الدور الأمريكي في أمريكا اللاتينية خلال جائحة كورونا
تأثر العالم ككل بوباء كورونا "فيروس كورونا
التاجي" ولكن على مستويات مختلفة تبعًا للعديد من العوامل، كما تأثرت
العلاقات الدولية بشكل يمكن استشفافه في العديد من المواقف، فوجدت بعض الدول في ذلك
فرصة لتحقيق أجنداتها الخارجية والتأكيد على مطالبها في حين تضرر البعض الآخر بشكل
لا يسمح معه لإعطاء مساحات أكبر للتحرك على المستوى الدولي أو السعي في طريق تحقيق
تقدم على جبهات أخرى قبل الوصول لنقطة آمنة فيما يتعلق بالأزمة الصحية على أساس
أنها تعتبر من الأولويات.
برزت قضايا العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة
الأمريكية والعديد من دول أمريكا الجنوبية بشكل خاص والعلاقات الأمريكية-اللاتينية
على وجه العموم منذ بداية الأزمة وأخذت في المرور بمنحنيات تصادية وتنازلية توضح
أشكال التعاون والاختلاف بين الحكومات، ومن الجدير بالذكر هنا أن منطقة أمريكا
اللاتينية كانت المنطقة الأبطئ في العالم عند التحدث عن معدلات النمو الاقتصادي
حتى قبل اندلاع أزمة "فيروس كورونا" ومع تفاقم الأزمة وتسببها في انهيار
أسعار البترول فإن ذلك يهدد الكثير من دول المنطقة بالإغراق في الركود الاقتصادي1، فكانت
التوقعات في فبراير 2020 تشير إلى تحقيق أمريكا اللاتينية معدل نمو متوسطه 1.2 %
وبعد شهر واحد انخفضت التقديرات لتشير إلى ما يقرب من 2. % فقط، فضلًا عن أن دولة
مثل الأرجنيتن انخفضت توقعات معدل نموها لتصل إلى -2 %2.
مع تجاوز أعداد الوفيات جراء فيروس كورونا في أمريكا
اللاتينية عدد ال 15000 مع بداية شهر مايو3 ارتفعت معدلات القلق
لدى الأفراد والحكومات، ولم تغب الولايات المتحدة عن التعاون مع بعض الدول التي
تعاني من ناحية والتدخل في شئون بعض الدول الأخرى، سواء سياسيًا أو عسكريًا أو
اقتصاديًا أو حتى صحيًا.
اقتصاديًا:
أدى انخفاض نسبة السياحة من الولايات المتحدة وضعف الطلب
على المنتجات اللاتينية إلى حدوث مشكلات اقتصادية كثيرة في الأسواق اللاتينية4، وكانت
الأرجنتين قد علقت رحلاتها الجوية مع الولايات المتحدة في منتصف مارس 2020 الأمر
الذي أدى إلى ضعف السياحة الأرجنتينية، خاصة وأن نسبة السائحين الأمريكيين كانت هي
الأكبر في الأرجنتين5، وفي أمريكا الوسطى والمكسيك، أدى تباطؤ النشاط في الولايات
المتحدة إلى انخفاض التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر وتدفقات السياحة وتحويلات
العاملين، ويمكن أيضا أن يؤدي انخفاض الطلب العالمي إلى التأثير سلبا على الصادرات
الزراعية الأساسية (البن والسكر والموز) وكذلك التدفقات التجارية عبر قناة بنما،
وسيتسبب تفشي الوباء على المستوى المحلي في فرض ضغوط على النشاط الاقتصادي خلال النصف
الثاني والنصف الثالث من العام 2020، ومفاقمة أوضاع العمل التجاري المحاط بنسبة
شكوك كبيرة (وخاصة في المكسيك)6 ، ومن المتوقع أن تعاني أمريكا الوسطى، التي
سينكمش اقتصادها بنسبة 2.3%، من "تراجع السياحة وانخفاض النشاط مع الولايات
المتحدة، شريكها التجاري الرئيسي ومصدر التحويلات المالية الخارجية"7.
وباعتمادها الكبير على صادرات
البترول واستخدام الدولار الأمريكي كعملة لها، كانت الإكوادور تكافح بالفعل لسداد
ديونها الخارجية ومواصلة خطة إنقاذ صندوق النقد الدولي، البالغة 4.2 مليار دولار، وزاد
الفرق في العائد بين سندات الدولة وسندات الخزانة الأمريكية بشكل حاد في الأيام
الأخيرة مما يشير إلى احتمال أكبر للتخلف عن السداد8.
عسكريًا:
أثارت
أعداد السجناء في سجون الكثير من دول أمريكا اللاتينية قلق الأمم المتحدة، حيث
وصلت أعداد السجناء في بعض السجون في بيرو إلى 500 % من طاقتها الاستيعابية، إلا
أن الولايات المتحدة أيضًا عانت من نفس المشكلة، حيث أطلق مسئول أممي في الخامس من
مايو إنذارًا لها جراء زيادة أعداد السجناء في ولاياتي شيكاجو ونيويورك، وبلغ عدد
المسجونين في الولايات المتحدة في بداية شهر مايو 2.3 مليون سجينًأ، الأمر الذي
جعل الأمم المتحدة تطالب الولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية بالتنسيق بين
بعضهم البعض لتحقيق رعاية صحية جيدة للسجناء خاصة بعد تفشي فيروس كورونا داخل
العديد من السجون ووفاة عدد من السجناء9.
ومع
انتشار الوباء في الأمريكتين، لم يكن ذلك دافعًا لتوقف الولايات المتحدة عن التدخل
في أمور الكثير من الدول اللاتينية، حيث انشغل العديد من الدول بمكافحة الجائحة
بينما عملت الولايات المتحدة على الترتيب لأكبر عملية عسكرية أمريكية في أمريكا
اللاتينية منذ ثلاثين عامًا، وجاء التخطيط لهذه العملية تحت بند القضاء على إرهاب
المخدرات الفنزويلي الذي يخيف إدارة ترامب، وتشير الدراسات إلى أنه آخر عملية
مماثلة لتلك العملية في الأعداد والعتاد كانت العملية التي وجهتها الولايات
المتحدة إلى بنما عام 1989 للإطاحة بنظام الجنرال ماويل نورييغا10.
وفي
مؤتمر عقد في الأول من أبريل 2020 أعلن وزير الدفاع الأمريكي "مارك
إسبر" أن الرئيس ترامب كان قد وافق على تضمين حزمة من القوى في هذه العملية
تتمثل في زيادة المدمرات البحرية والسفن القتالية الساحلية وكذلك خفر السواحل
بالإضافة إلى عدد من الطائرات الدورية وعناصر من لواء مساعدة قوات الأمن المسلحة،
وقال الجنرال مارك ميل، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، أن هناك الآلاف من
البجارة وخفر السواحل والجنود والطيارين والضفادع البشرية ضالعين في هذه العملية
الضخمة، وجاءت تلك التصريحات بعد أسبوع واحد من كشف وليم بار، المدعي العام
الأمريكي، عن لائحة اتهام ضد الرئيس الفنزويلي "نيكولاس مادورو" و13
مسئولًا سابقين أو حاليين في إدارة الرئيس مادورو، حيث تم اتهامهم ب"إرهاب
المخدرات" وتم الإعلان عن مكافأة قدرها 15 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات
تؤدي إلى إلقاء القبض على الرئيس مادورو وحده وملايين الدولارات الأخرى لمن يساعد
في توفير بيانات للقبض على المسئولين الآخرين11.
ونقلت
وكالة "رويترز" عن مصادر مطلعة أن هذه الخطوة تهدف إلى زيادة الضغط على
الحكومة الفنزويلية بقيادة الرئيس نيكولاس مادورو وحلفائها، لكن ذلك ليس تحضيرا
لعمل عسكري ضد فنزويلا.، أشار مسؤولون أمريكيون إلى أنه على الرغم من تصريحات
الرئيس دونالد ترامب بأن كل الخيارات على الطاولة في ما يخص فنزويلا، لا ترغب
الولايات المتحدة استخدام القوة العسكرية، لأن ذلك قد يؤدي إلى دخولها في نزاع
جديد في الخارج12.
سياسيًا:
بخصوص ما
يتعلق بأزمة الولايات المتحدة العسكرية مع فنزويلا، فقد ظهر للأفق أغراض سياسية
لتلك التصريحات، حيث أنه سرعان ما ردت فنزويلا بعدم موافقتها على ما قالته
الولايات المتحدة وأنها ترى في ذلك محاولة تدخل في الشأن السياسي الفنزويلي، وقامت
الولايات المتحدة بعد تلك التصريحات بأيام قليلة ستتم بالتصريح بأنه سيتم إزالة
العقوبات الاقتصادية المفروضة على فنزويلا مقابل استقالة مادورو، وتعيين
"مجلس دولة" من خمسة أشخاص، وإنهاء الاتفاقيات الأمنية مع روسيا وكوبا، وعدم
ترشح مادورو للانتخابات الرئاسية القادمة، مع عدم تعيين خوان جوايدو الذي تم
الاعتراف به كرئيس لفنزويلا في 2019 من جانب الولايات المتحدة، لكن التقديرات تشير
إلى أنه لم يكن معروفًا لدى 81 % من الشعب قبل ذلك الوقت13.
ردًا على
ذلك قال وزير الخارجية في حكومة مادورو أن "فنزويلا لطالما سعت لتحقيق علاقات
طيبة مع كافة الدول، لكن الولايات المتحدة دائمًا تتعمد التدخل في الشئون
اللاتينية وهو ما ترفضه حكومة فنزويلا، حيث أن ما يحدث في البلاد هو رغبة الشعب
الفنزويلي وليس أوامر الرئيس ترامب".
صحيًا:
ظهر
جليًا أن الولايات المتحدة برغم معاناتها من فيروس كورونا المستجد إلا أنها لم
تتفانى عن تقديم المساعدات الطبية لحليفاتها في أمريكا اللاتينية، حيث قال الرئيس
إيفان دوكي، رئيس كولومبيا، والبيت الأبيض في بيان مشترك أن ترامب وافق على إرسال
مساعدات طبية إلى كولومبيا للمساعدة في مواجهة الجائحة، وقال في رسالة بثها عبر
موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك نهاية شهر أبريل أن محادثاته مع الرئيس ترامب إنما
تعبر عن تعاون وتضامن الشعبين، وأضاف أن إدارة ترامب ستعمل على إمداد كولومبيا بكل
ما هو مهم لمكافحة الفيروس14.
في وقت
لاحق استقبلت البرازيل شحنات من المساعدات الأمريكية على خلفية اتصالات بين الرئيس
البرازيلي "بولسرانو" وترامب، وهو ما يوضح التقارب بين إدارتي الدولتين.
على جانب
اخر قدمت السفارة الأمريكية في بوينس ايريس، العاصمة الأرجنتينية، مساعدات للحكومة
الأرجنتينية لكنها لم ترق إلى نفس مستوى
المساعدات المقدم لكولومبيا أو البرازيل15.
الولايات المتحدة
وأمريكا اللاتينية ما بعد كورورنا
لعل
المميز في هذه السنة على مستوى السياسات الخارجية الأمريكية هو أن نهايتها ستشهد
انتخابات رئاسية جديدة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تغير السياسات الخارجية الأمريكية
لدى انتخابات رئيس آخر غير ترامب، ولكن إذا استمر فتستمر سياساته المعادية لعدد من
الأنظمة والمساندة لعدد من الأنظمة الأخرى، ويقول جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي
السابق ومرشح الحزب الديموقراطي، أن سياسة الولايات المتحدة الحالية تجاه قضايا الهجرة
وأمريكا اللاتينية مفلسة أخلاقيًا، وأنها تحتاج إلى تعامل أكثر رقي، وتعاون قائم
على أساس الحوار لا الهيمنة، الأمر الذي يتصور معه سياسات مغايرة على مستوى
العلاقات الأمريكية-اللاتينية لدى وصول مرشح ديموقراطي إلى البيت الأبيض16.
هوامش
1 محمد رمضان، “كورونا” وانهيار أسعار البترول يدفعان أمريكا
اللاتينية إلى حافة الركود، جريدة البورصة، عدد الثلاثاء 24 مارس 2020
2 المصدر السابق نفسه
3
المصدر السابق نفسه
4 فرانس24،
حصيلة الوفيات جراء فيروس كورونا في أمريكا اللاتينية تتخطى 15 ألفا، تاريخ
الزيارة: 10-5-2020
متاح على الرابط:
https://www.france24.com/ar/20200506-%D8%AD%D8%B5%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A%D8%B1%D9%88%D8%B3-%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AA%D8%AE%D8%B7%D9%89-15-%D8%A3%D9%84%D9%81%D8%A7
5 محمد رمضان، سبق ذكره
6
أليهاندرو
ورنير، جائحة فيروس كورونا وأمريكا اللاتينية: حان الوقت لإجراءات قوية على صعيد
السياسات، صندوق النقد الدولي، 2020
متاح على:
: https://www.imf.org/ar/News/Articles/2020/03/19/blog-covid-19-pandemic-and-latin-america-and-the-caribbean-time-for-strong-policy-actions
7 المصدر السابق نفسه
8
وكالات،
كورونا يقود اقتصاد أمريكا اللاتينية لأسوأ ركود في تاريخه، جريدة العين، تاريخ
الزيارة: 10-5-2020
متاح على:
https://al-ain.com/article/latin-american-economy-recession-history-corona
9 محمد
رمضان، مصدر سبق ذكره
10 وكالة أنباء البحرين، قلق أممي
من تكدس السجون في أمريكا اللاتينية وتفشي (كورونا) في سجون الولايات المتحدة،
مايو 2020، متاح على:
https://www.bna.bh/.aspx?cms=q8FmFJgiscL2fwIzON1%2BDsCVNDdHpctwtmHgBqTbv9I%3D
11 Medea Benjamin and Leonardo Flores,
Threatening Military Intervention in Venezuela During a Pandemic?, April 2020,
available on:
12 ibid
13 People World, Despite
pandemic, U.S. government threatens intervention in Venezuela, Available on:
14 Adriaan Alsema, US promises Colombia
‘critical resources’ to confront coronavirus pandemic, available on:
15 ibid
16 Global Americans, What
the Democratic presidential candidates are saying about Latin America (an
ongoing series), March 2020, available on:
https://theglobalamericans.org/2020/03/what-the-democratic-presidential-are-saying-about-latin-america-an-ongoing-series-2/