لماذا تستمر تركيا في دعم الإخوان برغم فشل مشروعهم؟!
قدمت تركيا دعمًا مفتوح لجماعة الإخوان في مصر منذ سقوطها
في عام 2013 على يد الشعب المصري وامتد هذا الدعم إلى دول أخرى في العالم حتى
أصبحت تركيا هي الراعي الأول للإخوان بجاب قطر ولكن برز الدعم التركي لجماعة الإخوان
في مصر حيث قامت تركيا بإعطاء الجماعة المصنفة إرهابيًا في مصر وبعد الدول العربية
الكبرى الكثير من الدعم المادي حتى وصل الأمر إلى فتح النظام التركي لهم قنوات
تلفزيونية لمخاطبة الرأي العام العربي والمصري على وجه التحديد وهي الإستراتيجية
التي توجت بالفشل نظرًا لعدم مصداقية الجماعة لدي قطاع كبير من الشعب المصري.
ما لفت الانتباه هنا هو أنه برغم فشل الاستراتيجية
التركية في دعم الإخوان في مصر إلا أن النظام التركي مازال مستمر في تقديم الدعم
المادي والمعنوي لهم حتى الدفاع عنهم مما أثار تساؤل هام وهو لماذا تستمر تركيا في
دعم التنظيم الإخوان بالرغم من فشل المراهنة عليه؟ وهل ستتبنى تركيا استراتيجية
جديدة في دعمها للإخوان؟
أولاً- أسباب دعم النظام التركي للإخوان
لا شك أن السبب الأبرز الذي دائما ما يردد على مسامع
المجتمع حول أسباب دعم أنقرة للإخوان هو وجود روابط بين نخبة تركيا الحاكمة وعناصر
جماعة الإخوان بالأساس إلى كونها علاقة تاريخية لا تتأسس فقط على روابط النسب التي
تجمع بين بعض العناصر في الجانبين، أو العلاقات الشخصية بين قيادات الطرفين بسبب
حضور العديد من رموز جماعة الإخوان في
الدول العربية للمؤتمرات السنوية التي كانت تعقدها الأحزاب السياسية التي أسسها
الراحل أربكان، وإنما تتأسس أيضا على العلاقات المشتركة التي تطورت في ظل المناخ
العلماني الإقصائي الذي ترعرعت فيه نخب العدالة والتنمية.
ولكن هناك ركيزة أساسية كانت أحد أهم أسباب دعم
تركيا وأردوغان للجماعة الإخوان وتعود هذه الركيزة إلى نشأة جماعة الإخوان الذي
تزامن مع سقوط الخلافة العثمانية في عام 1924؛ حيث نشأت جماعة الإخوان في عام 1928،
كرد فعل على على سقوط ما سمّي بـ"الخلافة العثمانية"، وكانت تنظر جماعة الإخوان
لنفسها بأنها الوريث لمشروع الخلافة، ولذلك فقد كان التركيز الإخواني على إعادة
إحياء الخلافة، ومن هنا حدث الصدام بين الإخوان وحركات التحرر الوطني في الوطن
العربي بل اصطدمت بالقومية العربية، حتى أثبت التاريخ أن المشروع الإخواني هو
مشروع مناهض للقومية العربية، هذه الركيزة التي تقوم على معادة ( تركيا والإخوان) لكل
ما هو عربي وسعيهما نحو إحياء الخلافة العثمانية، وهو الرأي الذي عبر عنه مستشار
الرئيس التركي "ياسين أكطاي"، حينما صرح علنًا "إن
إسقاط الخلافة تسبب في فراغ سياسي في المنطقة، وقد سعى تنظيم الإخوان لأن يكون ممثلا سياسيا في العالم نيابة عن عن
الأمة، البعض منا يستخف بقوة الإخوان ويقول إنهم عبارة عن جماعة صغيرة، لكن جميع
الحركات الإسلامية اليوم ولدت من رحم جماعة الإخوان".
ويأتي السبب الثاني وراء دعم تركيا للإخوان؛ في إطار
اتفاق المصالح وسعي أردوغان لإحياء الإرث العثماني وعودة الخلافة العثمانية؛ حيث ترى
أنقرة في الإخوان عنصر مهم لتنفيذ هذا الحلم، في ظل الانتشار التي تتمتع به
الجماعة في الكثير من دول العالم ( تعتبره تركيا قوة ناعمة) يمكن أن تعتمد عليهم
تركيا في أن يكونوا نفوذ وقوة ضغط على بعض الأنظمة وهي وجهة النظر التي أكدها "ياسين
أقطاي" حينما أكد "أن جماعة الإخوان لها فروعها الخاصة وفقهها
الخاص، وهي تمثل اليوم ذراع للقوة الناعمة لتركيا في العالم العربي، فهذه الجماعة
ترحب بالدور التركي في المنطقة.. وهم بالتالي ينظرون إلى الدور التركي على أنه
النائب للخلافة الإسلامية التي تم إسقاطها سابقا".(1)
بينما يتمثل السبب الثالث في دعم أنقرة للإخوان
حول العالم وفي مصر تحديدًا هو أن جماعة الإخوان هي المنبع الأول لكل الحركات الإسلامية في
العالم كما أنها المصدر الأول للفكر التكفيري والإرهابي حول العالم، لذلك يسعي
النظام التركي في استغلال هذه الفكر وهذه الجماعة في إطار دعمه الإرهاب، حيث يمكن
لقادة الإخوان تيسير الكثير من أمور الاتصال بين أردوغان والجماعات المتطرفة حول العالم لتنفيذ مخطط
تركيا في إحياء الخلافة العثمانية من خلال خلق صراعات داخل الدول وإنهاكها بحرب
العصابات أو بالحرب ضد الإرهاب، وهو ما أكده أقطاي حينما قال" أن البعض
منا يستخف بقوة الإخوان ويقول إنهم عبارة
عن جماعة صغيرة، لكن جميع الحركات الإسلامية اليوم ولدت من رحم جماعة الإخوان"،
وهو الأمر الذي أكد علية الرئيس السابق لإدارة مكافحة الإرهاب في الشرطة التركية أحمد
يايلا "بأن أردوغان كان يرى أن دعمه للجماعات المتشددة سيقود في النهاية إلى
سيطرته على المنقطة".(2)
وبينما يكمن السبب الرابع في دعم تركيا للإخوان
في العلاقة التبادلية والاعتمادية بين الطرفين فالرئيس التركي بحاجه لجماعة الإخوان
للتجييش الداخلي في الخطابات الشعبوية
(ويصنف الرئيس التركي بأنة "شعبوي للغاية" بحسب دراسة أجرتها شبكة تيم بوبيوليزم)(3)، والاستمرار
بالقبض على مقاليد الحكم، وفي نفس الوقت لاستخدامهم في مشروعه الخارجي، بينما
يحتاج الإخوان للرئيس التركي نظرًا لتوفيره
الملاذ الآمن لهم بعد أن لفظت شعوب المنطقة كل ما هو إخواني، فهم بأمس الحاجة
للملاذ الآمن بعد أن كشفت الشعوب العربية حقيقتهم القائمة على الادعاء أنهم ضحايا
لعقود من الاضطهاد، وأنهم يحملون الحلول لمشاكل العرب، لكنهم وفور وصولهم إلى
الحكم نكلوا بالشعوب وضاعفوا المشاكل العربية، ففروا حاملين خيبتهم وقد خلفوا في
بعض الدول العربية إرثا ثقيلا من الإرهاب والفشل كانوا السبب فيه، ووجدوا في أنقرة
الحضن الدافئ الذي يؤمن لهم القاعدة للانطلاق في تطبيق أفكارهم واللجوء إلى العنف
المسلح "الإرهاب" لضرب الدولة الوطنية والانقضاض عليها بعد ذلك.
ويكمن السبب الخامس خلف استمرار دعم أنقرة للإخوان
وخاصة إخوان مصر وفتح مناصات إعلامية لهم في أن أنقرة كانت تنظر لمصر أثناء فترة
حكم الإخوان باعتبارها ولاية تركيا وترى تركيا في مصر أنها هي مفتاح المنقطة
العربية فبعد أن لفظ الشعب المصري الإخوان، توالي ذلك سقوط الإخوان في العديد من
الدول العربية وهو ما يعني أهمية مصر بالنسبة للمخطط التركي لإحياء الإرث
العثماني؛ حيث لا غنى لتركيا في مشروعها الكبير عن مصر، فمصر هي مفتاح العالم
العربي، وهي أكبر البلاد العربية سكانا (لا سيما وتركيا تعاني انخفاضًا في الخصوبة
ونسبة الشباب) كما أن موقع مصر الجغرافي في غاية الأهمية فهي المدخل إلى إفريقيا
ودولة محورية في شرق المتوسط وتسيطر على بحرين بينهما قناة السويس، وهي غنية بالموارد
الخام اللازمة للصناعات والتي كادت أن تفتح تعاونا اقتصاديًا ضخمًا بين مصر وتركيا
في فترة الرئيس المعزول مرسي، إضافة إلى المطامع التركية في الثروات النفطية
المصري وخاصة ثروات المتوسط.(4)
ثانيًا- كيف تنفذ تركيا مشروعها في المنطقة
العربية؟
يهدف المشروع التركي في المنطقة إلى إحياء الإرث العثماني من جديد وإعادة السيطرة على الدول
العربية، ولذلك اعتمدت تركيا على استراتيجية من أجل تنفيذ مخططها العثماني،
مستخدمه في ذلك عدد من الأذرع في المنطقة ومنهم الإخوان بهدف تنفيذ خطتها.
ولتنفيذ أنقرة الحلم بإعادة إحياء الإرث العثماني في
المنطقة قامت باستخدام عدة أدوات بطرق مختلفة ومتنوعة من بينها ما يمكن أن يطلق عليها
القوي الناعمة وآخري صلبه، مستغلة في ذلك التيارات الإسلامية السياسية؛ مقدمه
نفسها على أنها راعي الإسلام الوسطي في المنطقة وكبديل للإسلام السني، حيث اعتمدت أردوغان
لتنفيذ مخططه في لمنطقة على:
1) التيارات الإسلامية: لم تجد تركيا إلا الدفع مجددًا بفروع التنظيم الدولي
للإخوان للعودة إلى المشهد السياسي بعد هزائم مذّلة بدأت بانكسار
مشروع الحكم في مصر وتناثرت لتطال إخوان ليبيا وموريتانيا والسودان، وصولا إلى حزب
العدالة والتنمية بقيادة أردوغان ذاته الذي اهتز بعد سنوات طويلة من الهيمنة على
الحياة العامة في تركيا، فيما يكابد الحزب الذي يحمل التسمية ذاتها في المغرب
للبقاء في السلطة، أما في الجزائر فيسعى الإخوان لإيجاد موطئ قدم في الخارطة
السياسية على وقع الاحتجاجات التي أنهت نحو عقدين من حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة،
إلا أن الانقسامات بين الأحزاب الإسلامية حالت دون تشكيل ائتلاف قادر على انتزاع
موقعا متقدم في المشهد السياسي الجزائري، وعمل حزب العدالة والتنمية التركي على تضميد
جراحه بعد النكسة الانتخابية الأخيرة في الانتخابات البلدية، من خلال العودة
للدعاية للتنظيم المحظور في عدد من الدول العربية والخليجية والمصنف "ارهابياً".(5)
2) الشائعات: يعتمد أردوغان على سلاح الحرب النفسية أو الشائعات من
خلال تصدير صور مغايرة للواقع والحقائق، وإحراج الأنظمة والدول من خلال إصدار
تصريحات متناقضة يحاول من خلالها إبراز نفسه وكأنها هو الزعيم العربي والإسلامي
المدافع عن حقوق الشعوب واستطاع أردوغان في الترويج إلى هذه الصورة؛ حيث تبني أردوغان
خطاب شعبوي يخاطب به المواطن أو الرأي العام وتحديدًا الرأي العام العربي والإسلامي
مثل على ذلك حديثة الدائم عن حقوق الفلسطنيين، بينما يحرص على إقامة علاقات قوية
مع إسرائيل، إضافة إلى حديثه عن حقوق اللاجئين السوريين؛ حيث قال أردوغان في خطاب
7 أغسطس 2011 "إننا لا نرى في موضوع سوريا شأًنًا خارجياً بل هو شأن داخلي
بالنسبة لنا، ولا يمكن لنا أن نقف موقف المُتفرّج حيال هذه التطوّرات، ونحن نسمع
صوت السوريين وملزمون بالقيام بما يجب أن نقوم به هناك، في الوقت الذي يستخدم في
هذه الورقة للضغط على الإتحاد الأوروبي لدفع مساعدات لتركيا، كما حرص على تصدير
صورة له على أنه صانع لنهضة تركيا وأنه يسعي إلى نهضة شعوب المنطقة، والجدير
بالذكر هنا أن العواصم الغربية نجحت في تسويق هذا النموذج إلى دول وشعوب المنطقة
وأقنعها أردوغان بأنه المُدافِع الحقيقي عن قضاياها ضد "الغرب الصليبي"
والصهيونية العالمية.(6)
3) صورة جديدة للإسلام (
النيو إسلام): يسعي أردوغان للترويج
لنفسه بأنه يتبني صورة جديدة للإسلام السني المتواجد في العالم تختلف عن السلام
السني الوسطي التي تقوده الرياض والأزهر بمصر، لذلك سنلاحظ الخلاف الكبير بين أردوغان
وقادة الدولتين والذي دائما ما اعتمد على تقديم صورة سيئة لهم، ويعتمد المشروع
التركي الإسلامي على الدمج بين الإسلام السياسي والعثمانية الجديدة، بهدف تأسيس
لتركيا جديدة بحلول عام 2023، كما يردد أردوغان دائما أي في الذكرى المئوية
لانهيار الدولة العثمانية، فالعملية حسب أردوغان تتعلق بإنهاء إرث أتاتورك
والانتقال إلى الجمهورية التركية الثانية أي العثمانية الجديدة، لذلك استغل الدين الإسلامي
كستار لتحيق طموحة، ويعتمد في تصدير هذه الصورة على بناء مساجد في العديد من الدول
وإرسال أئمة في الكثير من بلدان العالم يتحدثوا عن تركيا وعن أنها راعية الإسلام
وضرورة عودة الخلافة العثمانية من أجل الإسلام لا من أجل تركيا.
4) الإعلام التركي النطق بالعربية:
أستغل أردوغان الأداة الإعلامية
للترويج لنفسه ولسياسته في المنطقة؛ حيث تسعى أنقرة، في ظلّ حكومات حزب العدالة
والتنمية لفرض خطابها السياسي والإعلامي على العرب سياسيًا وشعبيًا، في محاولة
منها لاسترجاع أحلام الإمبراطورية العثمانية وفرض سياساتها وتحريض الشعوب العربية
على العنف لتسهيل استيلاء الإسلاميين المواليين له على الحُكم، وما يعرف هنا أن
تركيا تقوم بتمويل قنوات تنتمي لجماعات إسلامية مثل الإخوان إضافة إلى تأسس القناة الرسمية التركية الناطقة
باللغة العربية (TRT Arapça)
عام 2010 ومن ثم في عام 2011 تم تأسيس القسم العربي بوكالة الأناضول الرسمية
التركية، وكذلك تم تأسيس العديد من المواقع الإخبارية الإلكترونية الناطقة
بالعربية ومنها التابعة لصحف تركية كبيرة مثل (يني شفق، ديلي صباح، زمان)، ومنها
مواقع خاصة مثل (ترك برس، تركيا بوست، تركيا الآن).(7)
5) الدراما التركية: لعبت المسلسلات التركية، المدبلجة إلى العربية دور كبير
في نقل صورة مغيرة للواقع عن تركيا؛ حيث
بنيت رؤية لدي المواطن العربي البسيط أن تركيا لديها نهضة كبيرة وأن أنقرة هي
المصدر الحقيقي للتقدم إذا ما تم التعاون بينها وبين العرب، ولم يقف تأثير الدراما
التركية على المشاهدة فحسب، بل عمل أتباع تركيا في المنطقة على الترويج لتركيا من
خلال الاستشهاد بالتقدم الدرامي، إضافة إلى ذلك قامت أنقرة بالترويج لأعمال العنف والإرهاب
في هذه الدراما كأنها شيء عادي وصورت الجماعات الإرهابية على أنه مدافعين عن حقوق
الشعوب، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل استغلت الأعمال الدرامية للترويج لفكرة
الخلافة؛ ولكن بعد لفظ الشعوب العربية للإخوان واكتشاف العلاقة بينهم وبين أنقرة
تبع ذلك الكشف عن زيف ما تقدمه الدراما
التركية وبعدها عن الواقع.
6) الدعم المادي: لم يجد النظام التركي حرج في تقديم الدعم المادي
للتيارات الإسلامية المتشددة حول العالم فحسب تقرير دولية فأنقرة تدعم الإرهاب
الداعشي والقاعدة حول العالم، كما توجد تقرير توكد وجود علاقات وثيقة بين أنقرة
وداعش حيث سهلت تركيا دخول الإرهابيين إلى داعش وكذلك قامت بشراء النفط منهم، فهذه
الأمور قد يرها البعض جديدة على تركيا لكن في الواقع منذ وصول الحكم الحاكم في
تركيا إلى الحكم ( العدالة والتمنية) في 2002 وهناك اتهامًا له بدعم الإرهاب حيث أكدت
روسيا على دعم أنقرة للإرهاب في الشيشان لقلب نظام الحكم هناك، وهنا يمكن الحديث
عن المال القطري لدعم تركيا في تنفيذ هذا الأجندة.
7) تمجيد الإرث العثماني والتباهي به: اعتاد أردوغان الحديث عن الإرث العثماني فأردوغان لا يرى
هوية لتركيا من دون عثمانيتها لغة وثقافة وفضاء جغرافي يمتد من بحر الأدرياتيكي
إلى سور الصين، إذ يري بعض الباحثين إن أردوغان مصاب بهاجس السلطنة والسلطان لا
تفارقه صورة أجداده من سلاطين والعثمانيين؛ حيث تكرر أسماء هؤلاء في كل خطاباته،
وعليه لم يرضَ الإقامة في قصر تشانقاي الرئاسي في قلب العاصمة أنقرة، بل شيد قصرًا
سماه بالأبيض على الطراز العثماني كي يليق بالسلطان الجديد، وجاء بالحراس
الاستعراضيين الذين يمثلون فرسان أكبر 16 دولة تركية عبر التاريخ ليكونوا في
استقبال الضيوف على باب القصر، حيث شعار الدولة العثمانية "الطغراء".
ثالثًا- مستقبل الدعم التركية للتيارات الإسلامية
في المنطقة
يري أردوغان في دعمه للإخوان وغيرها من جماعات الإسلام
السياسي في المنطقة أنه يقوم بتأمين العمق الاستراتيجي التركي من خلال خلق ولاءات
بهدف تأمين مصالحه ومصالح تركيا التي تسعى إلى تطوير قدراتها العسكرية لإحياء الإرث
العثماني، هذا الدعم يحقق لها تفوقاً معنوياً على الصعيدين الداخلي والخارجي؛ حيث
روج أنصار أردوغان في الداخل والإسلاميين في العالم له على أنه يتحدّى أميركا
وأوروبا وأعداء الأتراك من العرب، وإلا فلما يدعم ويبرر الإعلام الموالي لأردوغان التدخلات
التركية في الشؤون الداخلية للدول.
لذلك من المستبعد تمامًا أن يتخلى أردوغان عن نهجه وأسلوبه العقائدي هذا، فهو لا
ولن يكفّ عن حساباته الشخصية في المنطقة، حيث بات الوضع أكثر تعقيداً وخطورة طالما
أن أردوغان يعتقد أن هذه الحسابات تساعده على القيام بالمزيد من المغامرات في
ليبيا وسوريا والعراق وقطر واليمن والسودان ولبنان، وهو يرى في نفسه الحامي الوحيد
لحمى "الإخوان " والعرب والمسلمين في المنطقة والعالم، وتري المعارضة
التركية أن نهج أردوغان له علاقة مباشرة بسياساته في الداخل؛ حيث يسعي أردوغان إلى البقاء في الحكم مدي الحياة، بينما يقتنع أردوغان أن نجاحه في هذه المهمة
"التاريخية" أمر مرهون بنجاح الإخوان
بالعودة إلى حكم مصر بعد أن لفظهم الشعب المصري في 30 يونيو 2013، لذلك يسعي إلى
تهديد الأمن القومي المصري عن طريق دعم الإرهاب والفوضى سوء في الداخل المصري أو
الدول المجاورة لمصر جغرافيا مثل ليبيا، وبانتصاره في سوريا، ويفسر كل ذلك استمرار التواجد التركي
الكبير بكل مؤسّساته شرقي الفرات وغربه، وتقديم كافة أنواع الدعم لكل الفصائل
المسلحة وأحزاب وقوى الإسلام السياسي السوري والعربي.
وتبيّن المُعطيات بكل وضوح أن أردوغان سيستمر في نهجه
هذا مهما كلفه وكلف تركيا ودول المنطقة، التي يرى في كل تفاصيلها شأنًا داخليًا
بحتًا بالنسبة له شخصيًا، وقبل أن يكون ذلك بالنسبة لتركيا التي ترى في إيران
البلد المنافس الوحيد لها، طالما أن المنطقة العربية باتت في مهبّ الرياح
الإقليمية والدولية بعد "الربيع العربي"، ولولا هذا "الربيع العربي" لما كنا الآن نتحدث
عن تركيا وأردوغان بهذه الصيغة بعد أن أثبتت السنوات الماضية بكل تفاصيلها الدقيقة
والخطيرة أنه لم ولن يتراجع عن نهجه المعروف، ومازال يعتقد أن ذلك سيساعده على
تحقيق كل أهدافه.
المراجع
(1) تركيا والإخوان.. تحالف إحياء السلطان ، اسكاي نيوز
عربية، الرابط التالي:
https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1035926
(2) أنقرة تضع يدها في يد داعش ضد أكراد سوريا، أحوال تركية،
الرابط التالي:
https://ahvalnews.com/ar/anqrt-td-ydha-fy-yd-dash-dd-akrad-swrya/trkya-wdash
(3) تركيا تشهد أكبر زيادة في الخطاب الشعبوي بين 40 دولة،
أحوال تركية، الرابط التالي:
(4) محمــد ماهــر، تصاعد التوترات بين مصر وتركيا، معهد
واشنطن، الرابط التالى:
(5)
15 عاماً في السلطة.. كيف
غيّر أردوغان علمانية تركيا؟، الرابط التالي:
https://www.dw.com/ar/15-42970019
(6) حسني محلي، المشروع التركي في المنطقة العربية.. ماضٍ
ومستقبل، الميادين، الرابط التالي:
http://www.almayadeen.net/analysis/1367918
(7)
"تي آر تي" بحُلّة جديدة: الموضوعية مُحرّك
أساسي، العربي الجديد، الرابط التالي: