إعادة التقنين .. كيف يستخدم أردوغان الميليشيات في تثبيت حكمه؟
تشهد تركيا داخليًا حالة من الجدل المتزايد على خلفية إقرار
البرلمان التركي في 11 يونيو 2020 مشروع قانون مثير للجدل يمنح ما يعرف بحراس
الأحياء والتي تعرف باسم "بيكشي" الصلاحيات نفسها التي يتمتع بها رجال
الشرطة. وقال البرلمان التركي في حسابه على تويتر إن "مشروع القانون حول حراس
الأحياء تمت الموافقة عليه". فيما يتهم معارضون الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان بالسعي إلى إنشاء "ميليشيا".
وضمن السياق ذاته أقر
البرلمان التركي مشروعية مهمة الجهاز الأمنية لمساندة جهاز الشرطة المحلي، في ضبط
الأمن في المدن الكبرى، ولكن بصلاحيات واسعة من بينها الحق في حمل السلاح
واستخدامه في حالات الضرورة وتفتيش المارة وإيقاف السيارات وطلب التدقيق في أوراق
الهوية.
وبينما يؤكد حزب العدالة والتنمية المحافظ، الذي يقوده أردوغان،
وهو الحزب الذي قدم النص، أن هذه القواعد الجديدة ستسمح للحراس بمساعدة قوات حفظ
النظام بفاعلية أكبر عبر إحباط محاولات سرقة ومنع وقوع اعتداءات في الشوارع، تتهم
المعارضة أردوغان بتعزيز نزعته الاستبدادية، وبسعيه لإنشاء ميليشيا موالية له،
وبصورة عامة تتراوح الاتهامات الموجهة للرئيس التركي من إنشاء جهاز شرطة موازي إلى
بناء جيش تابع له في كافة المدن التركية.
صلاحيات ممتدة
يمكن
لـ"حراس الأحياء" تسيير دوريات ومتابعة أي شبهات تتعلق باستخدام بعض
الأماكن بصورة غير شرعية للعب القمار أو ممارسة الرذيلة أو الاتجار بالمخدرات،
والتدخل في حال وقوع مشاجرات أو عنف ضد النساء والأطفال، ولكن بعد إبلاغ جهات
الشرطة وطلب الدعم منها.
وبموجب
القانون الجديد سيْمنح حراس الأحياء، الذين يقومون بدوريات ليلية للإبلاغ عن سرقات
وحالات إخلال بالنظام العام، الصلاحيات نفسها التي يتمتع بها رجال الشرطة. وسيكون
بإمكانهم حيازة واستخدام أسلحة نارية في حال الضرورة واعتراض أفراد للتدقيق في
هوياتهم أو تفتيشهم.
ومن
ناحية أخرى فإنه وبعد الموافقة على منح "حراس الأحياء" هذه الصلاحيات
فقد أثارت حفيظة أحزاب المعارضة التركية، التي تخشى أن يضعف ذلك هيبة الدولة
وسيادة القانون ويساعد على تشكيل قوة عسكرية مسلحة تابعة للحزب الحاكم في البلاد،
كما قال إنجين ألتاي، نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري، أكبر
الأحزاب التركية المعارضة.
ومن
ثم أصبحت هناك ميليشيات مسلحة رسمية في تركيا، على غرار ميليشيات الباسيج في
إيران، الأمر الذي يثير مخاوف لدى المواطنين وقوى المعارضة على حد سواء، وأن انتماء
هذه القوات إلى الرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية، يجعل منهم أداة قمع
رسمية في يد الحكومة، بالإضافة إلى أن حراس الأحياء لا يشكلون خطرًا في الوقت
الراهن على مستقبل المعارضة السياسية، لكنهم من ناحية أخرى قد يشكلون خطرًا في
الانتخابات المقبلة أو عند اندلاع أزمات أو احتجاجات فيما يتعلق بتمرير السياسات
التي يتبناها حزب العدالة والتنمية.
وقد
تضمن القانون الجديد زيادة عدد حراس الأحياء إلى 200 ألف، ليتحولوا بذلك إلى ثالث
أكبر قوة أمنية بعد الشرطة البالغ قوامها 250 ألف جندي وقوات الدرك المكونة من نحو
200 ألف جندي، ومهمتها العمل في المناطق النائية وحدود الولايات التركية، والتي
نقلت تبعيتها من الجيش إلى وزارة الداخلية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي
شهدتها تركيا.
معارضة داخلية
يتهم
المعارضون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالسعي إلى إنشاء "ميليشيا"،
ويشتبهون بأن الرئيس، المتهم بالميل إلى الاستبداد، من خلال توجهه إلى إنشاء جيش
موال له من بين أفراد حزب العدالة والتنمية، وتخشى المعارضة من أن هذه التوجهات
ستؤدي إلى إضعاف هيبة الدولة وسيادة القانون ويساعد على تشكيل قوة عسكرية مسلحة
تابعة للحزب الحاكم في البلاد،ويجب الإشارة هنا إلى أن هذه المؤسسة التي أنشئت قبل
أكثر من قرن والمرتبطة بوزارة الداخلية التركية وتطورت بشكل كبير بعد محاولة
انقلاب وقعت في يوليو 2016 ضد أردوغان. ويبلغ عدد "حراس الأحياء" في
تركيا حاليا أكثر من 28 ألفًا، وهم موجودين بشكل ما منذ عام 1914، وكان قد تم حلهم
في عام 2008، ولكنهم أُعيدوا من جديد بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في عام
2016، والتي أعقبها فصل عشرات الآلاف من أفراد الشرطة من العمل، وفي ذلك الوقت،
كان لا يسمح لهم إلا باستخدام الصفارات والهراوات فحسب. وتهدف دوريات حراس الليل
داخل الأحياء إلى ضمان الأمن وتوفير الدعم للشرطة، إلا أن هناك مخاوف بشأن سوء
استخدامهم للسلطة.
وقد
وقال ماهر بولات النائب عن حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة بإنهم
"يستخدمون مؤسسة حراس الأحياء لإنشاء ميليشيا"، معتبرًا أن المشكلة
المرتبطة بالأمن في تركيا، ينبغي حلها عبر تعزيز الشرطة والدرك، أما النائب حقي
سرحان أولوش من حزب الشعوب الديموقراطي القريب من الأكراد، فقد رأى أنه "عبر
تعزيز الحراس، يوجدون الشروط لزيادة الضغط على المجتمع والإبقاء على السلطة وإضعاف
دولة القانون بشكل أكبر". بالإضافة إلى ذلك فقد أعربت منظمة "هيومن رايتس وواتش" لحقوق الإنسان
التي تتخذ من نيويورك مقرًّا لها، عن قلقها بشأن هؤلاء الحراس، وتحولهم إلى قوة
غير خاضعة للمساءلة.
مؤشرات متعددة
هناك
مؤشرات عديدة على خلفية إقرار البرلمان التركي بصلاحيات ما يسمى حراس الأحياء التي
ترتبط بصورة مباشرة بوزارة الداخلية التركية من حيث الاختصاصات والصلاحيات، ولعل
المؤشر الأهم في هذا القانون هو أن هناك اتجاه من جانب أردوغان نحو تعزيز صلاحيات
بعض الأجهزة شبه الرسمية وإضفاء مشروعية قانونية عليه لتحقيق نوع من أنواع الرقابة
الغير مباشرة، وهذه الميليشيات التي تم تقنينها بصفة قانونية تم الاهتمام بها
بصورة مباشرة بعد حادثة الانقلاب العسكري الفاشل في عام ٢٠١٦، ومن وقتها واتجه
أردوغان نحو تعزيز قدرات هذه الميليشيات التابعة له لزيادة مستوى قبضته الأمنية
الداخلية وخاصة في مواجهة الأحزاب السياسية المعارضة وقمع الحراك الشعبي الداخلي
الذي يتعرض له، وضمن السياق ذاته فإن هناك حالة خاصة لدى أردوغان تتركز على تصاعد مخاوفه
وفقدان الثقة في الأجهزة الأمنية الرسمية خاصة الشرطة والجيش، ومن الجدير بالذكر
هنا أن اتجاه أي نظام سياسي إلى الاعتماد على جماعات أو ميليشيات مسلحة بصفة رسمية
أو غير رسمية ما هو إلا تتويج وبيان لتراجع العملية الديموقراطية، حيث أن الأنظمة
الشمولية هي التي تلجأ إلى هذه الأنواع من الجماعات.
ومن
ناحية أخرى تتعلق بالبعد الفكري لدى النخبة السياسية الحاكمة في تركيا وبتشريح
توجهاتها فإن هذا الأمر ليس بجديد عليهم، فحزب العدالة والتنمية الحاكم ما هو إلا
امتداد فكري لجماعة الإخوان المسلمين وفكرة وجود ميليشيات مصلحة أمر واقعي في
الفكر الحركي لهذه الجماعات، وهو ما تمثل في وجود التنظيم الخاص والذي يعتبر
الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين،
ومن ثم فإن هذا الأمر له جذور فكرية قبل أن تفرضه ضروريات حماية أردوغان
لنظامه القمعي، وهو ما يفسر لجوء أردوغان إلى الاعتماد على الميليشيات المسلحة في
تنفيذ أهدافه الداخلية والخارجية، فالمتتبع لسياسة أردوغان الخارجية يلاحظ أنه
يتبع نفس التوجه في اعتماده على المرتزقة والميليشيات المسلحة في مناطق الصراعات
في سوريا والعراق وليبيا لتنفيذ أهداف سياسته الخارجية، وهو الأمر الذي يحاول تنفيذه
في الداخل التركي.
ختامًا:
إن إقرار البرلمان التركي بصلاحيات هذه الميليشيا يمثل بداية لإقامة قوة أمنية
موازية لحماية نظام الرئيس رجب طيب أردوغان، خاصة وأن المعايير المهنية المطلوبة
لضباط الشرطة ليست ضرورية من أجل العمل كحراس للأحياء، حيث يتم اختيار الكثير منهم
من العائلات الموالية للحزب الحاكم المحافظ، وهذه التوجهات من جانب أردوغان تأتي
لفرض مزيد من القمع ومراقبة المواطنين لمواجهة وقمع الأصوات المعارضة له، خاصة
بعدما تراجعت شعبيته بسبب انخفاض قيمة العملة المحلية، وتراجع احتياطي النقد
الأجنبي، وارتفاع نسب البطالة بالإضافة إلى العقوبات السياسية والاقتصادية
والعسكرية التي تواجهها تركيا على خلفية سياستها الخارجية القائمة على زيادة
الأزمات في المناطق المختلفة من العالم.
المراجع:
1) "حراس الليل" في تركيا، لماذا يحملون السلاح؟، على
الرابط: https://www.bbc.com/arabic/middleeast-53029933
2) قانون مثير للجدل يعزز صلاحيات "حراس الأحياء" في
تركيا، على الرابط:
3) "حراس الأحياء" تعود إلى تركيا بعد قرن من تأسيسها،
على الرابط:
https://www.zamanalwsl.net/news/article/124649
4) تركيا .. حراس الأحياء أم قمع الأحياء؟، على الرابط: https://cutt.us/crpQw