مخاطر الإصابة بكورونا .. حدود المواجهة ومآلات توظيف اللاجئين في تركيا
تتزايد المخاوف الدولية من انتشار فيروس كورونا في الكثير من
المناطق بعد ظهور الكثير من الإصابات في دول العالم المختلفة بعد اكتشافه في الصين
في 12 ديمسمبر 2019، وهو ما تسبب في حالة من القلق المتنامي لديهم في مواجهة هذه
العدوى خاصة وأنه لا توجد له حتى الآن طرق للعلاج إلا بتعزيز أنظمة الوقاية
لمواجهة الإصابة به، وفي ضوء ذلك أعلنت السلطات التركية احتجاز 12 شخصًا من بينهم
10 سائحين صينيين وتركيين فى الحجر الطبى بعد الاشتباه فى إصابتهم بفيروس كورونا،
وفى وقت سابق قامت تركيا بترحيل سائحة صينية كانت موجودة في مدينة قونية، إلى
بلدها مرة أخرى، وذلك بعد حجزها بالحجر الصحي بأحد المستشفيات الحكومية للاشتباه
في إصابتها بفيروس كورونا القاتل.
ومع الانتشار الهائل لفيروس كورونا في معظم دول العالم، بما يشبه
الكابوس الذي يخيم على العالم، بدأت العديد من الدول في أخذ كافة احتياطات السلامة
والأمان لمنع انتشار الفيروس بين مواطنيها والمقيمين بها، ومن المعلوم حاليًا أن
الفيروس يزداد انتشارًا مع التعددات السكانية العالية، لذا فتجمعات كمخيمات
اللاجئين والسكنات العسكرية تكون أشد خطرًا وتساعد على الانتقال السريع للفيروس،
تثير هذه الحقيقة مخاوف البعض من تجمعات اللاجئين السوريين على الحدود التركية.
ولعل هذه الإصابات ألقت بظلالها على الكثير من الأوضاع
الاقتصادية والسياسية في تركيا ومن ضمن الملفات التي من المحتمل أن تتفاقم نتيجة
هذا المرض هو ملف اللاجئين المتواجدين داخلها، وما يمكن أن يتسبب ذلك في تفشي
المرض بينهم خاصة مع تدني مستويات الرعاية الصحية في داخل مخيمات اللجوء، ومن ثم
يمكن الإشارة هنا إلى الكثير من القضايا المرتبطة بهذه الأزمة من أهمها:
أولًا-
الأوضاع الخاصة باللاجئين داخليًا وخارجيًا
هناك الكثير من العوامل المرتبطة
بفيروس كورونا وطريقة التعامل معه من جانب تركيا تتعلق بالوضعية الداخلية للاجئين
وكذلك طرق تعامل الحكومة التركية مع هذا الملف وذلك على النحو التالي:
1)
توظيف الإصابة بالمرض
لا يوجد ملف أو أزمة لم تستغلها
تركيا في تحقيق بعض المكاسب السياسية والاقتصادية ويزيد من أهمية هذا الملف جانبين
يتمثلان في الخوف الدولي من تفاقم أزمة اللاجئين في الكثير من المناطق والجانب
الآخر يرتبط بانتقال العدوى لمثل هذه المجموعات في ظل تدني مستويات الرعاية الطبية
في الظروف العادية.
2) الحصول على دعم أوروبي
يمثل ملف اللاجئين من أهم الملفات
المرتبطة بالأمن الأوروبي خاصة وأنها تحاول مواجهة تصاعد هذا الخطر بمختلف الطرق وضمن
نفس السياق قدمت دول الاتحاد الأوروبي حزم مالية كبيرة إلى تركيا كمساهمة منها في
تحسين الأوضاع الخاصة باللاجئين ولكن مع تزايد الإصابات بمرض كورونا فمن المحتمل
أن تتزايد في هذا الشأن أعداد الإصابات بين صفوف اللاجئين خاصة وأنه ينتشر بسرعة
كبيرة في الكثير من المناطق ومن بين هذه الدول تركيا.
3)
تدني الخدمات الصحية
يتعرض اللاجئين في الكثير من دول
العالم وخاصة تركيا، ويتمتع المهاجرون واللاجئون بحالة صحية جيدة بصفة عامة على
الأرجح، لكنهم قد يكونون عرضة للإصابة بالأمراض في المرحلة الانتقالية، أو أثناء
بقائهم في البلدان المستقبِلة لهم بسبب سوء الأوضاع المعيشية أو ما يطرأ على نمط
معيشتهم من تحوّلات، بالإضافة إلى أن مدة بقائهم في تركيا التي ينتشر فيها بعض
الحالات المصابة بكورونا والتي قد تزيد من احتمال إصابتهم به، ومع احتمال قيام
المهاجرين واللاجئين بتغيير نمط معيشتهم من حيث التقليل من ممارسة الأنشطة البدنية
واستهلاك قدر أقل من الأغذية السليمة صحيًا، فإنهم يكونون أكثر عرضة كذلك لعوامل
الخطر المتعلقة بالأمراض المزمنة خاصة وأن عمليات النزوح ذاتها يمكن أن تجعل
اللاجئين والمهاجرين أكثر قابليةً للتعرُّض لأمراض مُعدية.
4) إهمال اللاجئين
تستضيف تركيا
اليوم أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري، أي أكثر من أي دولة أخرى في العالم، غير أنها
أعلنت فجأة أنها لم تعد ملتزمة بالاتفاق مع دول الاتحاد الأوروبي الذي تم توقيعه
في مارس 2016، وهو قرار جاء بعد مقتل 33 جنديًا تركيًا في إدلب السورية، آخر معقل
للمعارضة المسلحة المدعومة من تركيا، ومن ثم عدم توجيه الرعاية الصحية لهم في
مواجهة انتشار مرض كورونا، ومن ثم انتشار العدوى بينهم بصورة كبيرة وهو ما يمكن أن
ينعكس على المسار السياسي التركي داخليًا وخارجيًا مثل محاولة الالتفاف على مشاكل
تركيا الداخلية لتوجيه الرأي العام لهذه الأخطار، وخارجيًا من خلال الضغط على
الدول المجاورة في دول الاتحاد الأوروي بهذه القضية.
بدت هناك حالة من
التوتر الشديد على الحدود اليونانية التركية بعد أن نفذت أنقرة تهدايداتها فيما
يتعلق بفتح الأبواب أمام المهاجرين نحو الحدود الأوروبية، في الوقت الذي اعلنت فيه
اليونان إنها منعت 4 آلاف مهاجر من دخول البلاد، مع توارد بعض الأنباء عن اشتبكات
بين قوات الأمن اليونانية واللاجئين على الحدود.
ثانيًا-
قلق يونانى من دخول اللاجئين دون تدابير
وقائية كافية
أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين إن الاتحاد
الأوروبي يترقب حالة القلق الموجودة على الحدود التركية باتجاه دول الاتحاد
الأوروبي ولاسيما بلغاريا واليونان مع المهاجرين وقوات الأمن اليونانية على خلفية
رغبتهم في دخول الأراضي اليونانية، لذا تتمثل الأولوية القصوى للمفوضية الأوروبية
في هذه المرحلة هي تقديم الدعم الكامل لليونان وبلغاريا عن طريق تعزيز حضور
الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود البرية للبلدين. ويتمثل أهم المحددات التى دفعت
الحكومة اليونانية لاتخاذ هذا الإجراء في الخوف من تفشي فيروس كورونا بين مواطنيها
لاسيما من قبل المهاجرين القادمين من تركيا التى تعتبر من أقل الدول استعداداً
لمواجهة كورونا، فضلاً عن أنها كانت من أخر الدول التي اتخذت قراراً بغلق حدودها
مع إيران التى باتت بمثابة المصدر الرئيسي للفيروس لدول المنطقة.
فبينما تتخوف اليونان وغالبية الدول الأوروبية من تفشي كورونا
فيروس داخل حدودها، تعد اليونان في الوقت الحالي من أولى الدول المعرضة لانتشاره
على خلفية وقوف الآلاف من المهاجرين السوريين على حدودها، في الوقت الذي لم تتخذ
فيه الحكومة التركية أي تدابير لحماية هؤلاء المهاجرين من الفيروس قبل فتح جدودها
لهم. يتوازى ذلك مع أن مجرد وجود المهاجرين السوريين في هذا الوضع غير الإنساني من
المحتمل أن يعمل على انتشار الفيروس بصورة كبيرة، كما أن ذلك يحدث في إطار غياب
شبه كامل لوجود منظمات أو هيئات طبية من شأنها اتخاذ التدابير اللازمة لحماية
هؤلاء اللاجئين من خطر انتشار الفيروس.
ثالثًا-
فشل الحكومة التركية في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية اللأجئين من الفيروس
لا يحمل المهاجرين العالقين على الحدود بين اليونان وتركيا أى
مستحضرات طبية مثل الكمامات والمنظفات المعقمة التى من شأنها حمايتهم من خطر الفيروس، لاسيما أنهم باتوا في وضع حرج للغاية؛
فلا هم قادرين على دخول اليونان وغير راغبين في العودة إلى تركيا مرة أخرى على
خلفية الوضع المتدهور للمعيشة الذي وجدوه هناك، فعلى الرغم من من اتخاذ أنقرة بعض
التدابير اللازمة لوقاية مواطنيها على الحدود مع العراق، إلأ أن ذلك لم يحدث فيما
يتعلق بوضع اللاجئين السوريين على الحدود مع الدول الأوروبية، وخاصة اليونان. في السياق ذاته، أعلنت أثينا تشديد قبضتها على
الحدود مع أنقرة على خلفية خوفها الشديد من انتشار الفيروس بين مواطنيها إذا سمحت
بدخول اللاجئين.
ولم تكتف الحكومة اليونانية بتشديد قبضتها الأمنية على حدودها
فقط لمنع دخول اللاجئين بل قامت بالأمر ذاته فيما يتعلق بحدودها على بحر إيجة؛ حيث
يعيش الآلاف منهم في أوضاع غير إنسانية، فضلاً عن أنهم أكثر عرضة للعدوى من غيرهم
على خلفية عدم وجود التدابير اللازمة للوقاية. كما تعتبر اليونان من أقل الدول التي
سجلت حالات إصابة للفيروس، لذا، فإن دخول هذا العدد الهائل من المهاجرين إلى
أراضيها يعنى احتمال زيادة عدد المصابين وبالتالي عدد الوفيات. وعليه، أكد نائب
وزير الخارجية اليوناني "ميلتياديس فارفيتسيوتيس" أن ابتزازات الرئيس التركي
رجب طيب أردوغان لن تنجح كليًا في اختراق الحدود الأوروبية، فضلاً عن إنه لن يتم
التسامح مع أي دخول غير قانوني للأراضي اليونانية، معلنًا أن الحدود اليونانية
محمية بشكل جيد، ولكن الأمر الأصعب يتمثل بالنسبة لهم في مراقبة الحدود البحرية
نحو الجزر اليونانية في بحر إيجه.
رابعًا-
الانشغال التركي الخارجي وأثره على معالجة فيروس كورونا
يرى البعض أن تركيا تأخرت في أخذها الخطوات الوقائية من الفيروس،
خاصة إغلاق حدودها مع جارتها إيران، الدولة التي انتشر فيها كورونا انتشار النار
في الهشيم، تمهلت تركيا بعض الوقت قبل أن تشرع بتقليل العبور بينها وبين إيران، فقد
أعلنت تركيا عبر وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة، إغلاق المعابر الحدودية مع
إيران بشكل مؤقت، لمنع انتقال فيروس "كورونا" الجديد لها. وكانت تركيا
قررت توقيف مؤقت من جانب واحد لجميع الرحلات الجوية الدولية (القادمة من إيران)،
ومنعت دخول 8 مواطنين إيرانيين إلى تركيا، بسبب وجود أعراض الإصابة بفيروس كورونا.
لكن مع ذلك رأى البعض تأخرًا كبيرًا من تركيا في تحجيم الحدود
بما يمنع وصول فيروس كورونا إليها، وضعفًا في إجراءاتها للوقاية من المرض، وترد
تركيا على الاتهامات بأنها نجحت حتى الآن في منع انتقال الفيروس إلى أراضيها، بفضل
التدابير الفعالة التي اتخذتها الحكومة مبكرا، وأن ما دفعها لإعلان حالة الطوارئ
هو ظهور الفيروس في إيران وارتفاع الإصابات والوفيات بها، وكانت تركيا قد اتخذت
القرار بعد أن قامت اللجنة العلمية التركية حول فيروس كورونا، ببحث كافة
الاحتمالات الواردة لانتقال الفيروس من إيران إلى تركيا، كما أكد على ذلك وزير
الصحة التركي.
وكانت تركيا ممثلة في لجنتها العلمية لعلاج كورونا قد عقدت
اجتماعات مع السلطات الإيرانية، وبعدها أصدرت اللجنة تعليماتها بشأن اتخاذ كافة
التدابير الوقائية لحماية المواطنين والمقيمين فيها وخفضت نتيجة لهذه الاجتماعات
وما نتج عنها من حركة المرور عبر المعابر الحدودية مع إيران، وإغلاق جميع المعابر
البرية ورحلات القطارات، أمام حركة العبور باتجاه تركيا وإبقائها مفتوحة باتجاه
إيران. التدابير التي اتخذتها تركيا شملت كذلك غلق المنفذ الحدودي بين ولاية
هكاري، شرقي البلاد، وإيران، وتشديد الإجراءات الطبية عند منفذ
"أوزوملو" بين الولاية والعراق.
إلا أن البعض يذهب للتشكيك في شفافية الحكومة التركية فيما يخص
انتشار الفيروس، فتركيا وإلى اليوم لم تسجل أي إصابات بالفيروس، وهو ما يطرح لدى
البعض العديد من علامات الاستفهام، نظرًا للموقع الجغرافي الذي تشغله تركيا،
فتركيا تتوسط العديد من البلدان التي أعلنت عن انتشار الفيروس بها، خاصة إيران
والتي تأتي بعد الصين مباشرة في عدد الإصابات والوفيات جراء الفيروس، وتشكيك البعض
يأتي من هذا الجانب، ويتعجب هؤلاء من عدم ظهور أي حالة إصابة بتركيا، خاصة أنها
تتميز بقدر كبير من التنوع من حيث الجنسيات التي تحيا بها، إذ تربط بين قارتين لذا
فحركة الانتقال بها كبيرة للغاية، وهو ما يزيد من احتمالية انتقال المرض إليها،
البعض يرى أيضًا أن تركيا لا تولي عمليات الفحص أهمية كبيرة، أو القدر الكافي من
الرعاية، ويرجع هؤلاء السبب وراء ذلك في الانشغال التركي الحالي بالمعارك
الخارجية، خاصة في الداخل السوري، فتركيا اليوم وكما يرى البعض توجه جل اهتمامها
بالبعد الخارجي، وسياستها الخارجية خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يأتي
بالسلب على الشأن الداخلي، فالبعض يرى أن كل مجهود يوجه للخارج ينتقص من خطط
التنمية والتطوير في الداخل التركي، الذي يعاني مؤخرًا من ضغوط وتراجع اقتصادي على
مستويات عديدة، لذا يوجه البعض سهام النقد للإدارة الحالية لهذا السبب، ويخشى
البعض إن انتشر الفيروس أن تكون الدولة التركية غير جاهزة لمواجهته، وهو الأمر الذي
تنفيه الحكومة التركية، التي تؤكد على استعدادها الكامل لمواجهة الفيروس
وتداعياته.
ختامًا: تتعدد الصور التي يمكن أن يتسبب فيها فيروس كورونا بالنسبة
لتركيا ما بين عدم جاهزيتها لمواجهة خطر هذا الانتشار سواء في الداخل التركي أو في
مخيمات اللاجئين التي تتعرض بصورة كبيرة لسلسة من الإهمال من جانب الحكومة التركية
وهو ما جعلها تلجأ إلى توظيف هذه القضية في اتجاه بعض المسارات الخارجية وخاصة تلك
المتعلقة بالعلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي.