مأزق الأمن السيبرانى...والمشهد العالمى الجديد للتنافس على البيانات
ظهرت روايات التدخل الروسي مرة أخرى مع بدء الحملة الإعلامية
للإنتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020؛ حيث تم الحديث في عام 2016 عن عمليات القرصنة الروسية واستخدام وسائل التواصل
الاجتماعي للتلاعب بالخطاب العام في الولايات المتحدة الأمريكية والتأثير على صانعي
القرار، وهو الأمر الذي يعكس المشهد الحالى للتنافس على المعلومات وسعى كل دولة من
القوى الكبرى لاستخدام الفضاء السيبرانى لصالحها.
وفي هذا السياق، اشارت لورا روزنبرجر مدير تحالف ضمان الديمقراطية وكبير زملاء صندوق
مارشال الألماني التابع لواشنطن والتى عملت سابقًا في مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية
الأمريكية إلى أن الدول الديمقراطية تنظر إلى المعلومات باعتبارها أداة هامة يمكن
التنافس عليها، ففي حين يغذي التدفق الحر والمفتوح للأفكار والأخبار الديمقراطية التداولية،
ترى الدول الاستبدادية هذه الفكرة على أنها تهديد وتنظر إلى المعلومات على أنها خطر
على أنظمتها وشيء يجب على الدولة السيطرة عليه وتشكيله، فمن خلال المراقبة والرقابة
والتلاعب بالمعلومات، تعزز الأنظمة الاستبدادية قوتها في الداخل بينما تضعف المنافسين
الديمقراطيين في الخارج.
على الجانب الأخر، ظهر الصراع على المعلومات في وقت تتعرض
فيه الديمقراطيات لضغوط متزايدة من الداخل والخارج؛ فالمعارك الجديدة بين القوى
الكبرى لن تحدث بالضرورة في ساحات الحروب أو في غرف الاجتماعات، لكنها تحدث على الهواتف
الذكية وأجهزة الكمبيوتر والبنية التحتية الرقمية التي تدعمها. لكن نهج عدم التدخل
الذي تتبعه العديد من الحكومات الديمقراطية للحصول على المعلومات سيصعب من عملية
التنافس.
وعليه، تواجه الدول معضلة كبيرة تتمثل في ضرورة القيام
بدور نشط فيما يتعلق بسباق المعلومات، وإلا فسوف يتركون أنفسهم عرضة للخطر في
الداخل وفقدان المصداقية في الخارج ، ولكن إذا تم التعامل معها بالطرق الخاطئة فإنهم
سيخاطرون بتقليد السلوك المتشدد للحكم الاستبدادي وخلق نوع من البيئة التحكمية؛
حيث يعتبر فهم طبيعة هذه المسابقة، وتحديد رؤية للنجاح، ووضع استراتيجية جديدة لتحقيق
هذه الرؤية أمر بالغ الأهمية لحماية الأمن القومي الأمريكى في عصر المعلومات.
أولاً-
مخاطر حرب المعلومات
خلافًا للنهج الذي تسير به الولايات المتحدة الأمريكية
جعلت كل من الصين وروسيا من سباق المعلومات جزءًا رئيسيًا من استراتيجيات الأمن القومي
لديها؛ لقد منحوا أولوية كبيرة لأنشطة الفضاء الإلكترونى (البنية التحتية للشبكة التي
يقوم عليها الإنترنت، مثل الخوادم وأنظمة الكمبيوتر، والتي يمكن أن تكون عرضة للاختراق)
وفضاء المعلومات ولاسيما فيما يتعلق (ساحة البيانات والإدراك العام؛ حيث يمكن لهذه
الدول استخدام أليات المراقبة، جمع البيانات، أدوات التجسس، وتشويه المعلومات).
وفي هذا السياق، تؤكد كل من موسكو وبكين على سيادتهما في مجال الفضاء الإلكتروني، بهدف
مراقبة أو التحكم في تدفق المعلومات داخل حدودهما، فضلاً عن تطوير طرقًا للتعامل مع
المعلومات الموجودة في الخارج؛ حيث تسعى كل منهما إلى تحقيق الريادة في التقنيات الناشئة
مثل الذكاء الاصطناعي (AI)، والتقنيات التى من شأنها تشكيل هذه
التنافس الجيوسياسي خلال السنوات القليلة القادمة.
وتشير الكاتبة إلى إنه عادة ما يتلاعب الممثلون الروس بالمعلومات
ليس لإقناع الآخرين أو نشر وجهة نظر أو أيديولوجية ولكن لإثارة البلبلة والاضطرابات؛
حيث يتمثل هدفهم في خلق الانطباع بأن الحقيقة غير موجودة، مما يقوض الثقة والسلطة في
الديمقراطيات، يضخم المتلاعبون الروس على وسائل التواصل الاجتماعي من وجهات النظر المتطرفة
ونظريات المؤامرة والشكوك حول المؤسسات الديمقراطية. كما تساعد وسائل الإعلام المدعومة
من الدولة الروسية على نشر هذه الروايات، فعلى
سبيل المثال، بعد اتهام عملاء روس بتسميم ضابط المخابرات الروسي السابق سيرجي سكريبال
وابنته في المملكة المتحدة، استخدم المسؤولون الروس تويتر لنشر نظريات بديلة قد تكون
وراءها القوات الأخرى، مما يعني أن تحديد الجاني سيكون من الصعب القيام به.
وفي الصين أيضًا تلتزم السلطات بالمثل بالسيطرة الصارمة على
تدفق المعلومات داخل البلاد مع تسخير المعلومات للتأثير على المجتمعات في الخارج؛
حيث دعا الحزب الشيوعي الصيني إلى تنسيق وثيق بين جميع أجهزة الدولة في حراسة الفضاء
السيبراني ومساحة المعلومات، سعياً لخلق نموذج للانترنت المتناغم من خلال مراقبة المعارضة،
وتعزيز نموذج الصين للفضاء الإلكتروني. كما قامت الصين ببناء مؤسسات لتعزيز هذه الاستراتيجية؛
حيث لعبت أجهزة بعينها مثل إدارة الفضاء الإلكتروني في الصين وجيش التحرير الشعبي أدوارًا
في نهج الصين المتكامل تجاه الفضاء الإلكتروني والمساحة الافتراضية للمعلومات. ففي عام 2019، حاول الممثلون المرتبطون بالحكومة
الصينية التلاعب على منصات مثل Facebook و Twitter و YouTube في مناقشات احتجاجات هونغ كونغ، كما سعى المسؤولون
الصينيون لتشكيل تغطية لتفشي الفيروس التاجي الجديد، الذي بدأ في أواخر عام 2019، بقمع
التقارير عن إخفاقات الصين (بما في ذلك عن طريق طرد ثلاثة مراسلين في وول ستريت جورنال
من البلاد ردًا على مقال رأي انتقد التستر الأولي للصين)، والترويج لنظرية المؤامرة
بأن الفيروس نتج عن هجوم بالأسلحة البيولوجية الأمريكية.
ثانيًا-
نهج شامل للتعامل مع البيانات
تتعامل الصين وروسيا مع الأمن السيبراني وأمن المعلومات على
أنهما وجهان لعملة واحدة، فهو نهج يتيح التحكم في المعلومات ومعالجتها على مستويات
متعددة، وفي الصين، تعمل الحكومة والقطاع الخاص معا لتطوير ونشر بعض التقنيات الجديدة
في هذا الإطار؛ حيث ضخت كل من بكين وموسكو مبالغ كبيرة من رأس المال في هذه التقنيات
الناشئة، لتوجيه التنمية لصالح المصلحة الاستراتيجية للدولة. كما بدأت الشركات الصينية
والروسية بالفعل في تطوير تقنيات وتطبيقات جديدة ذات مدى عالمي؛ ففي عام 2019، أثارت
شعبية FaceApp - وهو تطبيق تم تصميمه وتوزيعه من قبل شركة روسية شجعت المستخدمين
على تحميل صور وجوههم – وهو الأمر الذي يثير بعض التكهنات حول ما إذا كان بإمكان الحكومة
الروسية استخدامه لجمع بيانات للتعرف على الوجوه من جميع أنحاء العالم.
يتوازى ذلك، مع تطوير بكين لتكنولوجيا مراقبة تعتمد على الذكاء
الاصطناعي لما تسميه "الحوكمة الاجتماعية"، والتي تتمثل في تجسسها على
وجهات نظر الاقليات المسلمة في مقاطعة شينجيانغ الغربية فيما يتعلق بمعاملة
الحكومة الصينية لهم. كما تقوم الصين
أيضًا بتصدير تكنولوجيا المراقبة إلى دول أخرى، والتي غالبًا ما يتم تصنيفها على أنها
برامج "مدنية آمنة" يفترض أنها توفر أنظمة أمان عام عالية التقنية. وعلى
الرغم من تأخر روسيا عن الصين في تطوير الذكاء الاصطناعي، سعى الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين إلى اللحاق بالرك ، بل والاستثمار بكثافة في الأبحاث وتوسيع شراكات الذكاء الاصطناعي
مع الصين.
وعليه، أتاح كل ما سبق لكل من الصين وموسكو تشكيل بنية المعلومات
العالمية للمنصات والتطبيقات وأنظمة المراقبة، ويسمح لهم بجمع المزيد من البيانات لصالح
تدريب تطبيقات الذكاء الاصطناعي وضبط طرق التحكم في المعلومات ومعالجتها بشكل أكثر
دقة. فعلى سبيل المثال، يعرف ما يسمى بطريق الحرير الرقمي في الصين على أنه عبارة عن لوح تكنولوجي من
مبادرة الحزام والطريق التي تعتمد على البنية التحتية والمستندة إلى الاستثمار، هو
إحدى الوسائل التي يتم من خلالها تصدير تقنيات الشبكات والمنصات وتشكيل البنية التحتية
والمعايير التي تحكم المعلومات في البلدان الأخرى.
على الناحية الأخرى، ساعد دعم الحكومة الصينية لشركة Huawei ، - وهي شركة تكنولوجية صينية تبيع معدات الاتصالات والهواتف الذكية وغيرها
من الإلكترونيات الاستهلاكية - في إنشاء عملاق عالمي. كما توزع الصين تقنيات المراقبة
على الديمقراطيات الغربية؛ تعمل مدينة مرسيليا الفرنسية مع شركة الاتصالات الصينية
ZTE لتأسيس شبكة مراقبة عامة، وعلى الرغم من أن الصين هي أكبر مصدر للبنية التحتية
العالمية للمعلومات، إلا أن الشركات الروسية تصدر أيضًا تقنيات مراقبة الإنترنت منخفضة
التكلفة إلى العديد من البلدان، بما في ذلك العراق والمكسيك.
فإلى جانب البنية التحتية الرقمية، تقوم الصين وروسيا ببناء
شبكات إعلامية تقليدية خارج حدودهما، وتوسيع نطاق قنواتهما المدعومة من الدولة إلى
أفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وتطوير شراكات مع منافذ خارجية لنشر المحتوى
الملائم للمصالح الصينية والروسية. على سبيل المثال، استثمرت الصين في وسائل الإعلام
المستقلة في جنوب أفريقيا، ولدى المجموعة الإعلامية StarTimes المملوكة للصين عمليات في 30 دولة أفريقية. والعديد من هذه المنافذ لديها
حضور كبير على الإنترنت؛ حيث تتحكم شركات الإعلام الصينية المملوكة للدولة في بعض صفحات
Facebook الأسرع نموًا ، وتتمتع قناة RT الناطقة بالإنجليزية بمتابعة قوية على YouTube.
ثالثًا-
فعالية بنية التحكم في المعلومات
تساهم سيطرة الحكومة على بنية الشبكة الرقمية في السماح بتقييد
تدفق المعلومات داخل حدودهم؛ حيث تركز روسيا بموجب قانون "الإنترنت السيادي"
لعام 2019 على حركة مرور الإنترنت في البلاد، وهو الأمر الذي يمكنها من إغلاق الإنترنت
عن بقية العالم، والشاهد على ذلك هو استخدام دول أخرى بداية من الأنظمة الاستبدادية مثل إيران إلى الديمقراطيات
مثل الهند، ألية إغلاق الإنترنت للحد من تدفق المعلومات في مواجهة الاضطرابات
السياسية.
والجدير بالذكر، أن كل من روسيا والصين تشكل من خلال هذه
الطريقة نموذجًا بديلًا للإنترنت الحر والمفتوح الذي دافعت عنه الولايات المتحدة وحلفاؤها
لعقود طويلة. وفي المقابل، عملت روسيا مع الصين وغيرها لتأمين دعم الجمعية العامة للأمم
المتحدة لتطوير معاهدة دولية للجرائم الإلكترونية، تتمحور حول السيادة الوطنية والرقابة،
والتي من شأنها أن تسمح بمزيد من الرقابة الحكومية على المحتوى المقدم عبر الإنترنت،
وعلى الرغم من معارضة الولايات المتحدة الأمريكية، تم تمرير القرار بدعم من العديد
من البلدان الأفريقية، الآسيوية وأمريكا اللاتينية.
إضافة إلى ذلك، تعمل بكين - على وجه الخصوص - مع الحكومات
الأخرى لتطوير أطر قانونية، غالبًا ما تكون على غرار قوانينها الخاصة، من أجل
"إنترانت ذات سيادة" الذي من شأنه أن يفرض سيطرة حكومية أكبر على تدفق المعلومات؛
حيث تركز هذه القوانين بشكل متكرر على الرقابة وإزالة المحتوى الحساس، بالإضافة إلى
إصدار متطلبات لتخزين البيانات محليًا في بلد ما، وهي قاعدة تقيم الحواجز الحمائية
وتمكن من التدقيق الحكومي. غالبًا ما ترافق هذه القوانين استيراد التقنيات الصينية
والبنية التحتية للشبكات وكثيراً ما تقوم بكين بتدريب المسؤولين الأجانب على إدارة
الإعلام والمعلومات واستخدام البيانات.
رابعًا-
معضلة الديمقراطيين
تعانى الولايات المتحدة الأمريكية من أوجه قصور عدة فيما
يتعلق بالإطار الذي تستخدمه لفهم العالم الرقمي؛ حيث تنظر واشنطن إلى مسابقة المعلومات
بعبارات تكتيكية إلى حد كبير، ولكن الأمر الواضح أنها فشلت في إدراك أن هذه الأنشطة
تحدث عبر ثلاثة أبعاد متكاملة: المعلومات (نشر السرد والتحكم فيه ومعالجته) والهندسة
المعمارية (الأنظمة والمنصات التي تنقل المعلومات وتطلبها وتجمعها ) ، والحوكمة (القوانين
والمعايير، وفي بعض الحالات، محددات المحتوى والبيانات والتكنولوجيا). ولم تفهم الولايات
المتحدة الأمريكية بشكل كامل ما هو واضح بالفعل للصين وروسيا، بأن مجالات الفضاء الإلكتروني
ومساحة المعلومات تتقاربان بشكل متزايد.
فعلى الرغم من أن الاستراتيجية الوطنية السيبرانية في واشنطن
لعام 2018 تشير إلى تهديد الفضاء الحر والمفتوح للمعلومات والتحدي الاستبدادي للإنترنت،
إلا أن معظم النص يركز على وجهة نظر تقليدية للأمن السيبراني تقتصر على عمل الشبكات؛
حيث يذهب تقرير عام 2020 للجنة Cyberspace
Solarium - وهي هيئة حكومية
دولية من الحزبين مكلفين بوضع استراتيجية جديدة للدفاع عن الفضاء السيبراني الأمريكي
- إلى خطوات قليلة أخرى، تتمثل في التركيز على العمل المتضافر بشأن تطوير التقنيات
الناشئة ومواجهة عمليات الهجمات على المعلوما ، ولكنه لا يعالج أسئلة أخرى من قبيل
الكيفية التى تتم بها إدارة المعلومات والبيانات.
والجدير بالذكر ، إنه على الرغم من أن الوكالات المدنية تشارك
في استراتيجيات مختلفة لإدارة الفضاء الإلكتروني والمعلومات، فإن الولايات المتحدة
الأمريكية تفتقر إلى استراتيجية وطنية متكاملة خارج المجال العسكري للمنافسة في مجال
المعلومات؛ حيث تجري معظم المسابقات الإعلامية العالمية على الشبكات الخاصة التي تستهدف
المدنيين، وهي مناطق خارج نطاق الولاية القضائية التقليدية للحكومة الأمريكية، حيث
لم تكتشف واشنطن كيفية العمل بشكل منهجي مع القطاع الخاص والمجتمع المدني بعد.
فلا يمكن للمسؤولين في الولايات المتحدة الأمريكية والدول
الديمقراطية الأخرى الاقتراض ببساطة من الاستراتجيات الصينية والروسية، بل يجب عليهم
تحديد أفضل طريقة للمشاركة في مسابقة المعلومات دون تشويها أو المساس بالانفتاح الأساسي
لمجتمعاتهم. عندما تنظم الديمقراطيات المحتوى وتزيد من التحكم في هندسة الإنترنت، فإنها
تضعف المؤسسات الديمقراطية. ففي التسابق على كيفية التعامل مع المعلومات ، يعد الالتزام
بالقيم الديمقراطية ليس فقط الشيء الصحيح الذي يجب القيام به، بل من الضروري الفوز في المنافسة مع الأوتوقراطية.
حيث يرى الفاعلون الاستبداديون مزايا كبيرة في التحكم في
المعلومات والتلاعب بها ، ولكن بالنسبة للديمقراطيات، فإن القيام بذلك من شأنه أن يقوض
مؤسساتهم وقيمهم. وفي الوقت نفسه، فإن اعتماد الديمقراطيات على الخطاب السياسي الحر
والمفتوح يوفر فرصًا لمنافسيها للتدخل في نظم المعلومات البيئية الخاصة بهم؛ حيث تقيد
هذه الديناميكيات الكيفية التى يمكن للديمقراطيات أن تستجيب بها مع هذه الجهود الخبيثة التي يقوم بها خصومها.
كما إن تبني تكتيكات بكين وموسكو، أو قبول الأطر التى يسيرون بها في التسابق على
إدارة البيانات، يعني الاستسلام لشروط استبدادية.
على الناحية الأخرى، بدأ المسؤولون الأوروبيون في الدعوة
إلى نهج جديد لمعالجة هذه التحديات؛ حيث بدأ المسؤولون الفرنسيون والاتحاد الأوروبي
بشكل منفصل في صياغة المبادئ التى يمكن من خلالها صياغة الكيفية التى يمكن من
خلالها التعامل مع البيانات بشكل منفصل، من خلال صياغة رؤاهم من حيث حماية "السيادة"
الأوروبية، إلا أنهم أثاروا خطاب بكين وموسكو، وفشلوا في التمييز بوضوح بين النموذج
الديمقراطي ونظيره الأوتوقراطى. ويبدو أن الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للمسؤولين
الأمريكيين هو أن الأوروبيين يسعون إلى نموذج جديد لإبعاد بلدانهم عن الولايات المتحدة
الأمريكية، بدلاً من العمل على بناء إطار ديمقراطي أوسع.
خامسًا-
تعزيز المبادئ الإنسانية في التعامل مع البيانات
ترى الكاتبة إنه يجب على الولايات المتحدة ألا تستمر في التنازل
عن القيادة في هذا الإطار؛ حيث يجب أن توازن بين حماية القيم الديمقراطية والحفاظ على
القدرة التنافسية التكنولوجية للبلاد، وعلى تدفق البيانات المفتوحة نسبيًا مع منع تلك
المعلومات من الوقوع في أيدي الأنظمة الاستبدادية. ويجب على واشنطن معرفة كيفية كسب
تعاون أكبر من القطاع الخاص دون الإضرار بقدرة الشركات الأمريكية على ابتكار أو تقويض
السوق الحرة.
تحتاج الولايات المتحدة الأمريكية إلى التعامل مع هذه المهام
باحترافية، بالتوازى مع الاعتراف بأن نهجها المنفصل عن خصوصية البيانات وتنظيم التكنولوجيا
قد قوض حرية وانفتاح رؤيتها للإنترنت. ومن خلال الخطوات المتخذة محليًا لحماية الخصوصية
وتنظيم شركات التكنولوجيا بشكل أفضل، يمكن لواشنطن أن تشكل تحالفًا متعدد الأطراف بسهولة
أكبر مع شركائها الديمقراطيين، لا سيما في أوروبا؛ فمن المهم الاستمرار في دعم الإنترنت
الحر والمفتوح في معارضة السيطرة التي تسعى إليها الأنظمة الاستبدادية من خلال انتشار
"إنترانت ذات سيادة". لكن الديمقراطيات تحتاج أيضًا إلى الاعتراف بالطريقة
التي تستغل بها الاوتوقراطية الحقوق والحريات الديمقراطية ومعالجتها لتقويضها، ستوفر
هذه الإجراءات تباينًا واضحًا مع النموذج الاستبدادي وبديلًا جذابًا للبلدان الأخرى
التى تتبنى النموذج الصينى في هذا الإطار.
ولنجاح هذا المسعى يجب إعادة هيكلة الطريقة التي تعمل بها
حكومة الولايات المتحدة الأمريكية مع هذه القضايا؛ حيث يجب عليها تجنب تقليد الهياكل
الصينية أو الروسية، ولكن تتمثل المعضلة الحقيقية في إنه لا يوجد كيان حكومي أمريكي
لديه حاليًا التفويض أو السلطة أو الموارد للتعامل مع النطاق الكامل للتسابق على المعلومات،
لذا، يجب أن ينظم مجلس الأمن القومي الأمريكى مقاربة متكاملة مشتركة بين الوكالات يقودها
كل الأطراف المعنية بهذا الموضوع، وينبغي أن تنسق عبر الوكالات الحكومية ذات الصلة
وتطور آليات تعاون جديدة مع القطاع الخاص.
كما يحتاج قادة الولايات المتحدة الأمريكية في القطاعين العام
والخاص إلى الضغط على الرقابة خارج الحدود الإقليمية من خلال الوقوف مع الشركات المهددة
من قبل الأنظمة الاستبدادية وفضح التقنيات التي تعمل على الرقابة تلقائيًا؛ حيث يجب
على واشنطن محاولة كبح توسع النموذج الاستبدادي من خلال تطوير المبادئ الديمقراطية
حول الفضاء الإلكتروني ومساحة المعلومات في هيئات الحوكمة متعددة الأطراف، وينبغي عليها
أن تستثمر في مجتمعها المدني الخاص بها، وحماية وسائل الإعلام الحرة والمستقلة ودعم
الجهود لإجراء البحوث حول فضاء المعلومات.
وبفضل انخفاض التمويل للبحوث الأساسية ودور الصين العملي
في تأجيج الابتكار، تخاطر الولايات المتحدة الأمريكية بالتخلف في تطوير بعض التقنيات
الجديدة؛ حيث يجب على الحكومة الأمريكية منح الأولوية للتقنيات الناشئة مثل الذكاء
الاصطناعي والحوسبة الكمية وجمع التمويل للبحث والتطوير بالشراكة مع القطاع الخاص،
ومضاعفة الجهود لتدريب وجذب من كبار العلماء والمهندسين في الخارج. يجب على صانعي السياسات
أيضًا تقييد التقنيات التي يمكن أن تعيق بشكل كبير الحكم الديمقراطي وحقوق الإنسان،
بدءًا من الوقف الاختياري لتكنولوجيا التعرف على الوجه ، والتي تتطلب قواعد واضحة للحماية
من إساءة الاستخدام، يتبعها دراسة أكثر صرامة لكيفية استخدام وإدارة الذكاء الاصطناعي
.
قد تكون هناك أيضًا
حلول تكنولوجية لمشاكل الخصوصية الفردية: مثل نماذج التعلم الآلي الأكثر تعقيدًا، كما
يجب على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الديمقراطيين منح الأولوية لنهج متعدد
الأطراف، بالتنسيق مع القطاع الخاص، لزيادة التأثير على هيئات المعايير الدولية مثل
الاتحاد الدولي للاتصالات وكيفية توجيه استخدام التكنولوجيا الناشئة حول العالم.
Laura
Rosenberger, Making Cyberspace Safe for Democracy: The
New Landscape of Information Competition, Foreign Affairs, May/June
2020, available at: