مسار ارتدادي .. تداعيات اغتيال مسعود مولوي وردنجاني على العلاقات التركية – الإيرانية
أعلنت السلطات التركية في 28 مارس 2020، بأن هناك تورط
لبعض القيادات الاستخباراتية الإيرانية بداخل القنصلية الإيرانية في اغتيال مسعود مولوي
وردنجاني المعارض الإيراني في تركيا والذي تم اغتياله في 14 نوفمبر 2019، بعد أكثر
من عام على مغادرته إيران، ووفق ما ذكرته السلطات التركية، فإن وردنجاني كان يعمل في
قطاع الأمن الإلكتروني بوزارة الدفاع الإيرانية وتحول إلى منتقد قوي للسلطات الإيرانية.
ولكن السبب الرئيسي في اغتياله هو قيامه بنشر رسالة على وسائل التواصل الاجتماعي ينتقد
الحرس الثوري الإيراني في أغسطس 2019، أي قبل اغتياله بثلاث شهور، ومن ثم يجب
الإشارة هنا إلى طبيعة العلاقات التركية الإيرانية بعدما أثارت الاتهامات التركية لإيران
بتورطها في اغتيال أحد المعارضين الإيرانيين حجم الخلافات التي أضحت عليها الدولتين
خاصة في ظل اختلاف مشروعهما الإقليمي.
وضمن نفس السياق فيمكن إرجاع هذا الإعلان من جانب تركيا
في مواجهة إيران إلى عوامل كثيرة من أهمها
أن تركيا تريد أن تضغط بصورة مرحلية على إيران خاصة بعدما تنامى نفوذها السياسي والاقتصادي
والعسكري في سوريا والعراق مقابل تراجع النفوذ التركي، ويعد هذا السبب الأساسي لتصعيد
الموقف التركي، ومن ناحية أخرى فإن العلاقات التركية الإيراني اتخذت مسارات كثيرة صعودًا
وهبوطًا ولكن برغم خلافاهما إلا إنهما لم يتخذ صانعي القرار في كليهما توجهات من شأنها
التصعيد أو الدخول في مواجهة مباشرة، وضمن السياق ذاته فإن تركيا تمتلك الكثير من العلاقات
الرسمية وغير الرسمية مع إيران ولعل قضية رجل الأعمال رضا ضراب الذي اعترف أمام محكمة
منهاتن الأمريكية بتورط الرئيس التركي في الالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة
على إيران، ومن هنا يجب البحث في عوامل التقارب والخلاف بينهما وما يمكن تنعكس به
هذه الأزمة بينهما.
العلاقات
التركية – الإيرانية
شهدت العلاقات التركية – الإيرانية، محطات توافق وتوتر وتنافس؛
فالمتتبع لتاريخ العلاقات بين البلدين يجد أن الخط البياني لها متعرجًا، فكانت صدامية
في العهد الصفوي- العثماني، وتوافقية في العهد الشاهنشاهي – الأتاتوركي، وصولًا لما
هي عليه الآن من تفاهمات إقليمية ورغبة في تقاسم النفوذ؛ حيث يركز الطرفان على مصير
مشروعهما الاقليمي وحدود نفوذهما، ويجب الإشارة هنا إلى إن التعاون بين الجانبين لا
يمكن أن يتصدر مشهد العلاقات بينهما، فتاريخيًا كانت وما زالت كل من تركيا وإيران متنافستين
أكثر من كونهما متعاونتين، وبرغم اشتراكهما في الكثير من المصالح الاقتصادية والأمنية،
إلا أن الدولتان يمتلكان مصالح متعارضة في المنطقة العربية؛ فكلاهما يختلفان في الهوية
والأيديولوجية وقد منح الربيع العربي الزخم الأكبر للتنافس السياسي ومحاولة توظيف هذه
الأحداث لتحقيق مصالحهما في المنطقة. وبرغم التدخلات التي تقوم بها تركيا وإيران في
المنطقة العربية، إلا أن الطرفين لم يتوصلا إلى رؤية مشتركة من أجل التعاون في تحقيق
أهدافهما، كما أن اختلافهما في البنى الفكرية والرؤية التي ينتهجها الطرفان ساهمت
في تصاعد التوترات بينهما.
ومن ناحية أخرى فقد لعبت العوامل الإقليمية دورًا مهمًا في
تحقيق التقارب التركي الإيراني، الأمر الذي دفعها إلى التخلي النسبي عن التقارب مع
المعسكر الغربي لصالح سياساتها في المنطقة العربية، لاسيما أن وضع تركيا كقوة إقليمية
سيصبح مؤثرًا بشكل متزايد تجاه أهداف السياسة الخارجية الإيرانية وسوف تكون لهذه العلاقات
الدور الأكبر في تشكيل النظام الإقليمي الجديد في المنطقة العربية، بالإضافة لذلك يجمع
الطرفان التركي والإيراني الكثير من القواسم المشتركة التي يحاولون استثمارها في تعزيز
مصالحها مثل التبادل الاقتصادي وقضية الأكراد والحدود الجغرافية المشتركة بينهما والتي
تمثل أهم هذه العوامل.
وعلى الرغم من هذه العوامل التي شكلت بصورة رئيسية
محددات العلاقة التعاونية بينهما إلا أن هناك مواطن للخلاف عديدة قد تساهم في
تنامي الصراع بينهما وهو الأمر الذي يمكن أن يكون الإعلان التركي عن هذا الحادث
بمثابة بداية لمرحلة جديدة من الخلافات بينهما.
دوافع
تركيا
هناك دوافع عديدة تمتلكها تركيا من إعلانها عن هذا الأمر
الذي قد يتسبب في تصاعد التوترات مع الجانب الإيراني، والتي قد يزيد من أهميتها ما
تتعرض له إيران من أزمات داخلية وخارجية، ويمكن الإشارة هنا إلى مجموعة من الدوافع
من أهمها:
1) أن اختلاف
التوجهات الخارجية التركية عن تلك الإيرانية تجاه الاضطرابات والأزمات داخل المنطقة
العربية، نتيجة تقارب أو تباعد الأطراف المنخرطة في تلك الأزمات من الدولتين، أسهم
في بلورة حالة من التوتر التي يتجاذبها تلاقي توجهات الدولتان تجاه بعض المشكلات الإقليمية،
وخاصة الأزمتين السورية والعراقية واللتان تنخرطان بداخلهما كل من تركي وإيران،
ومن ثم فإن تنامي نفوذ إيران في هذه الملفات قد يدفع تركيا إلى محاولة الضغط على
إيران بصورة مباشرة أو غير مباشرة لمواجهة النفوذ الإقليمي الإيراني ومحاولة نحقيق
بعض المكاسب التركية الخارجية.
2) تحقيق
التقارب مع الولايات المتحدة، وذلك بعدما شهدت العلاقات بينهما سلسلة من التوترات المتصاعدة
والتي تعد إيران وملفها النووي ونفوذها الإقليمي من أهم القضايا العالقة بين البلدين،
ولكن يمكن لهذا الإعلان التركي أن يحقق استمالة للولايات المتحدة، وتوظيف هذه الحادثة
في دعم العلاقات بينهما، خاصة بعدما فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية
وسياسية على تركيا بسبب توجهها لتعزيز علاقاتها مع إيران على حساب علاقاتها مع
الولايات المتحدة، وبهذا الإعلان التركي فمن الممكن أن تتجه أنقرة بصورة أو بأخرى
إلى تحقيق التقارب مع واشنطن مستغلة بذلك التوترات الداخلية التي تشهدها إيران
بسبب تنامي نفوذ المعارضة الداخلي على النظام الإيراني بالإضافة إلى تفشي فيروس
كورونا بداخلها، في محاولة من جانب تركيا لتعزيز نفوذها الإقليمي، وتوظيف هذه الحادثة
في دعم العلاقات بينهما.
تداعيات
محتملة
من المحتمل أن تتسبب التصريحات التركية المتعلقة بتحريض اثنين من ضباط المخابرات في القنصلية
الإيرانية في تركيا على اغتيال معارض إيراني في اسطنبول في توتر علاقاتها مع إيران
على الرغم من التقارب بين الدولتين في المراحل السابقة، ولكن قد تمثل هذه المرحلة
بداية لتوترات متصاعدة بين الجانبين خاصة وأنهما يشتركان في الكثير من الأزمات
الإقليمية وبينهما صراع على النفوذ الإقليمي، ومن هذا المنطلق يمكن الإشارة إلى
أهم هذه التداعيات والتي من أهمها:
1) توتر
العلاقات التركية – الإيرانية: هناك الكثير من العوامل الداعمة لتنفيذ هذا
السيناريو الذي يتحكم به بصورة كبيرة العوامل الإقليمية والدولية، فكليهما يسعى
إلى تحقيق مصالحه دونما الاعتبار لمصالح الطرف الآخر ولكن في المرحلة الأخيرة فقد
تنامى النفوذ الإقليمي الإيراني في مواجهة النفوذ الإقليمي التركي داخل المنطقة
العربية وبخاصة الأزمتين السورية والعراقية وهو ما دفع بتركيا إلى محاولة الحفاظ
على بعض مكاسبها وهذا الأمر قد يسبب الكثير من الضغوط على إيران من جانب المجتمع
الدولي ويمكن استثماره في تعزيز تركيا لتقاربها مع الغرب الذي هو بالأساس تشهد
علاقته مع إيران توترات متصاعدة.
2) تجاوز
الأزمة: في 26 نوفمبر 2019، وجهت منظمات دولية اتهامات لطهران بقتل وردنجاني، كما
اتهم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إيران بأنها وراء هذه الجريمة، وأن أنقرة
خبأت هذه الجريمة، ولم تأت على ذكرها قط، خلافًا للحملة الإعلامية الواسعة التي
نفذتها للتشهير بالسعودية، ويمكن إرجاع ذلك إلى أن تركيا أصبحت حليفًا قويا لروسيا
وإيران في الفترة الأخيرة، ولم ترغب في إحراج النظام في طهران، وأن التصريحات
التركية جاءت بسبب الضغوط الدولية عليها ويؤشر على ذلك أن هذه التصريحات جاءت بعد
فترة كبيرة من تنفيذ عملية الاغتيال، وهو ما يمكن أن يوضح التوجهات التركية تجاه
إيران وأنها لا تريد أن تخسر علاقاتها معها.
3) سياسة
المناورة: قد يكون الإعلان التركي بتورط إيران في هذه العملية ضمن السياسة
المعهودة لتركيا في إدارة علاقاتها
الخارجية، وأن هذا الإعلان من جانبها يمثل تكرارًا لسياساتها في الحصول على الكثير
من المكاسب ضمن إطار سياسة التصعيد المشروط بتحقيق مصالحها وهذا الأمر ظهر في كثير
من الملفات سواء في توجهاتها تجاه سوريا وروسيا والاتحاد الأوروبي والولايات
المتحدة.
ختامًا: يمكن القول بأن العلاقات التركية الإيرانية يجمعها الكثير من المتناقضات فتارة تشهد العلاقات بينهما تعاونًا في الكثير من القضايا وتارة أخرى تشهد العلاقات بينهما توترًا وتصعيدًا، ولكن في جميع الأحوال فإن الجانبين تمكنا من تنحية وغض الطرف عن عوامل الخلاف لصالح تعزيز تعاونهما، وهذا الأمر تجلى بصورة واضحة في الكثير من القضايا التي تشهدها المنطقة مثل الأزمة الخليجية مع قطر، وقضية انفصال إقليم كردستان العراق، والتعاون مع روسيا والصين، وهو ما يمكن أن يضيف بعض الصعوبات إلى إمكانية حدوث خلافات جذرية بينهما بسبب وجود تأثير كبير لعوامل داخلية وإقليمية ودولية قد تقيد نطاق التصعيد بينهما.
المراجع
1) "أنقرة تجنبت إحراج
طهران".. تفاصيل جديدة عن اغتيال المعارض الإيراني في إسطنبول، على الرابط:
2) تقرير: ضباط إيرانيون وراء
اغتيال المنشق وردنجاني في إسطنبول، على الرابط:
3) مقتل صحفي إيراني في تركيا
يفضح ازدواجية أردوغان، على الرابط:
http://hawarnews.com/ar/haber/mqtl-shfy-iyrany-fy-trkya-yfdhh-azdwajyh-ardwghan-h32214.html
4) مؤامرة وراء مقتل معارض
إيراني في تركيا، على الرابط: