لا يختلف اثنان على ان
الغارة التي قامت بها الولايات المتحدة في
3 كانون الثاني / يناير 2020 والتي استهدفت فيها أهم اركان السياسة الخارجية
الإيرانية ونفوذها في المنطقة العربية وهو
الجنرال قاسم سليماني وبمعيته عدد من الشخصيات العسكرية الإيرانية والعراقية وأهمهم
أبو مهدي المهندس ،أحدثت شرخا كبيرا في العلاقات العراقية- الامريكية، دفعت القوى
السياسية القريبة من الايدولوجية الإيرانية الى تحشيد مناصريها في البرلمان
العراقي الذي اقر في 5 كانون الثاني / يناير وبأغلبية 170 نائبا قرار الزمت فيه الحكومة
العراقية باجبار الوات الأجنبية ومنها الامريكية الى ضرورة مغادرة البلاد محاولة
انهاء هذا الملف الذي يمتد في تاريخه منذ سقوط النظام السابق عام 2003 والى وقتنا
الراهن ..
تلقت
الإدارة الامريكية قرار البرلمان العراقي بتجاهل كبير، وترى بان القرار ماهو الا
ورقة إيرانية تحاول طهران من خلالها استخدام نفوذها داخل العراق خاصة في الفصائل
المسلحة لاجبار تلك القوات على تنفيذ الانسحاب باتباع أسلوب الهجمات اليومية التي
تشنها تلك الفصائل سواء على القواعد العسكرية او على المنطقة الخضراء مستهدفة
السفارة الامريكية في تلك المنطقة .
عليه فان قضية الانسحاب الأمريكي من العراق ورقة جديدة
بدأت تلعب بها طهران في محاولة للانتقام من واشنطن ، فباتت الأخيرة تسعى
للعمل على مواجهة هذه الورقة من خلال
خيارين احلاهما مر بالنسبة للوضع السياسي
العراقي، الخيار الأول هو محاولة واشنطن فرض عقوبات مالية ونفطية على
العراق وخاصة مع انخفاض أسعار النفط والتي شكلت فائدة كبيرة لواشنطن كون ذلك يمثل ضربة قاصمة لإيران التي تعتمد على العراق
في بعض مفاصله الاقتصادية في محاولة انعاش اقتصاده المتردي نتيجة العقوبات
الامريكية والخيار الثاني تشجيع الاكراد
على اعلان قيام الدولة الكردية وبدعم
وإقامة قواعد عسكرية دائمة فيها
كذلك تشجيع السنة على إقامة أقاليم خاصة بهم، في عودة للتاريخ عام
1991 عندما فرضت خطوط الشمال والعرض في
العراق ومنع القوات العراقية من تجاوزها
وهذا الامر قد تكرره واشنطن مع مناطق السنة في العراق .
وترى إدارة ترامب ان
الوجود العسكري الأمريكي في العراق غير خاضع للنقاش كون ان الوجود يمثل أولوية بالنسبة للمصالح
الوطنية الامريكية والتي تهدف
في هذه المرحلة الى تحقيق هدفين مشتركين، أولهما الاستمرار في موواجهة
تنظيم داعش الإرهابي ومحاولاته المستمرة
لاستغلال المناطق الرخوة في العراق لشن مزيدا من الهجمات، كذلك مراقبة السياسة
الخارجية لإيران في المنطقة ونفوذها التوسعي وهي جزء من استراتيجية أمريكية تهدف
الى الضغط على ايران لدفعها نحو القبول بالمفاوضات المباشرة للتوصل الى اتفاق جديد
لبرنامجها النووي ولسلوكها التي تعده واشنطن مزعزعا للاستقرار في منطقة الشرق
الأوسط .
ويرى بعض المحللين، ان
التواجد العسكري الأمريكي في العراق قد
يكون متفقا مع اطراف سياسية فاعلة في المجتمع العراقي ونقصد بها هنا الكتل السنية والكردية والتي لم تصوت أساسا على
قرار انسحاب القوات الأجنبية من العراق، كون هذه الكتل تدرك بان انسحاب القوات
الامريكية من العراق ومحاولة ايران للتقدم باتجاه الحصول على نفوذ اكبر داخل
العملية السياسية في العراق يعني من جملة مايعنيه تهمشيا اكبر لدورهما السياسي
داخل المنظومة السياسية العراقية .
عليه، نرى اليوم بان
تلك الكتل ترى بان من مصلحتها العمل على تأييد تولي السيد مصطفى الكاظمي رئاسة
الحكومة كون الأخير يبدي انفتاحا على الآراء التي تذهب باتجاه تقليص النفوذ
الإيراني وإعادة هيكلة العملية السياسية وتذهب الآراء الى ابعد من ذلك عندما تؤكد
بان الكاظمي ربما يتحالف مع واشطن في علاقة استراتيجية سياسية وعسكرية وهذا يعني
موافقة على بقاء القوات الامريكية، كما
تهدف الى تعزيز المصالح الامريكية في العراق تلك العلاقة التي من شأنها
ابعاد ايران خارج اطار العملية السياسية في العراق، وهذا ربما السبب وراء تمسك بعض
الأحزاب والكتل السياسية برفضها تولي الكاظمي رئاسة الحكومة وتعكف في
اجتماعاتها المتكررة على إيجاد بديل مناسب لها في تولى الحكومة الجديدة .
كما تدرك واشطن من
جانبها ان أي انسحاب من العراق سيحقق نصرا سياسيا لإيران على المدى القصير والطويل،
فعلى المدى القصير فان الاسحاب وترك العراق سوف يتم تسويقه على خوف امريكي من
انتقام إيراني ووكلائها المؤيدون لها في العراق وهو انتصار الإسلام على الشيطان
الأكبر حيب مايصفه النظام السياسي في ايران، وعلى المدى الطويل فان الانسحاب سوف
يسمح لإيران بالسيطرة على العراق سياسيا
بشكل كامل وهكذا نوع من السيطرة والنصر السياسي لم تحققه طهران حتى في ظل
وجود سليماني على قيد الحياة .
واليوم، وفي ظل انسحابات أمريكية
من ثكنات عسكرية وليست قواعد كبيرة ، كالانسحاب الأمريكي من القائم ومن القيارة
يراها البعض انها انسحابات فرضتها إعادة انتشار القوات داخل العراق والابتعاد عن
صواريخ الفصائل المسلحة القريبة من توجهاتها من ايران، وهذه القوات مازالت تتمسك
ببقائها في القواعد العسكرية الرئيسة في البلاد
كقاعدتي عين الأسد والحرير في كردستان، بل ان الولايات المتحدة عملت على ادخال منظومة باترويت المضادة للصواريخ في قواعدها العسكرية في البلاد.
بقى ان نقول، بان أي جدية حكومية
في المضي باتجاه اخراج القوات الامريكية في العراق، سوف يدفع الأخيرة الى محاولة
إيجاد بدائل تحتفظ فيها ببقائها في العراق، وهذه البدائل ربما تكون في كردستان
التي أعلنت اكثر من مرة على استعدادها لاستضافة القوات الامريكية، وفي الوقت الذي
يؤكد فيه بعض القانونيين بان قرار البرلمان العراقي يشمل القوات الامريكية من جميع
الأراضي العراقية، يرى البعض منهم ان الامر لايشمل أراضي كردستان كون الأخيرة لها
وضعها الدستوري والقانوني ولها تمثيلها الخاص مع الدول الأجنبية وهذه يتيح لها
استضافة قوات اجنبية على أراضيها .
ختاما .. ان الكلمة الفصل في هذا الملف يعتمد على العلاقات العراقية – الامريكية في المرحلة المقبلة، وهي المرحلة التي سوف تشهد تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، فان استطاعت الكتل السياسية القريبة من الخط الإيراني المجئ برئيس وزراء قريب من توجهاتها ،فان تلك العلاقات سوف تكون على المحك وسوف تنعكس على الوجود العسكري الأمريكي في البلاد .