المشهد العراقي والانقسام الشيعي حول الولاء لإيران
يبدو أن الرفض الإيراني وتعقيدات المشهد الداخلى في العراق
هى أبرز ما دفع عدنان الزرفي لتقديم اعتذاره عن ترشيحه لمنصب رئيس الوزراء، مؤكداً
أن قراره جاء بناء على رغبته في الحفاظ على الوحدة الوطنية ومنع حالة الانقسام
الكبيرة الموجودة بين كافة التيارات السياسية العراقية بسبب ترشحه، على أن يتمثل
الدافع الأكبر في اعتباره ورقة من أوراق الصراع المتصاعد بين واشنطن وطهران في
العراق، وعليه ،كلف الرئيس العراقي برهم صالح، رئيس جهاز المخابرات الوطني"
مصطفى الكاظمي" بتشكيل الحكومة بعد اعتذار الزرفي.
وفي هذا السياق، أشارت الكاتبة الأمريكية جينيف عبده زميلة مركز
بروكنجز الدوحة إلى وجود عدد من الدلالات على ظهور انقسام حاد بين النخبة والقادة
السياسيين الشيعة في العراق، والتى تمثل أهمها في أن الوضع المتردى في العراق لا يقتصر
فقط على حالة الجمود السياسى الموجودة، حتى بعد اختيار رئيس الوزراء، ولكن هناك الكثير
من المحددات الأخرى مثل تفشي فيروس كورونا، حالة التصعيد العسكرى المتبادل بين كتائب
حزب الله وواشنطن، فضلاً عن انسحاب القوات الأمريكية من بعض القواعد العراقية.
وعليه، ففي الوقت الذي تقر فيه الولايات المتحدة الأمريكية أن انسحابها
من القواعد الأمريكية في العراق جاء لحماية قواتها من انتشار فيروس كورونا داخل بغداد،
تروج طهران وحلفاءها لرواية أخرى مغايرة؛ وهى إن الانسحاب جاء نتيجة شعور واشنطن بالهزيمة
في مواجهة الميليشيات التابعة لها في العراق.
وتؤكد الكاتبة على إنه مع
اقتراب حسم موقف عدنان الزرفي داخل البرلمان العراقي، يبذل عملاء إيران في بغداد قصارى
جهدهم للتأكيد على فشله؛ حيث تم وصفه من قبل الفصائل والأحزاب السياسية الشيعية على
أنه بمثابة حليف لواشنطن، والأمر الذي يؤكد ذلك هو الرفض الواضح من قبل هادي العامري
قائد منظمة بدر أحد أبرز التيارات السياسية المقربة من طهران في العراق لترشيح الزرفي،
بل والسعى لهزيمته ومنعه من تشكيل الحكومة القادمة في العراق، ولكن الزرفي يتلقى دعمًا
كبيراً من قبل الإدارة الأمريكية الحالية في رغبة منها للتأكيد على أن كل الطرق لا
يمكن أن تؤدى إلى إيران.
كما أن هناك عدد من الإصلاحات ينبغى القيام بها لدعم الزرفي وتحقيق
أكبر قدر من الاستقرار داخل الدولة العراقية؛ في البداية يجب دعم الزرفي في معركة تشكيل
الحكومة والعمل على تراجع الدعم الكبير لطهران الموجود بين العراقيين؛ فوفقًا لاستطلاعات
الرأي الأخيرة الصادرة عن المعهد المستقل لإدارة دراسات المجتمع المدني IIACSS،
انخفض عدد الشيعة العراقيين الذين يرون إيران كشريك موثوق به إلى أدنى مستوى له منذ
عام 2003، وحاليًا من بين أولئك الذين شملهم الاستطلاع، 15٪ فقط يعتبرون إيران شريك
جدير بالثقة، كما انخفضت شعبية الفصائل المسلحة المدعومة من إيران بين العراقيين إلى
أدنى مستوى لها منذ عام 2014 .
وبالتالى، تعتبر هذه النتائج من الأهمية بمكان، حيث يمكن للزورفي
استخدامها للحد من النفوذ الإيرانى في العراق عن طريق كبح جماح الميليشيات التابعة
لطهران، والتى غالبًا ما تعمل على نشر حالة عدم الاستقرار هناك، وعلى الرغم من ذلك
ميز الزرفي بين معارضته للأنشطة العسكرية الإيرانية ودعمه للمساعدات الإنسانية للشعب
الإيراني. حيث دعا الزرفي في 30 مارس 2020، من خلال تغريده له على موقع التواصل الاجتماعى
تويتر المجتمع الدولي لمساعدة إيران، التى تعتبر بمثابة بؤرة فيروس (كوفيد19) المعروف
بكورونا في منطقة الشرق الأوسط، من خلال رفع بعض العقوبات الأمريكية، وهو الأمر الذى
فسره البعض بمحاولة الزرفي التقرب من الجماعات التابعة لطهران في العراق بهدف الحصول
على دعمهم في معركته السياسية داخل البرلمان العراقي.
وتؤكد الكاتبة على إنه على الرغم من كل هذه المعارضة التى يلقاها
الزرفي من قبل إيران، إلا إنه يتلقى دعمًا كبيراً من قبل بعض الفصائل الشيعية في العراق
مثل تيار سرايا الإسلام بقيادة رجل الدين البارز مقتدى الصدر، وكذلك تحالف نصر بقيادة
رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، كما أنه من المرجح أن يحصل الزرفي على دعم
بعض الفصائل السياسية السنية والكردية، الأمر الذى من المتوقع أن يدفعه خطوة أقرب إلى
رئاسة الوزراء.
كما إنه من الممكن أن تكون
حالة التشرذم والانقسامات بين السياسيين الشيعة مؤشراً على أن البعض أصبحوا أكثر انسجاماً
مع الشارع الشيعي العراقي؛ حيث فقد تحالف الصدر، على سبيل المثال الدعم الشعبي على خلفية تنصل الصدر لمطالب الحركة
الاحتجاجية، التي كانت مستمرة في العراق منذ أكتوبر 2019، والتي كانت تركز على الفساد
الحكومي،البطالة وانعدام الحكم على غرار الديمقراطية والخلل الحكومي الذي أدى إلى عدم
كفاية الخدمات العامة، وكل هذه الأمور هم سبب رئيسي في حدوثها بسبب رغبتهم الدائمة
في الاستيلاء على كافة مقدرات الدولة العراقية.
وعلى الرغم من
حالة الانقسام بين التيارات السياسية الشيعية في بغداد، لكن طهران مازالت مستمرة في
فرض سيطرتها على الساحة السياسية العراقية، وهو الأمر الذي اتضح عندما قام قائد الحرس
الثورى الإيرانى الجديد إسماعيل قاآنى بزيارة للعراق في 31 مارس 2020 والتقى ببعض الزعماء
الشيعة لمناقشة قضية ترشيح الزرفي. فعلى الرغم من تأكيد قاآنى خلال زيارته للعراق بأن
طهران لن تتدخل في الشأن الداخلى لبغداد، وهو الأمر الذي وصفته جنيف عبده بإنه لا يخلو
من مجرد شعارات فارغة، لكنه صرح في سياق أخر خلال ذات الزيارة، قائلاً:" إن إيران
تعارض أي مرشح يعارض مصالحها" في إشارة إلى الزرفي، لذا، يجب على واشنطن أن تأخذ
ذلك بعين الاعتبار عند دعم الزرفي وهى المعارضة الإيرانية التي يمكن أن تقضي على بقائه
داخل المنصب، حتى أن تمكن من تشكيل الحكومة.
في النهاية: تؤكد الكاتبة
على إنه حتى إذا قدمت الولايات المتحدة الأمريكية أو أي حكومة غربية أخرى مساعدات لطهران
أو بغداد لمواجهة فيروس كورونا فإنها ستفشل أيضًا، بسبب التكنولوجيا الطبية القديمة،
نقص الأدوية الطبية والفساد الحكومي، لذا فإن العقوبات الأمريكية هي بالتأكيد عائق
أمام قدرة الحكومة الإيرانية على شراء الأدوية والمعدات، وبالتالى مواجهة الأزمة، ولكنها
ليست العامل الأساسى في سلسة الفشل في التغلب على الأزمات الموجودة داخل إيران. كما
إنه يمكن أن يكون الزرفي فرصة جيدة للعراق لاستعادة درجة مناسبة من الاستقرار، إن لم
يكن على المدى القصير ثم الطويل، لكن الأهم هو إنه حان الوقت لعمل الدبلوماسية لمعرفة
كيفية ضمان بقائه.
-Geneive
Abdo, U.S. Sanctions are Impeding Iran's Ability to Survive the
Coronavirus, The National Interest,
April 4, 2020, available at: