المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
ريم عبد المجيد
ريم عبد المجيد

كيف يمكن أن يستغل داعش أزمة كورونا لتهديد أمن أوروبا؟

السبت 23/مايو/2020 - 06:21 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

في الوقت الراهن، يجتاح الكرة الأرضية بأسرها وباء كورونا ذو الانتشار السريع والتأثير المدمر. وقد تنبأ عدد من الخبراء أن هذا التأثير سيؤدي إلى تغييرات هيكلية في المجتمع الدولي بحيث تعيد تشكيله، وتوقع البعض الآخر أن أزمة كورونا سوف تعمل على تسريع التاريخ بدلاً من إعادة تشكيله، في إشارة إلى ظهور عالم ما بعد أميركا بسبب تراجع الجاذبية في النموذج الأميركي، وعالم ما بعد الليبرالية الفوضوي. كما أن أزمة من هذا النوع تتيح لبعض الجهات الفاعلة إمكانيات غير متاحة عادة لأن تلك التهديدات نفسها تمثل فرصًا. وفي هذا الصدد ظهرت تكهنات حول ما إذا كان الإرهابيون قد يستغلون المعاناة الهائلة والفوضى والاضطرابات التي تلحق بالحكومات والجمهور في جميع أنحاء العالم. في زمن الخوف والذعر هناك نقاط ضعف يمكن للإرهابيين استغلالها. ومن هذا المنطلق سيتم تناول كيف استغل تنظيم داعش الإرهابي أزمة كورونا لتهديد الأمن الأوروبي  خاصة بعد أن قام أحد المنتمين للتنظيم بمحاولة شن هجوم في برشلونة بإسبانيا مستغلًا انشغال الدولة بمكافحة فيروس كورونا.

الموقف من الفيروس

بعض الجهات الفاعلة استغلت الأزمة الإنسانية التي سببها COVID-19 لدعوة البشرية إلى تنحية خلافاتها جانبًا وتشكيل جبهة موحدة لمكافحة التحديات التي يطرحها الفيروس. بعبارة أخرى، إنها تستخدم توقيت الأزمة لوقف الصراعات المسلحة التي تعصف بالعالم ونشر السلام بدلًا منها. وتعكس رؤية رئيس الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، هذا التوجه، فقد عبر عن رغبته في تخلي المجتمع الدولي عن الأسلحة والكفاح معًا ضد وباء الفيروس التاجي.

أما بالنسبة لتنظيم داعش فهو يعتبر أن الكوارث الطبيعية بشكل عام، دليل على أن الله يدعمه في استهداف خصومه. وفيما يتعلق بفيروس كورونا، فأشار التنظيم في بادئ الأمر إلى أنه اندلع في الصين لأنها قامت بقمع مسلمي الإيغور. ورأى أعضاء التنظيم أن قوة الله تضرب الصين التي أعلنت الحرب على الإسلام والمسلمين واضطهدت الإيغور، فقال في بيان له أن الأمراض لا تأتي من تلقاء نفسها ولكن بأمر ومرسوم من الله. ولكن لم يدم هذا الموقف طويلًا، فقد قام التنظيم بتغيير رأيه في أزمة كورونا حين أعلنت منظمة الصحة العالمية الفيروس كوباء عالمي، لأنه استشعر أن الوباء يمثل خطرًا على الإرهابيين أنفسهم. فقام التنظيم نفسه بنصح إرهابييه بتجنب أوروبا بسبب المخاوف من العدوى، وذلك في بيان بمجلة 'النبأ' الصادرة عن داعش والتي تقدم توجيهات الشريعة –حسب تعبير التنظيم- التي تحث أهلها على عدم السفر إلى 'أرض الوباء'. وعلاوة على ذلك، يحتوي هذا البيان على معلومات عن الجهاديين المصابين في أوروبا، ويخبرهم بعدم العودة إلى ديارهم، ما لم يتم علاجهم. وبعد ذلك دعا إلى استغلال الفيروس لاستهداف الدول الأوروبية.

الفرص التي توفرها الأزمة

منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 وما تلاها من حرب عالمية على الإرهاب، كان التهديد الرئيسي الذي يُخشى منه هو الإرهاب. ومع ذلك، فمنذ انتشار الوباء في عام 2020، أصبح الخوف الأكبر الذي تروج له وسائل الإعلام الجماهيري هو فيروس كورونا، وهذا ما أدى إلى إبعاد الإرهاب عن الصفحات الأولى للصحف بطريقة سريعة إلى حد ما. غير أن هذا لا يعني أن الإرهابيين يمكنهم استغلال بيئة الخوف والتعطيل التي شكلها الوباء لتحقيق غاياتهم وجدول أعمالهم.

تستخدم مختلف الجماعات الإرهابية والمتمردة الإمكانيات الجديدة التي أوجدتها أزمة COVID-19 لزيادة قوتها ونفوذها. ليس فقط من خلال طريق العنف السياسي واستخدام القوة ضد السكان المدنيين، ولكن من خلال وسائل أكثر ليونة لاكتساب الشرعية السياسية من خلال تقديم المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين في المناطق والبلدان التي تكون فيها الحكومات إما غير راغبة أو غير قادرة على القيام بذلك.

وقد تسببت الأزمة في ظهور العديد من نقاط الضعف التي تمثل فرصًا للتنظيم، خاصة في قطاع المعلومات والمجال المعرفي بشكل عام، والتي استغلها لزيادة الشعور العام بالخوف والقلق، بالإضافة إلى زيادة أنشطة التضليل لزيادة الفوضى من أجل زعزعة الثقة في الحكومات مقابل زيادة شرعيتهم السياسية والروحية. ويمكن للتباعد الاجتماعي الذي فرض ضمن إجراءات مكافحة فيروس كورونا أن يمثل نقطة ضعف كبيرة حيث إنه تسبب في شعور الناس بالعزلة والإنغلاق وأصبح لديهم الكثير من الوقت لقضاءه على وسائل التواصل الاجتماعي بما يجعل من السهل على التنظيم رصدهم وتتبعهم بل وتجنيدهم أيضًا بما يجعل هؤلاء الناس متطرفين.

تهديد الأمن الأوروبي

نجح تنظيم داعش في بث الخوف في نفوس مواطني الاتحاد الأوروبي، فعلى سبيل المثال، في أسبانيا يعتبر ستة من كل عشرة أشخاص أن هناك خطرًا كبيرًا وفرصة سانحة لشن هجوم إرهابي من قبل داعش في هذا التوقيت، ورأى الفرنسيون، مستوى أعلى من الخطر على أمنهم الشخصي من تنظيم داعش مقارنة بباقي الدول الأوروبية حيث رأى 70% من السكان أن هناك تهديد محتمل من قبل داعش. بينما رأى 45% من الإيطالييين، 42% من الألمان، 39% من البرتغاليين، و35% من البلجيك أن دولهم معرضة للتهديد من قبل داعش. ولم تخلو الدنمارك وآيسلندا والنرويج من أولئك الذين يعتقدون بوجود تهديد من قبل التنظيم حتى وإن كانت نسبهم أقل من باقي الدول.

وبلغ المتوسط الإجمالي لأولئك الذين يشعرون بالتهديد الشديد 44% من سكان أوروبا، في حين أن أولئك الذين يشعرون بالتهديد أو يشعرون بتهديد قليل فبلغت نسبتهم 16% وذلك وفقًا للدراسة التي أجرها معهد DYM لاستطلاعات الرأي العالمية. (1) وحسب المنطقة أظهرت الدراسة التي أجريت في أجريت في 68 دولة حول العالم، مع أكثر من 68،000 مبحوث، أن الأوروبيون هم أكثر من يشعرون بالتهديد من تنظيم داعش، يليهم الأمريكيون، ثم الآسيويون ويليهم سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ورغم أن تلك الدراسة أجريت في 2016 إلا أن سكان أوروبا مازلوا يعتقدون بتمثيل تنظيم داعش تهديدًا على أمنهم وهو ما أثبته لهم التنظيم الذي خطط أحد أعضاءه لشن هجومًا في إسبانيا رغم تفشي فيروس كورونا. فقد قامت السلطات الإسبانية بالتعاون من ضباط الاستخبارات بالمغرب  7 مايو 2020، باعتقال أحد اتباع تنظيم داعش الذي كان يبحث عن أهداف للهجوم في برشلونة مستغلًا فترة الحظر الكامل بسبب انتشار فيروس كورونا في البلاد. هذه الواقعة تشير إلى سعي داعش إلى استغلال أعضاء منفردين تابعين له للقيام بعمليات في الدول الأوروبية فيما يعرف ب "الذئاب المنفردة".(2)

فمنذ انتشار الفيروس في جميع أنحاء أوروبا، وقع عدد من الهجمات الإرهابية المنفردة، كما قام بعض الإرهابيين الخاملين بإعلان ولائهم لداعش وكراهيتمهم للغرب على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد لوحظ قيام العديد من المتطرفين  بتجاهل حالة الطوارئ في الدول الأوروبية للبحث عن أهداف محتملة فيها.(3)

وفي الختام، يتضح أن أزمة فيروس كورونا تهيئ الظروف لتنظيم داعش الإرهابي للقيام بمزيد من العمليات الإرهابية في الدول الأوروبية مستغلًا انشغال كافة الأجهزة بها بمكافحة فيروس كورونا ومحاولة الحد من انتشاره. وعلى ذلك يوجد تهديد محتمل من قبل التنظيم وأعضاءه في الدول الأوروبية على الأمن والاستقرار الأوروبيين، وهو ما يستلزم عدم إغفاله في ذلك التوقيت.

الهامش

1.            DYM, available at: https://institutodym.es/en/international-surveys/.

2.            Gerard couzens, “Counter terrorism police fear ISIS cells are being reactivated to plot attacks across Europe after second terror arrest in Spain”, Daily Mail, 9 May 2020, available at: https://www.dailymail.co.uk/news/article-8302571/Counter-terrorism-police-fear-ISIS-cells-reactivated-plot-attacks-Europe.html.

3.           Sam Jones, “Isis suspect who defied coronavirus lockdown in Barcelona arrested”, The Guardian, 8 May 2020, available at:

https://www.theguardian.com/world/2020/may/08/isis-suspect-who-defied-coronavirus-lockdown-in-barcelona-arrested-spain

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟