كشفت عن مدى التمييز وغياب
العدالة التي تعاني منها الأقليات المهمشة خاصة الأقليات ذات البشرة السمراء، حيث
كشفت الأزمة عن تزايد فرص الوفيات جراء ذلك الفيروس بين تلك الأقليات بواقع ثلاثة أضعاف
الوفيات بين صفوف ذوي البشرة البيضاء، مما يعكس اتساع درجة التفاوت في تقديم
الرعاية الصحية، وبما يثير الاستياء بشأن النهج المتبع لإدارة أزمة الفيروس من قبل
الحكومة تجاه الأقلية السمراء والأحياء الفقيرة المهمشة.(6)
أما على الجانب السياسي،
فإن المحرك الرئيس لتلك الأزمة كان بسبب عدم توجيه اتهامات جنائية في وفاة "جورج
فلويد"، ورغم العدول عن ذلك وتعديل ذلك القرار بتوجيه تهمة القتل ضد ضباط
الشرطة المتورطين في تلك الواقعة، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لامتصاص موجة الغضب
التي اجتاحت البلاد.(7)
حيث تسببت تصريحات الرئيس
الأمريكي "دونالد ترامب" في تأجج الاحتجاجات وتزايد حدة المواجهات بين
الشرطة والمتظاهرين، حيث اعترض قطاع عريض من المحتجين على موقف الرئيس الأمريكي من
تلك التظاهرات وتصريحاته المثيرة للجدل والتي بلغت حد التهديد باللجوء للقوة العسكرية
لاستعادة الاستقرار،(8) وهو الأمر الذي يمثل تهديدًا حقيقيًا للحق في التعبير عن
الرأي في ظل تلك التصريحات المحرضة ضد الحق في التظاهرات.
فضلاً عن حالة الاستياء لدى قطاع
عريض من المواطنين عن وقائع الفساد والتسريبات والتي وصلت إلى حد إلقاء الضوء على
بعض الممارسات العنصرية للرئيس الأمريكي "ترامب" وكذلك جهاز الشرطة
بمدينة “مينابوليس" -مهد
الاحتجاجات- للتنديد بممارسات العنف والفساد به.(9)
كما تتضح ممارسات العنصرية ضد
الأقليات ذات البشرة السمراء في إطار تعامل الشرطة معهم على
وجه الخصوص، فوفقًا لاستطلاع رأي أجراه مركز PEW لدراسات الرأي العام في 2019، وجد أن غالبية المشاركين بالاستطلاع
سواء من ذوي البشرة البيضاء أو السمراء قد أقروا بغياب العدالة ضد أصحاب البشرة
السمراء في تعامل جهاز الشرطة معهم بشكل خاص ومنظومة العدالة الجنائية بشكل عام،
ووفقًا لنتائج هذا الاستطلاع فإن 84٪ من البالغين من ذوي البشرة السمراء أقروا
بأنهم يعاملون من قبل الشرطة بشكل أقل إنصافًا مقارنة بذوي البشرة البيضاء وأقر63٪
من ذوي البشرة البيضاء الأمر ذاته. كما أن البالغين من ذوي البشرة السمراء أكثر
عرضة للتعرض للتوقيف من قبل الشرطة بشكل غير عادل لأسباب عنصرية، فيتعرض نحو 59٪ من
الرجال للتوقيف غير العادل من قبل الشرطة مقابل31٪ من السيدات من ذوي البشرة
السمراء. مما يجعل تلك الأقليات أكثر سخطًا وأكثر قابلية للاحتجاج ضد أي ممارسات
عنصرية يتم ممارستها ضدهم من قبل أفراد الشرطة على وجه الخصوص.(10)
فمن شأن مثل تلك التداعيات أن تخلق حالة من
التوتر وتجعل المجال العام مشحونًا، وقد جاءت التظاهرات لتعكس حالة الاستياء العام
القائمة والتي تكشفت واتضحت جراء تداعيات وباء كورونا المستجد.
ثانياً- تداعيات الاحتجاجات على النظام السياسي الأمريكي
كشفت الموجه الاحتجاجية الراهنة
عن العديد من أوجه القصور بالنظام السياسي الأمريكي بقيادة "دونالد
ترامب"، الأمر الذي جعل تلك الموجة الاحتجاجية تؤثر بدرجة أو بأخرى على
استقرار النظام السياسي الحاكم وما يتمتع به من شرعية، قد يمتد تأثيرها للحد الذي قد
تتسبب فيه بإحداث تحولات به مستقبلاً تتمايز في درجة حدتها باختلاف المسار الذي
ستتخذه تلك التظاهرات الاحتجاجية.
فقد كشفت تلك الأزمة وتداعياتها
عن معاناة نظام ترامب من إشكاليات تتعلق بشرعيته داخليًا، حيث قوبل موقفه من تلك
التظاهرات بالرفض من قبل الجمهوريين وكذلك الديموقراطيين بالرفض، بما يعكس تزايد
الانقسامات داخل صفوف النظام السياسي الحاكم، فلم يكد يفرغ "ترامب" من
تداعيات محاكمته سياسيًا التي انتهت بعدم حصول إقصاءه على الأغلبية اللازمة
لتمريره، حتى تعرض لصدمة أخرى بفعل عدم تأييد قراراته المتعلقة بمواجهة التظاهرات
خاصة قراره باللجوء للحل العسكري الذي لم ينصاع له وزير الدفاع "مارك
إسبر"،(11) بالإضافة إلى استهجان القادة الديمقراطيون في الكونجرس رغبة ترامب
في الاستخدام السياسي للجيش الأمريكي لقمع الاحتجاجات بما يضر بسمعة القوات المسلحة
ويقلل من درجة الثقة التي تتمتع بها في نظر الشعب الأمريكي.(12)
وقد امتدت خسارة
"ترامب" للتوافق الداخلي بين صفوف النظام السياسي إلى داخل الحزب
الجمهوري ذاته، حيث ظهر تيارًا يدعو إلى إثناء الجمهوريين عن التصويت لصالح
"ترامب" بالانتخابات المقبلة، فمن المقرر أن تبدأ المجموعة حملتها بقيمة
10 مليون دولار تستند فيها إلى للناخبين المحافظين المستائين وغير الراضيين عن
سياسات الرئيس.(13) وقد تجلى ذلك الأمر خلال أزمة الاحتجاجات الراهنة، حيث عارض
الجمهوريون النهج الذي يتبعه "ترامب" في التعامل مع الاحتجاجات والذين
يمارسون الضغط عليه لإثنائه عن ذلك النهج القمعي.(14)
ويمكن الاستدلال على ذلك الانقسام الداخلي بين
صفوف النظام السياسي سواء من الديموقراطيين أو الجمهوريين خلال الأزمة الراهنة بما
أبداه المحافظون الديمقراطيون بمختلف الولايات من رفض لتهديد "ترامب" باستخدام
القوة العسكرية في الولايات التي ترفض نشر الحرس الوطني للتصدي للاحتجاجات.(15)
وبفعل توجه "ترامب" نحو
مواجهة التظاهرات بدلاً من احتوائها والعمل على حل الإشكاليات، فقد أدى ذلك إلى
تعميق حالة الرفض الداخلي تجاهه، فضلاً عن أن ممارسات مواجهة التظاهرات بالقمع
والقوة ووقوع اشتباكات بين قوات الشرطة والمتظاهرين وإلقاء القبض على المحتجين
والصحفيين ينذر بدخول الولايات المتحدة في مرحلة جديدة من تهديد قيم الديموقراطية
وحرية الرأي والتعبير واحترام حقوق الإنسان، والتهديد بحدوث انقسام بين صفوف الشعب
وتهديد وحدته، مما يزيد من حالة الاستياء بين قطاع عريض من المواطنين وكذلك المسؤولين
ضد الرئيس الأمريكي الذي وجه الاتهامات للمحتجين واصفًا تلك الاحتجاجات بالإرهاب
الذي يستلزم المواجهة، كما عمل على توظيف المشهد لصالحه واستغلاله لتحقيق مكاسب
سياسية له بالانتخابات المقبلة عبر تقديم نفسه في صورة رجل الدولة الذي يحرص على
تطبيق القانون وحفظ الأمن والنظام العام. (16)
ومن خلال مطالعة نتائج استطلاعات
الرأي يمكن الوقوف على التراجع في شعبية الرئيس ترامب ومدى ما يتمتع به من تأييد،
ووفقًا للاستطلاع الذي أجرته رويترز/إبسوس خلال شهر مايو شارك به نحو 1112
أمريكيًا، وجد أن عدد منتقدي أداء "ترامب" قد زاد خلال شهر أبريل، حيث
بلغ مؤيدي ترامب نحو 41% فقط من المشاركين بالاستبيان، مقابل نسبة تأييد بلغت نحو
56% بالاستبيان الذي جرى خلال شهر أبريل عن قياس معدلات التأييد في شهر مارس، مما
يعكس التراجع في درجة التأييد والرضاء والقبول التي كان يتمتع بها
"ترامب". كما أن المشاركين أعلنوا بأن 46% منهم سوف يتجهون للتصويت
لصالح "بايدن" بالانتخابات الرئاسية، مقابل 38% من المشاركين سوف يصوتون
لصالح "ترامب". كما أن أزمة فيروس كورونا المستجد قد تسببت في فقدان
"ترامب" للمزيد من القبول الشعبي تجاه سياساته، حيث تبلغ الفجوة بين
معارضي ومؤيدي أداء "ترامب" خلال إدارة تلك الأزمة نحو 13%. (17)
ثالثاً- المسارات المستقبلية المحتملة لتداعيات تلك الاحتجاجات
تواجه إدارة "ترامب"
حاليًا حالة من الاحتجاجات المصحوبة بالفوضى والعنف بما يجعلها التحدي الأكبر بل
والأخطر خلال فترة حكمه، في ظل المعاناة من العنصرية والتفاوت الاجتماعي، وما
تضيفه تداعيات وباء كورونا المستجد من تحديات، مما يجعل تلك المرحلة الراهنة
بمثابة نقطة مفصلية في تحديد ملامح مستقبل إدارة "ترامب" وكذلك نتائج
انتخابات نوفمبر 2020، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى ثلاث مسارات مستقبلية
محتملة لتداعيات الاحتجاجات الراهنة على المشهد الأمريكي وعلى إدارة
"ترامب".
ويشير المسار الأول إلى
قيام إدارة "ترامب" بتهدئة المجال العام واستيعاب مطالبات المحتجين
وامتصاص غضبهم، مع اللجوء لحلول حوارية وغير صدامية لإيقاف ممارسات العنف، ووفقًا
لذلك المسار فإنه سيتم إطلاق وعود وبرامج إصلاحية لجهاز الشرطة للحؤول دون وقوع
الممارسات العنصرية، شأن تعديل الاتهامات الموجهة للضباط المتورطين بواقعة قتل
"فلويد"، مع نجاح "ترامب" في استغلال الموقف لصالحه وتحسين
موقفه واكتساب المزيد من الشرعية مما يزيد من فرصه بالانتخابات المقبلة. وهو ما
يعني أن تلك التظاهرات بمثابة احتجاج مؤقت سيتجه للتراجع تدريجيًا.
والمسار الثاني يشير إلى
استمرار تفاقم المشهد وتطور ممارسات العنف المتبادل، إلى حد وقوع مواجهات دامية
بين المتظاهرين وقوات الشرطة والحرس الوطني، بما ينذر بإمكانية حدوث المزيد من
الانقسامات داخليًا، وهو ما يستلزم تدخل الجيش للسيطرة على حالة الفوضى واستعادة
الأمن والنظام، وقد يترتب على هذا المسار أمرين: إما توطيد شرعية ترامب باعتباره
قد نجح في حفظ الأمن واستعادة الاستقرار وتطبيق القانون بما يزيد من فرصه
بالانتخابات المقبلة، أو أن يفشل "ترامب" في استعادة الاستقرار ويتحول
المشهد للمزيد من الفوضى والانقسام مما يؤدي لتزايد الضغوط من قبل المحتجين وكذلك
من قبل مؤسسات الدولة التي تمارس الرقابة على سلطة ترامب، مما قد يتسبب في عدم
استكمال ترامب لفترته الرئاسية وهو أمر مستبعد حدوثه بفعل نمط العلاقات المدنية
العسكرية وكذلك القواعد الدستورية والمؤسسية التي لا تسمح بحدوث تداول للسلطة خارج
الأطر الانتخابية سواء عبر التظاهرات أو الانقلابات العسكرية، وذلك لاختلاف السياق
الأمريكي عن السياقات العربية واللاتينية، فمن الصعب المقاربة بين مشهد الربيع
العربي وتلك الاحتجاجات لاختلاف المسببات واختلاف الفواعل واختلاف طبيعة النظام
السياسي والمؤسسات.
أما المسار الثالث فيشير
إلى طول أمد التظاهرات واستمرار الوضع الراهن من رفض "ترامب" الانصياع
لمطالب التظاهرات واستمرار المتظاهرين في تصعيد مطالبهم واستيائهم من الأوضاع
الراهنة، الأمر الذي يزيد من ضبابية المشهد، إلا أن فرص ترامب الانتخابية سوف
تتأثر سلبًا خاصة مع تراجع التأييد الشعبي الذي كان يحظى به من قبل الناخبين ومن
قبل أعضاء الحزب الجمهوري ومن قبل أفراد النظام الحاكم ممن يرفضون نهج
"ترامب" في التعامل مع الأزمة، الأمر الذي يزيد من الفرص الانتخابية
لخصوم "ترامب" بالانتخابات ممن يحاولون استغلال الموقف لصالحهم عبر
اطلاق تصريحات تستهدف استمالة المتظاهرين وكسب تأييدهم، شأن ما صرح به المرشح
الديموقراطي "بايدن" عن اعتزامه الإعلان عن اختيار
سيدة من ذوات البشرة السمراء كنائبة له في المنصب الرئاسي للتعبير عن توجهه نحو
تمكين الأقلية السمراء.(18)
خاتمة
تعد تلك الموجة الاحتجاجية ضد
الممارسات العنصرية لأفراد الشرطة التي أودت بحياة "فلويد" هي أحد أشد
الاحتجاجات عنفًا في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وقد كانت بمثابة لحظة
كاشفة في مسار الولايات المتحدة الأمريكية لاختبار قيم المواطنة واحترام حقوق
الإنسان وقبول الاختلاف وحرية الرأي والتعبير، وإن كان الاحتجاج ضد العنصرية هو
السبب الظاهري لاندلاع الاحتجاجات، فإن هناك العديد من العوامل السياسية
والاقتصادية والمجتمعية التي تعكس تزايد معدلات الاستياء العام، فتعقد المشهد
وتداخل المسببات وتشابكها في ظل متغير فيروس كورونا المستجد الذي يؤثر أيضًا على
كافة قطاعات، فإن كل تلك المتغيرات الديناميكية تجعل من الصعب التكهن بما سوف تفضي
إليه تلك الاحتجاجات سواء في المستقبل القريب أو البعيد.
الهوامش
1)
Isabel V. Sawhill and Christopher Pulliam,
Six facts about wealth in the United States, Brookings, 25 June 2019, Available
at https://brook.gs/2My1Ire.
2)
خصصت الولايات المتحدة
مبالغ طائلة لمواجهة تداعيات وباء كورونا المستجد، مثل إعلان ترامب عن تخصيص نحو
2 تريليون دولار أمريكي
لمواجهة تلك الأزمة، إلا أنها لم تكن كافية لدفع حركة الاقتصاد الأمريكي وتجنيبه
الدخول في حالة الركود، فعلي سبيل المثال يعد قطاع النفط الأمريكي أحد أكثر
القطاعات تضررًا بحالة الركود وانخفاض الطلب، فقد سجل في نهاية شهر أبريل انخفاضَا
غير مسبوق في أسعار (خام غرب تكساس) لتكون قيمة العقود الآجلة بالسالب، وذلك
لنظرًا لتكدس الإنتاج وامتلاء المصافي مع تدني معدلات الطلب بفعل توقف الإنتاج
بالمصانع وكذلك حركة النقل والمواصلات.
3)
للمزيد أنظر:
4)
US oil prices turn negative as demand
dries up, BBC News, 21 April 2020, Available at https://www.bbc.com/news/business-52350082.
Trump calls for $2 trillion infrastructure package as part of
coronavirus response, CNBC, 31 March 2020, Available at https://cnb.cx/3gQ8eHL.
5)
US unemployment rises by 2.4m despite
easing of coronavirus lockdowns, The Guardian, 21 May 2020, Available at https://bit.ly/3gVgAO5.
6)
Christopher Ingraham, Coronavirus recession could plunge tens of
millions into poverty, new report warns. The Washington Post, 20 April 2020,
Available at https://wapo.st/30ayExT.
7)
هبة القدسي، التشابه
والاختلافات بين اضطرابات 1968 و2020، جريدة الشرق الأوسط، 4 يونيو 2020،عدد
15164، ص 11.
8)
Ed Pilkington, Black Americans dying of
Covid-19 at three times the rate of white people, The Guardian, 20 May 2020, Available at https://bit.ly/2UdETNG.
9)
ظاهرة غريبة.. وفيات أكثر في
صفوف الأمريكيين "السود" بسبب كورونا، موقع دويتش فيلله، 7 أبريل 2020،
متاح عبر الرابط التالي https://bit.ly/2Y2KbMZ.
10) تعديل
تهمة رجال الشرطة الذين أوقفوا فلويد لتصبح "القتل"، موقع دويتش فيلله،
4 يونيو 2020 متاح عبر الرابط التالي https://bit.ly/30nUTkf.
11)
Trump: If states don’t take necessary
action, I will deploy the military and quickly solve the problem for them, CNBC
Television, 1 June 2020, Available at https://cnb.cx/2MD0yKN.
12) فضلاَ
عن قيام موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بحذف بعض منشورات الرئيس
الأمريكي "ترامب" باعتبارها محرضة على العنف بما يخالف قواعد الموقع.
للمزيد أنظر:
13)
Alex Hern, Twitter hides Donald Trump
tweet for 'glorifying violence', The Guardian, 29 May 2020, Available at https://bit.ly/30ijhDP.
14)
Kartikay Mehrotra, After Anonymous
Promises Retribution for George Floyd’s Death, Minneapolis Police Website Shows
Signs It Was Hacked, Time, 31 May 2020, Available at https://bit.ly/2Xzpx8c .
15)
Drew Desilver, Michael Lipka and Dalia
Fahmy, 10 things we know about race and policing in the U.S., PEW Research
Center, 3 June 2020, Available at https://pewrsr.ch/3gSFkH3.
16) على
خلفية الاحتجاجات.. صراع متزايد بين ترامب وقادته العسكريين، موقع يورو نيوز
العربي، 5 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي https://bit.ly/3cB4NkR.
17)
David Welna, Don't Send U.S. Military To
Protests, Hill Democrats Warn Trump, NPR, 2 June 2020, Available at https://n.pr/3gTO5AF.
18)
Annie Karni, Get Republicans to Vote Against Trump? This Group
Will Spend $10 Million to Try, The New York Times, 28 May 2020, https://nyti.ms/3dFYTQA.
19)
Donald Trump clashes with Republicans over
George Floyd protests, Financial Times, 5 June 2020, Available at https://on.ft.com/3gXCqAy.
20)
Lauren Camera, Democratic Governors Reject
Trump’s Threat to Deploy Military, US News, 2 June 2020, Available at https://bit.ly/2UeLOX4.
21)
John Allen, A Moment of National Shame and
Peril—and Hope, Foreign Policy, 3 June 2020, Available at https://bit.ly/3cISG5q.
22) استطلاع..
شعبية ترامب تتراجع والفارق يتسع لصالح بايدن، موقع سكاي نيوز عربي، 13 مايو 2020،
متاح عبر الرابط التالي https://bit.ly/3cDT84O.
23)
Chris Cillizza, Why Joe Biden will almost
certainly pick a black woman as VP, CNN Website, 3 June 2020, Available at https://cnn.it/2Uzv1xX.