دور مراكز الأبحاث في تشكيل السياسة الخارجية التركية في الشرق الأوسط
ليس ثمة شك, في تعقد عالم اليوم, وسرعة تغيره, فيتحدث
الفيلسوف اليوناني هرقليطس عن أن الثابت الوحيد في هذا العالم هو تغيره. عالم
معقدةٌ أحداثه, وكثيرة أزماته, يتعدد فيه الفاعلون وتتباين فيه الأجِندات وبالتالي
تكثر السيناريوهات، حدى ذلك بالعالم ليفكر في تأسيس مراكز مختصة بدراسة التطورات
على الساحة الدولية والأزمات الدولية, لذا فقد بات من الضروري وجود مصانع للأفكار
تتولى مسئولية وضع الخطط الاستراتيجية واقتراح بدائل من السياسات التي يمكن لصانع
القرار من خلالها مجابهة العراقيل التي تقع في طريقه بشكل طارئ. ومن هنا نشأت
مراكز الفكر Think
Tanks.
وقد جاء
ظهورها مع مطلع القرن العشرين في الولايات المتحدة لوضع خطط الغزو وقت الحرب
العالمية الأولي واخذ دورها في الظهور والتبلور خاصة مع ظاهرة العولمة وما أسفرت
عنه من غزارة في المعلومات والمعرفة التي تحتاج لقراءة رصينة ومتخصصة من باحثين
على درجة من الكفاءة والخبرة والتخصص يستطيعون مخاطبة صناع القرار بما يلائمهم من
صياغات تتفق مع طبيعة عملهم وما يطلعون به من مهام، وما هو متاح لديهم من وقت.
ومع الوقت لم يعد وجهة هذه المراكز فقط
صناع السياسة او متخذ القرار بالمعنى التقليدي، لكن تطور الأمر ليمتد إلى دوائر
صنع السياسة المحتملين والمتوقعين من مختلف القوى السياسية الكائنة بالمجتمع
المحلي والدولي كجماعات المصالح، وجماعات الضغط، والأحزاب السياسية، ومؤسسات
المجتمع المدني – المحلية والدولية وما تندرج تحتها من شبكات مؤثرة اقليميًا
ودوليًا- ومنظمات حقوق الإنسان ، والصحافة، ووسائل الإعلام المختلفة بما تحمله من
قنوات مختلفة تقليدية ومستحدثة منها مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.(1)
حظيت مراكز
الأبحاث باهتمام واسع المدى والنطاق وبشكل كبير في العقود الأخيرة من القرن
العشرين حيث باتت تمثل أحد البدائل المهمة في عملية تطور الدولة وتقييمها للبحث
العلمي واستشرافها آفاق المستقبل العلمي وذلك وفقاً للمنظور العلمي المعرفي لتطور
المجتمعات الإنسانية عمومًا، وقد أصبح للمراكز البحثية دورًا هامًا ورائدًا في
قيادة السياسات العالمية مؤخرًا، وصارت أداة رئيسية لإنتاج العديد من المشاريع الإستراتيجية
الفعالة، كما أصبحت جزء لا يتجزأ من المشهد السياسي التنموي في العديد من البلدان
المتقدمة، كما أنها ارتقت إلي مكانة أصبحت فيها أحد الفاعلين الرئيسيين في رسم
التوجهات السياسية الاجتماعية والاقتصادية والتربوية للدول وأحد المؤثرين فيها.(2)
وعليه، فإن مؤسسات
الفكر والرأي تلعب دورًا محوريًا في صياغة السياسة الخارجية لكثير من دول العالم,
وفي هذا التقرير نتطرق لمساهمة مراكز الأبحاث التركية في تشكيل السياسة الخارجية
التركية في الشرق الأوسط.
خريطة مراكز الأبحاث في تركيا
تصدر جامعة بنسلفانيا الأميركية تقريراً
سنويًا شاملًا عن ترتيب مراكز الأبحاث حول العالم، ووفقا لتقرير عام 2018 الصادر
عام 2019، هناك قرابة 8160 مركز أبحاث حول العالم، يوجد منهم في الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا 507 مركز.
وفي
ما يتعلق بتركيا فوفقًا للأرقام الواردة في التقرير، بلغ عدد المراكز البحثية
التركية 48 مركزًا. وقد زاد عدد المراكز في تركيا بشكل كبير، مقارنة بالعام 2013، الذي سجّل 29 مركزًا, وغابت تركيا
عن قائمة أوّل 25 دولة، من حيث عدد مراكز التفكير، فجاءت بعد دول من الشرق الأوسط مثل
إسرائيل في المرتبة 19، بواقع 69 مركزا، وإيران في المرتبة 22، بواقع 64 مركزا. لذا
فإقليميًا تأتي تركيا في المركز الثالث، بفارق كبير عن تل أبيب وطهران.
وفي
لائحة أول 144 مركز دراسات غير أميركي حول العالم، حضرت تركيا بمركزين، الأوّل هو
مؤسسة الدراسات الاقتصاديّة والاجتماعيّة التركيّة (تِسِف)، واحتلت المرتبة 39
بفارق 3 مراتب عن الموقع الذي كانت حققته قبل 5 سنوات، بينما احتلت جمعية التفكير
الليبرالي (ألت) المرتبة 73 متراجعة 6 مراتب عن الموقع الذي كانت حققته عام 2013.
وفي لائحة أوّل 177 مركزاً حول العالم، بما في ذلك المراكز الأميركية، تقلّص عدد
المراكز البحثية التركية المتأهلة من 3 الى 2، ولم يستطع أي مركز أبحاث تركي -
باستثناء المركزين المذكورين أعلاه - اختراق اللائحة، فحلّ «تِسِف» في المرتبة 79
ـ متراجعاً بذلك 5 مراكز عن الموقع الذي كان حققه قبل 5 سنوات، واحتلت «ألت»
المرتبة 90 على اللائحة، متراجعة 3 مراكز عن المركز الذي حققته عام 2013.
أمّا على مستوى مراكز الأبحاث في الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا، فمن أصل أوّل 103 مراكز، يوجد 9 مراكز تركية (اثنان منها ليست
مراكز تركية في الأساس)، وفشل جميعها في اختراق قائمة المراكز العشرة الأولى في
الشرق الأوسط، وهي القائمة التي تصدّرها مركز الدراسات الاستراتيجية الأردني،
وضمّت مركزين من إسرائيل، ومركزين من قطر، بالإضافة الى مراكز من دول أخرى.
وفي ما يتعلق بالاختصاص، تراجع حضور
المراكز البحثية التركية كمّا ونوعاً، ففي قطاع الدفاع والأمن القومي وردت أسماء
ثلاثة مراكز، يتقدّمها «إدام» في المرتبة 20 بعد أن كان يحتل المرتبة 16 قبل 5
سنوات، في حين جاءت المراكز الأخرى في مواقع متأخرة، وكذلك الأمر في ما يتعلق
بباقي القطاعات الاختصاصية. (3)
وهنا قائمة بأهم مراكز الأبحاث التركية حسب
ما جاء في التصنيف السنوي الذي تصدره جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة
الأمريكية لمراكز الأبحاث والدراسات على مستوى العالم: (4)
1- Turkish Economic
and Social Studies Foundation (TESEV)
2- Association for
Liberal Thinking (ALT)
3-Center for
Economics and Foreign Policy Studies (EDAM)
4-International
Strategic Research Organization (USAK)
5-Center for
Turkey's Economic and Strategic Studies
6-Economic Policy
Research Foundation of Turkey
7-Istanbul Policy
Center
دور مراكز الأبحاث التركية المعنية
بالسياسة الخارجية التركية بالشرق بالأوسط
حسب رأي العالم السياسي الإيطالي أنطونيو
غرامشي هناك وسيليتين لفرض السيطرة السياسية على مجتمع ما؛ الطريق الأولى هي
الطريقة الأمنية الخشنة التي تُستعمل بها القوة الهمجية. وحسب رأي غرامشي غالبًا
ما تكون هذه السياسات فاشلة ولا تولد سيطرة فعلية مرغوبة في المجتمع بل أن مدى
سيطرتها مؤقت ومحدود أم الطريقة الأخرى فهي الطريقة الناعمة التي تعتمد على أسلوب
الإقناع والترغيب وكسب رضى المجتمع وتعتمد هذه الطريقة على الثقافة والتعليم
والدعم الاقتصادي وتوفير الخدمة الاجتماعية المطلوبة وغيرها من الأساليب الناعمة،
ويبين غرامشي بأن هذه الطريقة هي الأنجع لكسب الشعب وكسب سيطرة فعلية مستمرة عليه.
وبتركيا
اليوم العديد من مراكز الأبحاث والدراسات التي تهتم بالسياسة الخارجية التركية
تجاه منطقة الشرق الأوسط, وتستخدم كقوة ناعمة تسهم في بسط الهيمنة التركية على
بلدان الشرق الأوسط والتوسع التركي في المنطقة, لتحصيل الثروات وخدمة الدولة
التركية, ونُورد هنا بعضً منها ونُعرف بدورها وإسهاماتها في هذا الإطار.
1-
مركز "أورسام"
بعد تولي
البروفسور أحمد داود أوغلو وزارة الخارجية عام 2009، تبنّت تركيا فكرة التوسع
والانفتاح الاستراتيجي والنوعي مع دول الشرق الأوسط. ولكن خلال هذه الفترة اكتشفت تركيا أن لديها نقصًا
كبيرًا في المعلومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخاصة بالدول
التي تبغي إقامة علاقات استراتيجية معها في الشرق الأوسط. هذا النقص في الإلمام
والمعلومات من الطبيعي جدًا رؤيته في تركيا التي كانت متبنّية لسياسة الانعزال
والتوحد القومي والانفتاح على أوربا. ولكن وجهة النظرة التوسعية لحزب العدالة
والتنمية والتي أصبحت أقوى مع تولي داود أوغلو وزارة الخارجية جعلت تركيا تتحرر من
انعزالها وتتجه نحو عقد اتفاقيات مع العديد من الدول بالشرق الأوسط. (5)
هذا التحرك
مكّن تركيا من ملاحظة وجود نقص لديها. ولتفادي هذا النقص والتخلص منه قامت تركيا
بتأسيس عدة مراكز أبحاث استراتيجية متنوعة المجالات، بهدف إجراء البحوثات المتنوعة
الخاصة بدول الشرق الأوسط. ومن الأمثلة على هذه المراكز التي تم تأسيسها من أجل
هذا الهدف "مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية (أورسام)".
تأسس أورسام بتاريخ 1
كانون الثاني/ يناير 2009، بهدف إجراء الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية
والحضارية والفكرية "الاستراتيجية" الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط والعمل
على اقتراح أفكار تعمل على تقوية العلاقات بين تركيا ودول الشرق الأوسط بما يخدم
المصلحة التركية.
أهداف أورسام
ـ تقريب فكر المجتمع التركي إلى منطقة الشرق الأوسط
وإكسابه شعورًا بالقرب إلى الشرق الأوسط أكثر من أي منطقة أخرى، وبهذا التمهيد
للمواطن التركي, أصبح من السهل تقبل
المجتمع التركي للخطط التوسعية للعدالة والتنمية في الشرق الأوسط.
ـ إمداد الرأي التركي بكافة فئاته، سواء كان أكاديميًا
أو صحفيًا أو مواطنًا عاديًا، بكافة المعلومات والتحليلات الخاصة بالشرق الأوسط
وبجميع الأحداث الجارية فيه.
ـ تزويد متخذي القرار في تركيا بمعلومات استراتيجية
صحيحة وسليمة خلال عملية اتخاذ قرارات تخص منطقة الشرق الأوسط.
ومع تطور الأوضاع
الجارية في الشرق الأوسط قدم المركز وبشكل مستمر تقارير وأوراق سياسات لصانع
القرار التركي. وهو ما ساهم في تحديد اتجاهات السياسة
الخارجية التركية في الشرق الأوسط بشكل كبيرتجاه الأحداث الأخيرة. فالانفتاح على
الإسلام السياسي ودعمه بالشرق الأوسط كان وراءه دعم من الكثير من مراكز الأبحاث
التركية التي رأت في دعمه فرصة لزيادة حلفاء تركيا في المنطقة العربية بما يخدم
التوسع التركي بالمنطقة.
ويعمل
أورسام على البحث قضايا الشرق الأوسط وأزماته ومن ثم ينشر تحليلاته قصيرة الأمد
"اليومية" والاستراتيجية، طويلة الأمد "شهرية أو مستقبلية"
على صفحته الرسمية وعلى الجرائد والصحف المجلات المتعاونة معه. ولعب المركز دورًا كبيرًا في الأزمة الأخيرة
في ليبيا والتدخل الذي تقوم به تركيا في ليبيا, عن طريق دراسات وأوراق سياسات
قدمها المركز للجهات المعنية بتحديد السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط.
2-
مركز "تاسا"
أصدرت الحكومة التركية
في 3 تموز/ يوليو 2014 قانون "دعم مراكز الأبحاث الاستراتيجية" رقم 6550
بهدف زيادة نشاطهم العمل وجعلهم مراكز أبحاث نشطة مستدامة تخدم تركيا في توفير
الأبحاث السياسية والاستراتيجية التي تخدم سياسية الدولة وتجعلها سياسة قادرة على
تخطي مجريات الأحداث وتقلباتها.
ومن مراكز الأبحاث التي
أًسست في سبيل توفير الأبحاث والاستشارات السياسية الاستراتيجية الأساسية
"تاسا" الذي تأسس عام 2014 لعدة أهداف. يُمكن ذكر أهم هذه الأهداف
بالشكل التالي:
ـ تزويد الرأي العام بالتحليلات السياسية والاقتصادية
ليصبح على دراية بما يدور حوله
ـ تزويد الحكومة والمؤسسات السياسية والاقتصادية بالتحليلات
والخطط السياسية والاقتصادية ليصبح لهم القدرة على اتخاذ قرارات قريبة للصواب
ومجدية في تجنب ما يمكن حدوثه في المستقبل.(6)
وبالفعل
يصدر المركز العديد من الدراسات والأوراق العلمية التي تناقش الكثير من القضايا
ومنها المتعلق بالسياسة الخارجية التركية, وبالتحديد سياسة تركيا في الشرق الأوسط.
3-
مركز "دي بي اي"
من أجل
تطوير مجال السياسة الخارجية وتحديد أهدافها القومية سعت تركيا لإنشاء بعض مراكز
الأبحاث الاستراتيجية الخاصة بالسياسة الخارجية. من ضمن هذه المراكز تأسس معهد
السياسة الخارجية "دي بي إي".
ويعمل دي بي إي على
بحث القضايا النشطة والمتعلقة بشكل مباشر بسياسة تركيا الخارجية السياسية
والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية...إلخ. وفي القلب من هذه السياسات,
سياسة تركيا الخارجية ناحية الشرق الأوسط والعالم العربي بالتحديد, وكان للمركز
إسهام في تحديد التوجه التركي الجديد في المنطقة العربية.(7)
ينشر المعهد
أعماله باللغتين التركية والإنجليزية في مجلة دورية تحت عنوان: "السياسة
الخارجية" أو "Foreign Policy"كما ينظم ويرعى المعهد الكثير من المؤتمرات السياسية
والأكاديمية داخل تركيا وخارجها من خلال التعاون مع مراكز الأبحاث والدراسات
الأخرى، وجزء كبير من اهتمامات المركز تتوجه للسياسة
الخارجية التركية في الشرق الأوسط.
4-
مركز "آسام"
يسعى مركز البحوث الاجتماعية والاقتصادية
"أسام" الذي تأسس عام 1969، وتحدّثت رؤيته عام 2006 من خلال إجراء
العديد من البحوث والدراسات المُتعلقة بدراسة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية
الداخلية والدولية، حيث إلى جانب دراسة المجتمع التركي يسعى أسام إلى دراسة
العلاقات الاقتصادية الاجتماعية في المجتمعات الأخرى لمعرفة مدى قدرة استيعاب
الشعوب الأخرى على التأقلم مع العلاقات الاقتصادية والوحدة والتعاون الاقتصادي
النشط.
تُعد أبحاث أسام مهمة
جدًا لدارسي الإدارة والاقتصاد وعلمي النفس والاجتماع الأتراك لوعي مدى العلاقة
الرابطة بين التنمية الاقتصادية والوعي الاجتماعي ولاستيعاب الدور الكبير الذي
يلعبه الجانبين الاقتصاديين والاجتماعيين في العلاقات السياسية الخارجية بين
الدول، خاصة بين الدول التي تسعى لتنمية وتطوير علاقتها من خلال استخدام أساليب
الترابط الاقتصادي.
ومن أهم القضايا التي تدخل في دائرة اهتمام
المركز, الاتحاد الإسلامي
وإمكانية تحقيقه,
القضايا الاقتصادية والاجتماعية الإقليمية في الشرق الأوسط,
القضايا الاقتصادية والاجتماعية الدولية.
ويخصص أسام
دراسته في هذه المجالات لعدة أقاليم يُعدها رئيسية حسب سياسته العملية، وهذه
المناطق أو الأقاليم حُددت على أنها رئيسية لمدى تفاعلها النشط مع تركيا وأهمها منطقة
الشرق الأوسط والمؤسسات الاقتصادية
والاجتماعية المحلية والإقليمية والدولية الموجودة في هذا الإقليم. لذا فإن كثيرًا من التعاون الاقتصادي بين
تركيا ودول الشرق الأوسط يسهم فيه المركز بدراساته وأبحاثه التي تدفع نحو دعم
الاستثمارات التركية والخططة الاقتصادية التركية في المنطقة العربية والشرق
الأوسط.
5-
مركز "تاساف"
أسست حكومة العدالة والتنمية مركز الأبحاث
السياسية والاجتماعية الاستراتيجية والأكاديمية "تاساف". وإن كان تاريخ
تأسيسه متأخرًا إلا أن له تأثيرًا قويًا على نشر الرؤية السياسية لحكومة حزب العدالة
والتنمية بشكل قوي داخل المجتمع التركي، خاصة فيما يتعلق بسياساته ناحية الشرق
الأوسط.
وتركز دراساته على أبحاث السياسة الخارجية
ومدى علاقتها بالمجتمع, أبحاث الأمن والنزاعات الإقليمية
والدولية, أبحاث الإدارة والسياسة والحقوق وتأثير هذه الأبحاث على المجتمع
بشكل مباشر وغير مباشر, الأبحاث الثقافية والاجتماعية المحلية
والإقليمية والدولية, الأبحاث الحضارية المتعلقة بإعادة تقدير وضع تركيا الجيو سياسي
والجيو استراتيجي لإعادة رفع وضعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتاريخي في
المنطقة, الأبحاث التنموية التي تهدف إلى توجيه السياسة الداخلية التركية
لترسيخ تنمية مستديمة, تنظيم الدورات والمؤتمرات البحثية العملية التي تهدف إلى نشر وعي
السياسة الخارجية والداخلية داخل مواطني المجتمع التركي.(8)
ضعف دور مراكز الأبحاث
التركية في صنع السياسة الخارجية
ثمة ملاحظة في غاية الأهمية يجب أن نوردها عن
دور مراكز الأبحاث في تركيا في صنع السياسة الخارجية التركية ناحية الشرق الأوسط,
ففي الحقيقة لمراكز الأبحاث في دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول
الأوربية كبريطانيا وفرنسا وألمانيا, أدوارًا محورية في تشكيل السياسة الخارجية
وفي مساعدة صانع القرار في تحديد خيارات السياسة الخارجية وطبيعة توجهاتها, ففي
الولايات المتحدة على سبيل المثال نرى أن مراكز الأبحاث هي في الحقيقة بمثابة خطوط
خلفية للإدارة الأمريكية تمدها بالدراسات والسيناريوهات, لذا فإن صانع السياسة
الخارجية الأمريكية حين يشرع في صنع سياساته الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط على
سبيل المثال لا يبني سياساته بناءً على تصوراته الشخصية وفقط عن المنطقة وطبيعة
المصالح الأمريكية فيها, بل هو في الحقيقة يطلع على أوراق مقدمة من عشرات من مراكز
الأبحاث المختلفة بعضها تابع للإدارة الأمريكية وبعضها الأخر مستقل. (9)
هذا عن الدول الديمقراطية القائمة على
مؤسسات, أما في الحالة التركية موضع البحث, فالوضع ليس كذلك على الإطلاق, لأننا في
الحقيقة أمام حقبة تسمى في تركيا اليوم الحقبة الأردوغانية, وهذه التسمية كفيلة
بأن نفهم منها من يصنع السياسة الخارجية التركية في الحقيقة, فرغم أن السياسة
الخارجية التركية لها العديد من الصانعون على الأقل نظريًا مثل السلطة التشريعية
ممثلة في البرلمان وكذلك السلطة التنفيذية ممثلة في مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية
والمؤسسة العسكرية, إلا أن الفاعل الرئيسي في الحقيقة هو أردوغان كما يقول الكثير
من المحللين, والتوجه إلى الشرق الأوسط والعودة إلى ما تعتبره تركيا حديقة خلفية
لها, أي الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي, جاء في رأيي أعقاب الرفض الأوربي
الحازم لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي, ومن لحظتها وأعلن أردوغان والعدالة
والتنمية عودتهما إلى الحاضنة العربية والإسلامية, وهو ما سيعرف بعد ذلك بنشوء
العثمانية الجديدة.
وهو التوجه الذي شارك في وضعه حينها
الأكاديمي ورئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو, وقد كتب أوغلو عن ضرورة هذا
التوجه مرارًا وتكرارًا, وأهميته للعمق الإستراتيجي التركي في المنطقة.
نلحظ من هذا وبلا ريب ضعف الدور الذي تلعبه
مراكز الأبحاث التركية في هذا الصدد أي تشكيل السياسة الخارجية, وهذا لأسباب عديدة
منها ما يتعلق ببنية هذه المراكز نفسها وضعفها وضعف منتجها البحثي, والبعض الأخر
يتعلق بدوائر صنع القرار في تركيا نفسها وتركز القرار في أيدي أفراد محددين.
الخاتمة
تأسيساً علي
ما سبق نخلص إلي أن مراكز الأبحاث التركية ورغم أنها لم تلعب دورًا بارزًا في صنع
السياسة الخارجية التركية ناحية الشرق الأوسط في السنوات السابقة, نظرًا لوجود
عوائق في هذا الإطار, أهمها سيطرة العدالة والتنمية التركي ممثلًا في رئيسه
أردوغان, على مفاصل صنع السياسة الخارجية. إلا أننا نلاحظ وجود اهتمام متزايد بهذه
المراكز, ومنحها دورًا أكبر في دراسة المشاكل والأزمات الدولية والإقليمية, وكذلك
في تشكيل الرأي العام التركي, ونلحظ هنا أيضًا أن تنامي هذا الدور يأتي موازيًا
للتوسع التركي الخارجي, ومحاولة تركيا فرض ما تسميه العثمانية الجديدة, إذ ترى
تركيا وقادتها الحاليين في منطقة الشرق الأوسط حديقة خلفية لها, لذا تعمل مراكز
الأبحاث التركية كخلايا نحل تُسهل من خلال الدراسات والأبحاث مهام صناع القرار
الأتراك في فهم أبعاد المنطقة وتعقيداتها, لتسهل عليهم اتخاذ القرار واستقطاب
الدول والجماعات بالمنطقة بما يخدم في المقام الأول المصالح التركية في الشرق
الأوسط.
قائمة المراجع
1- دينا
شيرين شفيق, دور وأهمية المراكز البحثية في صنع السياسة الخارجية, المركز
الديمقراطي العربي, تم نشر تقدير الموقف بتاريخ 4 نوفمبر 2016، وتم الإطلاع عليه
بتاريخ 25 يناير 2020, ويمكن قراءته كاملًا على الرابط التالي: https://cutt.us/OO1rP
2- خالد
وليد محمود، دور مراكز الأبحاث في الوطن العربي : الواقع الراهن
وشروط الفاعلية، المركز المصري للأبحاث ودراسة السياسات، يناير 2013
3- على
حسين باكير, مراكز الأبحاث في تركيا: موقع مخيب, صحيفة قبس الإلكترونية, تم نشر
المقال بتاريخ 9 فبراير 2019, تم الإطلاع على المقال بتاريخ 24 يناير 2020, يمكن
قراءة المقال كاملًا على الرابط التالي: https://cutt.us/x82wf
4-
للإطلاع على التقرير
كاملًا: https://cutt.us/Jvb7P
5-
مركز الأبحاث والاستشارات
الاستراتيجية "أورسام", موقع ترك برس.
6- جلال
سلمي: مركز الأبحاث والاستشارات الاستراتيجية "تاسا", موقع ترك برس,
نُشر بتاريخ 26 أغسطس 2015, تم
الإطلاع عليه بتاريخ 25 يناير 2020, يمكن الإطلاع على المقال كاملًا على الرابط
التالي: https://cutt.us/KEaLx
7-
مركز الأبحاث والاستشارات
الاستراتيجية "آسام", موقع ترك برس.
8-
مركز الأبحاث والاستشارات
الاستراتيجية "تاساف", موقع ترك برس.
9- د.
بسمة خليل نامق ، مؤسسات الفكر ودورها في صياغة السياسة الخارجية
للدولة، مركز الإمارات للدراسات العربية والقانون، مجلة القادسية للقانون والعلوم
السياسية، العدد الثاني، 2009