"المثلية مرض وانحراف أم حق من حقوق الإنسان؟" .. تعقيباً على مقالة الدكتور أحمد موسى بدوي
كتب
الزميل والصديق العزيز الباحث السوسيولوجي الفذ د. احمد موسى بدوي مقالاً نشره
أولاً على موقع (المركز العربي للبحوث والدراسات- القاهرة)، عنوانه (المِثلية
الجنسية: مرض وانحراف أم حق من حقوق الإنسان؟)، وبتاريخ ( الأربعاء 18/أكتوبر/2017)،
وأعاد نشره يوم أمس (الأحد 14 يونيو 2020) على موقع (Researchgate) الشهير
المختص بالأبحاث الأكاديمية. أعاد نشر المقال مُحدثاً،
ومؤطراً وموجهاً بنظريته العلمية التي صاغها مؤخراً والموسومة (نظرية القواعد
المتصارعة).
وإذ يؤسفني عدم اطلاعي عليه وقتها لكن الاطلاع عليه
اليوم شجعني على كتابة هذه المقالة المُعقبة، والتي حسب قناعتي تحاول القاء بعض
الضوء على نقاط لعل الكاتب قد غفل عن ذكرها أو مناقشتها، وبذلك فالمقالة هذه وكما
نتمنى أن تعطي شيئاً من الإضافة إلى الجهد الطيب الذي بذله الكاتب المتميز الذي
طالما أتحفنا بأعمال رصينة عديدة، وهو نوعٌ من التواصل والإنسجام العلمي مع شخصه
الطيب الودود.
وإذ
نحييه أولاً على تناول هذا الموضوع الذي يتطلبُ جرأةً كبيرةً، ودرجة عاليةً من
الحساسية، وبالتالي فإن الخوض فيه يفرض عدداً من المحاذير التي ربما توقع في
مجانبة الموضوعية أحياناً سواء عن قصد أو بدونه.
وأرجو أن يسمح لي الزميل العزيز بطرح
بعض النقاط الإشكالية على مقالته وكما يلي:
أولاً: هناك سببٌ يعتبر وجيهاً ودائما ما يؤخذ بنظر
الاعتبار في حالة العودة إلى تفسير أسباب (الميول المثلية الجنسية)، وأجد أن
الكاتب قد غفل عنها أو تجاهلها، وهو (التشوهات الخلقية) بالولادة أو الاضطرابات
الهرمونية التي تحصل لبعض الأشخاص. فتفرض واقعأ صعباً عليهم، بعضها تم إيجاد الحل
لها بالتحول الجنسي/ تغيير الجنس (transsexuality) بعمليات جراحية، وهو ما حظي حتى بتشريعات دينية في بعض الدول بما
فيها الإسلامية. وفي نفس السياق لا أدري كيف غابت عنه مسألة الكبت/ الحرمان الجنسي
(Sexual deprivation) التي
يفرضها الواقع الاجتماعي في المجتمعات
المحافظة، وهذا الذي على الأرجح يُعتبر عاملاً رئيسياً في تفشي الشذوذ فيها.
وافتراض أنه مرض على (السلبيين) فقط، دون الإلتفات إلى أولائك الذين يوقعونهم
ضحاياً، وينتهكون براءتهم (الأطفال)، ويقودونهم إلى سكة الانحراف. بدليل أن هؤلاء
(الذئاب البشرية) سوف يعودون إلى طبيعتهم بمجرد زواجهم أو توفر وسيلة لإفراغ
رغباتهم مع الجنس الآخر.
ثانياً: إن تصوّر (فناء الجنس البشري باعتباره نتيجة لهذه
المشكلة)، كما يفترض الكاتب، يقتضي بالضرورة أن يتحول البشر جميعهم إلى مثليين حتى
يتحقق هذا الفرض.؟!! واعتقد أنه من المستحيل أن يتحول عددٌ من الأجيال البشرية
المتزامنة في مرحلة زمنية، ما إلى المثلية الجنسية، أو أن يتوقف التوجه الجنسي
الصحيح (Heterosexuality) عند جيل معين.
ثالثاً: وفق النقطة أعلاه، فإن البناء على حكم فرضيتة
الكاتب، قد يعطي الحق لأي جهة أن تمارس القتل بحق كل مشتبه أو من تثبت ميوله
الجنسية المثلية، وهو ما لا أظنه يتقبله، خصوصاً وأنه يفترض أن هذه الظاهرة مرضٌ
بنفس الوقت، والمريض (ليس عليه حرج)، ويحتاج إلى علاج.
رابعاً: إن نقطة (العجز السكاني في أوربا) التي أستشهد بها،
ليس سببه التوجهات الجنسية، إنما التوجهات نحو تأخر سن (الزواج) عموماً أو تأخير
سن الإنجاب، هذا ناهيك عن التوجه نحو تقليل عدد الأبناء. وهو ما ينطبق حتى على دول
عربية مختلفة لكن بدرجات أقل.
خامساً: إن الإمتيازات (المادية) التي تمنحها الدول الأوربية
(الغربية خصوصاً)، تشمل كل الفئات المحتاجة بغض النظر عن العمر. وفيما يتعلق
بتخصيص منحٍ مالية لأولياء أمور الأطفال، فهو من باب تقليل العبئ على آبائهم/
مربيهم مثلما هو سبب لتوفير سبل احتياجاتهم الأساسية وتهيئة مستقبل أفضل لهم، وليس
بداعي تشجيع النسل، وإلا لكانت علاوة الأطفال (المادية) تشمل كل أطفال الأسرة،
بينما هي تتناقص تدريجيا مع الطفل الثالث وتتوقف عند الرابع بالكثير في بعض الدول
وفي أخرى تنقطع عند الطفل الثاني.
سادساً: فيما يتعلق بعامل الانتهاكات الجنسية المبكرة للأطفال
ودورها في خلق ميولهم الجنسية، فهذه نقطة مهمة أتفق معه بها جداً، ولا سيما في
البلدان المحافظة وخصوصاً بلدننا العربية.
أما في البلدان الغربية فإن دور هذا العامل قليل، وذلك نتيجة توفر حرية العلاقات
الجنسية، والقوانين الصارمة التي تحمي الأطفال. كما سأشير لها لاحقا هنا.
سابعاً: لقد قَصَرَ الكاتبُ الحلَّ والعلاجَ على نقطتين،
هما: عدم منح الحق للمثليين باعتبار أنه يناقض (الحق الإنساني المركزي)، وطرق
تنشئة صحيحة. وقد ناقشت الأولى في الأسطر أعلاه، أما الثانية، فهي لا تكفي أمام
واقع اجتماعي مرير مثل مجتمعاتنا المحافظة، التي يتفشى فيها الكبت الجنسي. وأنا لا
أدعو هنا إلى الإباحية بقدر ما أشخص. فالحلول البديلة يمكن أن تكون متوفرة حتى من
قبل رجال الدين بتشريع علاقات جنسية على أنها (نوعٌ من أنواع الزواج)، دون الحاجة
إلى بناء أسرة، وهم مسؤولون عن ذلك. هذا ناهيك عن عدم وجود قوانين تحمي الأطفال
كما في البلدان الغربية التي ننعتها بالانحراف، ونستنكر عليها مواقفها ازاء هذه
الظاهرة. فضلاً عن ذلك، أجد أن من المهم تسليط الضوء على بعض الجوانب القيمية في
مجتمعاتنا، مثل تلك التي تتسامح مع المثليين (الإيجابيين) إن صحت العبارة، بمقابل
عدم التهاون مطلقاً مع المثليين (السلبيين)، والذين نتفق على أنهم ضحايا. وهذه
الظاهرة شائعة في أغلبية البلدان العربية والإسلامية، إن لم أقل كلها، بل قد يصل
الأمر في بعضها إلى ما يشبه التشريع (الاجتماعي) إلى درجة إباحة الزواج، أو
المساكنة كما اطلعنا في أفغانستان مثلاً، من خلال بعض التقارير الإعلامية التي
وثقت حتى حفلات زواج عامة بين مثليين يصور أحدهما على أنه زوج والآخر (زوجة).
وأيضاً يزخر تراثنا العربي والإسلامي بحكايات الغلمان وقصصهم.
وبالمناسبة،
أحيل هنا إلى ما كتبه عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي حول الموضوع، قبل أكثر
من نصف قرن، وبجرأة كبيرة، خصوصاً في كتابه (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي).
ختاماً، أكرر هنا أنني لا أبرر في هذه
الردود إباحة زواج المثليين، ولا أحملهم جميعا المسؤولية، فمن بينهم ضحايا، ولذلك
أتعاطف بشدة مع الأطفال منهم وأدعو إلى سن تشريعات صارمة جداً أزاء من ينتهك حرمة
الطفولة البريئة، وإلى سن متقدمة منها (حتى 17 سنة)، ومن الجنسين أيضاً، حتى لو
اتضح برضى الطفل. وهذا ما يحصل في البلدان الغربية. فالقوانين الصارمة تحاسب حتى
على الشبهة مثل الاقتراب من الطفل أو لمسه. بل حتى المعلمين/ مدرسي المدارس
الابتدائية على سبيل المثال، غير مسموح لهم لمس التلميذ أو الاختلاء به تحت أي ظرف
كان طبعاً ناهيك عن تقبيله. وأي ثبوت للميل الجنسي للأطفال (Pedophilia)، تعتبر جناية كبيرة تترتب عليها عقوبات
صارمة وتمتد آثارها إلى المستقبل في سيرة الشخص الجاني، بما فيها مهنته ومحاولة اندماجه
في أوساط اجتماعية معينة لاحقاً. لهذا السبب يندر أن ترى ممن يصنفون في خانة (شواذ
جنسيا) أن يتعاملوا مع أشخاص عاديين في أي مكان، إلا وفق مقتضيات العمل والمصالح
العامة، أو الإرتباط الأسري، لأن المجتمع لا يُفرّقُ بين (شاذ جنسي إيجابي وآخر
سلبي)، بل الإثنين في خانة واحدة، وبالتالي عليهم نفس النظرة والتقييم والحياة
الخاصة.
رابط مقالة الدكتور أحمد موسى بدوي: