المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نهال أحمد
نهال أحمد

خسائر متتالية .. تأثير التصعيد الأمريكي - الإيراني على الدولة العراقية

الخميس 19/مارس/2020 - 01:52 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

تشهد الساحة العراقية حالة من التصعيد العسكري، على خلفية تكثيف الضربات المتبادلة بين القوات الأمريكية في العراق ضد معسكرات لميليشيات شيعية مدعومة من طهران، بعد مقتل جنديين أمريكيين وآخر بريطاني في قصف ميلشوي لقاعدة "التاجي" العراقية في 11 مارس الجاري، حيث جاء القصف بعد أيام من زيارة لمسؤول أمني إيراني لبغداد، وتكمن خطورة الوضع في افتقاد حكومة تصريف الأعمال العراقية الحالية لأية صلاحيات، وهو ما يعني ضمنيًا مزيد من التباس المشهد بالتزامن مع استمرار تغلغل وتصاعد نفوذ الميليشيات المدعومة إيرانيًا داخل مؤسسات الدولة العراقية.

تصعيد عسكري مستمر

بدأت موجة جديدة من التصعيد في الحادي عشر من مارس الجاري، بعدما تسبب هجوم صاروخي استهدف قاعدة "التاجي" العسكرية الواقعة شمال بغدد في مقتل أمريكيين وبريطاني، وهو ما أدى لرد فعل أمريكي سريع؛ ففي الثالث عشر من مارس أيضا _بعد يومين من قصف القاعدة_ استهدفت القوات الأمريكية مخازن أسلحة ومواقع تابعة لميليشيات شيعية مدعومة من الحرس الثوري الإيراني.

لم تكتف المواجهات عند هذا الحد لكن بدأت في التصعيد بعدما قررت ميلشيا حزب الله يوم الرابع عشر استهداف نفس القاعدة الأمريكية بهجمات صاروخية خلفت عدد من الجرحى في صفوف الجنود الأمريكيين.

جدير بالذكر أن استهداف الرابع عشر من مارس كان الاستهداف الثالث والعشرين الذي استهدف القوات الأمريكية في العراق منذ نهاية أكتوبر وذلك حسب بيان للجيش الأمريكي (1).

فالضربات الصاروخية الميليشوية ضد قوات التحالف الدولي عامة، أو القوات الأمريكية خاصة، لن تكون الأخيرة ما يعني أن المواجهة ستظل مستمرة، والأكثر دهشة أن الحكومة العراقية ليس لها أي سلطات وغير معنية بالوضع الحالي بالشكل المطلوب، فالمواجهات الحالية عبارة عن حرب بالوكالة تقودها الولايات المتحدة خلف عباءة قوات التحالف الدولي ضد إيران التي تمثلها الميليشيات الشيعية المتغلغلة داخل الأراضي العراقية.

وتحرص الولايات المتحدة على تفعيل إستراتيجية الضغط الأقصى على طهران لدفعها مرة أخرى للتفاوض على الاتفاق النووي، وأيضا اللعب على وتر فقد ثقة الداخل الإيراني في قياداته وتحريكه بشكل ما ضد نظام ولاية الفقيه.

وبناءًا على ذلك وضعت الولايات المتحدة خطط عدة ترتكز على استهداف الرموز الإيرانية المهمة كما حدث في  اغتيال قائد فيلق القدس والرجل الثاني في إيران "قاسم سليماني" يناير الماضي، بعد استهداف سيارته بصاروخ بالقرب من مطار بغداد الدولي،  كذلك استهداف موكب نائب رئيس الحشد الشعبي "أبو مهدي المهندس".

في المقابل تسعى إيران بشتى السبل لإخراج القوات الأمريكية من الأراضي العراقية ومن المنطقة عموما وذلك للاستفراد بها وتنفيذ مخططهم _ المشروع الإيراني الإقليمي _ وهذا ما نستشفه تماما من الخطاب السياسي للرموز الإيرانية الذي اتخذ مسارًا تصعيديًا بعد مقتل "سليماني" بغية الحفاظ على سمعتها، تجسدت أولى ملامح التصعيد في استهداف قاعدة الأسد الأمريكية غرب العراق.

ويكمن الهدف الآخر  لإيران في محاولتها التأثير على شعبية الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، فطهران ترى أن استهداف الجنود الأمريكيين وعودة جثامينهم للولايات المتحدة يعتبر بمثابة ضربة قوية "لترامب" تتنافى مع وعوده الانتخابية للأمريكيين بإعادة جميع الجنود سالمين إلى الوطن، وهو ما من شأنه التقليل من حظوظه القادمة لاسيما مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقررة في الربع الأخير من عام2020، "فترامب" يعتبر أكثر رؤساء البيت الأبيض صرامة وحزم في التعامل مع طهران وبرنامجها النووي لذلك فإن إزاحته تتصدر قائمة الأهداف الإيرانية في الآونة الأخيرة(2).

                ومما سبق نستشف أن المشكلة الحقيقية لهذا الصراع  تكمن في أن كلا الطرفين يظن أن التصعيد باستخدام القوة الصلبة هو الآلية الوحيدة لتحقيق أهداف كل منهما على حساب الآخر، وتحقيق مصالحه العليا في حين يتجاهل الجانبين الأضرار الجسيمة التي سيخلفها الصراع، والتي ربما ستكون أكبر من التوقعات لاسيما وأن السيطرة على مسار الحرب حتى لو لم تكن مباشرة _ مجرد حرب بالوكالة_ أمر غير مضمون.

ومن جهة أخرى نجد أن التصعيد بين واشنطن وطهران داخل الأراضي العراقية بعد مقتل "سليماني" يعطينا إشارة أن القادم أسوأ، وربما يصل الوضع الأمني لمنحدر شديد قد يهيأ المجال مرة أخرى لتكوين تنظيمات إرهابية أو حتى عودة ما ظن البعض أنه قضي عليه كداعش.

أين الحكومة العراقية مما يحدث؟

لعل السؤال الملح حاليا هو أين الحكومة العراقية من صراع الفواعل الخارجية المتصاعد داخل أراضيها, وهل يمكن أن تصبح العراق كلبنان سبعينيات القرن الماضي، حينما صارت ساحة لتصفية الحسابات السياسية.

ولمعرفة موقف الحكومة العراقية إزاء التطورات الأخيرة، علينا أن نلقي نظرة على البيان الأخير للرئيس العراقي "برهم صالح" حول الهجمات الأمريكية على معاقل شيعية _ كتائب حزب الله أحد الفصائل الشيعية للحشد الشعبي _، فالمفارقة العجيبة أن البيان الرئاسي يحمل قدر من اللوم والعتاب إزاء العمليات الأمريكية، حيث يرى "صالح" أن الهجمات الأمريكية ستؤدي إلى إضعاف وزعزعة استقرار العراق وتدفعه لمزيد من الهشاشة والانزلاق بالدولة إلى الفوضى لاسيما مع توافر مؤشرات حول محاولة عناصر من تنظيم داعش استعادة قدراتهم وترتيب صفوفهم للعودة مرة أخرى (3)

لعل المفارقة الحقيقة هي أن تحذير الرئيس العراقي يتلاقى مع المبررات التي ترفعها الميليشيا الإيرانية في العراق خاصة كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وحركة النجباء_ هي الفصائل التي تم تأسيسها بعد مقتل قاسم سليماني _ حيث تتهم تلك الفصائل القوات الأمريكية بالتسبب في تدهور الوضع الأمني داخل العراق كما تعلن رفضها التام للاتهامات الأمريكية لها بنشر القلاقل والأزمات ووصمها بتهم لا علاقة لها.

وعلى الجانب الإيراني، أعلنت طهران أيضا رفض الاتهامات الأمريكية لها بالاعتداء الصاروخي على معسكر التاجي، بل قامت باستعداء السفير السويسري في طهران الذي تتولى بلاده رعاية المصالح الأمريكية في إيران وأبلغته رفضها للاتهام الأمريكي لها بالوقوف وراء هذا الاعتداء، وذلك بالتزامن مع نفي الفصائل العراقية أي مسؤولية لها عن هذا الهجوم.

ولم تكتف الفصائل برفض الاتهام الأمريكي لها، لكنها أعلنت في الوقت ذاته رفضها لاستهداف القوات الأمريكية مواقع لها خاصة الواقعة في منطقة جرف النصر والمسيب والنجف والإسكندرية، حيث تستخدمها وحدات من كتائب حزب الله كما أنها تقع ضمن محور "حزام أمن الوسط" المتصل مع منطقة عامرية الفلوجة ومنطقة النخيب من جهة كربلاء.

وتعكس ردود فعل الحكومة العراقية وطهران مخاوف كلاهما إزاء التواجد الأمريكي في عدد من المناطق، لدرجة توجيه اتهامات للقوات الأمريكية بنشر التوترات في المنطقة بغية تهيئة الأجواء لعودة  عناصر تنظيم داعش الفارين من مناطق الاشتباك مع النظام السوري، الغريب في الأمر أن الحكومة العراقية توافق إيران في تلك الادعاءات، وترى أن واشنطن تسعى لإقامة إقليم سني في المحافظات الغربية العراقية لمواجهة التصعيد الشيعي المدعوم إيرانيا.

وبناءا على ما سبق نجد أن الموقف العراقي الرسمي أضعف ما يكون، ولعل تخاذل رد الفعل العراقي إزاء ما يحدث داخل الأراضي كان السبب الأساس في تحول الأراضي العراقية إلى ساحة لتصفية الحسابات وتوجيه الرسائل بين طهران وواشنطن، والقضاء على ما تبقى من سيادة الدولة العراقية والقضاء على أدوار المؤسسات الرسمية العراقية كالجيش والشرطة التي كان من المفترض أن تلعب دورا رئيسيا في حفظ الأمن والدفاع عن سيادة الدولة العراقية.

تأثير التصعيد الأمريكي _ الإيراني على أمن العراق

تفتح الضربات العسكرية المتناوبة والمتبادلة بين الولايات المتحدة والأذرع الإيرانية داخل العراق الكثير من التساؤلات، لاسيما مع حالة عدم الاستقرار والتدهور الأمني الذي تشهده البلاد، فهل ستخلق تلك الهجمات بيئة خصبة لاستقطاب عناصر داعش الفارين من الحرب في سوريا،أم ستهيأ الأجواء لنشأة تنظيم إرهابي جديد مناظر لداعش، ويعزز من خطورة الوضع ضعف ومحدودية صلاحيات حكومة تصريف الأعمال الحالية، وتعثر تشكيل حكومة جديدة، إلى جانب التغلغل الإيراني الواضح داخل مفاصل الدولة وهو ما يقلص من محدودية الدولة في مواجهة هذا التحدي (4).

ورغم رفض الولايات المتحدة إعادة استنساخ تجربتها في أفغانستان إلا أن تغلغل الفصائل الشيعية داخل مؤسسات الدولة هو ما دفع واشنطن للتعامل معها بطرق أكثر دموية من خلال إطلاق عمليات اغتيال لرموز مهمة بتلك الفصائل إلى جانب استهداف مخازن وبنى تحتية، كل ذلك دفع الفصائل الشيعية أن ترعى عدة اعتبارات في تعاملها مع الولايات المتحدة.

يكمن الاعتبار الأول في محاولة استقطاب الأمريكيين وجرهم إلى معركة، شريطة أن تراعي كافة الاعتبارات في هذا الشأن، لعل أبرزها فارق القوى العسكرية، حيث تتجنب الميليشيات استهداف مواقع ذات كثافة عددية أمريكية، كذلك تجنب إحداث خسائر كبيرة في صفوف القوات الأمريكية تجنبا لتصعيد رد الفعل الأمريكي بشكل مبالغ فيه ضد الميليشيات، وبناءًا على ذلك ينصب الاعتبار الأول على محاولة  ضبط إيقاع المواجهات بالقصف المتبادل بدون تصعيد.

فيما يتمحور الاعتبار الثاني حول تهميش الحكومة العراقية وإبعادها عن المشهد كلية واستفراد تلك الميليشيات بالمواجهة المباشرة مع القوات الأمريكية، ثالثًا تركيز الميليشيات الإيرانية على أهمية الحفاظ على قواعد الاشتباك أي عدم ظهور إيران مباشرة في المشهد ولكن ضرب القوات الأمريكية بظل إيراني ممثل في الميليشيات الشيعية، أي تبني إستراتيجية المواجهة غير المباشرة مع واشنطن .

وأخيرًا فإن الصراع الأمريكي الإيراني يمكن وصفه حاليًا بحرب استنزاف طويلة الأمد فيما يتوقع أن تشهد المرحلة القادمة تصعيدًا كبيرًا عبر صراع مفتوح،  ربما تتسع معه الرقعة الجغرافية لتمتد إلى ما دون العراق، لكن يكفينا القول أن الدولة العراقية حتى الآن هي الخاسر الأكبر إزاء تلك التطورات.

المراجع

1_ التصعيد العسكري: العنوان بين واشنطن وطهران في العراق،مركز  روابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية،16/3/2020، متاح على الرابط:

 https://cutt.us/WKhPj

2_ مثنى عبد الله، واشنطن وطهران: اشتباكات الضرورة فوق الأراضي العراقية، 17/3/2020، متاح على الرابط:

https://cutt.us/MRj7r

3_ حسن فحص،العراق في النفق الأمريكي الإيراني،15/3/2020، موقع حفريات، متاح على الرابط:

 https://cutt.us/M3tN2

4_ وائل عصام،الاشتباك الإيراني الأمريكي في العراق إلى التصعيد،13/3/2020، القدس العربي اللندنية، متاح على الرابط:

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟