العثمانية الجديدة والاستهداف التركي للتكتلات السنية في لبنان
لطالما عملت تركيا على تحسين علاقتها
مع النخبة الحاكمة في لبنان، ولاسيما مع الجماعات السنية على خلفية رغبتها الدائمة
في استهداف مناطق الشمال اللبنانى التى يقطنها السنة مثل طرابلس، عكار، المنية والضنية.
فضلاً عن بعض المناطق التي توجد بها المخيمات الفلسطينية مثل مدينة صيدا عن طريق القيام
بالعديد من المشاريع الإنمائية والتعليمية بهدف الاستفراد بالسيطرة على المناطق
السنية في محاولة منها لطمس الهوية العربية واستبدالها بالهوية العثمانية.
على
صعيد أخر، تحاول أنقرة فرض نفوذها على الداخل اللبنانى من خلال دعم بعض الجماعات
السياسية، الأمر الذي اتضح في علاقتها بجمعية حراس المدينة التى يرأسها السياسى
البارز محمد شوك أبو محمود والتي تضم كافة الأطياف السياسية اللبنانية قبيل فترة
التظاهرات التى اندلعت في لبنان خلال عام 2019 اعتراضًا على الوضع الاقتصادى
المتدهور وعدم قدرة النخبة السياسية في ذلك الوقت على إدارة الأزمة، بل والعملية
السياسية برمتها بما يعمل على حل هذه الأزمة.
أولاً- النفوذ التركي
في شمال لبنان
قامت
تركيا بتأسيس بعض المشروعات التعليمية والإنمائية في الشمال اللبنانى؛ حيث المدن
التي يقطنها سنة لبنان باعتبارهم الفصيل السياسى الأقرب لها من الناحية
الأيديولوجية و المذهب الديني. فعلى الرغم من التوافق الظاهر بين كل من طهران
وأنقرة فيما يتعلق بمصالحهم في الشرق الأوسط ولكن تسعى كل منهما على خلفية
امتلاكها لمشروع أيديولوجى مذهبي تسعى من خلاله إلى الاستفراد بالسيطرة على أن
يكون لها نصيب الأسد من ثروات المنطقة، تحاول تركيا فرض نفوذها على مناطق الشمال
السنى في لبنان في مقابل سيطرة طهران على المناطق الشيعية في الجنوب.
في
السياق ذاته، تسعي تركيا للسيطرة مناطق النفط في لبنان الأمر الذي تمثل في عقدها
عدة اتفاقات تجارية مع الحكومات اللبنانبة المتعاقبة في هذا الشأن ولكن تم نقضها
فيما بعد. ويبدو أن تركيا باتت الدولة الأكثر نشاطًا من الناحية الدبلوماسية،
التنموية والثقافية وهو الأمر الذي يستمر منذ قرابة الـ 15 عاماً؛ حيث اصبحت الأقلية التركمانية اللبنانية
أكثر تنظيماً وارتباطاً بتركيا مما كانت عليه قبل مجئ حزب "العدالة والتنمية"
إلى سدة الحكم في أنقرة. كما تنشط "وكالة
التنمية التركية"، والمراكز الثقافية التركية على الأراضي اللبنانية، فضلاً
عن ما يعرف بالغزو الثقافي التركي من خلال
المسلسلات التركية المُدبلجة. وعلى الرغم من ذلك، ولكن يمثل الدور التركي في لبنان إشكالية كبيرة، نظراً
لإرث الدولة العثمانية فيه، ووجود أقلية أرمنية ذات ثقل سياسي وتاريخي، وتتمثل
العلامات البارزة على هذا الدور في أن كل تظاهرة
أو احتجاج لجماعة الأرمن ضد تركيا، يستدعي حشداً موالياً لـ"العدالة والتنمية"
من قبل اللبنانيين.
ثانيًا- المشروعات
الانمائية و التعليمية التركية في شمال لبنان
لطالما
كانت لبنان على خلفية نظامها السياسي القائم على المحاصصة والطائفية من أكثر دول
المنطقة عرضة للتدخلات الخارجية ولاسيما من جانب طرفي الصراع في المنطقة المتمثل
في تركيا وإيران، وعليه، ساهمت تركيا في استقطاب بعض الجماعات السنية و لاسيما
الفلسطنيين الموجودين داخل الأراضي اللبنانبة لرغبتها في إيجاد موطئ قدم لها في
هذه المناطق ؛ حيث تم الاعلان في عام 2010 عن تأسيس جمعية الصداقة اللبنانية التركية
في مدينة صيدا التى يقطنها عدد كبير من التكتلات السنية في لبنان، وعلى الرغم من
أن هدفها المعلن تمثل في تعزيز وتفعيل العلاقات التي تربط بين الشعبين اللبناني والتركي
من الناحية الثقافية، ولكن الواضح أن أنقرة ترغب في المساهمة في تباعد العلاقات
بين كل من الجماعة السنية في لبنان ودول الخليج وعلى رأسهم المملكة العربية
السعودية والإمارات العربية المتحدة للاستفراد بالسيطرة على مثل هذه المناطق،
الأمر الذي يؤدى إلى تعزيز دورها وتقوية
نفوذها في الشمال اللبنانى.
يتوازى
ذلك، مع سعى الحكومة التركية لإنشاء مراكز ثقافية لتعليم اللغة التركية وبالتالى،
الترويج للثقافة التركية في شمال لبنان، مع تقديم تسهيلات كبيرة في هذا الإطار ؛
ومن الأمثلة البارزة على ذلك إنه على الرغم
من مرور 4.5 قرن على مغادرة أهالي بلدة الكواشرة الواقعة في قضاء عكار شمالي لبنان
موطنهم الأصلي تركيا، الا أنهم لايزالوا محافظين
على استخدام اللغة التركية فيما بينهم، من خلال دعم تركيا لهم في ذلك، فضلاً عن
العلاقات السياسية و الثقافية الوثيقة بين سكان هذه المدينة والدولة التركية. كما
قدمت أنقرة عدد من المشروعات الاستثمارية لخدمة أهالى هذه المدينة الأمر الذي تمثل
في مشروع شبكة لمياه الشفة، ومولد كهرباء، وحواسيب للمدارس، إضافة إلى منح دراسية للطلاب
لمتابعة تحصيلهم الجامعي سنويا بما لا يقل عن خمس منح دراسية.
ثالثًا- الصراعات
السياسية ...والتدخل التركي في الشأن اللبنانى
كانت
تركيا طرفًا رئيسيًا غير مباشر في الصراع السياسي الللبناني أبان التظاهرات التى
اندلعت في عام 2019 على خلفية الوضع الاقتصادى المتدهور و عجز النخبة السياسة في
ذلك الوقت عن تقديم حلول فعالم تحد من المخاطر الناجمة عن هذه الأزمة المتصاعدة؛
حيث قامت تركيا بدعم جمعية حراس المدينة التى تضم جمعيات وحركات من كافة الطوائف
السياسية اللبنانية. التي قامت بتأجيج الصراع السياسى الداخلى في لبنان و وإثارة الرأي العام ضد القيادة السياسية اللبنانية؛
حيث قامت القيادات التابعة لهذه الجمعية التي تتواجد في طربلس بالتنسيق بين كافة
المدن الأخري لتنظيم الحراك اللبنانى في ذلك الوقت. مؤكدة أن ذلك يأتى في إطار
الرغبة في توحيد الخطاب والمطالب في اجتماعات المجالس في باقي المناطق وتوحيدها والعمل
على التواصل الدائم منعاً للانقسام.
ومن اللافت للانتباه، هو قيام السفارة التركية لدى لبنان بتقديم مبالغ مالية قبيل التظاهرات اللبنانية التى اندلعت في عام 2019 والتي كان آخرها تقديم مبلغ "60" ألف دولار لصالح جمعية "حراس المدينة" لمساعدتها على الاستمرار في تأجيج صراعات النخبة السياسية داخل لبنان في ذلك الوقت. في السياق ذاته، أكد العديد من المحللين بأن مطالب جمعية حراس المدينة كانت غير منطقية بعض الشئ الأمر الذي تمثل في المطالبة بإسقاط الحكومة فوراً وتشكيل حكومة إنقاذ وطني من خارج المنظومة الحاكمة. أما فيما يتعلق بالورقة الإصلاحية التى قدمتها القيادة السياسية اللبنانية في ذلك الوقت، جاء تعليق قيادات جمعية حراس المدينة أنها وصلت متأخرة، كما أنها المرة الأولى التي يشعروا فيها أنّ الحريري رئيسًا فعليًا للحكومة، حتى إذا أسعفته تحركات الشعب فهم مستمرون فى قيادة وتنظيم الحراك، وتساءل حرّاس المدينة بعض التساؤلات الهامة في هذا الإطار هل تستطيع الحكومة الحالية تنفيذ تلك الإصلاحات وهي المسؤولة عن الفساد؟ ولماذا لم تشمل المقررات الضرائب على الأملاك البحرية؟ وما هي الضمانات التي تؤكد تنفيذ الحريري لتلك الإصلاحات والتعهدات والبنود؟ وماذا عن السلاح المتفلّت والمعابر غير الشرعية واللائحة تطول والثقة معدومة!.