تسبب انتشار فيروس كورونا في عديد من الأزمات الاقتصادية
للدول وللأفراد على حد سواء، حيث نجم عنه تراجع النمو الاقتصادي للدول، انهيار
أسعار أسهم كبرى الشركات العالمية، إغلاق المصانع والكثير من المؤسسات الانتاجية
بما أدى في نهاية الأمر إلى فقدان الوظائف وارتفاع معدلات البطالة وكذلك معدلات
الفقر. ورغم تأثيره على جميع الأفراد إلا
أنه أثر بدرجة أكبر على الفئات الأكثر عرضة للفقر المقدع والاستغلال وسوء المعاملة
وبشكل خاص النساء اللاوتي يتم الإتجار بهن وإقحامهن في العمل في البغاء.
وفي هذا
المقال سيتم الإجابة على سؤال رئيسي وهو: كيف سيؤثر فيروس كورونا على جريمة الإتجار
بالبشر وبالتحديد الإتجار بالنساء في قطاع البغاء.
رواج
أم انهيار الإتجار بالبشر؟
يوجد سيناريوهان محتملان لمصير الإتجار بالبشر وبالتحديد
قطاع البغاء في ظل تفشي وباء كورونا في أغلب دول العالم:
السيناريو الأول- انهيار هذا القطاع كباقي القطاعات
وذلك للعوامل التالية:
إغلاق النوادي والملاهي الليلية:
فقد قامت أغلب دول العالم بإغلاق كافة المؤسسات غير
الضرورية ضمن تدابير الحد من انتشار فيروس كورونا، ومن بينها النوادي والملاهي
الليلية التي يتم فيها عملية الإتجار في البغاء، وكونها تدر عائد مادي كبير عليها.
صعوبة
الاتصال المباشر:
الآن
عملية الاتصال بالعميل أضحت شبه مستحيلة وذلك لعدة اعتبارات منها خوف العميل من
الإصابة بالعدوى من مقدمة الخدمة، خاصة وأن الفيروس ينتقل من خلال الاتصال الوثيق
الذي ينقل إفرازات الجهاز التنفسي –عبر السعال أو العطس- من الشخص المصاب إلى
الشخص المتصل به، ولكون الاتصال ضروري في تلك التجارة تزيد مخاطر الإصابة بالفيروس.
يضاف لذلك صعوبة الانتقال بل واستحالة حدوثه في بعض الدول التي تفرض حظرًا شاملًا
على تنقل الأفراد
الأزمة
الاقتصادية وغياب الموارد:
يُضاف لما سبق أن الفيروس تسبب في أزمات اقتصادية للدول
والأفراد على حد سواء بما يجبر العميل على التنازل عن الدفع لتقلي هذه الخدمة
وتوجيه نفقاته في الأشياء الضرورية مثل الدواء والطعام. وبالتالي فإن أزمة كورونا تهدد هذا القطاع.
زيادة
التوجه للإنتاج الأخلاقي:
قد تفتح الضغوط الاقتصادية نافذة للقطاع الخاص لإعادة
تقييم سلاسل لتوريد العالمية وإعادة النظر في نماذج التوظيف مع التركيز المتزايد
على العمل والإنتاج الأخلاقي، متسلحًا بوعي جديد بالمخاطر العالمية والتي من بينها
خطر الرق الحديث –الذي على سبيل المثال يشمل العمل القسري، الإتجار بالبشر-بما
يقلل من معدلات ارتكاب جريمة تجارة البغاء (1).
السيناريو الثاني- رواج الإتجار بالبشر
في حين أن الانخفاض الحالي في الطلب العالمي قد يعطل
مؤقتًا الظروف الاستغلالية، فمن المرجح أن يكون هذا الأثر قصير الأجل. ففي إطار تجارة
البغاء، على سبيل المثال، انخفض الطلب على البغاء التجاري بسبب أنظمة الإبعاد
الاجتماعي. ومع ذلك، هناك أدلة على أن البغاء الالكتروني آخذ في الازدياد(2)، مما يشير
إلى أن العاملين في هذا القطاع يتكيفون من الظروف الراهنة بما لا يمنع استمرار
عملهم. كما أنه في الأجلين المتوسط والطويل قد يزداد الإتجار بالنساء لعدة عوامل
منها:
استمرار بيوت البغاء في العمل:
رغم تدابير الحظر الجزئي والكلي في مختلف دول العالم،
تستمر شقق البغاء في العمل كونها غير مرخصة ككيان تجاري، ولا تخضع للضريبة بالتالي
هي ليست ضمن المؤسسات المفروض عليها قيود الحظر
حرمان من
الرعاية والدعم:
لا يعمل أي من التدابير التي اتخذتها الحكومات حتى الآن
على التخفيف من الظروف التي تعيش فيها النساء العاملات في البغاء. وقد استُبعدت
هذه الفئة الضعيفة، التي تعيش الغالبية العظمى منها في وضع غير قانوني، من
التدابير الاجتماعية المعتمدة للتخفيف من حالة الطوارئ وما ينجمع عنها من أضرار تلحق
بالأفراد بسبب الأزمة، لأن تلك التدابير تستهدف فقط الأشخاص الذين هم في وضع
قانوني. ومن ثم فإن غياب تدابير الحماية
ضد الفيروس بجانب تردي الوضع الاقتصادي لهذه الفئة قد يدفع النساء العاملات في
البغاء إلى مواصلة ممارسة البغاء لتوفير دخلًا يغطي نفقاتهن وأسرهن من طعام ومسكن
وعلاج.
الخوف من
تزايد الديون:
من بين العوامل التي قد تحفز رواج واستمرار الاتجار
بالنساء أن أغلب أولئك النساء لديهم ديون للقوادين –الذين جلبوهم من بلدانهم
الأصلية- أو النوادي التي يعملن بها، بما يعرضهم لاستغلال وتهديد مستمر بالحبس إن
امتنعن عن العمل خاصة وأن القوادين والنوادي يقوموا بتوفير سكن وطعام لتلك النساء
في مقابل عملهن، بما يعني أن طول فترة الحظر ستزيد من ديونهن وسيزيد اعتمادهن على
المتاجرين بهم.
زيادة
الضغوط النفسية جراء الحظر:
طول مدة الحظر قد تسبب إصابة الأفراد بمشاكل نفسية عديدة
بما قد يدفعهم إلى ممارسة البغاء حتى وإن كان عن بعد في الدول التي تفرض حظر كلي،
أو ممارسته بشكل فعلي في حالات الحظر الجزئي. بعبارة أخرى، تزيد الضغوط النفسية
وتدابير الحظر من الطلب على ممارسة البغاء بما يجعل تلك التجارة تلق رواجًا.
البطالة
وانهيار الاقتصاد:
يؤدي انهيار الطلب الاقتصادي وإغلاق الصناعات الرئيسية
في أعقاب جائحة كورونا إلى زيادة عرض الفئات الضعيفة من السكان بحثًا عن العمل.
وهذا هو نوع الضعف الذي يسعى التجار إلى استغلاله. فتعمل الصدمة الاقتصادية التي
يشهدها العالم كمحرك رئيسي وراء تعرض النساء لعروض توظيف احتيالية تنتهي بهم في
المطاف إلى إجبارهم على العمل في البغاء. وفي هذا السياق توقع الصندوق الدولي
لإنهاء العبودية الجديدة زيادة الاتجار بالنساء عندما تبدأ الاقتصادات في العمل من
جديد في أعقاب أزمة كورونا.(3)
التقدم
التكنولوجي:
والذي مكن من تطور وسائل الاتصال بما جعل العملية
الاتصالية سهلة ورخصية ومتاحة للجميع دون استثناء. هذا التطور –وفي ظل الحظر
الكلي- دفع العديد إلى القيام بأعمالهم عن بعد، وبالمثل سهل من عملية ممارسة
البغاء عن بعد بمقابل مادي عبر كاميرا الويب أو مكالمات الفيديو عبر تطبيقات وسائل
التواصل الاجتماعي مثل سكايب، واتساب، تيك توك، فيسبوك، سناب شات وغيرها، كما تم
إنشاء الكثير من المنصات الإباحية. فيقوم العميل بالدفع مقدمًا عبر التحويل المصرفي
أو خدمات الدفع الفوري ثم تبدأ المحادثة بينه وبين الفتاة. ولتفادي خسائر الإغلاق قامت بعض النوادي
باللجوء إلى "العرض الرقمي للمشاهد الإباحية" كخدمة مدفوعة الأجر على
مواقهم الالكترونية. جدير بالذكر أن المقابل المادي في بعض الدول مثل إسبانيا من
10 إلى 30 يورو لكل 10 دقائق، بما قد يجعل البغاء الالكتروني يدر عائد أكبر من
البغاء الفعلي كما أنه أكثر أمانًا كون احتمالات الإصابة بالأمراض المعدية فيه
تكون معدومة.
صعوبة
تفيذ القانون على المتاجرين:
قبل انتشار الوباء كانت
عملية إنفاذ التشريعات محدودة نتيجة الافتقار إلى الموارد اللازمة بما أعاق
مقاضاه المتاجرين بالبشر بشكل عام والنساء بشكل خاص، ومع انتشار الفيروس، تم تحويل
الموارد العامة إلى تلبية الاحتياجات الصحية الملحة، بما يجعل عمل الحكومة وتنفيذ
القانون للقضاء على هذه الجريمة أكثر صعوبة من ذي قبل (4).
وختامًا، يجدر القول إنه مع تعمق التداعيات الاقتصادية للوباء، ينبغي
للمجتمع الدولي أن يتوقع أن ملايين آخرين قد يقعون في تجارة البغاء في أعقاب
الأزمة. وفي الوقت الذي يجري فيه التصدي للاحتياجات الإنسانية الملحة في الأجل
القصير، يجب على المجتمع الدولي أيضًا أن يعيد النظر في الحماية الاجتماعية للنساء،
ومن الأهمية بمكان أن ننسق الجهود الرامية إلى منع حدوث طفرة في الاستغلال والإتجار
بالنساء من خلال اتباع نهج شامل لمكافحة هذه التجارة ويحرم المتاجرين من الأرباح
ويضمن للناجين حصولهم على فرص عمل ويقلل من مخاطر العمل القسري في قطاع البغاء
وتجريم العمل به.
الهوامش
1.
“COVID-19 and Modern Slavery: Challenges,
Opportunities, and the Future of the Fight,” Council on foreign relations,
28\4\2020, available at: https://www.cfr.org/blog/covid-19-and-modern-slavery-challenges-opportunities-and-future-fight?fbclid=IwAR3ERuXKGsZcciwsgXRCqgnXYbIQaEEGWH3wEfooXhUMkaPaflBFsjQrouw.
2.
Michael Sullivan, “Child Sex Abuse Live
streams Increase During Coronavirus Lockdowns,” NPR, 8\4\2020, available
at: https://n.pr/3c8HWgT.
3.
“GFEMS, COVID-19 and Impacts on the Fight
Against Modern Slavery”, Global Fund to end modern slavery, available
at: https://www.gfems.org/news/2020/4/2/gfems-covid-19-and-impacts-of-the-fight-against-modern-slavery.
4. “COVID-19 and Modern Slavery: Challenges, Opportunities, and the Future of the Fight,” Ibid.