جائحة كورونا وانتشار الأوتوقراطية عالميًا
صاغ الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي في أواخر مارس 2020
مشروع قانون من خلال برلمان بلاده الذي منحه سلطات طوارئ موسعة بشكل كبير، يهدف ظاهريًا
لمحاربة الفيروس التاجي الجديد، لكنه سمح في الواقع بإعادة تخصيص الميزانية الوطنية
طبقًا لرؤية دوتيرتي الشخصية. كما دفع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بتشريع طوارئ
أكثر اتساعًا، الأمر الذي مكنه من تعليق القوانين الحالية، إصدار قوانين جديدة، واعتقال
الأفراد المنتقدين لسياسات الحكومة بشأن مكافحة الوباء.
وفي هذا السياق، يشير الكاتب لاري دايموند الباحث بمعهد هوفر
ومعهد فريمان سبوغلي للدراسات الدولية بجامعة ستانفورد أن الأمر قد يستغرق بعض
السنوات للحكم على التأثير الحقيقى للوباء على الديمقراطية في جميع أنحاء العالم؛ سيعتمد
مدى الضرر على مدة استمرار الأزمة الصحية ومدى إلحاق الضرر بالاقتصادات والمجتمعات،
كما سيعتمد على كيفية أداء الديمقراطيات مقارنة مع الأنظمة الاستبدادية في احتواء الآثار
الصحية والاقتصادية للفيروس، على من يفوز بالسباق إلى لقاح، وعلى نطاق أوسع، وكذلك
قدرة الديمقراطيات الراسخة على استدعاء العزم الجماعي للدفاع عن الحرية عالميًا في
وقت يتزايد فيه الخطر.
أولاً-
الركود الديمقراطى
كانت الديمقراطية متعثرة عالمياً حتى قبل تفشي فيروس
كوفيد 19 المعروف بكورونا الوباء، ووفقًا لـ Freedom House، شهد عدد من البلدان تآكلًا في الحقوق السياسية والحريات المدنية أكثر
من الحقوق السياسية المعززة والحريات المدنية، الأمر الى عكس مما عكس نمط السنوات الـ
15 اللاحقة لما بعد الحرب الباردة. فبينما باتت الانقلابات العسكرية الحادة أكثر ندرة،
قام عدد كبير من القادة المنتخبين بالقضاء على المحددات الديمقراطية تدريجياً من الداخل؛
حيث شارك بعضهم في اختيار مؤسسات مستقلة أخرىن بغرض الضغط على الصحافة، المعارضة السياسية
والمجتمع المدني وسعى إلى تزوير الانتخابات، ونتيجة لذلك، ارتفع معدل الانهيار الديمقراطي
في جميع أنحاء العالم بشكل حاد في العقد الماضي إلى ما يقرب من ضعف نظيره في العقدين
السابقين، في الوقت الذى تحول فيه عدداً أقل من البلدان إلى الديمقراطية.
ويشير الكاتب إلى أن الانكماش الديمقراطي كان حادًا بشكل
كبير خلال السنوات الخمس الماضية (2015 حتى 2019)، أما في يناير 2020، انخفضت نسبة
البلدان التي يزيد عدد سكانها عن مليون نسمة والمؤهلين كديمقراطيات إلى أقل من 50 %
للمرة الأولى منذ نهاية الحرب الباردة، فضلاً عن التقليص الكبير للمؤسسات والأعراف الديمقراطية في الديمقراطيات التي
كان يُعتقد أنها صامدة في وجه أى تغييرات جذرية، مثل الهند، وليبرالية أيضًا مثل بولندا، بينما كان التدهور الأكثر دقة والغير
ملحوظ للديمقراطية في كوريا الجنوبية، فضلاً عن الاستقطاب السياسي الذى حدث بالديمقراطيات
الليبرالية في أوروبا.
وعليه، هاجمت كورونا عالمًا كانت الديمقراطية فيه بالفعل
تحت التهديد، الأمر الذى أدى لتعزيز السلطات الاستبدادية، بعبارة أخرى، عزز الوباء
الاتجاهات الديمقراطية السلبية القائمة، ووفر للحكومات غير الليبرالية إيجاد حوافز
للتكتيكات القمعية، ولكن دفع المدافعون عن
حقوق الإنسان والنشطاء الثمن في عمليات الاعتقال، القتل والسجن.
ثانيًا-
تزوير الانتخابات وتكثيف المراقبة
استخدمت الحكومات بالفعل أنظمة مراقبة وتتبع يمكن أن تؤدي
إلى فقدان دائم للخصوصية بإسم إدارة الجائحة؛ حيث تعمل بعض التطبيقات بشكل عام من خلال
الوصول إلى موقع GPS للهواتف المحمولة ونطاق اتصال الـ Bluetooth الخاص بالشخص، فعندما يتلاقى شخص كان اختباره إيجابيًا لـ COVID-19 مع أشخاص آخري، ينبه البرنامج جهات الاتصال الأخرى وينصحهم بالعزل الذاتي.
على الرغم من أن هذه التطبيقات يمكن أن تكون أسلحة قوية في معركة السيطرة على تفشي
الفيروس، ولكن بدون وجود حدود، يمكن استخدام هذه التطبيقات للتجسس على المواطنين وتوسيع
إحكام السيطرة الاجتماعية.
ففي الهند، على سبيل المثال، يخشى الكثيرون من أن يصبح تطبيق
التتبع الجديد الذي تم طرحه في أبريل 2020 أداة للمراقبة الجماعية لحكومة عازمة بالفعل
على تقليص الحريات المدنية، فمنذ أن تم انتخاب مودي رئيسًا للوزراء في عام 2014، تهاجم
حكومته الركائز الرئيسية للديمقراطية الهندية، الأمر الذي تمثل في حرية الصحافة، التسامح
الديني، الاستقلال القضائي واحترام المعارضة، وكان الأمر الأكثر إثارة للقلق هو حملة
إدارة مودي المتصاعدة ضد الأقلية المسلمة في الهند، والتي يبلغ عدد سكانها حوالي
180 مليون نسمة، ثاني أكبر عدد من المسلمين في أي بلد في العالم بعد إندونيسيا. وعليه،
يخشى العديد من نشطاء حقوق الإنسان من أن تقوم حكومة مودى بفرض تطبيق تعقب الأمراض،
المسمى Aarogya Setu ، للتنازل عن الخصوصية ومراقبة المعارضين.
يجب أن تستند تطبيقات وتقنيات تتبع الأمراض إلى القانون فيما
يتعلق بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان وأن
يتم تداولها علنًا، أن تكون شفافة، وتقتصر على مدة الطوارئ فقط وعلى المتطلبات المحددة
لمكافحة الفيروس؛ حيث شرعت شركة MIT
Technology Review في جهد مهم لدراسة وتقييم تطبيقات التتبع الحكومية وفقًا لخمسة معايير،
والتى تتمحور حول مثل ما إذا كانت طوعية أم لا؟
وما إذا كانت البيانات التي تجمعها يمكن استخدامها فقط لأغراض الصحة العامة؟،
ومدى سرعة التخلص من تلك البيانات؟ وشفافية السياسات التي تقوم عليها؟
على الرغم من أن الخصوصية ليست المبدأ الديمقراطي الوحيد
الذي يتعرض للتهديد في فترة هذه الجائحة، ولكن أصبح إجراء انتخابات منتظمة معضلة لوجستية،
على خلفية وجود بعض العراقيل التى تقف بوجه هذه العملية مثل إجراء الانتخابات في الموعد
المحدد، تواجد المراقبون عمال الاقتراع والمراقبون، فقدان الأمان بالنسبة
للناخبين. ووفقًا لـمؤسسة IDEA الدولية - منظمة حكومية دولية تدعم الديمقراطية في
جميع أنحاء العالم- أجلت أكثر من 60 دولة وإقليم
الانتخابات على المستوى الوطني أو (في كثير من الأحيان) على المستوى المحلى بسبب الوباء،
لتجنب تمكين الاستيلاء على السلطة من قبل الاستبداديين.
ثالثًا
– التجديد الديمقراطى
إن حماية حقوق الإنسان، الخصوصية ونزاهة الانتخابات خلال
الجائحة مهمة شاقة، لكنها ليست مستحيلة؛ حيث يتطلب الأمر من السياسيين والبيروقراطيين
وأعضاء المجتمع المدني كبح جماح التحيز، وتقديم جميع التدابير اللازمة لحالات الطوارئ
والمراقبين. قبل تفشي هذه الجائحة، أكد الأشخاص الذين يفكرون بالديمقراطية في البلدان
التي انزلقت نحو الاستبداد الانتخابي أنه لا يزال من الممكن تحقيق تقدم ديمقراطي من
خلال الحملات السياسية المنظمة، كما يمكن للحملات البلدية المماثلة التي تنطوي على
قضايا عملية وتتجاوز الانقسامات السياسية أن تحد من قدرة الأوتوقراطيين على تعزيز السلطة
في أعقاب الوباء؛ حيث يمكن للرأي العام العالمى أن يساعد في الدفاع عن حدود الديمقراطية
المتهالكة، فمشروع قانون سلطات الطوارئ الذي أرسله مكتب الرئيس الفلبينى دوتيرتى إلى
البرلمان في مارس 2020 كان من شأنه أن يمكّن الرئيس من السيطرة على أي شركة أو منشأة
خاصة بشكل مؤقت، ولكن أجبرت المعارضة دوتيرتي على قبول نطاق أضيق من هذه السلطات،
بما يشمل الميزانية والمستشفيات فقط.
في نهاية المطاف، من المتوقع أن يؤثر الوباء على الديمقراطية
العالمية إلى حد كبير من خلال تأثيره على الديمقراطيات الصناعية المتقدمة؛ ففي الوقت
الذي تستخدم فيه الصين وغيرها من الأنظمة الاستبدادية هذه الجائحة للتخلص من فعالية
الحكم الديمقراطي والإشادة بقدرتها الفائقة على التعامل مع حالات الطوارئ العامة، يجب
على الحكومات إبراز قدرتها على القيام بهذه المهمة.
في
النهاية: يشير الكاتب إلى أن الانتعاش
الديمقراطي العالمي سيتطلب الكثير من الجهود من قبل الولايات المتحدة الأمريكية؛ لحسن
الحظ، ازدادت إمدادات أجهزة التنفس ومعدات الحماية الشخصية، لكن الانضباط والرؤية الاستراتيجية
لا تزال غير موجودة؛ حيث يجب على حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ألا تحفز شعبها
على التصرف بمسؤولية فحسب، بل تقود أيضًا الجهود الدولية لتوزيع معدات الحماية واللقاحات
والأدوية عندما تصبح متاحة حتى يتم القضاء على هذا الفيروس، وبعد ذلك، يجب على الولايات
المتحدة الأمريكية استئناف قيادتها للديمقراطية العالمية للدفاع عن الحرية ومواجهة الاستبداد.
-Larry
Diamond, Democracy Versus the Pandemic: The Coronavirus Is
Emboldening Autocrats the World Over, Foreign Affairs, June 13, 2020,
available at :