هل يصبح فيروس كورونا سلاحًا بيولوجيًا في أيدي الإرهابيين؟
أثر انتشار فيروس كورونا (Covid-19) بشكل
متباين على الجماعات الإرهابية والمتطرفة، فقام بعضها باستغلال الأزمة في تكثيف
نشاطهم وعملياتهم الإرهابية وبث الخوف في نفوس الشعوب من خلال الترويج لأن الفيروس
هو عقاب من الله، وقاموا باستغلال الفرصة لإثارة معاداة السامية ونظريات المؤامرة حول
أعدائهم المتصورين. وعلى الجانب الآخر انشغلت بعض التنظيمات بالاهتمام بصحة
أعضاءها، وبتغيير الأولويات بحيث تعطى الأولوية للحرب ضد الفيروس وتعليق الهجمات الإرهابية
مؤقتًا مثلما فعل حزب الله. ومن هذا المنطلق سيتم تناول موقف بعض الجماعات
الإرهابية من فيروس كورونا، وكيف تستفيد من انتشاره باستخدام هيكل الفرص السياسية.
موقف
الجماعات الإرهابية من فيروس كورونا
· حركة شباب
المجاهدين في الصومال: أعلن أبو عبيدة، زعيم حركة
الشباب، أن المجموعة علقت جميع أنشطتها بعد تفشي الفيروس. وأشار أبو عبيدة إلى أنه
قد يؤثر على المجموعة والأراضي الواقعة تحت سيطرتها (1).
· حزب الله: في بادئ الأمر تجاهل حزب الله الوباء، وحتى ذلك الحين،
كانت أولوياته تتعلق بالعمليات العسكرية بدلاً من حماية الشعب اللبناني، وبعدما
اشتكى الكثيرون بمن فيهم الشيعة من الرحلات الجوية الإيرانية القادمة إلى لبنان،
مما أدى إلى انتشار الفيروس، تغير موقف الحزب واعتبر الفيروس خطرًا يهدد البشرية،
حيث قال زعيم الحزب أننا اليوم نواجه عدوًا تهديده واضح وكبير وواسع. هذا التهديد
لا يتوقف عند الحدود، بل يشمل العالم. وأننا في خضم حرب، حرب عالمية يخوضها الناس
ويكشفون حكومات العالم كأولوية يجب معالجتها". وأضاف نصر الله أنه "في
أي معركة، هناك هدف وعدو، فإن المشكلة في هذه المعركة هي أن العدو" فيروس
كوروني"مجهول من جميع جوانبه، لكنه وعد بأن ينتصر في هذه المعركة فقال: يمكن
هزيمة الفيروس إذا تحمل الجميع المسؤولية وقاموا بدورهم ". (2) وحث
الناس على الصلاة في منازلهم وعدم الذهاب إلى المساجد والكنائس. وشدد نصر
الله على أهمية البقاء في المنزل (العزلة الذاتية) من قبل المواطنين اللبنانيين
لمنع انتشار المرض. وطالبهم بالشفافية إذا ظهرت عليهم أية أعراض، مضيفًا أن
الالتزام بتعليمات السلطات الصحية واجب ديني.
· تنظيم داعش: بشكل عام يعتبر التنظيم أن الكوارث الطبيعية دليل على أن
الله يدعمه في استهداف الخصوم. وفيما يتعلق بكورونا، فأشار إلى أنه اندلع في الصين
حيث يتم قمع مسلمي الإيغور ورأى أعضاء التنظيم أن قوة الله تضرب الصين التي أعلنت
الحرب على الإسلام والمسلمين واضطهدت الإيغور..فالأمراض لا تأتي من تلقاء نفسها
ولكن بأمر ومرسوم من الله. وقد غيرت موقفها منه بعد ذلك حين أعلنت منظمة الصحة
العالمية الفيروس كوباء عالمي، حينها قامت بإصدار تعليمات حول كيفية التعامل مع
الفيروس مثل غسل اليدين وتغطية الفم (3)، وتجنب السفر إلى أوروبا. وبعد ذلك دعا
إلى استغلال الفيروس لاستهداف الدول الأوروبية.
· جماعة
الحوثي: استغلت ميليشيات الحوثي تفشي فيروسات تاجية جديدة كفرصة
لتحقيق مكاسب مادية وسياسية. أولها مهاجمة السعودية، فأدعى محمد علي الحوثي ، عضو
المجلس السياسي الحوثي الأعلى، في 16 مارس 2020، إن التحالف الذي تقوده السعودية
هو المسؤول عن أي انتشار للفيروس التاجي في اليمن لأن التحالف لم يتخذ عمدًا أي
إجراءات احترازية" لمواجهة الوباء (4). وقام المتمردون الحوثيون المدعومون من
إيران حاليًا بعرض صورة أنهم حريصون على الحفاظ على صحة وحياة اليمنيين في مناطق
سيطرتهم. وقد اتخذوا إجراءات وقائية وأغلقوا نقاط الدخول بين الأراضي التي يسيطر
عليها المتمردون والتي تسيطر عليها الحكومة في جميع أنحاء البلاد، كما أوقف
المتمردون رحلات الركاب من وإلى مطار صنعاء. أوقف الحوثيون المدارس والجامعات
خوفًا من انتشار الفيروس التاجي. وقامو باستغلال الفيروس لتعزيز التجنيد بحجة أن
الانضمام إلى صفوف الجماعة هو السبيل الوحيد لعدم الإصابة بالمرض، فقام الميليشيات
بحملات تجنيد واسعة النطاق بين طلاب المدارس والجامعات في صنعاء، بذريعة إنقاذهم
من الإصابة بالفيروس التاجي الجديد (5).
· طالبان: قام قادة التنظيم بفرض تدابير مختلفة لاحتواء الوباء؛
فقاموا بعقد تجمعات لرفع مستوى الوعي حول فيروسات التاجية وطلبوا من كبار السن
والقادة المحليين اتخاذ الاحتياطات لمنع انتشاره. وطلبوا من جميع اللاجئين
العائدين والذين يأتون من خارج البلاد أن يخضعوا للفحص. كما وعدت طالبان بالمرور
الآمن لمنظمات الرعاية الصحية الدولية والعاملين في المجال الإنساني الذين يقاتلون
ضد الفيروس. رغم ذلك لم يمنع الفيروس التنظيم من مواصلة هجماته، بل قام بتكثيفها.
كيف
تستفيد الجماعات الإرهابية من أزمة كورونا؟
يعتبر
اقتراب هيكل الفرص السياسية الأزمات بمثابة فرص يمكن للأطراف السياسية استغلالها
لتحقسق مكاسب، ومن هذا المنطلق يمكن للجماعات الإرهابية أن تستغل انتشار الفيروس،
تزايد مخاوف الشعوب، اهتزاز الثقة في الحكومات لتحقيق ما يلي:
·
مهاجمة الحكومات: يقوم
عديد الجهاديين عن طريق نشر معلومات مضللة وغير صحيحة حول الفيروس، بهدف زعزعة
الثقة في الحكومات وتقويض مصداقيتها خاصة في الدول التي تمنع نشر المعلومات حول
عدد الإصابات والوفيات أو تنشر إحصائيات غير دقيقة. في هذه الأوضاع يمكن للجاهديين
استغلال الفرصة للترويج لأن الجماعات الإرهابية أكثر قدرة وأكثر مصداقيةً من
حكوماتهم وأكثر حرصًا على صحة وحياة اتباعهم. فقد قامت القاعدة باستغلال الفيروس
لمهاجمة الدول الغربية في بيان لها اتهمت فيه الأخيرة بتجاهل صحة مواطنيها بالقول
بإنها بدلًا من توفير المرافق الصحية واللوازم الطبية تكرث اهتمامها بأدوات الحرب
والقضاء على الإنسان. أما طالبان فاعتبرت الفيروس هو مرض أرسله الله بسبب عصيان البشرية
وخطاياها، وروجعت جماعة داعش لفكرة أن
الفيروس هو انتقام الله ضد الكفار، ولهذا السبب انتشر في الصين بسبب معاملتها
لمسلمي الإيغور، وانتشر في الولايات المتحدة انتقامًا للهجمات التي شنتها ضد داعش
وقياداتها، كما صور التنظيم الفيروس على أنه عقاب ضد إيران والشيعة. وللترويج
لاهتمام الجماعات الإرهابية بصحة أتباعهم، حذرتهم من الاقتراب من الدول الموبوءة
في بادئ الأمر، على سبيل المثال حث تنظيم داعش الأعضاء الأصحاء على عدم دخول
أوروبا "أرض الوباء، حسب تعبيرهم" لتجنب الإصابة، ونشر معلومات حول
تدابير السلامة والصحة وحث أتباعه للحفاظ على نظافتهم الشخصية (6).
· تجنيد أعضاء
جدد: يمكن للجماعات الإرهابية
والمتطرفة عبر رواياتها عن الانهيار المجتمعي والأزمات الاقتصادية المحتمعلين، أن
تجند مزيدًا من الأعضاء والمؤيدين. ويمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي أداة
فعالة لتحقيق هذا الهدف، فالحجر المفروض في أغلب الدول زاد من أعداد مستخدمي تلك
الوسائل وهو ما يوفر فرصة للإرهابيين لنشر خطاباتهم وتجنيد أعضاء جدد، وهو ما دفع
البعض لمطالبة شركات وسائل التواصل الاجتماعي باتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع
انتشار الخطابات المتطرفة (7).
·
عودة التنظيمات والمتطرفين في الظهور: بسبب فيروس كورونا عاد تنظيم داعش إلى الظهور مرة أخرى
في سوريا والعراق بعد الهجمات التي تلقاها من قبل الولايات المتحدة والتي أودت
بحياة قيادات التنظيم وأثرت على وجوده واستمرار عملياته في المنطقة. فقد تسببت
أزمة كورونا في إرهاق القوى الأمنية التي كانت تكافح المتطرفين في السابق ولكنها
انشغلت بمكافحة الفيروس. ويعتقد البعض أن الفيروس سيتسبب ليس فقط في عودة
الإرهابيين ولكن المتطرفيين اليمينيين أيضًا
في أوروبا والولايات المتحدة (8).
·
استغلال الأوضاع لشن هجمات إرهابية: يمكن
أن تحاول الجماعات الإرهابية قلة التدابير الأمنية في بعض المناطق خاصة تلك التي
ينشغل فيها أفراد الأمن بالحفاظ على التباعد الاجتماعي بين الجمهور والحفاظ على
النظام الاجتماع والاقتصادي، بشن هجمات، خاصة وأن القوات المسلحة للدول الغربية
مقيدة بحدودها الداخلية فلا تستطيع الانتشار خارجيًا لمحاربة الجهاديين. يضاف لذلك
وجود بعض الأماكن التي تمثل أهداف جيدة للإرهابين مثل السجون غير الخاضعة لحراسة
مشددة، أو مخيمات اللاجئين، حيث يمكنهم مداهمة السجون وإطلاق سراح السجناء.
ففي 19 مارس احتفل تنظيم داعش
بانتشار الفيروس باعتباره فرصة للمسلحين لتصعيد هجماتهم في الغرب وأماكن أخرى، ففي
مقال بمجلة النبأ أشار التنظيم إلى أنه بالنظر إلى الظروف الحرجة للولايات المتحدة
فإن البلاد ستكون مصدرًا لانتشار العدوى وبالتالي يجب شن هجمات عليها (9). كما قال
التنظيم إنه على المسلمين ألا يشفقوا على الكفار والمرتدين –يقصد الدول الغربية-
ولكن يجب أن ينتهزوا الفرصة الحالية لمواصلة العمل من أجل تحرير السجناء المسلمين
من المعسكريات التي يواجهون فيها القهر والمرض. وقد قام التنظيم بالفعل بإعلان
مسؤوليته عن الهجوم على معبد السيخ في كابول والذي أودى بحياة 25 شخصًا (10).
وقامت طالبان بتكثيف هجماتها على القوات الأفغانية منذ
اتفاق 29 فبراير 2020 ، على الرغم من أن القوات الأفغانية قطعت من جانبها العمليات
الهجومية، لكن الفيروس لم يمنع طالبان من مواصلة القتال. وهو ما جعل المبعوث الخاص
للاتحاد الأوروبي لأفغانستان رولاند كوبيا، يدعوا إلى وقف كامل لإطلاق النار في
ضوء التهديد المتزايد للفيروس، قائلًا أنه يجب على طالبان أن تلتزم بوقف إطلاق
النار كوسيلة لمعالجة فيروس كورونا.
·
استخدام المصابين كسلاح بيولوجي: أشارت تقارير إلى إمكانية استخدام الإرهابيين للإنسان
المصاب لنشر مرض معدٍ خاصة وأنهم غير ملزمين بالمعايير الإيديولوجية أو النفسية
الاجتماعية التي تحظر مثل هذا السلوك. بالإضافة إلى ذلك ، فإن استخدام البشر
المصابين لنشر مرض معد له عدة مزايا بالنسبة للجماعات، أولها أنه يتطلب معرفة فنية
محدودة نسبيًا، كما أن مثل هذا الهجوم "يمكن أن يثبت أنه مميت للغاية للسكان
المستهدفين، ويعد سلاحًا منخفض التكلفة، ويسبب صدمة نفسية مؤلمة، يقوض قدرة الصحة
العامة والبنية التحتية الطبية للبلاد على الاستجابة، ويضعف الثقة في قدرة الحكومة
على حماية الجمهور (11).
وفي الختام يجدر التأكيد على أهمية إدراك الحكومات
والمنظمات الدولية بخطورة استغلال الجماعات الإرهابية للفيروس لتوسيع انتشارها
وزيادة عملياتها الإرهابية واستخدام الفيروس كسلاح بيولوجي لما لذلكمن تداعيات
خطيرة على الأمن والاستقرار المحلي والدولي على حد سواء.
الهوامش
1-
Sasha Kapur,
“Breaking Al-shabab suspends all it’s activities following the outbreak of
coronavirus,” 18\3\2020, available at: https://kenya-today.co.ke/2020/03/18/breaking-al-shabaab-suspends-all-its-activities-following-the-outbreak-of-coronavirus/.
2-
" النص الكامل لكلمة السيد نصر الله حول كورونا والمستجدات،" المنار،
16\3\2020، متاح على: https://almanar.com.lb/6388461.
3- " ماذا قال داعش الإرهابي عن
كورونا؟"، 218 tv، 14\3\2020، متاح على: https://bit.ly/2K8sRQ0.
4-
“Houthis blame coalition for coronavirus
spread in Yemen,” Debriefer, 17\3\2020, available at: https://debriefer.net/en/news-15712.html.
5-
"جماعة
الحوثي تخسر قائدها في الضالع وتستغل كورونا لتجنيد الأطفال،" العرب اليوم،
17\3\2020، متاح على: https://bit.ly/34zpqLX.
6-
Robert Gearty,
“ISIS advises terrorists on coronavirus to avoid Europe for jihad,” Fox news,
15\3\2020, available at: https://www.foxnews.com/world/isis-tells-its-terrorists-not-to-travel-to-europe.
7-
JOCE STERMAN and ALEX BRAUER, “Experts say
domestic terrorists could see coronavirus as window of opportunity,” Fox 17,
6\4\2020, available at: https://fox17.com/news/coronavirus/experts-say-domestic-terrorists-could-see-coronavirus-as-window-of-opportunity.
8-
Chris Hughes,
“Coronavirus crisis is boosting Islamic State in Middle East sparking terror
attack fears,” Mirror, 7\4\2020, available at: https://www.mirror.co.uk/news/world-news/coronavirus-crisis-boosting-islamic-state-21826331.
9-
Aymenn Jawad Al-Tamimi, “Islamic State
Editorial on the Coronavirus Pandemic,” 19\3\2020, available at: http://www.aymennjawad.org/2020/03/islamic-state-editorial-on-the-coronavirus.
10- سمير
حسن، " داعش يعلن مسؤوليته عن الهجوم على معبد السيخ في العاصمة
الأفغانية،" اليوم السابع، 25\3\2020، متاح على: https://bit.ly/2K1DS5F
11- Richard Pilch, “How to keep the new coronavirus from being used as a terrorist weapon,” Bulletin of the atomic scienists, 27\3\2020, available at: https://thebulletin.org/2020/03/how-to-keep-the-new-coronavirus-from-being-used-as-a-terrorist-weapon/.