عقب انتهاء الحرب الباردة لفت بعض الباحثين إلى حدوث
تحولات في مصادر التهديد، وظهرت اقترابات لا تركز على الأمن العسكري أو السياسي
الذي يكون فيه الهدف المرجعي هو الدولة، والقيم المعرضة للخطر هي السيادة والسلامة
الإقليمية، بل تركز على الأمن الإنساني والنوعي والبيئي، الذي فيه أصبح الهدف
المرجعي هو البشر، العلاقة بين الجنسين، النظم الإيكولوجية، والقيم المعرضة للخطر
هي بقاء البشرية والطبيعة مع تحقيق العدالة والمساواة والاستدامة في أوقات الخطر.
ومن تلك الاقترابات (HUGE gender security
approach) الذي ركز
على قضية المساواة بين الجنسين والمخاطر التي تهدد النوع الاجتماعي والتي أصبح من
بينها الفيروسات المعدية التي تؤثر على حياة الرجال والنساء بشكل متباين.
فقد أثر ظهور فيروس
كورونا ( COVID-19)، على حياة الجميع تقريبًا. دون أي إشعار
مسبق أو تخطيط عمليًا، أغلقت المدارس في العديد من الدول، وقد طُلب من الموظفين
العمل من المنزل، وأولئك الذين لا يستطيعون العمل من المنزل يواجهون احتمال التعرض
للفيروس، أو تخفيض ساعات العمل، أو فقدان الوظيفة. وبشكل خاص أثر على النوع
الاجتماعي. واختلف الباحثون والنشطاء في تحديد ماهية ومجالات هذا التأثير
وبالتبعية الأحق في الدعم من قبل الدولة، فرأى اتجاه أن الرجال أكثر إصابة به ومن
ثم هم أحق بالرعاية من النساء، بينما رأى اتجاه آخر أنه يثير تحديات جديدة أمام
النساء، ويخلق مخاطر لأولئك الذين أصبحوا معزولين عن شبكات الدعم بما يجعلهم في
وضع أكثر خطورة وبالتالي يجب أن تراعي السياسات الحكومية لمكافحة الفيروس مبدأ
التمييز الإيجابي لصالح النساء.
الرجال
أكثر إصابة بالفيروس
يرى مؤيدو هذا الاتجاه أن الرجال هم الفئة المستحقة لدعم
أكبر وقدموا –في سبيل إثبات صحة حجتهم- عدة دلائل؛ منها أن الرجال أكثر عرضة
للوفاة من الفيروس من النساء، فقد أظهرت دراسة أن معدل الوفيات بين الرجال في
الصين كان 2.8% مقارنة بـ 1.7% للنساء وفي إيطاليا يشكل الرجال ما يقرب من 60 % من
الأشخاص الذين تأكدت إصابتهم بالفيروس وأكثر من 70 % من الذين ماتوا بسبب الفيروس،
ورغم أن 61% من الإصابات في كوريا الجنوبية من النساء، إلا أن غالبية الوفيات 54%
كانوا من الرجال (1). واختلف الباحثون والعلماء في تفسير ذلك،
فرأى البعض أن العوامل البيولوجية ونمط الحياة هي المحدد للوفاة بالفيروس، على
سبيل المثال الرجال أكثر تدخينًا من النساء مما يضر بالجهاز المناعي لهم؛ ففي الصين كان 54%
من الرجال مدخنين، و8.4% مدخنون سابقون ومع ذلك لم تدخن سوى 3.4% من النساء وفقًا
لدراسة عام 2016، وفي كوريا الجنوبية، كان التفاوت واضحًا تقريبًا: نصف الرجال
البالغين و 4٪ من النساء يدخنون، وفي إيطاليا، يدخن 28٪ من الذكور البالغين و 20٪
من الإناث. وتوصل أخرون إلى أن الاختلافات الهرمونية قد تلعب دورًا رئيسيًا في
الاستجابة المناعية، فهرمون الإستروجين يحمي النساء من الفيروسات المميتة (2)، ورأى
أخصائيو المناعة أن النساء تميل إلى انتاج استجابات مناعية أقوى ضد العدوى من
الرجال، ومن ثم فإن النساء المصابات تكون أكثر حظًا في الشفاء من الفيروس لأن
مناعتهن تحارب العدوى في وقت أبكر وأكثر فعالية (3).
ورأى آخرون أن النساء أكثر وعيًا بالفيروس وآثاره مما يجعلهم أقل عرضة للموت بسببه. أكد ذلك استطلاع أجرته شركة (KFF) والذي توصل إلى أن النساء تخشى بنسبة أكبر مقارنة بالرجال من أن يصابوا أو يصاب أحد أفراد أسرتهم بالمرض من فيروس التاجي (68٪ مقابل 56٪ على التوالي) وهو ما جعلهم أكثر استباقية لمواجهة تفشي الفيروس، وأكثر إبلاغًا عن الآثار النفسية الناجمة عن القلق بشأن الفيروس.
فتوصل الاستطلاع إلى أنه رغم إدراك نسبة كبيرة من النساء والرجال توصيات الصحة العامة الصادرة عن مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها ومنظمة الصحة العالمية والمسؤولين الحكوميين، مثل غسل اليدين المتكرر والبقاء في المنزل، فإن نسبة أكبر من النساء تبلغ عن اتخاذ تدابير وقائية. فقالت نسبة أكبر من النساء مقارنة بالرجال أنهم قرروا عدم السفر أو تغيير خطط السفر (47٪ مقابل 37٪)؛ وقامت بإلغاء خطط لحضور التجمعات الكبيرة مثل الحفلات الموسيقية أو الأحداث الرياضية (43٪ مقابل 36٪)؛ كما يقومو بتخزين عناصر مثل الطعام أو اللوازم المنزلية أو الأدوية الموصوفة (39٪ مقابل 30٪)؛ ويقولون أنهم بقوا في المنزل بدلاً من الذهاب إلى العمل أو المدرسة أو الأنشطة العادية الأخرى (30٪ مقابل 22٪) (4).
النساء
أكثر تضررًا من الفيروس
يرى مؤيدو هذا الاتجاه أن فيروس كورونا فقط "كمرض
جسدي" يؤثر على النساء بشكل أقل حدة، ولكن على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي
فإنهن الأكثر ضررًا حيث إنه يعمق جميع أشكال عدم المساواة القائمة بين الجنسين.
ولإثبات صحة ذلك الطرح قدموا عدة حجج:
أولًا: دحض حجة الاتجاه الأول القائل بأن الرجال أكثر عرضة للخطر من النساء
بسبب الفروقات البيولوجية والثقافية. فالبيانات التي استندوا إليها من غير المرجح أن تعكس
بشكل كامل الاختلالات الجنسية الكامنة وراء تفشي المرض، على سبيل المثال، صحيح أن
أعداد الوفيات في الصين كانت من الرجال إلا أنهم كانوا مسنين. كما أنه من المحتمل
أن تكون فروق معدل الوفيات بين الذكور والإناث مرتبطة بالاختلافات الإجمالية في
أمراض الأشخاص الموجودة مسبقًا، فنسبة الرجال المصابين بأمراض مزمنة مثل أمراض
القلب والأوعية الدموية أكبر من النساء، مما يزيد من خطر إصابتهم بمرض أكثر خطورة
مثل الفيروسات (5). كما أشار البعض إلى أن الإدعاء بأن الجهاز
المناعي للنساء أقوى من الرجال غير دقيق لأنه استند إلى أبحاث لا تزال في مراحلها
الأولية (6).
ثانيًا: النساء أكثر تعرضًا للإصابة بالفيروس؛ وذلك
لعدة أسباب منها أن النساء أكثر استخدامًا لوسائل النقل العام مقارنة بالرجال،
وهناك اتفاق على أن الأشخاص أكثر عرضة للخطر إذا لامسوا المزيد من الأسطح، كما
توصلت دراسات إلى أن المسافرين الذين يستخدمون وسائل النقل العام أثناء تفشي
الإنفلونزا تزيد احتمالية إصابتهم بالعدوى بما يصل إلى ست مرت (7). يضاف لذلك
أن عدد النساء من مقدمي الرعاية –أطباء وممرضون- أكبر من عدد الرجال، وفقًا لمنظمة
الصحة العالمية، النساء يشكلن سبعة من كل عشرة من العاملية في مجال الرعاية الصحية
والاجتماعية، ونصفهم في شكل عمل رعاية بدون أجر، والعاملون في الرعاية الصحية هم
أكثر عرضة للإصابة بالفيروسات (8).
ثالثًا: النساء أكثر تضررًا من السياسات الحكومية لمكافحة الفيروس؛ وذلك لعدة اعتبارات:
· فيما يتعلق
بالعمل؛ فإن إغلاق المدارس وعزل الأسرة ينقلان عمل رعاية الأطفال
من الاقتصاد المدفوع - الحضانات والمدارس والمربيات - إلى العمل غير المدفوع الأجر
مما يؤثر على الصفقة التي حققها العديد من الأزواج ذوي الدخل المزدوج -يمكننا
العمل معًا، لأن شخصًا آخر يعتني بأطفالنا- بدلاً من ذلك، سيتعين على الأزواج
تحديد أيهما يتخلى عن وظيفته لرعاية الأطفال. وسيقع على عاتق النساء بشكل أكبر أن
يقمن بتلك التضحية ليس فقط بسبب المعايير والأدوار الاجتماعية لهن التي جعلتهن
يقمن بأدوار الرعاية، ولكن لاعتبارات عملية أيضًا لأن النساء هن من يتقاضيين أقل،
هن من لديه المرونة (9).
· الحق في التعليم؛ في أوقات الاضطربات وتفشي الأوبئة يتم التخلي عن الأشياء
غير الضرورية وتكون الأولوية فقط للبقاء على قيد الحياة، والحفاظ على الصحة وهو ما
يدفع عديد الأسر في المجتمعات النامية إلى تسريب الفتيات من التعليم (10).
·
التعرض للعنف المنزلي: ترى النسويات أن العزل الذاتي في المنزل لن يكون أكثر
أمانًا للعديد من النساء لأن ذلك يزيد من فرص تعرضهم للعنف المنزلي كما يجعل من
الصعب عليهن الوصول إلى الدعم المتخصص،(11) هذه
المخاوف تحققت بالفعل في الصين، حيث أبلغ النشطاء عن زيادة في حالات العنف المنزلي
نتيجة العزل، وقد تضاعف في هوبي عدد الحالات منذ بدء الحجر الصحي، وكانت 90٪ من
أسباب العنف مرتبطة بفيروس كورونا (12). وأكد عدد من السياسيين على احتمالية حدوث
ذلك في دول عدة، فقد أشارت كليز بارنيت المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة
لشؤون المرأة أن معدلات العنف ترتفع عندما تتعرض المجتمعات لضغوط من بينها انتشار
الأمراض، وفي هذا الصدد حذر جيرمي كوربين من ازدياد العنف إذا اضطرات أعداد كبيرة
من الناس إلى عزل أنفسهم. في
البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء، يتوقع النشطاء أن ترتفع معدلات العنف
المنزلي خلال فترات الإغلاق. يعتبر الإجهاد، والصعوبات المالية كلها أسبابًا للعنف
في المنزل، وستزيد إجراءات الحجر الصحي المفروضة في جميع أنحاء العالم منها (13).
الهوامش
(1) Chris
Mooney, Sarah Kaplan and Min Joo Kim, “The coronavirus is killing far more men
than women,” Washington Post,19\3\2020, available at: https://www.washingtonpost.com/climate-environment/2020/03/19/coronavirus-kills-more-men-than-women/
(2) Melissa Healy, “Why is the coronavirus so much
more deadly for men than for women?”, Inquirer, 21\3\2020, available at:
https://www.inquirer.com/health/coronavirus/coronavirus-men-boys-20200321.html.
(3) Rosamond Hutt, “The
coronavirus fallout may be worse for women than men. Here's why,” World
economic forum, 12\3\2020, available at: https://www.weforum.org/agenda/2020/03/the-coronavirus-fallout-may-be-worse-for-women-than-men-heres-why/.
(4) Brittni Frederiksen,
Ivette Gomez, Alina Salganicoff, and Usha Ranji, “Coronavirus: A Look at Gender
Differences in Awareness and Actions,” KFF, 20\3\2020, available at: https://www.kff.org/womens-health-policy/issue-brief/coronavirus-a-look-at-gender-differences-in-awareness-and-actions/
(5) Donald G. McNeil, “The
Coronavirus goes global”, 27\2\2020, New York Times, available at: https://www.nytimes.com/2020/02/27/podcasts/the-daily/coronavirus.html?
(6) Carmen Niethammer, “Do Women And Men Have A
Coronavirus Risk Gap?,” Forbes, 6\3\2020, available at: https://www.forbes.com/sites/carmenniethammer/2020/03/06/do-women-and-men-have-a-coronavirus-risk-gap/#126a22c26826.
(7) Joy Troko et al., “Is public transport a risk
factor for acute respiratory infection?,” BMC infectious Diseases,
Vol.11, No.16, 2011, available at: https://bmcinfectdis.biomedcentral.com/articles/10.1186/1471-2334-11-16.
(8) Carmen Niethammer, Ibid.
(9) Rosamond Hutt, Ibid.
(10)
Helen Lewis, “The Coronavirus Is a
Disaster for Feminism,” The Atlantic, 19\3\2020, available at: https://www.theatlantic.com/international/archive/2020/03/feminism-womens-rights-coronavirus-covid19/608302/.
(11) Brogan
Driscoll, “'Higher Risk' Of Domestic Abuse During Coronavirus Self-Isolation,
Warn Campaigners,” HuffPost, 14\3\2020, available at: https://bit.ly/2XjEcoi
(12) Zhang Wanqing, “Domestic
Violence Cases Surge During COVID-19 Epidemic,” Sixth tone, 2\3\2020,
available at: https://www.sixthtone.com/news/1005253/domestic-violence-cases-surge-during-covid-19-epidemic.
(13) Helen Lewis, Ibid.