المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. هبة جمال الدين
د. هبة جمال الدين

إسرائيل والسودان من برنارد لويس للولايات السودانية المتحدة .. فصل آخر من صفقة القرن

الإثنين 20/أبريل/2020 - 11:13 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

قد يعتقد القاريء أن هذا المقال يصنف في إطار الفكر التآمري خاصة أن كاتبة المقال ليست سودانية الجنسية وقد يندفع البعض للقول بأن هذا شأن سوداني ليس لي علاقة به. كل هذه الأقاويل وغيرها الكثير تحتاج إلى إرجائها حتى الانتهاء من قراءة المقال الذي يأتي في إطار مرحلة حرجة يمر بها العالم ككل خاصة في ظل جائحة الكورونا وانشغال الجميع بشئونه الداخلية واستغلال إسرائيل للفرصة للإسراع بمكتسباتها الاقليمية الاستيطانية وإعلان نتنياهو الضم الرسمي لغور الأردن كبداية لإجهاض القضية الفلسطينية ككل والتحول بعد ذلك للحلم الأكبر "أرض إسرائيل الكبرى" من النيل للفرات والسودان تدخل في هذا الحيز الجغرافي. ما سأطرحه بالمقال يسلط الضوء الأحمر على مطامع إسرائيل ودورها بالدولة السودانية خلال القرن الماضي ومحطات النجاح ومخططات المستقبل.

وقبل التطرق للمقال سأطرح على القارئ بعض التساؤلات المهمة:

-         هل تعلم أن الموساد الإسرائيلي اصدر كتاب عام 2015 يسمى "مهمة الموساد في جنوب السودان" ليؤصل لجهود الموساد في الانفصال؟

-         ما هي مخططات تقسيم وتفتيت السودان وفق مخططات كبار الباحثين الصهاينة بالولايات المتحدة وإسرائيل؟

-         هل التطبيع فقط هو ما تريده إسرائيل من السودان الآن؟

-         ماذا تعني الدعوة بعودة اليهود الذين عاشوا بالسودان إلى السودان رغم أن اصولهم بالاساس غير سودانية؟

-         هل عودة اليهود أمر قاصر على السودان أم أنه مشروع صهيوني أكبر ؟ وما الغرض منه؟

-         ما هي الولايات السودانية المتحدة وما علاقة ذلك بإسرائيل؟ وما علاقة ذلك بصفقة القرن؟

-         لماذا تدخل السودان ضمن صفقة القرن رغم أن إعلانها مرتبط بالقضية الفلسطينية بالأساس؟

-         هل سد النهضة والتعنت الإثيوبي والوساطة الأمريكية ومحاولات إثيوبيا للوقيعة بين مصر والسودان أمر مرتبط بصفقة القرن أم أن ذلك إدعاءات تطرحها نظرية المؤامرة؟

بعد طرح هذه التساؤلات سأبدء بطرح عدد من المعلومات والافكار التي تحاول الاقتراب من هذه التساؤلات لتبسيط الصورة إلى القارئ الكريم.

التساؤل الأول- هل تعلم أن الموساد الإسرائيلي أصدر كتاب عام 2015 يسمى "مهمة الموساد في جنوب السودان" ليؤصل لجهود الموساد في الانفصال؟

أصدر جهاز الموساد الإسرائيلي كتابا يفتخر خلاله بما أسماه "الانتصار الإسرائيلي" في انفصال جنوب السودان عن دولة السودان. وتضمن الكتاب ملامح وابعاد الدور الإسرائيلي وأبرز الأدوات التي استخدمتها إسرائيل في انفصال جنوب السودان التي بدأت من ثلاثينيات القرن الماضي بدأ بشكل مقبول عبر إرسال قافلة إنسانية شملت أدوية ومواد غذائية لتكون بداية لكسب الثقة ومعرفة طبيعة المجتمع وسرعان أن بدء الموساد في الستينيات يرسل صفقات اسلحة إسرائيلية للجنوب عبر الاراضي الاوغندية ثم الإثيوبية وقامت إسرائيل بتدريب المتمردين في أوغندا وكينيا وإثيوبيا. بل أن حركة أنيانيا الانفصالية قد تمت بفضل ثلاثة ضباط من الموساد الإسرائيلي منهم إيلي كوهين المستشار السياسي للانفصاليين. ووصل الدعم إلى انتقال بعض ضباط القوات الخاصة الإسرائيلية لتدريب الانفصاليين بحنوب السودان أثناء خدمة السفير الإسرائيلي أوري لوبداني سفير إسرائيل في أوغندا وإثيوبيا. كما أنشأت إسرائيل مدرسة لتخريج الكوادر العسكرية لقيادة فصائل التمرد واشتركت عناصر إسرائيلية في المعارك لنقل خبراتهم للجنوبين. وفي أواخر السبعينيات إلى الثمانينيات مدت إسرائيل جون جرانج بأسلحة متطورة بل ودربت 10 طيارين على مقاتلات خفيفة والتقطت القوات الحكومية بالاقمار الصناعية وسلمتها للإنفصاليين، بل وأرسلت إسرائيل بعض قادتها العسكريين لوضع خطط القتال بجوار الانفصاليين. وفي اواخر التسعينيات مولت إسرائيل الانفصاليين بمبلغ 500 مليون دولار لتقوي موقفهم خلال تفاوضهم مع الحكومة المركزية الشمالية. وجاء عام 2003 لتكشف إسرائيل عن اهم ادوار يهود الفلاشا في الصراع حيث ارسلتهم كقوات محاربة بجانب جارنج مستغلة الملامح الشكلية المتشابهة. واستخدمت قوتها الناعمة مع الولايات المتحدة لدعم الانفصاليين حيث اعلنت عن استعدادها لارسال قواتها المتواجدة في ارتريا وكينيا للتدخل في السودان لحماية الجنوبيين.

ومع عام 2011 ارسلت إسرائيل ممثل لها في مراسم استقلال جنوب السودان وكانت اول دولة اعترفت بجنوب السودان بعد الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي بعد يوم من اعلان استقلال الدولة.

السؤال هنا هل الدعم الإسرائيلي كان لصالح جنوب السودان الاجابة لا لأنها غزت الفرقة والانقسامات حول الموارد بل والان تصنف جنوب السودان الدولة الهشة رقم 3 على مستوى العالم وفقا لتقرير صندوق السلام الصادر من واشنطن عام 2019. فكان ما هدفت  إليه اقتناص الجزء الاكبر من ثروات السودان، وهذا ما تم عام 2013 حيث بدأت في استغلال ثروات الجنوب ونهبها عبر توقيع معاهدات مع شركات إسرائيلية في مجال البترول والاستفادة من بترول جنوب السودان.   

من هنا يتضح أن السودان وثرواتها كانت ومازالت  أحد أهم مآرب إسرائيل.

 التساؤل الثاني- ما هي مخططات تقسيم وتفتيت السودان وفق مخططات كبار الباحثين الصهاينة بالولايات المتحدة وإسرائيل؟

تأتي مخططات الخبراء والساسة ومراكز الفكر الإسرائيلية والأمريكية للسودان في إطار مخططات موسومة لاستهداف كافة الدول العربية فجميعها تستهدف عبر الية التقسيم والتفتيت بدعاوي تقرير المصير واستخدام ملف الاقليات والطوائف العرقية ومن أبرز تلك المخططات مخطط برنارد لويس المفكر الصهيوني مستشار الرئيس الأمريكي بوش الاب الذي نشر كاملا حيث استهدف تقسيم كافة الدول العربية ومخطط عوديد بينون –الباحث الإسرائيلي- عام 1982 وكلاهما اتفقا على أن مستقبل السودان هو التقسيم واقترح الأول تقسيمها لأربعة أقسام "دولة النوبة عاصمتها أسوان، دولة السودان في الوسط، دولة دارفور، ودولة جنوب السودان" وعوديد كان نفس السيناريو ولكن بدون دولة دارفور. ومع مخططات التقسيم لكن المنطقة الوحيدة التي شهدت نجاح لتلك المخططات كانت السودان عبر انفصال جنوب السودان الذي شاهدنا الدعم الإسرائيلي له.

ومؤخراً سمعنا عن استغلال النزاع حول حلايب وشلاتين واقامة مخطط يسمى بـ "مملكة الجيل الاصفر" لاثارة خلفات كامنة لبداية التجزئة والتقسيم والتفتيت بدعم أمريكي صهيوني بالاساس.

هنا قد يعلي البعض الادعاء بأن السودان يجب أن تتخلص من كونها عربية لتعلي افريقيتها كما ينادي انصار الولايات السودانية المتحدة، ولكن هذه المخططات ليست لكونها عربية. فالدول الافريقية متنازعة ومتناحرة ويستخدم الغرب "حق تقرير المصير" لاثارة النزعات والمخططات وهذا بسبب ما تمتلكه من موارد طبيعية تعتبر ثروة لا تقدر بثمن فلا ننسي امتلاك السودان الموادر والنفط والتربة وما تحتويه من ثروات في باطن الارض. علاوة على موقعها الجغرافي المتميز والاهم وجود نهر النيل الذي تعتبره إسرائيل ارثا لها بحكم خرافة "أرض إسرائيل الكبرى" ومن ثم عروبة السودان ليست سبب الاطماع فيها.

التساؤل الثالث- هل التطبيع فقط هو ما تريده إسرائيل من السودان الان؟

كان لقاء البرهان – رئيس المجلس السيادي الحاكم بالسودان- مع نتنياهو في فبراير 2020 بأوغندا بداية للكشف عن مرحلة جديدة من العلاقات بين السودان وإسرائيل، تلاه الاعلان عن فتح المجال الجوي السوداني للطيران الإسرائيلي للعبور الامر الذي كان متوقفا من ستينات القرن الماضي.

مما دفع الكثيرون من السودانيون والفلسطينيون والعرب بانتقاد السودان ليس بسبب التقارب فقط، ولكن التوقيت بالاساس الذي تزامن مع الاعلان الامريكي عن صفقة القرن مما جعل البعض يصف الامر بأنه طعنه في صدر القضية التي دعمتها السودان دوما.

ورغم ذلك كانت الصحف الإسرائيلية تنظر لما تم بأنه تقدم زائف لأنه لم يتبعه تطبيع للعلاقات حيث رهن البرهان التطبيع بقرار الشعب الامر الذي وصفه البعض بأنه دعايا انتخابية لنتنياهو ليس اكثر. كعادة الصهاينة يطمعون في كل شئ.

هنا قد يتسأل القارئ إذن ما يريده الصهاينة هو التطبيع فقط فما اذا المشكلة خاصة أن السودان لا تربطها بإسرائيل أية حدود مشتركة؟.

أولاً إسرائيل لا تريد فقط التطبيع وأنما ما هو أبعد من ذلك، وهذا ما اطرحه فيما بعد "فلتتذكروا تقسيم السودان ونهبها لموارد الجنوب". أيضاً على السودانيون ألا يتناسوا هويتهم وأدعوا القارئ للإطلاع على كتاب العودة إلى مكة لضابط الموساد الإسرائيلي "أيفي ليبكن" الذي تحول لايديولوجية حزبه الجديد Bible Bloc حيث يهدف لهدم الكعبة لانها سبب تطرف المسلمين وتفكيرهم الضيق، بل وتضمن الكتاب ادانة للمصريين حيث كان القطر المصري يضم القطرين السوداني والمصري معا. علاوة على كراهية للفراعنه المصريين والسودانيين وتحميلهم عبء ما فعله فرعون في اهل موسي عليهم دفعه ليوم الدين فلا تسامح وأنما الدم والخراب هو مصير الشعبين وأن هذه العقيدة تورث للشعب اليهودي ليوم الدين.

خاصة أن إسرائيل ترغب في تفتيت كل دول المنطقة العربية ثم الافريقية وتقسيمها لتكون دولة الاقليات الاولي في المنطقة لتجمعهم تحت اتحاد يسمى بـ "الولايات المتحدة الإبراهيمية" كما طرحته جامعة فلوريدا عام 2015 كمدخل لاقامة اتحاد فيدرالي تحكمه إسرائيل وتركيا يتحكمون خلاله مركزيا في موارد المنطقة التي ستبدأ بالشرق الاوسط ثم القارة الافريقية وتتضمن الخطة النص على الموارد الابرز المستهدفة  على سبيل الذكر لا الحصر "النفط- الماء- الغاز" وسنكون جميعا عبيد وخدام لدي الصهيوني والعثماني المحتل يتحكمون في مصيرنا وأولويات حياتنا وقد بدأت تركيا بالفعل بالاقتراب من السودان خلال التواجد في سواكن كبداية لتحقيق المخطط والحلم العثماني.

التساؤل الرابع- ماذا تعني الدعوة بعودة اليهود الذين عاشوا بالسودان إلى السودان رغم أن اصولهم بالاساس غير سودانية؟

فاجئنا وزير الشؤون الدينية والأوقاف السوداني نصر الدين مفرح، المنتمي لحزب الأمة بتوجيه الدعوة لليهود الذين كانوا يعيشون بالسودان وسافروا منها في الستينات والسبعينات للعودة للسودان والمشاركة في اعماره.  هنا على القارئ أن يلحظ انني لم اذكر اليهود من اصل سوداني لأن اليهود الذين كانوا يعيشون بالسودان لم يكونوا من اصل سوداني وأنما اتوا من خارج السودان من اسبانيا، والمغرب ومن مصر ومن لبنان .. اي انهم ليسوا منحدرين من اصول سودانية لذا فالدعوة تبدوا غريبة وتذكرني بدعوة القيادي الاخواني عصام العريان ولا اقصد هنا المماثلة ولكن ما اقصده هو انا الدعوة امر ممنهج بفعل قوى خارجية هنا سأعود للإجابة على السؤال ماذا تعنى الدعوة الأن وهل هى امر عادي ام له ابعاد أخرى تقتضي النظر والتدبر لها.

بالفعل علينا أن نعي أن دعوات عودة اليهود لا تتعلق بالسودان وحدها فهو مخطط صهيوني يتم في أكثر من دولة لإثبات دعاوي زائفة للتأصيل بأن اليهود هم الشعب الأصلي. ومن ثم يحق له العودة والادارة والتحكم في الموارد باعتبارهم اصحاب الحق الاصلي تمهيدا لتطبيق مخطط ارض إسرائيل الكبرى. وتتقاطع هذه الدعوات مع خطوات روجت لها وزارة الخارجية الإسرائيلية وبعض المنظمات الصهيونية العالمية أبرزها:

-         رفع قضايا تعويضات على كل من مصر والسعودية وليبيا سابقا للمطالبة بحق اليهود الذين سافروا من الدول العربية بإدعاء تهجيرهم مرغمين خلافا للواقع ودورهم التخريبي في اقتصاد الدول العربية لصالح إسرائيل قبيل سفرهم طواعية وتسلمهم المقابل المادي لممتلكتهم التي باعوها

-         مشروعات حفظ التراث اليهودي بمختلف دول العالم بما فيها العديد من الدول العربية بدعاوي توثيق ما يسمى بالتاريخ اليهودي وحينما نتحدث عن التاريخ اليهودي ينفتح الباب أمام الكذب والادعاء وتزوير التاريخ بدعاوي زائفة

-         إصدار وزارة الخارجية الإسرائيلية لخرائط جينية تدعي بأن جميعنا مسلمين ومسيحيين اصلنا يهود اي ننحدر من اصول يهودية ومن ثم هم الشعب الاصلي

-         إصدار وزارة الخارجية الإسرائيلية لخرائط جغرافية توضح أماكن تواجد اليهود بدول العالم المختلفة بما فيها الدول العربية والافريقية بالاساس بحكم امتلاكها للموارد والثروات

-         المشترك الإبراهيمي كمدخل لقبول اليهود بإعتبارنا أمة ابراهيمية - "بحكم أن سيدنا ابراهيم ابو الانبياء"- واسرة ابراهيمية واحدة فلا مجال للاختلاف حول الأرض والموارد بل والقبول بالمشترك للاندماج في اطار جغرافي واحد يحق لمن يمتلك التكنولوجيا التحكم المركزي في الموارد بحجة ندرتها في ظل تغير المناخ والصراع حول الموارد. وهنا تأتي إسرائيل في المقدمة بحكم تقدمها التكنولوجي مقارنة بدول المنطقة وهذا ما تروج له خطة جامعة فلوريدا وجامعة هارفارد "الولايات المتحدة الأبراهيمية" و"مبادرة مسار ابراهيم".

-         مؤتمرات دولية ترفع شعار افريقيا اليهودية الابراهيمية كمؤتمر يناير 2019 الذي نظمته جمعية يهود السفارد وجمعية ميمونه بالمغرب وعقد بنيويورك وتحاول التأصيل لمقولة "الشعب الاصلي اليهودي اصل القارة الافريقية".

                هنا قد يتسأل القارئ قائلا لماذا القلق من تشارك الموارد في اتحاد فيدرالي اكبر يهدف للتخطيط للمستقبل.

                الآن تأتي إجابة السؤال الخامس الغرض ليس شعوب المنطقة وأنما الوصول بطرق مقبولة لمخطط ارض إسرائيل الكبرى من النيل للفرات. وأن إسرائيل صاحبة النظرة العنصرية الاستعلائية المستمدة من مقولة "شعب الله المختار" لن تدع اية شعب اخر خلاف الشعب اليهودي يتقاسم الحياة والموارد وأنما ستوظفنا كعبيد خدم لصالحها فقط انظروا حال ووضع الفلسطينين منذ عام 1948  حتى الان والمكاسب التي اكتسبوها.

أيضاً علينا أن نتذكر وضع يهود الفلاشا الذي يقتلون بسبب لون بشرتهم فهل نسينا احداث ميدان تل أبيب 2015 وحادث قتل الشاب 2019 ذو الثامنة عشر سولمون تيكا على يد شرطي إسرائيلي خارج الخدمة بسبب العنصرية التي تجسدت في دولة بأكملها وقفت بجانب القاتل وروعت بأهل الضحية والسبب كان لون بشرة القتيل . ورغم أن الفلاشا هم يهود ولكن الصهاينة لا يعتبرونهم يهود مثلهم وأنما يشككون في يهوديتهم ويستخدمونهم كأدوات يستغلون ملامحهم الشكلية المشتركة مع شعوب القارة الافريقية مثلما  تم في احداث انفصال جنوب السودان حيث قاتلوا مع الجنوبين. وإذا نظرنا لاوضاعهم المعيشية نجدها شديدة الهوان والسوء والسبب لون بشرتهم بالاساس.  

التساؤل السادس- ما هي الولايات السودانية المتحدة وما علاقة ذلك بإسرائيل؟ وما علاقة ذلك بصفقة القرن؟

الولايات السودانية المتحدة هى فكرة يروج لها البعض على انها نموذج مدني للحياة الديموقراطية التي يحلم بها الشعب السوداني. ولكن علينا أن نستقرء مقولات المخطط لنعلم إذا كانت نموذجا للحياة أم أنه أمر أخر:

-         إقامة اتحاد كونفدرالي يجمع الولايات السودانية: اي تقسيم السودان اعمالا بمدئ تقرير المصير واقامة رابطة تجمع دول مستقله ذات سيادة دولية وفقا للقانون الدولي مثل الاتحاد الاوروبي الذي لا يملك سياسة خارجية موحدة او جيش موحد وانما تعاون اقتصادي قد لا تلتزم كافة اعضائه بتوصياته وسياساته. هذا يعني أن التصور يقوم على تفتيت السودان لدويلات صغيرة تتعاون اقتصاديا فيما بينها "مخطط برنارد لويس او عوديد بينون" لكن تحت مسمى حديث فلا تذكر الفيدرالية وانما الكونفيدرالية لتقطيع أواصر الدولة.

-         عروبة السودان امر مرتبط بالثقافة وليس العرق او التاريخ: هذه المقولة تتوافق مع مقولة الصهيونية حول وصف القومية العربية والشعب العربي بأنها امر زائف وادعاء فلا يوجد شيء مشترك يجمع الشعوب العربية وتحديث الشخصية العربية يتم عبر تلاشي الشخصية العربية نفسها هكذا تتبخر الهوية الجامعة وتظهر دويلات اثنية ودينية على النمط الإسرائيلي. فالهوية العربية هى حديث زائف لا يعبر عن واقع وأنما عن أوهام كما يقول هودا شنهاف.

-         التشكيك في دور الجامعة العربية والمطالبة بالخروج منها: تتم الترويج للفكرة عبر المطالبة بالخروج من الجامعة العربية فالسودان لم تستفد كما يدعي انصار المخطط من الجامعة التي كانت تحابي البشير ، كما يدعون لذا وجب المطالبة بالخروج من الجامعة العربية. وهنا لابد من الانتباه أن الجامعة العربية هى الرابطة المؤسسية التي مازالت تؤسس للنظام الاقليمي العربي والقومية العربية رغم ما يعتريها من ضعف ولكن الخروج منها بداية لتحلل النظام فلا تتناقض الهوية السودانية الافريقية مع العربية فالعديد من الدول الافريقية تعتبر عضو في تنظيمات اقليمية فرعية موازية كاتحاد السادك والكوميسا وغيرها كما أن الجامعة العربية لديها العديد من المواقف المساندة لوحدة وبقاء السودان. وموقفها تجاه السودان هو موقف عادل فهى حريصة عليه كحرصها على كافة دول المنطقة لذا وجب التدبر والانتباه. والتساؤل لماذا التوافق بين اطروحات الصهيونية واطروحات الولايات السودانية المتحدة.

-         التعاون مع الدول العربية يتم بشكل ثنائي: نفس المنطق الصهيوني والاستعماري الرافض للتعاون العربي وانما الفردية والتعاون الثنائي كبديل عن الوحدة والاتحاد لتغيب العقل.

-         اتحاد دول البحر الأحمر أهم من الجامعة العربية وأكثر جدوى للسودان: الاتحاد اقامته السعودية بعضوية دول عربية كمصر والدول المطلة على البحر الاحمر لتنظيم الملاحة به اي لتحقيق النفع العربي وحمايته من الخطر الايراني ولكن نظرا لاهتمام إسرائيل بالمنطقة لتقاطعها حيويا مع ميناء ايلات وجب الانتباه لماذا اعطاء الاولوية للتنظيم ورفض الجامعة العربية وبقائها هل يتعارضان وجودهما معا. بالطبع لا ولكن ما لا تقبله إسرائيل هو وجود تنظيم عربي قومي مناوئ لمخططهم.

هنا علينا التساؤل حول نقاط التقارب بين الفكر الصهيوني ونظرته للمنطقة العربية ودعاوي الولايات السودانية المتحدة وإذا استخدمنا المنهج الشبكي نجد وجود رابط بين إسرائيل والمخطط المطروح فهل هى مصادفة أن يكون أحد مؤسسي صفحة يهود السودان Jews of Sudan على الفيسبوك حول أحد مؤسس صفحة الولايات السودانية المتحدة خاصة أن الصفحة الاولي يشترك المؤسس السوداني مع مؤسسين من داخل إسرائيل وهما רחל גורגיה راشيل جوريا و חיים שכנז حاييم شاناز.

واذا سلمنا بالمصادفة فهل المقصود من الاتحاد الكونفدرالي للولايات المستقلة أن تكون خطوة للقبول بالولايات المتحدة الابراهيمية المستندة على وجود ولايات مقسمة اصغر تعجر عن ادراة التحديات التي تقف أمامها ومن ثم تتجه للقبول بتشارك الموارد وتحقيق الولايات المتحدة الابراهيمية "صفقة القرن" التي لم يعلن إلا عن الفصل الأول لها المتعلق بإجهاض القضية الفلسطينية. وهنا نكون قد أجبنا عن التساؤل السابع.

التساؤل الثامن: هل سد النهضة والتعنت الإثيوبي والوساطة الأمريكية ومحاولات إثيوبيا للوقيعة بين مصر والسودان أمر مرتبط بصفقة القرن أم أن ذلك ادعاءات تطرحها نظرية المؤامرة؟

دون أدني تحيز لجنسيتي المصرية التي أفخر واعتز سأقدم الإجابة بنزاهة كاملة في ظل اعتبارات موضوعية:

-         الخلافات بين مصر وإثيوبيا حول امور فنية في مسألة الملء والتشغيل اوقات الجفاف والجفاف الممتد  بمعني آخر لم تعترض مصر على حق إثيوبيا في التنمية وانما تحرص على ضمان قدرتها على الحياة في ظل ندرة مواردها المائية خاصة أن مصر تعاني فقر مائي فنصيب الفرد اقل من 600م3 على الرغم من أن الحد الادني للفرد من المياه المفترض أن يكون 1000 م3 وفقا للبنك الدولي.

-         بحيرة ناصر لا تكفي الا عامين من الجفاف وتتشارك فيها مصر والسودان معا بنسبة 80 : 20 %، والمياه الجوفية بمصر غير آمنة لا يمكن الاعتماد عليها فهي ناقصة وشديدة الملوحة وغير مستدامة، وتحلية مياه البحر مكلفة جدا لا تقدر عليها ميزانية مصر للحياة

-         إثيوبيا تدعي بوجود وفرة مائية في مصر خلاف التقديرات الدولية والوطنية وذلك كي تكون  ملتزمة شكليا باتفاق المبادئ اي انها بتعنتها لم تسبب لمصر اية اضرار

-         دراسات امان السد لم تكتمل مما يهدد امن وبقاء السودان فإذا تم الملئ قد ينهار السد مما يهدد بغرق اراضي السودان ككل حتى الخرطوم لا قدر الله

-         مصلحة مصر والسودان من مصلحة واحدة فلا يوجد مصلحة للسودان من تعطيش مصر ولا مصلحة لمصر من فقر السودان فنحن نتشارك في الموارد والتاريخ المشترك والأواصر الاجتماعية

-         موقف مصر والسودان تاريخيا وقانونيا موقفا سليما يحتاج لتضافر الجهد المشترك

هنا علينا التساؤل لماذا تتعنت إثيوبيا ولماذا التدخل الامريكي طواعية للتوسط ولماذا التعاطي الإثيوبي في بداية المباحثات ثم التعنت الإثيوبي في نهايتها، ورفض التوقيع بإدعاء اخذ رأي الشعب في نتائج المباحثات وهل هذا الامر له علاقة بصفقة القرن وهذا ما سأطرحه جليا:

-         تضمنت خطة إسرائيل 2020 أن تضغط إسرائيل على مصر لضمان ايصال مياه نهر النيل لها عبر ترعة الاسماعيلية وقد صدرت عام 1993

-         صدرت دراسة من معهد دراسات الامن القومي بجامعة تل أبيب عام 2018 ترى في التعنت الإثيوبي فرصة كبيرة لإسرائيل لايصال المياه لها عبر مصر من خلال اجبار دولتي المصب

-         مباحثات فبراير جاءت متزامنة مع اعلان امريكا وإسرائيل لتفاصيل صفقة القرن

-         مصر لم تطلب من امريكا التوسط وانما من البنك الدولي وتقدمت هي طواعية للتوسط

-         يهود الفلاشا وجدوا على منابع نهر النيل واذاعدنا لمخطط الشعوب الاصلية فيوظفون هذا الادعاء بأنهم  كذلك. ومن ثم اذا وصلت لها المياه ستطالب إسرائيل بحقها في ادارة مياه النهر بحكم أن الشعب اليهودي وجد على منابع النهر وانها من يمتلك تكنولوجيا ترشيد المورد. ويساعدها في ذلك ميثاق الاتحاد الافريقي الذي يعتبر الافريقي المنحدر من جذور افريقيا وليس من يحمل جنسية دولة افريقية ومن ثم يمكن ليهود الفلاشا المجنسين إسرائيلا التشدق بكونهم مازالوا افارقة وعليه يتحقق مخطط الولايات المتحدة الابراهيمية التي تعتبر هى صفقة القرن التي ستبدا باجهاض القضية ثم الاستيلاء على بقية اراضي الدول العربية يليها دول القارة الافريقية.

علينا أن نعي أن إثيوبيا مدعومة صهيونياً ولنتذكر جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد رغم اعتداء إثيوبيا على دول القرن الافريقي واخيرا منطقة الشفقة السودانية. فما يحدث امر ليس ببعيد عن الافعي الصهيونية التي من المحتمل أن نصل التفاق مع إثيوبيا اذا تدخلت الصين مثلا للضغط عليها وبمجرد اكتمال الملء تضرب إسرائيل السد بتوريط مصر او السودان عبر استخدام طائرات بدون طيار مكتوب عليها صنع في مصر او السودان لتغرق الخرطوم كما فعلت بضرب ارامكو بطائرات بدون طيار مكتوب عليها صنع في ايران ومضروبة من معسكر امريكي بالعراق به عناصر استخباراتية إسرائيلية. فالسيناريو قابل للتحقق مرة أخرى لذا علينا التوحد والانتباه من الافعى المتحولة التي لا تريد بنا الخير.

هنا لزم على الدولة السودانية والشعب السوداني العروبي أن يراعي الآتي:

-         رفض اية دعاوي بإقامة الولايات السودانية المتحدة فهى مدخل لتفكيك الدولة

-         تجميد دعوة الوزير السوداني بعودة اليهود الذين كانوا يعيشون بالسودان فهى دعوات تعطي الحق لمن ليس له حقا بالاساس

-         المدننة والديموقراطية لا تعني التأمرك ويجب الانتباه من التوجه امريكيا لانه في عهد ترامب مرهونا بإسرائيل

-         تقوية اواصر السودان بالجامعة العربية

-         التوحد مع مصر حول قضية سد النهضة فالصالح والمصلحة مشتركة

-         توعية الشعب بمخططات إسرائيل الهادفة للتقسيم والتناحر.

واخيراً لا اخرا ارادة الشعوب العربية هى الممانعة التي لن يكسرها الصهاينة مهما حاولوا كسرها. حمي الله السودان وحمي الله مصر والمنطقة العربية ككل.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟