سيناريوهات محتملة... الكورونا وأزمات الاقتصاد في أفريقيا جنوب الصحراء
منذ أن
ظهر فيروس كورونا أو الفيروس التاجي كما هو معروف في أواخر عام 2019 بمدينة ووهان
الصينية وظهرت حالة من الترقب الشديد لمدى تطور هذا الفيروس إلى أن بدأ يجتاح عدد
كبير من دول العالم حتى أن أصبح بمثابة وباء عالمي يهدد كافة المجتمعات والشعوب.
ومن
المعروف أن انتشار مثل هذه الأوبئة يكون لها آثار وتبعات اقتصادية وسياسية
واجتماعية،فالآثار الاقتصادية التى لحقت بالصين أثرت على الكثير من دول العالم كون
أن بكين تضع يدها على كافة المحاور الاقتصادية التى تدخل في حياة الشعوب،عبر
شركاتها ومشروعاتها الاستثمارية المنتشرة في كل دول العالم ومنتجاتهاالتي تغزو
الأسواق، الأمر الذي يعني أي تأثر داخلي على الصين ينعكس على المجتمع الدولي وعلىمجمل
الاقتصاد العالمي.
ومع تفشي
هذا الفيروس فأن المصالح الإقتصادية للصين مع الدول الأخري سوف تتأثر وبخاصة
الأسواق الاقتصادية للدول النامية والتي لهامصالح اقتصادية كبيرة مع الصين من
بينها دول إفريقية واقعة جنوب الصحراء الكبرى كـ(إنجولا، الكوت ديفوار، جمهورية
الكونغو الديمقراطية، إثيوبيا، غانا، كينيا، موريشيوس، نيجيريا وجنوب أفريقيا
وتنزانيا وأوغندا وزامبيا) ومن المؤكد أن هذه الدول وغيرها ستأثر بصورة أو بأخرى
بنتائج هذا الفيروس اقتصادياً، وفي هذا التقرير سيتم الإشارة إلى سيناريوهات وضعالاقتصاد
الإفريقي على أثر انتشار فيروس كورونا وذلك عبر النقاط التالية:
خيارات محدودة
يشعر المسؤولين الإفريقيين بالقلق من الانتشار السريع
للفيروس الأمر الذي يؤثر على قطاعات عديدة في الدول الإفريقية وعلى رأسها قطاع
السياحة فالقارة الإفريقية تمثل نحو 16% من سكان العالم، ولكن تعاني من انخفاض في
مستوى الانفاق المخصص للرعاية الصحية بنسبة قد لا تتعدي الـ 2% من مستوى الانفاق
العالمي على الرعاية الصحية الأمر الذي يعنى أن انتشار هذا الفيروس سيؤثر على
المجتمعات الإفريقية بشكل كبير إلى جانب ما تعاني منه هذه الشعوب بالاساس من
انتشار لفيروسات أخري كـ فيروس نقص المناعة الطبيعية والإيبولا وغيرها.
وتعد
الصين الشريك التجاري الرئيسي لأفريقيا،حيث تمتلك ما يقارب من 10000 الاف شركة في
جميع أنحاء القارة، وهو الأمر الذي يفرض قيود على الدول المستقبلة للشركات الصينية
حيث لا يمكنها إيقاف عمل هذه الشركات على أرضيها، إضافة إلى أن الدول الإفريقية
جنوب الصحراء على وجه الخصوص لديها قيود مالية وخارجية محدودة بمعني أنه ليس لديها
أصول متاحة بسهولة يمكن استخدامها لأغراض التعامل مع الازمات الاقتصادية كـصناديق
الثروة السيادية الكبيرة"(1)
كما أن
الاقتصاديات الإفريقية تعتمد بشكل أساسي على تصدير المواد الخام وبخاصة النفط وقد
شهدت أسعار النفط تراجع كبير منذ تفشي هذا الفيروس فقد أدى إغلاق الصين على سبيل
المثال لموانيها إلى قيام مستوردي النفط بإلغاء عمليات الشراء وفرض قيود على الدول
والشركات النفطية الموردة حتى يتم قبول الشحنات ففي أنجولا على سبيل المثال أجبرت
مجموعة "Sonangol" النفطية التابعة للدولة على تخفيض سعر الشحنة حتى يتم الموافقة على شرائها(2).
التأثير
على السياحة
اتخذت عدد من الدول الإفريقية اجراءات خاصة بحظر السفر
والدخول إلى أراضيها، واجراءات خاصة للعمل على الحد من انتشار الفيروس والتصدي
إليه إذ اتجهت أغلب الدول إلى فحص المطارات وغيرها من الإجراءات.
وبما أن أغلب الزيارات وتأشيرات الدخول إلى الدول
الإفريقية تأتي بهدف السياحة فقد قامت عدد من الدول الإفريقية بإلغاءتأشيرات
الدخول إلي أرضيها مما يعني تأثر قطاعي الطيران والسياحة في عموم القارة(3)، وتشير التقديرات
أن شركات الطيران الإفريقية خسرت 400 مليون دولار أمريكي منذ تفشي هذا الفيروس وأن
أغلب الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراءأوقفت رحلاتها مع الصين، وكانت الشركات
البارزة التى اتخذت منحي واضح في غلق رحلاتها مع العالم الخارجي هي جنوب إفريقيا وتنزاينا وموريشيوس وكينيا
وغانا وجنوب إفريقياحيث أقدمت هذه الدول على أغلاق الحدود وفرضت حظر تجوال على
دخول أي شخص قادم من أي دولة انتشر فيها الفيروس حول العالم، وتتسم هذه الدول
بأنها تمر بحالة من الركود الاقتصادي، مما يعني أن مثل هذه الإجراءات سيكون لها
أثر على هذه القطاعات .
سيناريوهات
محتملة
منذ أن
ظهر هذا الفيروس وهناك مخاوف من الأثار الاقتصاديةالتي أثرت على كافة الدول التي
ظهر فعلى سبيل المثال بلغت الخسائر التى لحقت بدول العالم في شهر فبراير 50 مليار
دولار وفقا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، ويقول التقرير إن انكماشا بنسبة 2% في
إنتاج الصين له آثار مضاعفةعلى مجمل الاقتصاد العالمي، وهو ما "تسبب في
انخفاض يقدر بنحو 50 مليار دولار أمريكي" في حجم التبادل التجاري بين الدول.
فقد أوقفت
أغلب الدول الإفريقية جنوب الصحراء رحلاتها مع الصين وعملت على الحد من العمليات
التجارية معها، الأمر الذي قد يمثل أزمة للدول الإفريقية في التعامل مع الأزمات
الإقتصادية التى قد تعصف بالعالم بسبب هذا الفيروس على الرغم من أنه من السابق
لاوانه الحديث عن تأثير هذا الفيروس على الاقتصاد العالمي بشكل عام وعلى الاقتصاد
الإفريقي بشكل خاص، إلا أنه يمكن قراءةالمؤشرات المحتملة لهذا الفيروس على واقع
الاقتصاد الإفريقي عبر النقاط التالية: -
1.انخفاض
مستوي الاسهتلاك من النفط والمواد الخام: من
المتوقع أن تشهداسواق النفط الافريقية هذا العام انخفاضفي الاقبال على الشراءبنسبة
1.5 مليون برميل يوميا(4)، ومما يعزز تلك الفرضية أنه حتى عام 2010كان هناك نمو في الاستثمارات الخارجيةالنفطية في إفريقيا
إلى أن انخفضت بشكل كبير حتي وصلت إلى 4% عام 2019 ومن المتوقع أن تنخفض في عام 2020.
وفي ذات
السياق، هناك انخفاض على طلب النحاس بنسبة 7% من كلًا من إنجولا وزامبيا حيث من
المتوقع أن يكون هناك انخفاض في الطلب على النحاس بمقدار 3000000 طن في عام 2020 .
2.التقلب
في أسعار العملات:نظرًا لان أغلب العملات الإفريقية
مرتبطة بالعملات الخارجية فأن مرونتها تعتبر صغيرة وتتأثر بالازمات الإقتصادية،
فقد تأثر الراند الجنوب إفريقيبفقد 5% من قيمته السوقية أمام الدولار بعد هذه
الأزمة، وشهدت الدول الإفريقيةالأخرى ارتفاع في أسعار السندات، وهو ما يعني
اقتصاديًأ زيادة تكلفة التمويل ،وبالتالي ارتفاع تكلفة سداد وخدمة الديون على
السندات (5).
ونتيجة
لذلك، ووفقا لصندوق النقد الدولي من المتوقع أن تشهد بعض الدول الإفريقية إنخفاض في
معدلات النمو الاقتصادي فقد تشهد نيجيريا على سبيل المثالانخفاض فيمعدلات النموالاقتصاديمن 2.5% إلى 2% وهذا يرجع
إلى أن اقتصاديات الدول الإفريقية جنوب الصحراء تتسم في مجملها بـ تضاؤل
الاحتياطيات الأجنبية، إضافة إلى الاعتماد الكبير على التدفقات الأجنبية مما يحد
من قدرة الحكومات على التعامل مع انخفاض الإيراداتإضافة إلى انخفاض أسعار النفط(6).
3.ارتفاع في مستوى الإقتراض الداخلي والخارجي: من
المتوقع وفقا لخبراء إقتصاديين أن تشهد الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء ارتفاع في مستوى الاقتراض الداخلي والخارجي فقد شهدت
الدول الإفريقية مستويات عالية من الإقتراض الخارجي منذ الأزمة الاقتصادية
العالمية عام 2008 حيث وصل حجم الدين الخارجي على الحكومات والدول الإفريقية وحدها
ما يقارب من 20% من مستوي الإقتراض العالمي، بل أنه في العاميين الماضيين وصل قيمة
اذونات الخزانة التى اصدرتها الحكومات الإفريقية وحدها 60 مليار دولار أمريكي.
4. تعثر مشروعات البنية التحتية الصينية في إفريقيا:
ستواجه مشاريع البنية التحتية الصينية في إفريقيا اضطرابات بسبب تقييدحركة الطيران
والدخول إلى إفريقيا ومع ذلك، فإن المشكلة الأكبر هي أن سلاسل التوريد للمدخلات
الرئيسية لهذه المشاريع تأتي من الصين وهي معطلة إلى حد كبير، مما يجعل من الصعب
العثور على المدخلات والمكونات والمعدات والآلات من أماكن أخرى(7).
5.تأثر سوق السلع والخدمات في القارة: وذلك لأن
49% من السلع الإفريقية هي سلع صينية يتم استيرادها (8)، وهو ما قد
يرفض علي الحكومات الإفريقية ولو بشكل مرحلى البحث عن مصادر تمويل إضافي للتعامل
مع الأزمة وهو ما عبر عنه وزير المالية الجنوب إفريقي " تيتو مبويني"
عندما صرح بأن الحكومة ستحتاج إلى تخصيص تمويل إضافي للتعامل مع الأزمة(9)
وختامًا،
يمكن القول إنه من المرجح أن تكون التداعيات الاقتصادية للقارة شديدة وطويلة الأمد،
لأن الكثير من الدول الإفريقية تعتمد بشكل كبير على الواردات السلعية إلى الصين، ولديها ميزانيات إقتصادية
ضعيفة نسبيًا إضافة إلى تصاعد أعباء الديون المرتفعة واسعار العملات المتقلبة
إضافة إلى غيرها من المشاكل الأخرى.
ولكى تتلاشي الدول الإفريقية جنوب الصحراء الأثار
الإقتصادية المحتملة لفيروس كورونا فأن عليها
العمل على فهم آليات الانتقال والتأثيرات المتعددة للأزمة على الأسواق
المالية حيث قد يأخذ التأثير اشكالًا فورية ومباشرة، كتلك التي حدثت بعد الأزمة
العالمية لعام 2008 والتي ألحقت ضرر بالاسواق المالية الناشئة.
المراجع
1)
Africa Vulnerable to Capital Flight on
Virus Concern, Fitch Says,Bloomberg,at:
2)
The coronavirus fallout is ‘battering’
African economies, Capital Economics says, CNBC, at:
3)
Simon Marks,Coronavirus
Will Slam African Economies, Experts Say,voice of America, at:
4)
Africa's air
economy to suffer from coronavirus effect,The Star, at:
5)
Eric Olander,Coronavirus:
Africa braces for the economic impact of China slump,the Africa Report, at:
6)
ibid.
7)
ibid.
8)
Africa Vulnerable
to Capital Flight on Virus Concern, Fitch Says, opc.it.
9)
African countries
shut doors against Europe, America to combat coronavirus, CNN, at: