كن مستعدا لسباق التسلح الجديد: لماذا الاستقرار الإستراتيجي النووي لن يعمل مع الصين؟
تشكل القدرات العسكرية
الصينية المتنامية تهديدا كبيرا لدول العالم رغم الإهتمام العالمي بهذا الأمر أقل
من المتوقع؛ حيث ينصب تركيز الجميع على قدرات الصين الإقتصادية والتي نمت خلال
القرن الحالي بشكل غير مسبوق لتصبح القوة الثانية في العالم.
يرى الكاتب Bradly A. Thayer، وهو مدرس العلوم السياسية بجامعة تكساس والمؤلف المشارك بكتاب How China sees the World أن الصين ترفض القيود الدولية على بناء قدراتها العسكرية، ما يعد
أمرا مقلقا للغاية. ويعكس هذا الرفض الرغبة الصينية الكبيرة في بناء ترسانة قوية
قادرة على منافسة باقي القوى العظمى.
ويرى الكاتب أن توسيع
الصين لترسانتها العسكرية النووية لم يحظ بالإهتمام المناسب على الصعيد الدولي رغم
تهديده المباشر للمصالح الأمريكية. علاوة على ذلك، تلعب السياسة الخارجية الصينية
دورا كبيرا في تقييد دور الولايات المتحدة في مساعدة حلفائها أن تطبيق استراتيجية
ردع عسكرية في عدد من المناطق الخاضعة ضمنيا لنفوذها العسكري.
ويعرف د. برادلي ثاير حالة الإستقرار الإستراتيجي على
أنه الحالة التي تنتج عن تبني كل الأطراف حالة من الردع مع وجود دافع محدود لتحقيق
الأفضلية أو السيادة على الطرف الآخر. وقد تحققت هذه الحالة خلال الحرب الباردة
بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي. ورغم ذلك، يرى الكاتب أن حالة الإستقرار
الإستراتيجي لن تتحقق بين واشنطن وبكين لعدة أسباب، نذكرها على النحو التالي:
أولاً- عدم دقة التقديرات بشأن الترسانة
النووية الصيية
لاشك أن الأرقام الحقيقة
بالنسبة لترسانة الصين العسكرية تشكل أزمة حقيقة للقائمين على السياسات الدفاعية
داخل الولايات المتحدة. فبينما تشير عدد من التقديرات إلى أن الصين تمتلك قرابة
ثلاثمائة رأس نووي إلا أن افتقار الصين للشفافية أمر يدفع منافسيها إلى التشكيك
بهذه الأرقام. وقد ذكر الكاتب أن شهر مايو شهد دعوات من داخل الصين بزيادة رؤوسها
النووية لقرابة الألف رأس نووي.
علاوة على ذلك، عكفت الصين
خلال السنوات الأخيرة على زيادة قدراتها العكسرية التقليدية غير النووية
والسيبرانية بما يتيح لها أن تشكل خطرًا حقيقيا على باقي دول العالم. ويرجع الكاتب
اهتمام الصين بزيادة قدراتها العسكرية إلى رغبتها في فرض هيمنتها على العالم. ورغم
أن الصين تتبع سياسية استراتيجية سلبية من خلال عدم الإندماج المباشر في النزاعات
المسلحة، إلا أن هذا الأمر مكنها من بناء ترسانة عسكرية كبيرة بعيدا عن أعين
الجميع. وقد تمكنت الصين من بناء قاعدتين عسكريتين في كل من جيبوتي وفي ميناء
جوادر بباكستان، في اطار سياساتها الهادفة لتكثيف وجودها على الممرات المائية
الهامة. وتشكل سياسية "دبلوماسية الدين" أحد أهم أدوات التمدد الصينية؛
حيث تقوم الصين باقراض الدول مقابل الحصول على امتيازات ربما تتعلق بفرض قيود غير
مباشرة على سيادة هذه الدول.
ثانياً- سرية البناء العسكري
عملت الصين خلال السنوات الأخيرة على بناء قدراتها
النووية بشكل سري كي لا تثير أزمة مع الولايات المتحدة أو حلفائها من الدول
الغربية. الأمر الأشد ريبة من ذلك هو قيام الصين بإعداد نفسها للمعركة بشكل سري
لتحسين قدرتها على تدمير الولايات المتحدة بوسائل غير نووية.
تتضمن هذه الوسائل هجوما سيبرانيًا،
التحكم في الفضاء، النفوذ الإقتصادي، التحكم في التكنولوجيا المتطورة مثل 5G وغيرها من
الذكاء الإصطناعي، القوة الناعمة، المال، الوصول غير المشروع للمعرفة الأمريكية والملكية
الفكرية. وبإمكان الصين أن تحدث تدميرا للولايات المتحدة يعادل اصابتها بقنبلة
نووية. ويرى الكاتب أن الصن ربما تشن هجوما الكترونيا على الشبكة الكهربائية في
الولايات المتحدة لتشل حركة البلاد تماما قبل أن تعاود الهجوم مرة أخرى على
المحاولات الأمريكية لإعادة التحكم بالشبكة مرة أخرى.
ثالثاً- الصين ترفض القيود على التسليح عمليا
في هذا الجزء، يؤكد المؤلف أن الصين لن تقوم بفرض قيود
أحادية الجانب على منظومتها العسكرية، ما يبشر باستمرار سباق التسلح مع الولايات
المتحدة الأمريكية. وقد أشار د. برادلي ثاير بشكل ضمني أن عملية فرض القيود على
التسليح تأتي كخطوة لاحقة لبناء الثقة بين الطرفين، وهو ما يتحقق فقط من خلال
المباحثات الثنائية التي تعقد بهدف تحييد الأخطار المشتركة أو التهديدات
المتبادلة.
على النقيض من ذلك، يبرر الكاتب سعي الدول لبناء ترسانة
عسكرية قوية بتأكيده أن سباق التسليح قد يوفر نوع من الإستقرار في العلاقات
الثنائية بين الدول. ومن هنا، لن تتخلى أي دولة عن جزء من قوتها العسكرية إلا إذا
أردات أن تبرهن فقط لغيرها من الدول عدم امتلاكها طموح فرض الهيمنة.
ولذلك، إذا ما قررت الصين قبول مبدأ فرض قيود على
التسليح، عليها أن تبدأ ببناء حالة من الثقة مع منافسيها، خاصة أن معظم سياسات
الصين تتسم بالضبابية وغير الشفافية، بمعني أن الدولة تقوم بفعل على الأرض وتروج
لآخر على المستوى الدبلوماسي.
في النهاية، يرى الكاتب أن المحاولات الصينة لبناء
منظومة عسكرية قوية من أجل فرض هيمنتها على العالم لن تتوقف، ومن ثم بات حتميا على
الولايات المتحدة أن تعد نفسها لسباق تسلح جديد على غرار ما حدث مع الإتحاد
السوفيتي خلال القرن الماضي. وقد أكد الكاتب أن الولايات المتحدة عليها أن تتم
بتطوير قدراتها العسكرية بشكل مستمر فضلا عن ضرورة اهتمامها بالقدرات الغير نووية
مثل السيبرانية.