مقدمة
الاتصال والتفاعل سمة إنسانية منذ قديم الزمان
وقد تعددت وسائل الاتصال قديمًا من بين الاتصال الشفهي والمكتوب إلى أن تطورت
الوسائل بعد الثورة الصناعية واختراع الصحف والإذاعة والتليفزيون واستمر الحال
لعقود طويلة حتى اختراع الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) وهو الحدث الأهم الذي غير
مسار التاريخ وجعل العالم قرية صغيرة ضيقة
الأطراف وصولًا لما يعرف بالإعلام الجديد
أو الإعلام البديل واستخدام المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي
في نقل مجريات الأحداث وظهور مجموعة من المؤثرات الإلكترونية التي تنقل أفكار
مختلفة للأفراد
وأصبح المجتمع مفتوحًا ومتاحًا
للجميع حتى لغير المتخصصين والدارسين لهذا المجال مما تطلب بذل مزيدًا من الجهد في
التفكير الناقد حيث غيرت هذه الوسائل التكنولوجية كل نواحي الحياة وخلقت أنشطة
جديدة للأفراد والمجتمعات ,وتتمثل أهمية الإعلام في الآثار التي يحدثها من قيم
وأفكار ومعتقدات فوسائل الإعلام هى مصدر المعلومات ومع التطور التكنولوجي أصبح
مصدر المعلومة في وضع خطر فلا ندري ما مصدر المعلومة الصحيح وكيف نتعامل معه .
وتعد
أهمية دراسة الإعلام الجديد نابعة من مدى وقوة تأثيره في الآونة الأخيرة على الواقع الاجتماعي والسياسي والأمني
والثقافي وأيضًا لحداثة المجال فنتيجة لذلك اتجهت الأدبيات النظرية والدراسات
لتتناول هذا المجال الجديد الذي فرض نفسه على الواقع وأصبح منافسًا للوسائل الأخرى
بجدارة مما يستدعي تحول الأنظار إليه .
وهذه الدراسة تسعى للبحث في ماهية
الإعلام الجديد بجدالات هذا المفهوم وما هى أنماط التغير التي طرأت على الإعلام
بشكله التقليدي ليتحول إلى الإعلام الجديد وما هي الإشكاليات التي طرحها هذا
المفهوم في واقعنا الاجتماعي والسياسي
المعيش .
أولًا- مفهوم الإعلام الجديد
الإعلام الاجتماعي شأنه شأن مفاهيم العلوم الاجتماعية
ليس هناك مفهوم شامل جامع ولكن تتعد التعريفات والأطروحات التي تناولت المفهوم وتعددت صور المفهوم فبعض يسميه بالإعلام الشبكي
, وبعض بالإعلام الإلكتروني وآخرون بالإعلام الرقمي في حين يطلق عليها أحيانًا بالإعلام الشبكي أو إعلام المجتمع,و رغم الجذور التاريخية للإعلام الجديد
كمضمون إلا أن مصطلح الإعلام الجديد قد ظهر
بشكل واضح في الآونة الأخيرة مع الثورة التكنولوجية ووسائل الإتصال, ولقد تعددت
الدراسات التي تناولت مفهوم الإعلام الجديد وانقسمت إلى محورين يركز أولهما على
إدماج الإعلام التقليدي بالوسائل الحديثة (الكمبيوتر) والشبكة المعلوماتية, بينما
ينصب الثاني على تقنيات الإتصال الرقمي بالأساس والتي أدت حتمًا إلى ظهور أنماط جديدة
من الإتصال الإعلامي والجماهيري.
ومن
أبرز التعريفات المطروحة تعريف (لوجان) حيث يشير فيه إلى استخدام الوسائل الرقمية
والتي تتميز بالفاعلية وثنائية الإتجاه في مقابل الوسائل التقليدية والتي تعتمد
على الإتجاه الأحادي مثل التليفزيون والراديو والتي لم تتطلب في عملها أية تقنية,
والعديد من وسائل الإعلام الجديد نشأت عن طريق استخدام وسيلة قديمة والتطوير فيها على
سبيل المثال ظهر التليفزيون عام 1948 وكان يعد إعلامًا جديدًا آنذاك لكنه لم يعد
يصلح الآن هكذا, ولكن بإدماج التليفزيون مع الكمبيوتر من خلال تسجيل الفيديو
الرقمي (نظام TiVo ( يصبح إعلامًا جديدًا .
وفي الوقت
نفسه هناك بعض الأطروحات التي عرضت قضية الإشكاليات المتعلقة بالإعلام الجديد
كمصطلح حيث رأته أنه يقدم انقسامًا تعسفيًا بين كل من الإعلام القديم والإعلام
الجديد ورأت أن هناك تجاهلًا بأن الإعلام الجديد (إعلام الشبكة العنكبوتية
والرقمية) ليس وليد ليلة وضحاها بل له جذور تاريخية تصل لعقود طويلة ومن ثم الفصل
التام بين الوسائط القديمة والجديدة ليس له دلالة ورواسخ منطقية(2).
خصائص الإعلام الجديد
ويتميز الإعلام الجديد بعدة خصائص لم تكن
موجودة في الإعلام التقليدي ومن هذه الخصائص كالتالي:-
1)المشاركة
الفعّالة للأفراد مقارنة بالإعلام التقليدي الذي كان يعتمد على تلقين الأخبار ومن
ثم يجعل الإعلام الجديد الفرد مساهمًا بدرجة كبيرة في صناعة الأخبار وتشكيل الرأي
العام.
2)تقليل
التكاليف حيث ساهمت وسائل التطور الحديثة في تخفيض نفقات الإنتاج الإعلامي واستبدلها
بأجهزة كالهواتف المحمولة والتابلت .
3) السهولة
والتفاعلية حيث أصبح لدى الفرد القدرة على التعبير بشكل سريع ربما يصل الأمر إلى
بضع دقائق أو ثوانٍ وأصبحت هناك إمكانية لإجراء إستطلاعلات الرأي العام عبر
الوسائل الحديثة(1).
4)إعلام
عابر للحدود واللغات والثقافات (أفتراضي)
5)اللاتزامنيةحيث
يمكن إرسال واستقبال الرسائل والمعلومات دون التقيد أو الإلتزام بوقت معين.
6)تعدد
مصادر المعلومات فلم تعد المعلومة حكرًا على مصدر معين بل أصبح للمعلومة الواحدة
أو الخبر الواحد يوجد في اكثر من مصدر في آن واحد وهذا خلق مزيدًا من الإلتباس حول
أصل المعلومة الحقيقي أو المصدر الأولي .
الدور السياسي للإعلام الجديد
ارتبط الدور السياسي للإعلام الجديد بمنطقة
الشرق الأوسط على وجه التحديد حيث الاحتجاجات
أعقاب الإنتخابات الرئاسية الإيرانية لكن تمخضت بؤرة التركيز على مصطلح
الإعلام الجديد كمجال بحثي مع إنطلاق الربيع العربي أواخر 2010 وأوائل 2011 وأصبحت
الوسائل التكنولوجية هى محور التحريك والتأثير في العمليات والأوضاع السياسية وكانت هذه التكنولوجيا هى
إشارة البدء في الثورات العربية وتشكيل الرأي العام العربي(3).
من
الإعلام التقليدي للإعلام الجديد : أنماط التغير
رغم الجدال القائم حول مفهوم الإعلام الجديد إلا أن
الاختلاف ما زال واضحًا بين كل من الوسائط
التقليدية كالصحف الورقية, التليفزيون, الإذاعة, الراديو, الوسائط الجديدة
كالصحافة الإلكترونية, ومواقع الإنترنت, ومواقع التواصل الاجتماعي كفيس بوك وتويتر
والتي أصبحت أحد أهم وسائل نقل الأخبار اليوم وذلك بعيدًا عن مدى مصداقيتها أم لا لكنها
أضحت أكثر الوسائل شهرة واستخدامًا وإتاحة بين الأفراد في مختلف ثقافاتهم واختلف
الأمر فبعد أن كان الفرد المستهلك متلقي للأخبار التي يبثها التليفزيون على سبيل
المثال أي خارج دائرة صنع الخبر والرأي العام انتقل إلى داخل الدائرة وأصبح يتفاعل
مع مركزها وأطرافها ويشارك في رسم وصناعة الرأي العام عن طريق استخدام (الهاشتاج),
ومن حين آخر رغم سهولة هذه الوسائل إلا أن قد يُساء استخدامها في توجيه الرأي
العام في المجتمعات لذلك يجب على الأفراد التحقق مما يتم نشره(4).
وبمقارنة أنماط كل من الإعلام التقليدي والجديد فإن هناك ما
يميز هذه الأنماط وهناك أيضًا ما يعيبها , فالوسائل التقليدية المقروءة كالصحافة
واقترنت الصحافة باختراع الطباعة والتي كان أثرها واضحًا وكان ذلك الإتصال المطبوع
إبان منتصف القرن الخامس عشر وكان بداية ظهور الصحيفة في انجبترا وأمريكا وقد
ساهمت الثورة الصناعية في تطوير الطباعة حيث اختراع المطبعة البخارية ثم
الكهربائية وبدأ انتشار الصحف بين العامة وكان لها تداعيات جذرية في الظروف
الإنسانية حيث قدرتها على التعبير ونقل الأخبار واستلهام مشاعر الجاهير, وكان
للصحف عدة مميزات :-
1-ساهمت على
نشر التعليم حيث سعى كثيرون إلى تعلم القراءة والكتابة .
2-إنماء
الفكر والخيال لدى الأفراد.
3-إمكانية
القراءة لأكثر من مرة.
وفي
مقابل ذلك كان هناك بضع من العيوب كالتالي:-
1-باهظة
التكلفة حيث تحتاج إلى دعم مالي كبير.
2-تأثيرها
محدود في المجتمعات التي تنتشر فيها الأمية.
3- تستغرق
وقتًا طويلًا في نقي الأخبار.
وتطورت الوسائل إلى الوسائل المسموعة كالإذاعة
والراديو حيث كانت التجارب الأولى عام 1890 ولكنها ترسخت على أرض الواقع عام 1920
وكانت للولايات المتحدة الصدارة في ذلك حيث أجريت العديد من التجارب في هذا الحقل
وبعد ذلك انتشر الأمر وتم إنشاء هيئة الإذاعة البريطانية 1924 والتي تميزت بسرعة
الإنتشار بين جميع السكان والفئات ولكن
حملت هذه السرعة في طياتها عيبها وهو تعامل بعض الأفراد معها من باب الترفيه ,و
تطورت الوسائل إلى المسموعة- المقروءة كالتليفزيون فلم يخلُ بيت منه ويوجه رسائله
ويستطيع الفرد أن يحصل على كل المميزات السابقة في الوسيلتين السابقتين ومن مزاياه
:-
1-يقدم
المادة الإعلامية في نفس الزمن.
2-درجة
تأثيره أعلى من الصحافة والإذاعة.
3- ينقل
المعلومة بصورة واضحة (5).
أما بالنسبة للإعلام الجديد فمواقع التواصل
الإجتماعي هى حجر الزاوية فيه ومن أهم أنواع هذه المواقع الفيس بوك وتوتير فقد
تأسس الأول عام 2004 إلى أن وصل مستخدمية لأعداد كبيرة في وقتنا الحاضر, في حين أن
الثاني يعد أحد الأساليب التي لعبت دورًا كبيرًا في الأحداث السياسية في منطقة
الشرق الأوسط ولقد ظهر أوائل عام 2006 ذلك جنبًا إلى الهواتف الذكية وتطبيقاتها
العديدة (6).
وبذلك نجد تحول الوسائل إلى شكل آخر وأصبحت
الوسائل الحديثة كالهواتف المحمولة والمدونات وتويتر وفيس بوك ويوتيوب وانستجرام
تلعب دورًا محوريًا في حلقات الحياة اليومية والسياسية ويوجد اليوم 5.11مليار
مستخدم للهواتف المحمولة في العالم بزيادة 100 مليون (2%) في العام الماضي, وبلغ
عدد مستخدمي الإنترنت 4.39 مليار مستخدم في يناير 2019 أي بزيادة قدرها 366 مليون
فرد (9%) في يناير 2018, وفي السياق نفسه بلغ عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي
3.48 مليار مستخدم في عام 2019 معإجمالي عدد مستخدمين ما يقرب من 288 مليون أي
بمقدار 9% , ويستخدم 3.26 مليار نسمة مواقع التواصل الاجتماعي على الأجهزة
المحمولة(7) .
ويتميز
الإعلام الجديد على هذا النحو بعدة مميزات كالتالي:-
1-السرعة
الفائقة في نقل الأحداث مقارنة بالأدوات التقليدية الأخرى.
2-القدرة
على مساهمة الأفراد ومشاركتهم .
3- قوة
الفاعلية والتأثير.
4-السهولة
في الإستخدام .
ولكنها
في نفس الوقت ويعيبها بعض العناصر كالإغراق المعلوماتي الضخم الذي أصبح يهددأمن
الدول إضافة لذلك وهو عدم التيقن من صحة هذه المعلومات الكثيرة وذلك مقارنة
بالصحافة.
وهنا
ما زال السؤال يطرح نفسه وهو هل مواقع التواصل الاجتماعي مستقبل الإعلام أم أنها
وسيلة مؤقتة ومرحلة انتقالية لوسائل أخرى؟
ترى بعض الدراسات أن هذه الوسائل مرحلة انتقالية لغيرها
من الوسائل وأنه ربما تندثر في العقود القادمة لتتيح فرصة لظهور أخرى و برهان على
ذلك هو موقع My Space والذي اكتسب شهرة كبيرة على مستوى العالم ولكنه
تراجع بشكل كبير لنرى اليوم مواقع التواصل الاجتماعي كفيس بوك وتويتر وانستجرام
وغيرها من الوسائل الأخرى, فالأمر نفسه على تلك الوسائل الحالية وتتميز وسائل
مواقع التواصل الاجتماعي بعدة مميزات كالتالي:-
1-الفاعلية:-
الإتصال المباشر بالجماهير وهو ما تفتقده الأسالب الأخرى.
2-عائدها
الاجتماعي والاستثماري كبير.
3-دعم
اللغات العالمية مما يساعد في زيادة انتشارها بين الثقافات وبالأخص دعم اللغة
العربية(8).
وبناء
على ذلك يمكن تسجيل بعض الملحوظات في أنماط التغيير حيث كانت :-
1- الوسائل المستخدمة في كل
من الإعلامين فالإعلام التقليدي يستخدم
الصحف الورقية والإذاعة والتليفزيون والجديد يستخدم مواقع الإنترنت ووسائل التواصل
الاجتماعي.
2- ونمط تفاعل الجهمور في الإعلام التقليدي نمط
التفاعل سلبي حيث الجمهور يتلقى المعلومات ولكن في الجديد إيجابي حيث يشارك
الجمهور في صناعة الأخبار.
3-
ومدى التأثير فالإعلام التقليدي تأثيره محدود فالمادة
الإعلامية وحيدة للجمهور ولكن الجديد التأثير واسع حيث هناك الكثير من المواد
الإعلامية المتاحة.
4-
ومدة التطور والتحول والمخرجات الناتجة عن كل إعلام حيث
التقليدي مخرج محدود ولكن الجديد مخرج غير محدود هذا إضافة إلى حالة إتاحة
المعلومات في كل إعلام ومدى مصداقية المعلومات والأخبار.
الإشكاليات
المتمخضة عن الإعلام الجديد
حوت
وسائل الإعلام الجديد في ثناياها العديد من الإشكاليات والتي إن كانت موجودة من
قبل لكن هذه الوسائل حفزت من ظهورها بشكل واضح وزادت من اختناقاتها وتأزمها وتتعدد
هذه الإشكاليات لكن سوف تركز هذه الدراسة على بعض منها كالهوية والأمن القومي
والمعلوماتي إضافة للثقافة السياسية وسنتناول ذلك بشيء من التفصيل كل منهم على حدة
.
1- إشكالية الهُوية
لفظ الهُوية ليس واضحًا فهو مفهوم
أيديولوجي أكثر منه مستندًا على أسس علمية وإن كان التعبير عن الهُوية يتم من خلال
خصائص تشترك فيها الجماعة الواحدة كالدين واللغة والتاريخ والمعتقدات والثقافة
الواحدة, وقد أصبحت الهُوية في وضع بالغ الصعوبة اليوم نظرًا للتطور التكنولوجي
الذي اختزل بشدة العلاقة بين المجتمعات وخلق لغة خاصة وهُوية مختلفة تسلك طريقًا
آخر غير الذي اعتادت عليه ومن ثم أصبح من اليسير أن يخسر الفرد هُويته وشخصيته
ويصبح الفرد في هذه البيئة الجديدة بدون هُوية أو ثقافة مميزة له بل أصبح يتحدث
باللغة العالمية, وللهُوية مستويان الأول شخصي والآخر جماعي ويخلق الأول التنوع
بين الأفراد داخل المجتمع الواحد أما الآخر فيخلق التنوع بين الجماعات والمجتمعات
المتعددة(9).
وكان للإعلام الجديد بصمته الواضحة على الهُوية حيث أدت هذه الوسائل
التكنولوجية الحديثة إلى خلق مجتمعات افتراضية بشكل ضخم إلى حد لا يمكن الإلمام به
وتقييده وبالتالي كان لذلك تداعيات واضحة على تغيير نمط تفكير الأفراد والجماعات
وأصبحت المسافات والحدود الجغرافية أشكال وهمية لا تستطيع إيقاف هذا الغزو
التكنولوجي الافتراضي وأضحت هذه المجتمعات الافتراضية هى الواقع الجديد الذي يُشكل
حياة الأفراد وأصبحوا مرتبطين إلى حد كبير بالأجهزة الحديثة كالحاسوب والهاتف
المحمول والأدوات الأخرى وذلك أنتج ما
يُسمى " بالفرد الحاسوب" وذلك
إشارة لكونه أصبح مبرمجًا وأفرز نوعًا جديدًا من الهُوية لم يكن موجودًا ولا يتم
تحديده فهو خليط ناتج عن مزيد من الانفتاحات والتداخل وتظهر الهُوية الافتراضية أو
فضاء السايبر Cyber Space والذي يجعل الأفراد أشخاص " أنترنتية"
تنزوي في ثقافات غيرها حتى وإن كان على حساب هُويتها وإن كان هذا قد يثشبع رغبات
وحاجات نفسية لدى الأفراد إلا أنه يخلق قلق الإنتماء لكونهم متشرذم في ثقافات
وأفكار وهُويات مختلفة غير قادرين على تحديد ذاتهم الأصيلة التي يجب الإنتماء لها
(10).
والحديث عن إشكالية الهُوية لا ينفصل عن اللغة
فلا نجد جماعة من البشر لها نفس الهُوية إلا ولها نفس اللغة وفي كثير من الأحيان
تسعى لفرض لغتها هذه ولعل النموذج الشهير على ذلك الكرد فرغم أنهم يتوزعون على
أكثر من دولة إلا أنهم ينتمون فقط لقوميتهم وهويتهم ويتحدثون لغة واحدة رغم
اختلافها عن باقي أقاليم الدول المتواجدين فيها , فاللغة هى التي تصون وتحمي
الهوية وهى تحيا بالاستعمال والتداول ونتيجة للوسائل التكنولوجية الحديثة هذه
تبعثرت الهُويات ليسود نموذج ثقافي وحيد ويصيح هو المركز وهو ما يُعرف باسم
المثاقفة حيث انحسار الهويات المختلفة في ثوب جدبد وهذا بالتأكيد سلبي حيث ما هو
إلا قضاء على ثقافة لصالح أخرى ومثال على ذلك نجد ضعف اللغة العربية بسبب هيمنة
اللغة الإنجليزية على الشبكة المعلوماتية (الإنترنت) .
وتعد الهيمنة اللغوية أمرًا في
غاية الأهمية حيث بذلك الهيمنة يتم بث أفكار تسيطر على عقول الشعوب ليصبحوا أمام
معضلة وهى طغيان اللغة الأجنبية على معاملاتهم اليومية (11).
وهذا
إضافة إلى انتشار ما يسمى باللغة الفيسبوكية على مواقع التواصل الاجتماعي بين
الشباب على وجه التحديد وهو ما جعل الهُوية في وضع أكثر صعوبة , ولقد ارتبط ذلك
بإشكاليات أخرى تداخلت مع بعضها البعض .
2- إشكالية الأمن المعلوماتي و الأمن القومي
سابقًا كان مفهوم الأمن القومي مرتبط بشكل كبير
بمدى القدرة على السيطرة على حدود الدولة وامتلاك أجهزة استخبارات قوية وأدوات
عسكرية كبيرة ولكن في الوقت الحاضر ظهر
مصطلح الأمن المعلوماتي و الأمن السيبراني محوريًا في الدراسات الأمنية
والاستراتيجية لما له من مركز ثقل وتأثير فأصبحت الوسائل التكنولوجية هى لغة الحرب
المتعارف عليها وأصبحت حماية الأجهزة التكنولوجية ومعلومات الدولة أمرًا لا يقل
شأنًا عن حماية الحدود الأرضية للدولة بل يعلوه خطورة.
أولاً- الأمن
المعلوماتي
وفي
ظل الإعلام التقليدي نستطيع أن نضع الحدود الفاصلة بين كل من المعلومات المتاحة
والأمن القومي والأمن المعلوماتي للدولة وبالتالي إمكانية إحجام المخاطر المحيطة
ولكن تحت مظلة الإعلام الجديد أو الرقمي يختلف الأمر جملة وتفصيلًا حيث تسقط كل
الجدارات الأمنية وتتلاشى كل الحدود الفاصلة وتصبح المعلومات متاحة بشكل ضخم مع
عدم القدرة لمعرفة منبعها الأصلي هذا جنبًا إلى سيطرة الميول والمعتقدات في الحكم
على حيثيات الحوادث القائمة فهو إعلام للفرد لا للمؤسسات يغلبه الطابع الأيدولوجي
والعقائدي مما يجعل لكل فرد حرية في أن يسلك طريقًا يختلف عن الباقية نتيجة لإتجاهاته
وميوله وهنا نتنج مشكلة وهى أن وقت الأزمات لا تُتاح الصورة بشكل كامل للأفراد
ولكنه بناء على الأجزاء التي يراها وميوله وأيديولوجيته يبدأ في تشكيل رأي ووجهة
نظر ربما تكون صائبة وربما لا ويبدأ في التعبير عنها عبر وسائل مواقع التواصل
الاجتماعي وتتداخل آراء الأفراد ويحدث جدال مما يسبب اختناقات اجتماعية وبالتالي
يصبح الرأي العام الإلكتروني مكشوفًا للجميع ويتم استغلال ذلك وبالتالي هو إعلام
رأي وأيدولوجيا (12).
ثانيًا –
الأمن القومي
يتم استغلال وسائل التواصل الاجتماعي في إجراء
بعد العمليات المهددة لسلامة وأمن المواطنين كنشر صور مخيفة أو بث لأعمال إجرامية
مما تثير القلق لدى الأفراد ومن هذه العمليات:-
أ-انتشار
الجرائم الإلكترونية : حيث تسنحدم وسائل التواصل الاجتماعي في التهديد والابتزاز
الإلكتروني والقرصنة (الهاكر) والتهديد بإتاحة البيانات الشخصية للأفراد
ونشرها وذلك للمساومة بمقابل مادي هذا
إضافة إلى عمليات السرقة والقتل عن طريق الفيسبوك والإرهاب الإلكتروني .
ب- تهديد
الأمن الاجتماعي :- الأمن الاجتماعي جزء لا ينفصل عن الأمن القومي بشكل عام وكان
لوسائل التواصل الاجتماعي الأثر الواضح على الأمن الاجتماعي حيث بث الأفكار التي
تحفز على الرغبات الانفصالية وبث الكراهية بين الأفراد مما يهدد الانسجام والتواصل
الاجتماعي
وبالتالي
يعد عامل التوعية الإلكترونية وآليات الاستخدام الصحيح هى الحل الأمثل للتعامل مع
هذه الهجمات الثقافية ومؤخرًا اتجهت الكثير من الدول من إنشاء وحدات تُسمى (وحدات
الأمن السيبراني ) وذلك للتعامل بشكل سليم مع هذه العمليات الإلكترونية (13).
3-إشكالية الوعي والثقافة
بداية
لا ننكر أن الوعي لدى الأفراد ليس بنفس الدرجة بل مختلف من شخص لآخر نتيجة لعوامل
عديدة وهذا الوعي هو الذي يُشكل ثقافته بشكل عام وثقافته السياسية بشكل خاص وهى
عملية متداخلة فكما أن وسائل الإعلام تعمل على المتغيرات النفسية والاجتماعية
والعمرية لدى الأفراد فإن في الوقت نفسه يتجه الأفراد للمادة الاتصالية التي
تتناسب مع فكره واتجاهاته .
وتتعدد الوسائل التي تعمل عل تشكيل الوعي لدى الأفراد
ويكون للإعلام الاستحواذ الأكبر لما يزوده من معلومات للأفراد وتشكيل الرأي العام وهنا تظهر إشكالية
المعلومات المغلوطة التي يتم نشرها عن طريق وسائل الإعلام الجديد وهذا الغرق
المعلوماتي التي لا نتستطيع التحقق بشكل قاطع من مصداقيته , ومن ضمن الأساليب
المتاحة لتكوين الثقافة السياسية للأفراد الصحف الإلكترونية وما فيها من حرية
الممارسات بمعنى تدفق الأخبار وفي الآونة
الأخيرة ازداد عدد الأفراد المستخدمين لهذه المواقع (14).
وفي هذا
السياق نجد أن الإعلام الجديد قد جعل تشكيل الوعي والثقافة في أزمة فلا نعد نستطيع
تحديد بشكل دقيق هل يكون الإغراق
المعلوماتي على مواقع التواصل الاجتماعي وتعدد الآراء الدارجة يكون وعي الأفراد أم
الاعتقادات والأيديولوجيات المعتنقة لدى الأفراد هى التي توجههم لإنتهاج اعتقاد
فكري معين وبالتالي المشاركة بمواد اتصالية معينة وأطروحة أخرى وهى هل هذه الآراء
المتعددة تخلق مزيدًا من التناقضات الفكرية وإثراء الحوار المجتمعي واستغلال هذه
الوسائل على تدعيم احترام وجهات النظر وجعلها طريقًا ممهدًا للسلام الاجتماعي
أم أنها ترسخ مفهوم عدم التقبل والنقد الهدام .
كل هذه العوامل والأطروحات تم طرحها ولم نصل بعد لإجابة
جامعة شاملة وما تزال لها تداعيات على المجتمع ككل.
الخلاصة
لا يوجد تعريف جامع للإعلام الجديد ولكن المؤكد
هو أن الإعلام الجديد أصبح له أثر بالغ الخطورة على المجتمعات في الآونة الأخيرةو أصبحت
جماهيره تزداد يومًا بعد يوم وهذا ما يطرح العديد من الإشكاليات كالهوية والأمن
القومي والمعلوماتي والوعي والثقافة لدى الأفراد مما يستوجب بذل المزيد من الجهد
لتشكيل وعي أكثر لصد المخاطر الناتجة عن الإغراق المعلوماتي المتمخض عن وسائل
التواصل الاجتماعي .
وكانت أنماط التغير من الإعلام القليدي إلى الإعلام الجديد بارزة , ولا نستطيع الإتيان بإجابات قاطعة بخصوص تلك الإشكاليات وكيفية المواجهة لها ولكن الذي بالإمكان هو التعامل بذكاء مع هذه الوسائل ولا نقع فرسية لها ومحاولة بقدر الإمكان عدم نشر المعلومات بشكل عشوائي .
المراجع
(1)عبد المحسن حامد أحمد
غفيلة, الإعلام الجديد وعصر التدفق الإخباري,(المنصورة,
المكتبة العصرية , الطبعة الأولى: 2015), ص ص 11- 52 .
(2)Siapera, Eugenia, Understanding
New Media, SAGE, 2011, available at:-
https://uk.sagepub.com/sites/default/files/upm-binaries/44073_Siapera.pdf
(3)بدر الدين بلمولاي, دور
الإعلام الجديد في التنشئة والممارسة السياسية, مجلة العلوم الإنسانية
والاجتماعية , العدد 29, جوان/يونيو 2017, ص ص 4-6.
(4)علي حجازي إبراهيم, التكامل
بين الإعلام التقليدي والجديد , (الأردن, دار المعتز, الطبعة الأولى,
2017) ص 7 .
(5)علي عبد الفتاح, الإعلام
الاجتماعي ,(اليازوري, 2016), ص ص 7-14
(6)علي حجازي إبراهيم, مرجع
سبق ذكره, ص ص 73-79
(7) Digital
2019: Global Digital Overview, Digital Report, 31/1/2019,
available at :
https://datareportal.com/reports/digital-2019-global-digital-overview
(8) علي عبد الفتاح, مرجع
سبق ذكره, ص ص 19-23 >
(9) دعاء خضر, (الهُوية-
الاستدامة- الشراكة) دراسة مرجعية لتطور المفهوم , ص ص 2 , 7 .
(10) باديس لونيس, الإعلام
الجديد والهُوية دراسة نظرية في جدلية العلاقة والتأثير, مجلة العلوم
الاجتماعية والإنسانية, العدد 31, ديسمبر 2014, ص ص 284 – 285 .
(11)كريمة محمد كريبة,
اللغة والهوية, مجلة الآداب ,
مجلد 27 , العدد 1, 2015, ص 65.
(12) مها عبد المجيد,
الإعلام الجديد وإدارة الأزمات الأمنية, ورقة علمية مقدمة إلى الملتقى
العلمي, عمان : الأردن,
25-27 يونيو 2012.
(13) أمل صقر , كيف يهدد
"التواصل الاجتماعي" الأمن
الوطني؟, مركز المستقبل , 8 يوينو 2014 . متاح على:
https://cutt.us/gLcnd