انعكاسات متعددة.. كيف يشكل حزب عصبة الشمال تهديداً للاتحاد الأوروبي؟
شهدت الفترة الأخيرة صعودًا
متناميًا للأحزاب اليمينية المتطرفة المعادية للإتحاد الأوروبي، ما أثار عدد من
التساؤلات حول مستقبل الإتحاد في ضوء التغييرات الجديدة. وما جعل الأمر أكثر
تعقيدا هو أن هذه الأحزاب قد تمكنت من بناء علاقات عابرة للحدود في عدد من الدول،
كما جاء صعودها متزامنا في الوقت ذاته.
وتعد إيطاليا أبرز هذه
الدول، حيث تمكن حزب League Nord من تحقيق الأكثرية في الإنتخابات الأوروبية
لعام 2019 حيث حصل على 34.3% من أصوات الناخبين، فيما حلّ Democratic Party ثانيًا برصيد 22.7%. وقد جاءت حركة M5S ثالثا برصيد
17.1%. المثير للجدل أن إيطاليا هي واحدة من الدول المؤسسة للإتحاد، وقد كانت
واحدة من سبع دول وقعوا على اتفاقية روما عام 1957. وقد تم بمقتضاها انشاء المجتمع
الإقتصادي الأوروبي.
كما كانت إيطاليا واحدة من
12 دولة وقعوا على اتفاقية Maastricht في عام 1992 والتي تم بمقتضاها انشاء
الإتحاد الأوروبي، قبل أن تعود إيطاليا مرة أخري لتكون أشد الداعمين للعملة الوحدة
التي أعقبت انشاء البنك المركزي الأوروبي في عام 1998. ومن هنا يثار عددا من
التساؤلات حول الأسباب التي دفعت الناخب الإيطالي لتغيير رؤيته تجاه الإتحاد
الأوروبي، فضلا عن تأثير صعود حزب League
Nord على الإتحاد
الأوروبي نفسه، خاصة أن بعض قرارات الإتحاد تتخذ عن طريق الإجماع.
دوافع الصعود
شكلت قضية الهجرة
واللاجئين نقطة تحول حقيقة في خريطة القوي السياسية الإيطالية. فمن المعروف عن
الأحزاب اليبرالية التقليدية التي تحكم أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية أنها
داعمة لحق اللجوء السياسي، ما شكّل مادة خصبة للأحزاب الشعوبية لتعبئة النزعة
القومية لدي العامة من منطلق التهديد الثقافي الذي تواجهه أوروبا. ولأن إيطاليا
دولة تطل على البحر المتوسط، فقد كانت واجهة ومحطة بالنسبة للاجئين، الأمر الذي
أزعج القوميين ودفعهم لمحاولة استغلال الأمر لصالحهم ومهاجمة سياسة" الباب
المفتوح" الذي تبناها الإتحاد الأوروبي.
وقد شكل الركود الإقتصادي
الذي تزامن مع ارتفاع الأسعار أزمة حقيقة لدي الناخب الإيطالي الذي بدأ يري في
الإتحاد الأوروبي عقبة حقيقة أمام حالة الرفاهية التي تحاول دول غرب أوروبا
تطبيقها منذ تسعينيات القرن الماضي، الأمر الذي دفع الناخب الإيطالي نحو حزب league Nord الذي يطالب
باصلاح النظام المالي للإتحاد، كما يتهم الإتحاد بفرض سياسات نقدية أدت إلى ارتفاع
الدين العام.
وقد لعب الشخصية
الكاريزمية التي يمتع بها Matteo
Salvini منذ أن تولي
زعامة الحزب في 2013 دورا هاما في استقطاب المزيد من الشباب الغاضب من سياسات
الإتحاد الأوروبي، خاصة أن حزبه قد أعلن سياسة جديدة خاصة بالهجرة تتعلق بإغلاق
الحدود ورفض استقبال اللاجئين بدعوي أن هذا الأمر يحمل انعكاسات سلبية على
الجانبين الإقتصادي والأمني. وقد أثارت هذه الخطة اشكالية حقيقية مع الإتحاد
الأوروبي في 2018، حيث حاولت ألمانيا(المستقبل الأكبر للاجئين في أوروبا) اعادة
توزيع أعباء اللاجئين على الدول الأعضاء، لكنّ ايطاليا رفضت هذا الأمر، ما أحدث
أزمة في العلاقات بين روما و بروكسل.
وقد أدت التغييرات البنيوية
التي قام بها زعيم الحزب Matteo
Salvini دورا هاما
في انفتاح الحزب على الناخبين خارج الإقليم الشمالي. يتعين هنا أن نشير أن الحزب
قد بدأ كحركة اقليمية، في التسعينيات من القرن الماضي، تطالب بالمزيد من
الإستقلالية للأقليم الشمالي من إيطاليا في ضوء فيدرالية ايطالية، لكنّ Salvini أضاف صبغة
قومية على الحزب جعلته يتخلى عن نزعته الإقليمية لصالح دور أكبر قومي يتناسب مع
التهديدات الجديدة التي واجهت المجتمع الإيطالي. ويمكن تفسير هذا التغيير بإدراك Salvini أن اقامة
فيدرالية ايطالية لن تحقق للشمال الإيطالي الإستقلال اللازم لأن التعاملات المالية
سوف تتم من خلال العملة الأوروبية الموحدة( اليورو) التي يعتقد Salvini أنها تصب في
صالح ألمانيا وحدها، الأمر الذي سوف يجعل من الشمال رهينه للسياسات المالية
الأوروبية.
انعكاسات متعددة
في عام 2018، حلّ حزب League Nord ثالثا في
الإنتخابات المحلية في أكبر انجاز للحزب منذ تأسيسه في القرن الماضي، حيث حصل على
17.3% من الأصوات، الأمر الذي مكنّه من تأسيس حكومة ائتلافيه بالإشتراك معM5S التي حلت أولا برصيد 32.6% من الأصوات. ورغم أن
حركة M5S تمتلك رؤى نقدية للإتحاد الأوروبي إلا أن الخلافات حدثت بين
الطرفين في عدد من الملفات، الأمر الذي دفع Salvini للإنسحاب من
الحكومة محاولا إسقاطها وإعادة تشكيلها من جديد. خلال فترة تواجده في الحكومة التي
استمرت حوالي 14 شهر، حاول Salvini التأثير على سياسات الإتحاد الأوروبي في عدد
من الملفات.
1- رفض سياسات الإصلاح
النقدي: اتسم Salvini برفضه القاطع لدعم آلية الإستقرار الأوروبي
المعروفة باسمEuropean Stability
Mechanism ، وهي وكالة
أوروبية تختص بتقديم الدعم في أوقات الأزمات المالية بهدف المحافظة على استقرار
السوق النقدي الأوروبي. ويتم تقديم هذا الدعم على شكل أوراق نقدية أو على شكل شراء
سندات حكومية من الدولة الراغبة بالإقتراض. ومن هنا ينبع رفض Salvini لهذه
السياسية، حيث يرى أنه سياسة الإقراض الأوروبي تسهم في زيادة الدين العام داخل
ايطاليا. في نوفمبر 2019، اضطر رئيس الوزراء الإيطالي الحالي Giuseppe Conte إلى تأجيل موافقة ايطاليا على سياسات الإصلاح النقدي(المعروفة
بإسم European Bailout Reform) التي قدمتها المفوضية الأوروبية تحت ضغط
حزب League Nord.
2- تصاعد الخلاف مع فرنسا:
تمحور الخلاف بين فرنسا وإيطاليا حول عدة نقاط، منها تناقض المواقف في ليبيا، حيث
تدعم إيطاليا حكومة الوفاق الوطني، بينما تقدم فرنسا الدعم للجيش الوطني الليبي.
بالنسبة لإيطاليا، الحل السياسي هو الأمثل في ليبيا ليس فقط بسبب عدم قدرة أي طرف
على حسم النزاع عسكريا لصالحه ولكنّ لأن الحل العسكري سوف يزيد من طلبات اللجوء
إلى إيطاليا، ما يحمل أضرارا سلبية على الإقتصاد. في يناير 2019، خرج Salvini الذي كان
يشغل أنذاك منصب النائب الأول لرئيس الوزراء بتصريح مثير حينما اتهم فيه فرنسا
بسرقة ثروات الدول الأفريقية. كما طالب Salvini فرنسا بعدم تقديم أي نصائح لإيطاليا فيما
يتعلق بملف الهجرة واللاجئين لأن باريس ليست جديرة بالحديث في هذا الملف.
3- تعميق الصدام حول
الهجرة: شكلت قضية اللاجئين والهجرة نقطة محورية في الخلاف بين Salvini من جهة
والإتحاد الأوروبي من جهة أخرى. في عام 2018، حاولت ألمانيا التي تعد أكبر مستقبل
للاجئين في أوروبا إعادة توزيع أعباء اللاجئين على الدول الأوروبية وفق Duplin Regulation الذي ينص على أن اللاجئين يجب أن يبقوا في أول دولة تستقبلهم،
لكنّ إيطاليا قامت بمنح اللاجئين تأشيرة المرور إلى غيرها من الدول، في محاولة
للتخلص منهم. كما رفضت إيطاليا اعادة استقبالهم مرة أخرى. وقد نبع الرفض الإيطالي
من الخوف أن تكون إيطاليا معسكرًا للاجئين، خاصة أن معظم اللاجئين يرغبون في
الإستقرار والتوطين في أوروبا، الأمر الذي قد يحمل تأثيرات سلبية على التركيبة
الدييموجرافية لإيطاليا.
4- التقارب مع روسيا: بصفة
عامة، تتبني حزب League Nord سياسة أكثر تقبلا لروسيا من الإتحاد الأوروبي
ذاته، ليس فقط لتقارب الرؤي الأيدلوجية حول طريقة الحكم المثلي المتمثله في حكم
الفرد الواحد، ولكن لأنه يرى في تعبئة الموارد العامة من أجل الصدام العسكري مع
روسيا أمرا غير مبرر. في هذا الإطار، أشار تقرير نشر على موقع BuzzFeed News الأمريكي في يوليو 2019 أن Salvini حاول الحصول
على دعم مالي روسي يقدر بملايين الدولارات من أجل توسيع نشاط حزبه في كافة المدن
الإيطالية، الأمر الذي يزيد من فرصة بقائه في السلطة لوقت أطول.
في النهاية، يتعين أن نشير أن ظاهرة تنامي الأحزاب اليمينة المعادية للإتحاد الأوروبي لا تزال، رغم تطورها الكبير، في طور التشكل، حيث تتزايد شعبية هذه الأحزاب في وقت الأزمات الأمنية والإقتصادية. ويرجح ذلك أن نموها سوف يكون ملحوظا في الفترة المقبلة بسبب التحديات الإقتصادية التي نجمت عن وباء كورونا.