هل تبتكر أوروبا منظومة تسلح جديدة تضعها على قدم المساواة مع الولايات المتحدة وروسيا؟
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، وفي
خضم سباق التسلح الذي أعقب تلك الفترة بين القوى التي أفرزتها مرحلة الحروب
العالمية، ظلت أوروبا دائمًا في المركز الثالث في سباق التسلح العالمي، بل ولا
تزال ماكثة بمرتبتها حتى الآن. ورغم الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتقدم الذي
حققته أوروبا إلا أنها لم تتمكن من تحقيق نفس المستوى في مجال التسلح، في المقابل
تصدرت الولايات المتحدة وروسيا منذ انتهاء الحروب العالمية قائمة الدول المصدرة
للسلاح، في حين تعتبر أوروبا من أبرز المستوردين للمنظومات التسلحية.
وتناولت تحليلات عدة أسباب تراجع مكانة في أوروبا
في مجال تصنيع الأسلحة على عكس الولايات المتحدة وروسيا. من هنا جاءت فكرة مقال
للكاتب "ميشيل بيك" بمجلة "ذي ناشيونال أنترست" ليناقش مصير
أوروبا التسلحي، فهل تتمكن في المستقبل القريب من منافسة الولايات المتحدة وروسيا،
وفيما يلي عرض لأبرز الأفكار.
هل تهيأت أوروبا لمنافسة أمريكا وروسيا؟
يرى الكاتب أن غالبية الدول الأوروبية تمكنت من تحقيق تقدم ملحوظ في كافة المجالات
لاسيما الاقتصادي، ولم يعد أمامهم سوى مجال التسلح كي تحرز فيه تقدم، وتتمكن من
منافسة أكبر أسواقه، وما يعزز هذا الأمر اختفاء تهديد الاتحاد السوفيتي بانهياره _
رغم أن روسيا بوتين تبذل قصارى جهدها في سبيل الاستمرار بإحلال محل الاتحاد
المنهار _ من هنا يتبلور التساؤل، فهل يمكن للعوائد المادية الكبيرة التي تجنيها
أوروبا جراء تقدمها في قطاعات مختلفة أن تسهل عملية ابتكار ودعم وتطوير منظومة تسلح
قويه مثل FCAS بحلول عام 2040.
فمنظومة FCAS هي
مقاتلة من الجيل السادس ما زالت تحت التطوير من قبل شركة داسو للطيران وشركة
إيرباص للدفاع والفضاء والتي ستحل في نهاية المطاف محل الجيل الحالي من مقاتلات
داسو رافال، ومقاتلات ألمانيا من طراز يوروفايتر تايفون ومقاتلات اسبانيا من طراز
إف/إيه-18 هورنت.
هل يأتي جيل جديد من الأسلحة
يضع أوروبا على قدم المساواة مع أمريكا وروسيا؟
ذكر "بيك" أن دول أوروبية كبريطانيا
وفرنسا والسويد لديها القدرة على ابتكار أسلحة ذات تصميم عالي، لكن عندما يتعلق
الأمر بأكثر الدول فاعلية نجد ارتباط
تكنولوجيا الأسلحة بالولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سابقا/ روسيا، حيث كانوا
على استعداد لإنفاق مبالغ كبيرة لتحقيق تطوير عسكري.
ففي معرض باريس الجوي الذي انعقد الأسبوع الماضي،
اجتذبت منظومة FCAS من الجيل السادس الانتباه
لاسيما في ظل التصور المستقبلي الرائع الذي وضع لها والتي لا نظير له لأي طائرات
عادية أو بدون طيار كما تمتلك تكنولوجيا تتفوق على الجيل الخامس الأمريكي سواء مقاتلات F-22 و F-35
الأمريكية ، أو الروسية Su-57.
حيث تم تصميم FCAS بحيث يكون لديها القدرة على التكوين خفي وإطلاق صواريخ بعيدة المدى، والأهم
أنها تعمل عن بعد بدون طيار وستنصب مهمتها على القتال وإجراء مناورات عسكرية والقيام
بعمليات استكشافية.
جدير بالذكر أن الولايات المتحدة تعمل بالتزامن للوصول
إلى نفس التكنولوجيا من خلال برنامج Loyal Wingman ومحاولة تطوير طائرة XQ-58 بدون
طيار، وهي تشبه طراز F-35، ولعل
الغاية الأمريكية من ذلك أنها تسعى لاستمرار تصدرها في مجال تطوير الأسلحة حتى لا يتفوق عليها أبناء عمومتها
القاريون الذين تنفصل عنهم.
وعودة لمنظومة FACS ذكر
الكاتب أنه يمكن تزويد تلك الطائرات ببعض الأسلحة المتقدمة،
حيث كشفت شركة الدفاع الأوروبية MBDA عن
أسراب من الصواريخ التي يمكن أن تطلقها الطائرات والتي يمكن أن تقضي على الهدف على
بعد خمسين ميلاً، في المقابل وصفت مراسلة ديفينس نيوز كريستينا ماكنزي نموذج لـ FCAS أنه لم يتم تضمين أي ميزات في الهيكل بخلاف الشكل العام للطائرة
العسكرية بحيث أصبح على ما يبدو أكبر
وأكثر تسطحًا في المظهر من مقاتلات الجيل الخامس.
جدير بالذكر أن مجال تطوير الأسلحة بالنسبة لأوروبا
ليس جديدًا فقد كانت هناك العديد من الأسلحة التي كانت ثمار التعاون الأوروبي، مثل
طائرة تورنادو البريطانية-الألمانية-الإيطالية، أو صاروخ فرانكو-ألماني هوت المضاد
للدبابات. ومع ذلك ، كما أن بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا لديها دبابات
قتالية رئيسية فردية.
تصنيف الدولة المصنعة لطائرات المستقبل
لا يقتصر استحداث وتطوير الجيل السادس على أوروبا
فحسب لكن تتشارك فيه دول أخرى لذلك يمكن تقسيم مطوري المقاتلات من الجيل السادس
إلى ثلاث فئات
§ الفئة الأولى :
تأتي الولايات المتحدة في تلك الفئة حيث طورت ونشرت نوعين من المقاتلات الشبحية.
وفي الوقت الحالي، فإن لدى الولايات المتحدة مشروعين: أحدهما مشروع القوات الجوية
للاختراق الجوي المضاد، عبارة مقاتلة شبح طويلة-المدى "للغاية"، كي
ترافق المقاتلات قاذفة القنابل الشبحية، والثاني هو مشروع الأسطول بمقاتلات FA-XX لصالح قوات البحرية. كما كشفت شركات بوينغ ولوكهيد مارتن ونورثروب
غرومان الأميركية الستار عن بعض نماذج ومفاهيم جديدة لمقاتلات الجيل السادس.
§ الفئة الثانية:
تضم تلك الفئة دول أوروبية حيث تخلت عن محاولات بناء طائرات من الجيل الخامس وخلصت
هذه البلدان إلى أن القيام بذلك يستغرق وقت طويل ويتطلب تكلفة باهظة وانه يمكن
بدلا من الخوض في تطوير تكنولوجيا من الجيل الخامس فإنه يمكن اللحاق بتكنولوجيا
اليوم، وتضم الفئة الثانية كلا من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، وهي في
المراحل الأولية لتطوير الجيل السادس من مقاتلات جديدة، وتنضم لتلك الفئة أيضا
روسيا حيث أصبحت تتحدث حاليا عن اعتراضية للجيل السادس من طراز MiG-41، وكذلك اليابان التي تفكر في طائرة من الجيل الثالث من طراز F-3 الشبح، ولكنها قد تستقر على تطوير مقاتلة من الجيل الخامس مستوحاة
من تصاميم لدول أخرى وتضيف إليها تكنولوجيا مستوحاة من الجيل السادس.
§ الفئة الثالثة:
تضم دول آخذة في النمو كالهند والصين حيث تعكف تلك الدول على تحسين وتطوير تقنيات تصنيع الطائرات من
الجيلين الرابع والخامس.
أبرز الخصائص التكنولوجية
هناك عدد لا بأس به من المشتركات بين نماذج مقاتلات
الجيل السادس ومع ذلك هناك اثنتان من الخصائص الحاسمة للمقاتلات من الجيل الخامس
ذات أهمية محورية بالنسبة لمميزات وإمكانيات الجيل السادس، وهما هياكل الطائرات
الخفية والصواريخ بعيدة المدى.
ويرجع تطوير تلك الميزات إلى أنه نظرًا لكون أنظمة
الدفاع الجوي الأرضية الفعالة كنظام S-400 عالية
التكلفة وفي الوقت ذاته فإنه تأثيرها شديد التدمير وتهدد مساحات شاسعة من المجال
الجوي، لذا سيتوجب أن تكون الطائرات الشبح قادرة على معالجة هذا الخلل وجعل الهدف
أكثر دقة، بالإضافة إلى ذلك، فإن الطائرات النفاثة الشبح تتفوق أيضا بشكل حاد في
أدائها على الطائرات غير الشبحية في المعارك الجوية.
ولذلك ستكون مضادات الرصد بالرادار على مستويات
منخفضة والمواد الماصة للرادار بصفة عامة مكونات أساسية وضرورية لمقاتلات الجيل
السادس ولكنها لن تكفي للعمل بمفردها، ويجادل بعض أصحاب النظريات التي تقول إن
هياكل الطائرات الشبح ربما تصبح في نهاية الأمر صيحة قديمة بسبب تكنولوجيا
الاستشعار المتقدمة، وأنه لا يمكن ترقية هياكل الطائرات الشبح بسهولة لكي تواكب
إلكترونيات الطيران والأسلحة. وهنا ستبرز أهمية تطوير تقنيات التشويش والحرب الإلكترونية
والدفاعات التي تحجب الأشعة تحت الحمراء.
أما الصواريخ بعيدة المدى لاسيما ما بعد مدى الرؤية
البصرية، فستبقى التكنولوجيا الرئيسية في مقاتلات الجيل السادس، ويمكن بالفعل
للصواريخ بعيدة المدى مثل AIM-120D أن
تضرب أهدافا على بعد أكثر من 160 كم، ولكن سيجب لكي تكون التصورات أقرب إلى الواقع
أن يتم إطلاقها من مسافات أقرب بكثير من أجل الحصول على فرصة جيدة لتصفية هدف
متحرك في حجم مقاتلة.
وأخيرًا، يبدو أن وتيرة الأبحاث العلمية المتطورة
وسباق التسلح المستقبلي لا هوادة فيها، وأن مواكبة العصر الحالي والقادم هو هاجس
دائم ومتواصل، لذا ترى أوروبا أنه من الأفضل أن يبدأ عاجلاً وليس آجلاً.
Michael
Peck, The F-35 Is Old News Now: Europe Wants A 6th Generation
Stealth Fighter Can they afford it?, the national interest ,
29/4/2020mavailable at: