أزمة كورونا والصراع بين التيارات السياسية في إيران
بينما تكافح حكومة الرئيس الإيرانى الحالى حسن روحاني
لاحتواء أزمة تفشي الفيروس التاجي كورونا مع وزير جديد للصحة، تواصل الشبكة
السياسية الشخصية للمرشد الأعلى وتيار المحافظين مراقبة الحكومة المحاصرة بالفعل في
لحظة حاسمة من تاريخ الجمهورية الإسلامية؛ فعلى الرغم من أن وزير الصحة الإيرانى
الحالى سعيد نمكى، لم يستمر في منصبه لأكثر من عام، لكنه يواجه أكبر الأزمات
الصحية داخل الدولة الإيرانية حتى الآن.
وفي هذا السياق، أشار الكاتب جايسون برودسكي مدير برنامج
السياسات في مؤسسة الاتحاد ضد إيران
النووية، إلى إنه لطالما كان هناك جدل ومشادات بين وزراء الصحة والرؤساء على مر
التاريخ داخل إيران على خلفية المشاكل المحاطة بوضع الميزانية العامة للبلاد؛ ففي
عام 2012 أقال الرئيس الإيرانى أنداك محمود أحمدي نجاد أول وزيرة للصحة في تاريخ الجمهورية
الإسلامية "مرضية وحيد داستجيردي" بعد تعليقات قالت فيها :"سمعت
أن السيارات الفاخرة تم استيرادها بدولارات مدعومة، لكنني لا أعرف ماذا حدث للدولارات
التي كان من المفترض تخصيصها لاستيراد الأدوية ".
وبالمثل، صدرت
عدة شكاوى عن وزير الصحة الذي تم تعيينه في الفترة الأولى لروحاني "حسن زاده هاشمي"
من نقص الميزانية المخصصة للصحة في إيران في ذلك الوقت وتقدم باستقالته لهذا
السبب، وقال في ذلك: "أنا عامل مجتهد ولدي تسامح كبير. . . هذه ليست قضايا
جديدة، وأنا لم أعمل على جعل هذه القضايا علنية حتى الآن، لقد كتبت العديد من الرسائل
إلى الرئيس، حدثت أشياء كثيرة ولم أخبر أحدًا ". كما كانت هناك
محاولات عدة لإقالة وزراء الصحة في إيران لاسيما في عام 2003 ضد مسعود بيزيكيان.
وبالطبع، ورث وزير الصحة الحالي سعيد نمكى، هذا الإرث؛
حيث يعتبر نمكى هو أول وزير للصحة من غير الأطباء؛ حيث أنه يُعتبر أول صيدلى حاصل على
دكتوراه في علم الأدوية يخدم على رأس وزارة الصحة منذ عام 1979، فعلى الرغم من
افتقاره إلى المكانة التي كان يتمتع بها أسلافه، لكن بالإضافة إلى كونه أستاذًا جامعيًا،
عمل سابقًا كنائب في منظمة التخطيط والميزانية،
وزارة الصحة وإدارة البيئة، كما أنه يعتبر
أكثر من مجرد تكنوقراط إداري على عكس الوزراء السابقين، الذين خدموا إما كأطباء
أكاديميين بارزين، أو سياسيين بقاعدة دعم موجودة
أو قادة على مستوى وزاري داخل ساحات السلطة في الجمهورية الإسلامية
الإيرانية.
في السياق ذاته، يؤكد الكاتب على وجود عدد كبير من
العقبات التى تواجه وزير الصحة الإيرانى سعيد نمكى يتمثل أبرزها في أكبر أزمة صحية
مرت على تاريخ الجمهورية الإسلامية، وهى تفشي فيروس _كوفيد 19) المعروف بكورونا،
ويتزامن ذلك مع صعود التيار المحافظ في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) الجديد
الذي تقع في سلطاته قرارات إقالة المسؤولين، ولكن ستقع عليه أيضًا مسؤولية إدارة
الأزمة في هذه الفترة الحرجة.
ففي أواخر فبراير
2020، اتهم برلماني من قم الحكومة بعدم الإبلاغ عن المدى الواسع لانتشار فيروس
كورونا التاجي في مدينته وعدم أخذ هذه المسألة على محمل الجد، وفي هذا الإطار، تساءل
نائب رئيس البرلمان الإيراني الحالي، ووزير الصحة السابق مسعود بيزيكيان، عن أسباب
عدم عزل مدينة قم عند ظهور الفيروس للمرة الأولى، قائلاً:" لو كنت وزيراً للصحة،
كنت سأقوم بفرض الحجر الصحي على مدينة قم منذ اليوم الأول، و لما سمحت للناس بمغادرة
منازلهم".
وعليه، بات الخلاف شديدًا لدرجة أن علي لاريجاني، رئيس البرلمان
الإيراني، كتب برسالة إلى المرشد الأعلى لإيران في الأيام الأخيرة يطلب فيها أن يتولى
روحاني رئاسة فريق عمل وطني لمكافحة الفيروس المستجد، الذي كانت تديره وزارة الصحة
سابقًا، على خلفية شكاوى عدد كبير من المُشرعين بسوء إدارة وزير الصحة الحالي سعيد
نمكى للأزمة. ومن هنا، تشير تقارير إعلامية إيرانية إلى أن المرشد الأعلى آية الله
علي خامنئي طالب روحاني بذلك، لذا، من المتوقع التركيز بشكل كبير على عمل وزارة الصحة عندما ينعقد البرلمان
دورته الجديدة في مايو2020.
يتوازى ذلك، مع محاولة خامنئي التدخل في الأزمة من خلال استخدام
شبكة حرسه القديمة لمواجهة الاثار السلبية لانتشار الفيروس؛ ففي الأيام الأولى من الأزمة،
دعا المرشد الأعلى طبيبه الشخصي ووزير الصحة السابق، علي رضا ماراندي، لاطلاعه على
مخاطر هذا الفيروس المستجد والتحضير لمقابلة تلفزيونية لتوعية المواطنين في
الشوارع، فبالإضافة إلى مسؤوليات ماراندي الطبية فهو يعمل أيضًا رئيسًا لأكاديمية العلوم
الطبية الإيرانية وهو رجل دولة قديم في مكتب المرشد الأعلى وله كلمة مسموعة عندما يتعلق
الأمر بالسياسة الصحية في البلاد؛ حيث يمكن مقارنة نفوذ ماراندي في مجال الرعاية الصحية
بنفوذ وزير الخارجية الإيراني الأطول خدمة في تاريخ الجمهورية الإسلامية علي أكبر ولايتي،
والذي يعمل حاليًا مستشارًا لخامنئي في السياسة الخارجية.
وعليه، تعتبر الزيارة التي قام بها وزير الصحة السابق علي
رضا ماراندي علامة مهمة ومميزة فيما يتعلق بالخط الأخر المتعلق بالمرشد الأعلى والموازي لحكومة روحاني
في البلاد، ولكن في الواقع فإنه الأكثر نفوذا وتأثيراً. كما أشاد ماراندي خلال
المقابلة التلفزيونية التي أجراها بجهود المرشد الأعلى علي خامنئي فيما يتعلق بنشر
قوة الباسيج لمكافحة شلل الأطفال منذ سنوات طويلة مضت، وهو الأمر ذاته الذي يُستخدم
حاليًا في مكافحة الفيروس التاجي الجديد.
لذا، فبينما
تبذل حكومة روحاني بالتعاون مع وزير الصحة الحالي سعيد نمكى جهود كثيرة لمكافحة فيروس
كورونا، تواصل الشبكة الشخصية للزعيم الأعلى مراقبة حكومة روحاني التي تمر بأكبر
أزمة في تاريخ الجمهورية الإسلامية، ظهرت أثارها السلبية على كل الأصعدة السياسية،
الاقتصادية والاجتماعية.
وفي خضم هذه الجهود الحثيثة التي تبذلها جهات عدة على
مستوى الجمهورية الإسلامية، أقام الحرس الثوري الإيرانى - الذي يقدم تقاريره مباشرة
إلى المرشد الأعلى - قاعدته الخاصة به - "شفا"- لمكافحة الفيروس التاجي،
على الرغم من أن الأمر المُعلن هو التعاون بين المؤسسات المختلفة، إلا أن وجود الحرس
الثوري الإيراني وامتلاكه للدور الأكثر بروزًا في الأزمة هو دليل على تنافس الكيانات
الخاضعة لسيطرة المرشد الأعلى علي خامنئي وربما
استبدالها بالجهود التي تقودها إدارة روحاني، حتى وصل الأمر إلى ظهور شائعات عن نية وزير الصحة الاستقالة بسبب الاقتتال الداخلي.
في
النهاية: يشير الكاتب إلى إنه على
الرغم من وجود لافتة جديدة في ميدان “فالياسر” في طهران - توجه الشكر للعاملين في مجال الرعاية
الصحية، إلا أن إدارة روحاني تواجه ضغوطاً مزدوجة من مراكز السلطة المنتخبة وغير المنتخبة
في إيران، الأمر الذي يتوازى مع تراجع الاقتصاد جراء العقوبات الاقتصادية
الأمريكية وهو ما يشير إلى إمكانية حدوث المزيد من الاضطرابات السياسية في الأشهر
القليلة القادمة.
Jason
Brodsky, Iran Prepares for Political Upheaval Amid a Coronavirus Scare, The
National Interest, March 13, 2020, available at: