استمرار الاستهداف .. تركيا وحدود المواجهة مع سوريا في إدلب
بعدما تمكنت القوات السورية من استعادة السيطرة على
مدينة معرة النعمان الاستراتيجية في محافظة إدلب في 29 يناير 2020، والتي تقع على
الطريق السريع الرئيسي الذي يربط بين العاصمة دمشق ومدينة حلب في شمال سوريا،
وتمثل البلدة ثاني أكبر المدن في منطقة إدلب وذات أهمية كبيرة بالنسبة للقوات
السورية لإحكام السيطرة على باقي المدن في إدلب، بالتوازي مع ذلك هددت تركيا
باستخدام لقوة العسكرية لمواجهة ما وصفته بـالمخاطر الناجمة عن القتال الدائر في
محافظة إدلب السورية، واتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان روسيا بدعم الحكومة
السورية من أجل استعادة بعض المناطق من سيطرة مسلحي المعارضة، معلنًا أن بلاده لا
تستطيع تحمل تأثيرات موجة جديدة من النازحين.
وضمن نفس
السياق فقد هاجمت القوات السورية مدينة سراقب ذات الموقع الإستراتيجي شمال غرب
سوريا، بعد ساعات من إمهال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دمشق حتى نهاية شهر
فبراير لسحب قواتها من محيط نقاط المراقبة التي أقامتها أنقرة في المنطقة، وعليه
قامت نقاط المراقبة التركية المتمركزة في جبل عقيل بريف حلب الغربي بقصف القوات السوريةالتي
تهاجم المدينة بمحيط سراقب الأمر الذي من المممكن أن يمتد للدخول في مواجهة عسكرية
مباشرة بين الجانبين.
تصعيد تركي سوري
أرسلت
تركيا العديد من الأرتال العسكرية إلى الأراضي السورية عبر معبر
"كفرلوسين" الحدودي إلى إدلب وحلب، وفي السياق ذاته فإن إدلب تحولت إلى
معقل للفصائل المسلحة والمهجرين من المدن الأخرى، بناء على اتفاقات لوقف إطلاق
النار كانت تركيا شريكًا أساسيًا فيها، كما أن تركيا تشن حملات عدة من أجل منع
التدخل العسكري في المدينة، التي تنشر قواعدها العسكرية على مقربة منها. بالإضافة
إلى ذلك فإن القوات التركية عمدت إلى تثبيت نقطة جديدة لها عند معمل الأدوية شمال
بلدة سراقب، بعد أن كانت قد تمركزت النقطة الأولى بمنطقة الصوامع جنوب سراقب، وهاتان
النقطتان تتواجدان على أوتوستراد دمشق – حلب الدولي المعروف بالـ (M5)، ومما سبق يبدو بأن الأتراك وقفوا في مواجهة القوات السورية
وروسيا خاصة وأن هناك العديد من الخلافات بين الطرفين على نقاط معينة من اتفاقهما
حول الأوتوستراد الدولي.
ولعل هذا
الأمر ليس بالجديد في التصعيد بينهما؛ فمن قبل شهدت مدينة إدلب السورية تحركات
عسكرية برية وجوية من جانب الجيش السوري، وإحراز
تقدم للقوات الحكومية وانسحاب فصائل من المعارضة المسلحة من بلدة خان
شيخون، بالإضافة لذلك أعلنت وزارة الدفاع
التركية، في 19 أغسطس 2019، بأن رتل عسكري تابع لها يتكون من 25 من الآليات
والمعدات والشاحنات دخل من معبر باب الهوى الحدودي إلى الأراضي السورية، تعرض لقصف
جوي خلال توجهه إلى نقطة المراقبة التاسعة في إدلب، وذلك بعد ساعات من تحذير
النظام السوري لنظيره التركي من دعم الإرهابيين مناطق ريف إدلب، وذلك غداة دخول
قوات النظام السوري إلى خان شيخون للمرة الأولى منذ عام 2014، بعد معارك مع الجماعات
المسلحة هناك.
ونتيجة
هذا التصعيد المتبادل أعلن المبعوث الأميركي الخاص بشأن سوريا جيمس جيفري بأن هناك
تخوفات دولية إزاء التصعيد في إدلب بقيادة هجوم تشنه قوات الحكومة السورية وبدعم
من الروس، وعليه أعلن مجلس الأمن انعقاد اجتماع طارئ في 6 فبراير 2020 لمناقشة
تطورات إدلب، في حين حذرت ثمان من كبرى منظمات الإغاثة الدولية في نداء عاجل من
تداعيات الوضع ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار، محذرة من كارثة إنسانية مع فرار
مئات الآلاف من المدنيين من العمليات العسكرية.
الجدير
بالذكر أنه هناك حالة من التأكيد السوري والروسي على ضرورة التخلص من الجماعات
المسلحة في إدلب، ومن ثم فإن ذلك سيؤدي إلى تعرض تركيا للعديد من المخاطر،
والانتكاسات السياسية والمتمثلة في ضرورة الانسحاب التركي من نقاط المراقبة الاثنى
عشر التي تم نشرها بعد اتفاق سوتشي بين موسكو وأنقرة، ولكن مع تقدم القوات
الحكومية نحو مركز إدلب، تضيق أمام موسكو وأنقرة فرص إيجاد حلول وسط، خاصة أن الخط الرئيسي للفصل
بين روسيا الداعمة للحكومة الشرعية السورية والموجودة على أراضيها على الأساس
الشرعي نفسه، وتركيا، التي كانت وما زالت
في دور المعتدي الفعلي أصبح أكثر وضوحًا، وأن مطامع تركيا للسيطرة على
الأراضي السورية لن تلقى دعمًا ولن تكتفي سوريا وروسيا بمعارضة ذلك فقط، وإنما اتخذت
إجراءات ميدانية في معركة إدلب بسيطرتها على بعض المدن الكبرى مثل معرة النعمان،
وتأتي هذه العمليات العسكرية على الرغم من اتفاق لوقف إطلاق النار أبرم في 12
يناير 2020 بين تركيا وروسيا اللتين تساند كل منهما أحد طرفي الصراع.
دوافع تركيا من التدخل
هناك
الكثر من الدوافع التركية التي كانت السبب الرئيسي في زيادة مستوى التصعيد ليس فقط
مع الجانب السوري ولكن الروسي أيضًا، ويمكن الإشارة هنا إلى أن أهم هذه الأسباب
يتمثل في ملف اللاجئين الذي يعد أحد
الأوراق ذات الأهمية الكبرى فيما يتعلق باتساع مساحة الضغط على النظام التركي
الداخلي لترحيلهم، ما ما يمكن لأردوغان أن يبرر حملته العسكرية داخليا بالسعي
لتوفير مكان آمن لترحيل اللاجئين السوريين من تركيا أو في منطقة إدلب، ومن ثم فإن
التصعيد السوري في هذه المنطقة سينعكس على تركيا بصورة مباشرة فيما يتعلق بأزماتها
الداخلية.
ومن جانب
آخر فإن هناك توجهات تركيا إقليمية نحو التأثير في مجريات الأزمات الداخلية التي
تمر بها المنطقة العربية وخاصة الأزمة السورية وإنها منذ فترة كبيرة تتعرض للكثير
من الأزمات الإقليمية التي من شأنها التأثير على نفوذها ودورها في سوريا، فمع
اقتراب تسوية الأزمة السورية تمهبدًا لعمليات إعادة الإعمار فإنه من المؤكد أن تستمر
العمليات العسكرية في إدلب من الجيش السوري بريًا وبمساندة من جانب حليفها الروسي
بالغطاء الجوي، وهو الأمر الذي سينعكس على مصالح تركيا في الداخل السوري في ظل
تراجع الجماعات المدعومة من جانبها واتجاهها نحو الحدود معها.
وتريد
تركيا من تصعيدها مع الجانب السوري الحفاظ على موقع متقدم يسمح لها بالتأثير في
مخرجات العملية السياسة السورية، ولكن هذه التوجهات من جانب تركيا سواء في إدلب أو
في مناطق شرق الفرات تتصادم بصورة كبيرة مع التوجهات الروسية والسورية نحو كيفية
التسوية الأزمة، ولا شك أن معركة إدلب ودخول القوات السورية بمساعدة سلاح الجو
الروسي أفرز وضع داخلي متشابك، كونه مرتبط بالعديد من الفاعلين الإقليميين
والدوليين خاصة تركيا والتي تستحوذ على النصيب الأكبر من حيث التداعيات السلبية
سواء في إدلب أو في عموم سوريا وخاصة مناطق الشمال السوري التي تستهدفها تركيا
لمواجهة المكون الكردي المنتشر هناك، وتأسيسًا على ذلك من المحتمل أن تشهد الفترة
المقبلة إعادة النظر في الوضعية الجديدة التي تريد روسيا وسوريا لتسوية الأزمة
الداخلية وفق المتطلبات الجديدة المتعلقة بتسوية الأزمة السورية.
وختامًا: هناك اجتماع بين وفد روسي في 6 فبراير 2020 مع
الجانب التركي، وأن رئيسي البلدين (أردوغان وبوتين) سيجتمعان بعد ذلك إذا لزم
الأمر في حال عدم الوصول إلى تسوية للوضع في إدلب، وأهمية هذا اللقاء تكمن في أنه
جاء بعدما أمهل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجيش السوري حتى نهاية فبراير
الحالي، للانسحاب خلف نقاط المراقبة التركية في إدلب، مهددًا بشن عملية عسكرية
هناك، وضمن السياق ذاته فإن الوضع في إدلب برغم توقيع اتفاق سوتشي بين روسيا
وتركيا يدل على خلاف واسع بدأ يظهر للعلن بين الدولتين الحليفتين في سوريا، مما
يجعل مستقبل الصراع العسكري في شمال سوريا يتطور بشكل كبير ويبلغ أعلى درجات
التعقيد، خاصة مع استمرار روسيا بفرض الحل العسكري وفق رؤيتها، لذلك فمن المحتمل
أن تسعى موسكو إلى تجنب انزلاق الوضع نحو مواجهة تركية واسعة مع الجيش السوري، لكن
في الوقت ذاته ستواصل دعم عملية الحسم العسكري وإن أبطأت من قوة اندفاعها بعض
الشيء.
المراجع
1) أردوغان يطالب بانسحاب القوات السورية إلى ما
وراء مواقع المراقبة التركية في إدلب، على الرابط:
https://www.bbc.com/arabic/world-51388654
2) أرتال عسكرية تركية تدخل سوريا.. والوجهة إدلب
وحلب، على الرابط:
3) تركيا: قصف 54 هدفا في إدلب ومقتل 76 جنديا
سوريا، على الرابط:
4) أنقرة تعلن "قتل العشرات" من القوات
الحكومية السورية في إدلب عقب مقتل جنود أتراك، على الرابط: