تغير المناخ والأمن الإنساني .. الطريق إلى العدالة المناخية
لعبت
الثورة الصناعية القائمة على الوقود الأحفورى فى القرنين الماضيين دورًا خطيرًا فى
إحداث حالة من التلوث لم يسبق أن تعرض كوكب الأرض إلى مثلها. قامت هذه الثورة على
عصب مهم وهو البترول والفحم والغاز وذلك كمصدر طاقة أساس للحركة أو الإضاءة أو
التدفئة وعمل القطاعات الصناعية والتجارية
والزراعية والنقل والخدماتية الأخرى. وقد نتج عن تلك الأنواع غازات تعمل على حبس
الحرارة وتمنع عودتها إلى الفضاء الخارجى كما يوجهها النظام الطبيعى مثل ثاني
أوكسيد الكربون وهذا من أهم أسباب تغير المناخ المعروفة حالياً. (1)
وعملت تلك الغازات على رفع حرارة
الكوكب درجة مئوية واحدة مقارنة بفترة ما
قبل الثورة الصناعية، مما تسبب فى تغيرات عميقة فى النظم البشرية والطبيعية.(2) فقد شهدت جميع القارات خلال العقود الخمسة
الماضية تقلبات مناخية كبرى كانت ولا تزال موضوعاً للعديد من الدراسات حول حدتها
واستمراريتها. لقد صاحب ظاهرة الاحتباس الحرارى انعكاسات طالت مختلف المجالات
والأبعاد الإنسانية فى ظل الاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية وزيادة حجم الغازات
السامة المنبعثة من المصانع والنفايات مما يعمل على إضعاف التنمية والأمن الإنسانى
وأصبحت الأرض تخضع ليس فقط للتغيرات المناخية الطبيعية ولكن أيضا للتغييرات
الناتجة عن الأنشطة البشرية بما يزعزع استقرار الأنظمة البيئية.(3)
أولاً- تغير المناخ و تداعياته على الأمن
الإنسانى
يشكل
تغير المناخ الذى يواجه العالم اليوم تحديًا هائلاً، وتعرفه اتفاقية الأمم المتحدة
الإطارية بشأن تغير المناخ أنه" يعنى تغيراً فى المناخ يعزى بصورة مباشرة أو
غير مباشرة إلى النشاط البشـرى الـذى يفضى إلى تغير فى تكوين الغلاف الجوى العالمى
والذى يُلاحظ، بالإضافة إلى التقلب الطبيعى للمناخ على مدى فترات زمنية متماثلة.(4) ويُطلق مصطلح تغير المناخ على الاختلالات والتغير الملموس
وطويل الأثر الذى يطرأ على معدل حالة الطقس لمنطقة ما شاملاً معدلات الهطول المطرى،
ودرجات الحرارة، وحالة الرياح، وتُعزى أسباب حدوث هذه الظاهرة إلى عمليات
ديناميكية للأرض أو قوى خارجية أو إثر النشاط الإنسانى. من
ناحية أخرى، فإن التغير المناخى يؤثر سلبياً على الصحة لسوء التغذية والإجهاد
وسهولة التعرض للمرض وانتقاله مما يهدد الأمن الإنسانى.(5)
من ناحية
أخرى، يعد الأمن من الحاجات الأساسية للنفس وبمفهومه العام هو الاطمئنان الذى ينتج
عن الثقة وأمن الإنسان من الفقر والحرمان والخوف والعنف، وعلى الرغم من أهمية
مفهوم الأمن الذى يعد مسئولة الدولة إلا أنه لا يكفى لتحقيق أمن الأفراد؛ لذلك فقد
تطور مفهوم الأمن الإنساني نظراَ لتطور المجتمعات وتزايد التهديدات الداخلية
والخارجية، مما تطلب تركيزاً واهتماماً بالإنسان كفرد فاعل ومؤثر فى المجتمع.(6)
وطُرح مفهوم الأمن الإنسانى
بوصفه أحد المجالات الرئيسة للأمن متخذاً أبعاداً اجتماعية واقتصادية وسياسية وإعطاء
مضامين جديدة للمفاهيم التقليدية للأمن لاسيما فى ظل تزايد تأثير
قضايا الإرهاب، والصراعات المسلحة، والمناخ، والهجرة واللجوء غير المنظم على الأمن
القومى. وظهرت فكرة الأمن الإنساني فى
كتابات كل من الباكستانى(محبوب الحق) والهندى (امارتيا سن) فى التقرير الذى رفعاه إلى
الأمم المتحدة عام1994م والذى حدد مرتكزات الأمن الإنسانى والذى يعتمد على سبعة محاور
أساسية وهى:-
·
الأمن الغذائى: أن يتوفر للإنسان الحد الأدنى من الغذاء والوصول
لمصادره.
·
الأمن الصحى: من خلال الحماية من الأمراض وتوفير الخدمات ونظام الرعاية
الصحية.
·
الأمن الاقتصادى: يتحقق بتوفير فرص عمل للأفراد ويكون للإنسان حد أدنى
من الأجر يكفى لمعيشته.
·
الأمن البيئى: أن يعيش الفرد في بيئة أمنة ونظيفة وأن يكون محمياً عند
حدوث الكوارث أو المخاطر البيئية.(7)
·
الأمن المجتمعى: التصدى للتهديدات التى تواجه الحياة الاجتماعية مثل
المخاطر التى تهدد النسيج الاجتماعى فى دولة ما.(8)
·
الأمن الشخصى أو الفردى: يُعنى توفير الحماية للفرد من العنف والجريمة والخوف،
وازدياد الجريمة المنظمة التى ﺃﺼﺒﺤﺕ ﺘﻨﻔﺫ ﻓﻰ ﺩﻭﻟﺔ ﻤﺎ، ﺒﻭﺍﺴﻁﺔ ﺃﺸﺨﺎﺹ ﻤﻥ ﺩﻭﻟﺔ ﺜﺎﻨﻴﺔ،
ﻭﺃﺴﻠﺤﺔ ﻤﻥ ﺩﻭﻟﺔ ﺜﺎﻟﺜﺔ، ﻭﺘﻤﻭﻴل ﻤﻥ دولة ﺭﺍﺒﻌﺔ، ﻭﺍﻟﻀﺤﺎﻴﺎ ﻗﺩ ﻴﻜﻭﻨﻭا ﻤﻥ ﺩﻭل ﺃﺨﺭى.(9)
· الأمن السياسى: يقصد به التحرر من الخوف وأن تصان الحقوق والحريات الأساسية،
وألا توجد ممارسات غير ديمقراطية أو تزايد منسوب التعصب والعنصرية، والقمع والملاحقات
وغياب التمثيل الديمقراطى ، وتضييق هامش العمل السياسى.(10)
وتتفق كثير من الأدبيات على أن
الأشخاص فى الدول التى تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على الزراعة مثل الدول
الأفريقية وفى جنوب آسيا وأمريكا اللاتينية وتلك المعتمدة على السياحة مثل الدول
الجزرية الصغيرة هم الأكثر عرضة لتهديدات الأمن الإنسانى نتيجة التداعيات السلبية
للتغير المناخى فالاضطرابات المناخية تؤدى إلى تراجع الإنتاج الزراعى وارتفاع
أسعار المحاصيل، أما الدول الهشة أو التى بها توترات داخلية فالضغط البيئى بسبب
المناخ سيعقد من إمكانية التغلب على مشكلاتها مما يؤدى غالباً لعدم الاستقرار.(11)
وستكون القارة الأفريقية من أكثر المناطق التى ستتضرر من التغير المناخى رغم أنها لا
تشارك إلا بنسبة أقل من ٥ %من الانبعاثات الإجمالية لكن لا تملك البنى التحتية
اللازمة للتكيف مع ذلك التغير، وهذه الملاحظة تنطبق أيضاً على غالبية الدول
العربية .
فى السياق ذاته، تؤثر الأحداث
السريعة مثل العواصف والفيضانات على الهجرة بشكل مباشر وبشكل ملموس وأصبحت هذه
الأحداث السبب الرئيسي للهجرة القسرية وخاصة النزوح الداخلى، ومن المتوقع أن تكثف
آثار تغير المناخ مثل هذه الكوارث وتسرع معدلات النزوح في العقود المقبلة. لقد زاد
عدد الأحداث السريعة مثل العواصف والفيضانات بمقدار الثلاثة أضعاف على مدى السنوات
الثلاثين الماضية وتعد آثارها على الضعفاء المجتمعات المحلية مدمرة لا سيما فى العالم النامى. وتشير التقديرات أنه
منذ عام 2008 تم تشريد ما يقرب من سبعة وعشرين مليون شخص سنوياً بسبب الطبيعة. أما
الأحداث بطيئة الحدوث مثل الجفاف، وندرة المياه، وارتفاع مستوى سطح البحر، التصحر
والتآكل الساحلى أكثر تعقيدًا وتتركز آثارها على الضعفاء، مثل الشعوب الأصلية،
والنساء، والأطفال وقد تكون هذه المجموعات أكثر اعتماداً على الموارد الطبيعية مما
قد يؤدى إلى تفاقم التوترات السياسية والاجتماعية القائمة .(12)
ثانياً- العدالة المناخية وتحسين المناخ
تتطلب معالجة تغير المناخ شكلاً
من أشكال الاتفاق والعمل الجماعى ومن غير المرجح أن يتم التوصل إلى ذلك ما لم ينظر
إليه جميع اللاعبين الرئيسيين على أنه "عادل"، فلا يمكن للشمال أن يستقر
دون الالتزام الكامل من الجنوب، ولا يمكن للجنوب الالتزام بذلك إذا كان ذلك سيهدد
بتقويض تنميته، وتدرك اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ مشكلة
عدالة المناخ لكنها غامضة بشأن تفاصيل
كيفية معالجتها.(13) أما اتفاق باريس عام
2015فلا يلزم أى دولة بكميات محددة من الانبعاثات لكنه يلزم كل الدول بتقديم
"مساهمات قومية" لتخفيض الانبعاثات تحددها طواعية وتعكس قدرات كل دولة
ومسؤولتها، كما تلتزم الدول بتجديد مساهماتها كل خمس سنوات تبدأ فى 2025على أن
تكون المساهمات أكثر طموحًا كل دورة، وأن تكون أعلى ما يمكن تحقيقه ويتم تسجيلها فى
سجل عام لدى الأمم المتحدة.(14)
إن
تقليل الانبعاثات الذى تعهدت به الدول المختلفة غير كاف؛ حيث تشير التقديرات
العلمية إلى أن مستوى الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة سيصل فى 2030 إلى 55
جيجا طن (= 55 مليار طن) سنوياً، رغم أنه يفترض ألا يتجاوز العالم مستوى 40 جيجا
طن كى يستطيع تحقيق هدف الحد من ارتفاع حرارة الأرض بما لا يتجاوز درجتين مئويتين
بالمقارنة مع ما قبل العصر الصناعى. وقد تلقت تلك النظرة الطموحة التى صاحبت توقيع
الاتفاق انتكاسة تمثلت بإعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن انسحاب بلاده منها
لأنها فى رأيه تؤدى لخسائر اقتصادية ولم ينظر
لأى خلفية سياسية أو تداعيات بيئية(15)، وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية ثاني أكبر
بلد باعث للكربون بعد الصين.(16) ويتبين
أن اتفاق باريس لا يمنح المجتمعات التى تواجه التغيرات المناخية نقلة حقيقية لأن
التزام الدول وبخاصة الرأسمالية الغربية التى أوصلتنا إلى حافة الخطر غير كاف
وضعيف نسبياً لكن الاتفاق يشكل تحسناً هاماً فى المواقف حيث كانت معظم دول العالم
قبل التوقيع عليه معفاة من العمل على تقليل الانبعاثات، لأنها مشمولة ضمن مجموعة
الدول النامية لذا فإن مجرد التوصل إلى
اتفاق يعد خطوة هامة فى قضية التغيرات المناخية.(17)
تؤثر التغيرات المناخية سلباً على
مختلف الدول وليس عدلاً أن يتحمل الأعضاء جميعهم الأعباء وبالحدة نفسها. لقد كان
للدول الصناعية السبق التاريخى فى التصنيع وبالتالى الإضرار بالغلاف الجوى وتتحمل
معظم المسؤولية عن الانبعاثات، فى حين تعتبر الدول النامية الأكثر عرضة لتبعات
ارتفاع درجة حرارة الأرض والأقل قدرة على الوصول إلى الموارد والتكنولوجيا للتكيف
مع عواقب التغيرات المناخية، ومن ثم ينبغى أن تتحمل الدول المتقدمة عبء أكبر من
الفقيرة فى التصدى لتغير المناخ وهو ما يعرف بمبدأ المسؤولية المشتركة لكن
المتباينة الذى تبنته اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.(18) ولا يوجد اتفاق دولى حتى الآن على كيفية
ترجمة هذا المبدأ لتوزيع المنافع والأعباء المرتبطة بتغير المناخ بشكل عادل ومنصف،
سواء عن طريق خفض الانبعاث ويعرف بالتخفيف ويشمل الاهتمام بالنقل النظيف، وإعادة
تدوير النفايات ومعالجتها، والحد من استهلاك الوقود الأحفورى وتعويضه بالطاقة
المتجددة.. إلخ، أوعن طريق التكيف معه مثل تحســين إدارة الميــاه، وتطويــر
محاصيــل تتحمــل الملوحـة والجفـاف، وبناء قدرات الأسر المتضررة، ونقل السكان من المناطق المنكوبة إلى أخرى آمنة... إلخ.(19)
لقد اسُتلهمت العدالة المناخية من
مبادئ العدالة البيئية، لكنها أكثر تعدداً فى الأبعاد وانتشاراً من حيث المكان،
لأن تغير المناخ سيؤثر على السكان فى مسافات مادية أكبر من مصادر انبعاثات الوقود
الأحفورى بينما تركز العدالة البيئية على التدهور البيئى على المستوى المحلى. وظهرت
العدالة المناخية لمعالجة الأسباب الجذرية للظلم الاجتماعي والدمار البيئى
والهيمنة الاقتصادية عام 2014 خلال مسيرة "مسيرة مناخ البشر" بحضور أكثر من 300ألف متظاهر فى نيويورك تمت
تعبئة العدالة المناخية كمفهوم وحركة من جانب نخبة من المنظمات الدولية غير
الحكومية والمجموعات الشعبية والأكاديميين وقد بدأ المفهوم
يتبلور بصفة تدريجية داخل المنظمات غير الحكومية وخاصة فى الغرب.(20)
تسلط العدالة المناخية الضوء على
الطرق والأساليب التى يكون بها تغير المناخ قضية أخلاقية وكيفية ربط أسباب تغير
المناخ وآثاره بالعدالة البيئية والاجتماعية(21)، وتشير إلى مبادئ المساءلة
الديمقراطية والمشاركة، والاستدامة البيئية، والعدالة الاجتماعية وقدرتهم جميعاًعلى
تقديم الحلول لتغير المناخ.(22) يمكن تعريف العدالة المناخية بشكل عام أنها معالجة
العبء غير المتناسب لتأثيرات تغير المناخ على المجتمعات الفقيرة والمهمشة والسعى
إلى تعزيز توزيع أكثر عدالة لأعباء هذه الآثار على المستويات المحلية والوطنية
والعالمية من خلال المبادرات الاستباقية التفاعلية التى تعتمد على نظريات حقوق
الإنسان الدولية والعدالة البيئية المحلية.(23)
ثالثاً- كيفية تحقيق العدالة المناخية
تتعدد
الرؤى التى يطرحها الباحثون والمنظرون بشأن الوصول لسياسات مناخية عادلة، لقد
اهتم الأشخاص من جنوب الكرة الأرضية بشكل عام بتوزيع الأعباء والعدالة الإجرائية
من خلال إشراك جميع الأطراف المعنية للوصول لاتفاق بما في ذلك نقل الموارد من الدول ذات الانبعاثات
العالية إلى المنخفضة للتكفير عن الانبعاثات التاريخية الزائدة، بمعنى أنه ينبغى
السماح للعديد من البلدان الأكثر فقراً بالانبعاث أكثر مع خفض أغنى البلدان
لانبعاثاتها إلى مستويات آمنة وهو مايعرف باسم "الانكماش والتقارب"، بينما
اهتم سكان الشمال العالمى بتطوير المسار الاقتصادى الأكثر كفاءة مما يبين أن عدم
المساواة العالمية تؤثر على كيفية صياغة الأفراد للمواقف حول المناخ(24)، ومن المرتكزات التى ترتكن إليها رؤى العدالة ما يلى:
·
تجارة الكربون
تنقسم هذه التجارة إلى عدة أنواع،
أوسعها على الإطلاق هو تجارة الانبعاثات الكربونية التى تستهدف ثانى أكسيد
الكربون. ويمكن لكل دولة أو مؤسسة لها أنشطة تزيد من التلوث أن تشترى حق إنتاج
انبعاثات ضارة من الكربون أكثر من الحدود المسموح بها من الدول والمؤسسات التى
تنتج انبعاثات أقل من تلك الحدود. مما يشجيع جميع المتعاملين على تغيير أنماط
إنتاجهم، وتطوير تكنولوجيات جديدة لتقليص الانبعاثات وقد نتج عن ذلك إنشاء “بورصة”
للكربون تحافظ على الحدود القصوى للتلوث على مستوى العالم وتم العمل بالفعل
بسياسات تجارة الانبعاثات فى عدة دول، منها: دول الاتحاد الأوروبي، والولايات
المتحدة الأمريكية، والصين.(25) ينتقد
البعض تلك التجارة بشدة للصعوبة البالغة فى تقدير قيمة الكربون، وأنها تخلق ملكية حق
التلويث وتعد من الناحية العملية خصخصة للهواء وهى مشكلة أخلاقية نظراً للفروق
الكبيرة فى الثروة بين الشمال والجنوب، وأن الرابح الحقيقى هو الوسطاء والمضاربون والممولون
الذين ربحوا ملايين الدولارات من بيع اعتمادات حفض الانبعاثات.(26)
· قيام الدولة بفرض قيود على حجم الانبعاثات
للمواطنين
يرى هذا الاتجاه أن الدولة عليها أن تحدد الحد الأعلى للانبعاثات الشخصية
المسموح بها وبالتالى يؤثر ذلك بشكل أكبر على توقعات الأفراد وإدارة نمط حياتهم
بطريقة تأخذ المناخ فى الاعتبار. فى هذه الحاله استخدام الدولة سلطتها الشرعية لفرض
قيود على الانبعاثات الشخصية وإكراه المواطنين على هذا النمط لا يمس العدالة لأن حكم
الشخص على السلطة يكون بناء على تقييم شامل كما أنه يختلف من مواطن لآخر ومن قضية
لأخرى.(27) فى المقابل، يرفض علماء آخرون مثل جون بروم هذه المعاملة المتناظرة
لتقاسم الأعباء المتعلقة بالمناخ على مستوى الأفراد. فهو يميز بين الأخلاق العامة
التي يجب أن توجه السياسة الحكومية والأخلاق الخاصة التي يجب أن توجه الأعمال
الفردية، ومن ثم يجب تطبيق مبادئ عدالة مختلفة فى كل حالة، بدلاً من تطبيق تحليلات
مماثلة لأن الأفراد لديهم "واجب العدالة بعدم الإضرار بالمناخ، وليس هدف
تحسين العالم".(28)
·
مسؤولية فردية وليست مسؤولية وطنية
يتميز الخطاب السائد حول العدالة
المناخية بأنه يركز على الدولة وثمة مقاربة أخرى أن تكون مسؤوليات التخفيف داخل الدول
بدلاً من بينهما سواء الشركات، أو الأفراد، ومن ثم صياغة القضية باعتبارها مسؤولية
فردية وليست مسؤولية وطنية. ويجادل هاريس (Harris) بأن التكاليف العالمية للتكيف مع تغير المناخ يجب ألا يتم
تقاسمها بين الدول ولكن يجب إعادة توزيعها بين الأغنياء فى العالم القادرين على
المساهمة، والفقراء الأكثر تضررًا ولكن الأقل قدرة على المساهمة. وفقًا لهذا المنطق،
تلعب الدولة دورًا مهمًا باعتبارها "وسيطًا" حيث تتدفق الأموال بشكل
أساسي من القادرين إلى الضعفاء عبر الحدود. ويعد ذلك غير مرجح للغاية أو على أقل
تقدير غير عملى فى المفاوضات لأن الدول سترفض تدفق أموال مواطنيها للخارج.(29)
·
دور القطاع الخاص
من أبرز المناقشات التى تثير
الخلاف موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص وترى الأوساط الليبرالية أن
القطاع الخاص يؤدى دوراً حيوياً فى تمويل برامج ومشاريع المناخ، بينما تعتقد
الأوساط المعارضة لليبرالية أن تلك الشراكة تغلب مصالح القطاع الخاص على حساب متطلبات
المجتمع فى حماية الموارد ؛ فالموارد الطبيعية ليست موارد اقتصادية فحسب بل هى موارد مجتمعية لا تخضع لآليات العرض
والطلب.(30) وثمة انتقاد للنظام الرأسمالى
وآليات السوق لأنها لا تضع الأضرار البيئية فى الاعتبار وينظر إليها أنها آثار
خارجية أى خارجة عن حسابات السوق.(31)
·
حقوق الأجيال
لقد ألهمت غريتا ثونبرغ وغيرها من
نشطاء المناخ الكثير من النشء والشباب حول
العالم للمشاركة فى الإضرابات المدرسية فى أكثر من 150 دولة –حتى عام 2019- وحظيت
باهتمام واسع النطاق من الجمهور ووسائل الإعلام وتلقوا التشجيع من الأكاديميين والمعلمين
وبعض السياسيين وأعاد ذلك تنشيط خطاب الأجيال بشأن رؤيتهم للعدالة فى مكافحة تغير
المناخ.(32) ويركز هذا
المنظور على ثلاثة اعتبارات أولاً: تشجيع الإنصاف ما بين الأجيال، فلا نسمح للجيل
الحالي باستغلال الموارد وحرمان الأجيال المقبلة منها، ولا يتم فرض قيوداً غير
معقولة على الجيل الحالي لمواجهة الحاجات المستقبلية غير المحددة؛ وثانياً، يجب ألا
نطلب من أحد الأجيال التنبؤ بتفضليات الأجيال المقبلة، بل من واجبنا أن نمنح مرونة
للأجيال المقبلة لتحقيق غاياتها انسجاماً مع قيمها، وثالثاً الاعتراف باختلاف
التقاليد الثقافية، وأهمية البحث عن المبادئ التى تجتذبُ الجميع.(33)
·
حقوق الإنسان وحماية الفئات الضعيفة
يجب أن تعتمد العدالة المناخية
نهجًا ثابتًا قائمًا على حقوق الإنسان خاصة الفئات الضعيفة من خلال أولاً: تحديد
حقوق الإنسان بدقة لمن يتأثر وكيف، فضلاً عن الإجراءات التى ينبغى اتخاذها لتوفير
الإنصاف لهؤلاء الأشخاص، ثانياً: يكون صنع السياسات المتعلقة بقضايا العدالة
المناخية أكثر استدامة وعدالة فقط إذا كان السكان المتضررون والفئات الضعيفة تتوفر
لهم إمكانية عرض
آرائهم حول القرارات التى يتعين اتخاذها بطريقة حقيقية وديمقراطية. وهذا يعني أنه لا
يمكن تحقيق العدالة المناخية إلا إذا كانت حقوق الإنسان مضمونة وفق المعايير
العالمية لكل من يتأثر بأى شكل من الأشكال بتغير المناخ ويتم احترامها.(34)
·
حماية الثقافات المحلية
يغفل التركيز فقط على الأضرار التى
تلحق بالممتلكات بسبب تغير المناخ جزء مهم هو الثقافة؛ فبعض الناس يتخوفون من أن
تغير المناخ سيحرم أعضاء بعض الفئات الاجتماعية من فرصة الاندماج فى مجتمعاتها التى
نشأت فيها نتيجة التغيرات المناخية وفى العديد من المواقف ستضطر ثقافات بأكملها إلى الانتقال لمناطق أخرى
من أجل البقاء وقد يختفى بعضها كلياً
مثل الجماعات التى تعيش فى الجزر المعرضة للغرق.(35)
فى التحليل الأخير يجب
أن يكون 2020 عام الاهتمام بالعدالة
المناخية كما كان 2019 هو العام الذى احتلت فيه أزمة المناخ مكان الصدارة وحصلت
حركة المناخ على القوة. ولا يمكن إغفال
واقع القوة والمصالح العالمية لكن مازال النضال لاتخاذ سياسات مناخية أكثر عدالة قائماً،
ورغم تعدد المقاربات فإن العدالة لا تتحقق فقط بتوزيع الأعباء ولكن أيضا فى الاعتراف بمصالح المهمشين
والمواطنين المحليين ومشاركتهم فى صياغة السياسات. ويعتبر التوصل لرؤية متفق عليها
ضرورة لتجنب تزايد أعداد مهاجرى ولاجئ المناخ، فقد أشارت عدة دراسات إلى الارتباط
بين تغير المناخ والهجرة. ويظل تحقيق العدالة المناخية رهناً بإرادات الدول فمن الصعب
على أى حكومة اتخاذ سياسات من شأنها تقــويض تنافسية قطاع ما مهم لاقتصادها وإن
كان على حساب المناخ والبيئة.
المراجع
1) محمد رمضان الاغا، "التغير المناخى كارثة بيئية
بشرية معقدة: الجدل بين العلم والسياسة والاقتصاد"، مجلة الدراسات الاستراتيجية
للكوارث وإدارة الفرص ، المجلد 1،
العدد 3، نوفمبر، 2019، ص 17.
2) استعراض لأهم أحداث العام: 2018، موقع البنك الدولى، 21
ديسمبر 2018
https://www.albankaldawli.org/ar/news/feature/2018/12/21/year-in-review-2018-in-14-charts
3) 5 وسائل للحد من أسباب تغير المناخ، 18 مارس 2015
https://www.albankaldawli.org/ar/news/feature/2015/03/18/5-ways-reduce-drivers-climate-change
4)
اتفاقية الأمم المتحدة
الإطارية بشأن تغير المناخ،
https://unfccc.int/sites/default/files/convarabic.pdf
5)
فارس مظلوم مكى وعباس
غالى، "العدالة المناخية والعواقب الجيوبوليتكية"، مجلة جامعة
الأنبار للعلوم الإنسانية، العدد 2، ديسمبر 2014، ص 418.
6) مفهوم الأمن الإنسانى، 23 أكتوبر 2018
7) تطور مفهوم الامن الانسانى، 14 يونيو 2019
8)
خولة محى الدين يوسف وأمل
يازجى، "الأمن الإنسانى وأبعاده فى القانون الدولى العام"، مجلة
جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 28، العدد الثانى، 2012، ص
533.
9)
خديجة عرفة، مفهوم الأمن
الإنسانى، سلسلة مفاهيم، المركز الدولى للدراسات المستقبلية والاستراتيجية،
العدد 13 ، يناير 2006 ، ص 22 .
10)
بكر عواودة، الأمن
الإنسانى المفقود
http://www.gal-soc.org/ar/article/40/The-lost-human-security
11) فارس
مظلوم مكى وعباس غالى، مرجع سابق، ص 418.
12)
Zhang, Ting&
Huntjens, Patrick, Climate Justice: "Equitable and Inclusive Governance of
Climate Action", Working Paper, The
Hague Institute for Global Justice, No.16, April 2016, p12.
13)
Baskin, Jeremy, "The
Impossible Necessity of Climate Justice", Melbourne Journal of
International Law, Vol. 10, 2009, p 426.
14)
اتفاق باريس للمناخ،
http://www.roayapedia.org/wiki/index.php
15)
ايمان زهران، الحقائق البديلة لإنسحاب ترامب من
اتفاق باريس للمناخ، المركز العربى للبحوث والدراسات، 18 يونيو 2017
16) اتفاقيات المناخ فى ظل القرارات الدولية، 28 أكتوبر 2017
17) جورج كرزم، "اتفاقية
المناخ فى باريس: عدم تحميل الدول الصناعية المسئولية الأساسية عن الانبعاثات
الغازية وعدم إجبارها على تخفيضها بما يتناسب مع الحقائق العلمية"، مجلة
آفاق البيئة والتنمية، مركز العمل التنموى، العدد
81، فبراير 2016.
http://www.maan-ctr.org/magazine/article/985/%
18) اتفاقية
الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ،
https://unfccc.int/sites/default/files/convarabic.pdf
19) التكيف
مع التغير المناخى، المركـز الدولـي للزراعـة الملحيـة،
2016
20)
Lakanen, Raili, A Battle for the Soul
of the Climate Movement”:The Expansion of the Intersectional Climate Justice
Frame Among Young Activists in Canada, A thesis submitted in conformity
with the requirements for the degree of Doctor of Philosophy, Toronto:
University of Toronto, Department of Geography and Planning,2019, pp 58-63.
21) Sachan, Ruchi, Role of Climate Justice
in Strengthening Adaptive Capacities in Developing Countries, p 828.
https://link.springer.com/content/pdf/10.1007%2F978-3-319-93336-8_74.pdf
22) David, Schlosberg& Collins, Lisette, "From
environmental to climate justice: Climate change and the discourse of
environmental justice", WIREs Climate Change, Volume
5, May/June 2014,p362.
23) Abate,
Randall S.)Editor(,Climate Justice Case Studies in Global
and Regional Governance Challenges, Washington, DC :Environmental Law
Institute,2016,p3
24)
Running , Katrina, Towards Climate Justice: Examining Concern
for Climate Change in Developed, Transitioning and
Developing Countries , A Dissertation Submitted to Partial
Fulfillment of the Requirements For the Degree of Doctor of Philosophy, Tucson:The
University of Arizona , Faculty of the School of Sociology ,2013,pp20-22
25) عمر الحسينى، هل تصبح مصر لاعبًا فى تجارة الانبعاثات الكربونية؟،
المركز المصرى للفكر والدراسات الإستراتيجية، 17 فبراير 2019
https://www.ecsstudies.com/research-programs/public-politics/economic-studies-unit/3432/
26)
باتريك بوند وخديجة شريف،
لماذا لن تنقذ تجارة الكربون الكوكب من
تغير المناخ، فى : حمزة حموشان وميكا مينيو بالويللو ( محرران)، الثورة القادمة
فى شمال إفريقيا: الكفاح من أجل العدالة المناخية، ترجمة عباب مراد، روما:
مؤسسة روزا لوكسمبورغ، ومؤسسة بلاتفورم لندن، وعدالة بيئية شمال إفريقيا، ط1،
2015، ص 101.
27)
Meyer, Lukas H& Sanklecha, Pranay, "How
legitimate expectations matter in climate justice", Politics,
Philosophy & Economics, Vol. 13, No. 4, 2014,pp 364- 366.
28)
Vanderheiden , Steve, "Climate
Justice Beyond International Burden Sharing", Midwest Studies In
Philosophy, Volume40, Issue1 , September
2016, p29- 33.
29)
Zhang, Ting& Huntjens, Patrick, Op.Cit,
p8.
30)
شكرانى الحسين،"
على هامش مؤتمر الأطراف ( COP 22 ) بشأن التغير المناخى: من تناقض المصالح إلى تعدد المقاربات"،
المستقبل العربى، المجلد 39، العدد 457، مارس 2017، ص 170.
31)
فرانسوا أوتار، "تطوير
مفهوم المنافع العامة إلى مفهوم الصالح العام للإنسانية"، ترجمة مجدى الجمال،
ورقة مقدمة إلى مؤتمر من المنافع العامة إلى الصالح العام للإنسانية، روما:
مؤسسة روزا لوكسمبرج، 28 و29 إبريل 2011، ص 10.
32) Thew, Harriet& others, “Youth is not a political
position: Exploring justice claims-making in the UN Climate Change
Negotiations", Global Environmental Change, Volume
61, March 2020,p1.
33) شكراني
الحسين، "نحو مقاربة جيلية للعدالة المناخية"، مجلة المستقبل العربى، السنة 39، العدد 454، ديسمبر، 2016، ص 140
.
34)
Zhang, Ting& Huntjens, Patrick, Op.Cit,
p11.
35) Shahar, DanC, "Justice and Climate Change Toward a Libertarian Analysis", The Independent Review, Vol. 14, No. 2, Fall 2009, p 228.