فرض فوز محمد باقر قاليباف عمدة طهران ومسؤول الحرس
الثورى السابق بمنصب رئيس البرلمان الإيراني، في التصويت الذي جرى في 28 مايو 2020
في ظل منافسة شديدة مع العضو البرلمانى
السابق حميد رضا حاجي بابايي الذي انسحب في النهاية لصالح قاليباف، تحديات كبيرة للرئيس
الإيرانى حسن روحانى الذي تعانى حكومته من عقبات كثيرة وبخاصة بعد سيطرة التيار
المحافظ على أغلبية مقاعد مجلس البرلمان الإيرانى في الانتخابات التى جرت أولى جولاتها
في 21 فبراير 2020.
وعليه، سنعرض في هذا التقرير للتحديات المختلفة التى
ستواجه حكومة روحانى بعد تولى محمد باقر قاليباف رئاسة مجلس الشورى
الإسلامي(البرلمان الإيراني).
أولاً-
استمرار التصعيد
من المتوقع أن يؤدى فوز قاليباف أحد الأعمدة الرئيسية
للتيار المحافظ والمسؤول السابق في الحرس الثورى الإيراني
برئاسة البرلمان الإيراني إلى استمرار حالة التوتر المتصاعدة مع الولايات
المتحدة الأمريكية على خلفية بعض الملفات العالقة فيما بينهما والتي يتصدرها
"خطة العملة المشتركة الشاملة" أو ما يعرف بالاتفاق النووى بين إيران ودول(4+1)
والذي انسحبت منه واشنطن فى مايو لعام 2018، فضلاً عن النفوذ الإيراني في المنطقة المتمثل
في دعم عدد من الميليشيات المسلحة، وهو الأمر الذي تعتبره واشنطن بمثابة تهديد مباشر
لمصالحها في الشرق الأوسط(1).
في السياق ذاته، ظهرت بعض القضايا الأخرى التى كانت
ولازالت محل خلاف بين واشنطن وطهران والتى تمثل أبرزها في رفض الولايات المتحدة
الأمريكية لرفع الحظر المفروض على بيع أو استيراد إيران للأسلحة المقرر إنهاءه في
أكتوبر 2020، وهو الأمر الى ردت عليه إيران على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية
عباس موسوي في 4 مايو 2020 مؤكدة أن مساعى الولايات المتحدة الأمريكية لتمديد الحظر
الذي يفرضه مجلس الأمن الدولي على طهران بأنها غير مشروعة. كما تصاعدت حدة التوتر
بين واشنطن وطهران بعد أن ضربت إيران بالعقوبات الأمريكية عرض الحائط وقامت بتصدير
بعض شحنات النفط إلى فنزويلا بحجة مساعدتها في أزمتها النفطية، فضلاً عن إنهاء الإعفاءات
المرتبطة بالاتفاق النووى لبعض الدول الأعضاء فيه.
وعليه، كان موقف الرئيس الجديد للبرلمان الإيرانى فيما
يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية واضحا منذ اليوم الأول لتعينه، وهو
الأمر الذي علق عليه قاليباف، قائلاً:" أن التفاوض مع الولايات المتحدة لا فائدة منه"، في
إشارة إلى رغبته في السير على نفس النهج التصعيدى الذي يتبعه التيار المحافظ مع
واشنطن، مما يؤدى إلى حرمان روحانى من محاولة تحسين الوضع الاقتصادى داخل
الجمهورية الإسلامية قبل انتهاء فترة رئاسته الثانية(2).
ثانيًا
- الفشل في حل الخلافات الإقليمية
من المتوقع بعد مجئ قاليباف على رأس السلطة التشريعية في
إيران أن تختفى الأصوات المنادية بحل الخلافات مع دول المنطقة ولاسيما المملكة العربية
السعودية خلال الفترة القادمة التي من المحتمل أن يحدث فيها توافق كبير بين الاتجاه
العام الذي تسير فيه مؤسسات الدولة –المنادى بالتصعيد مع دول المنطقة- ومجلس الشورى
الإسلامي. فعلى الرغم من صعود بعض الأصوات المنادية بعودة العلاقة مع الرياض، إلا
إنه من الواضح أن هناك ازدواجية كبيرة فيما يتعلق بمسارات السياسة الخارجية
الإيرانية؛ حيث دعا عضو لجنة الأمن والسياسة الخارجية السابق في البرلمان الإيراني
حشمت الله فلاحت بيشة في 16 مايو 2020 إلى دفع تعويضات للسعودية وبريطانيا عن الهجوم
على سفارتيهما في طهران قبل سنوات، قائلاً:" ستعود في النهاية العلاقات مع السعودية مجدداً، مثلما عادت
علاقاتنا الدبلوماسية مع بريطانيا بعد أن اقتحم البعض سفارتها وصعدوا جدرانها"(3).
والجدير بالذكر، أن العلاقة بين طهران والرياض وصلت إلى أقصى
مراحل توترها في سبتمبر لعام 2019 بعد أن أعلنت جماعة الحوثى اليمنية المدعومة من إيران
مسؤوليتها عن حادث تفجير منشآتا نفط تابعتين لشركة أرامكو السعودية، الأمر الذي تمخضت
عنه الكثير من التداعيات السلبية والتي يأتى على رأسها ارتفاع أسعار النفط وتناقص المعروض
منه في سوق الطاقة العالمى. كما زادت حدة التصعيد بين طهران ودول المنطقة بعد اغتيال
قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى قاسم سليمانى بعد اتهام طهران لعدد من دول المنطقة
وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والكويت بالتواطؤ مع واشنطن في هذه الحادثة، وبخاصة
بعد أن أعلن وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو أنه استشار عدد من دول المنطقة وحاز
على موافقتها قبل الشروع في اغتيال مهندس العمليات الإيرانية في الخارج.
يتوازى ذلك، مع تفاقم حدة التوتر بين طهران ودول المنطقة
على خلفية الاتهامات الموجهة لشركة ماهان الإيرانية للطيران بأنها المتسبب الرئيسى
في نشر الوباء في الشرق الأوسط، بعد أن استمرت رحلاتها مع بكين مع بداية تفشي
الجائحة. ومن ناحية أخرى، قامت إيران بادخال مواطنين سعوديين دون ختم جوازاتهم،
الأمر الذي أدى لزيادة عدد الإصابات والوفيات داخل المملكة العربية السعودية في
مارس 2020، وعليه، اتهمت الرياض طهران بأنها المسؤول الأول والرئيسى عن انتشار
فيروس كوفيد 19 في المنطقة(4).
ثالثًا-
تفاقم المشكلات الداخلية
من المحتمل أن تستمر حالة الغضب الداخلى في إيران وربما اندلاع
احتجاجات جديدة بعد سيطرة مرشحى التيار المحافظ على البرلمان الإيراني وفوز أحد
البارزين داخل هذا التيار محمد باقر قاليباف برئاسة مجلس الشورى الإسلامى، على خلفية
الأجندة الداخلية والخارجية التى يحملها أبناء هذا التيار؛ فعلى الصعيد الداخلى يرتكز
فكر التيار المحافظ على استراتجيات اقتصادية تتمثل في الاقتصاد المقاوم التي يتم الاعتماد
فيه على الإمكانيات المحلية أو بالأحرى السوق السوداء، التهريب وغسيل الأموال للهروب
من حملات العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران لاسيما تلك التى تم فرضها بعد الخروج
الأمريكي من الاتفاق النووى في مايو لعام 2018.
أما على الصعيد الخارجى
فيتبى أبناء التيار المحافظ استرتجيات من قبيل التصعيد مع القوى الكبري وضرورة
محاربتها وهو الفكر الذي بات لا يجدى كثيراً في العلاقات الدولية، اعتمادًا على
بعض مبادئ الثورة الإسلامية المتمثلة في تصدير الثورة، محاربة الاستكبار ونصرة
المستضعفين، وهو الأمر الذي اثبت عدم فاعليته على المدى الطويل، فضلاً عن عدم
ملائمته لحل مشكلات المواطن الإيرانى المتمثلة في إرتفاع نسبة التضخم والبطالة،
انخفاض مستوى المعيشة الناتج عن التدهور الاقتصادى.
في النهاية: يمكن القول أن الدولة
الإيرانية مقبلة على مرحلة جديدة من التصعيد على الصعيدين الداخلى والخارجي، الأمر
الذي من شأنه العمل على تأزيم الأوضاع الداخلية ولاسيما فيما يتعلق بوضع الاقتصاد
الإيراني المتدهور بالفعل، فضلاً عن تصاعد حدة الاحتجاجات ولاسيما في ظل الأساليب
القمعية التي تتبعها الحكومة الإيرانية في مواجهة المتظاهرين من قتل واعتقالات.
أما على الصعيد الخارجي، فمن المتوقع زيادة حدة التصعيد مع الولايات المتحدة
الأمريكية ودول المنطقة وبخاصة في ظل الإدارة الأمريكية الحالية للرئيس الأمريكي
دونالد ترامب الذي يتبع سياسة الضغوط القصوى تجاه الجمهورية الإسلامية.
الهوامش:
1- قاليباف رئيساً للبرلمان الإيراني، الشرق الأوسط، 29/5/2020،
متاح على الرابط التالي:
2- رئيس البرلمان الإيراني الجديد: التفاوض مع واشنطن: لا فائدة منه،
الشرق الأوسط، 31/5/2020، متاح على الرابط التالي:
3- عضو في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني
يطالب بدفع تعويضات للسعودية، العربي الجديد، 16/5/2020، متاح على الرابط
التالي:
4- فيروس كورونا: طيران ماهان الإيراني متهم "بنشر" الوباء
في الشرق الأوسط، BBC عربي نيوز، 4 /5/2020، متاح على الرابط التالى: