ازدواجية السياسية الخارجية القطرية في السودان .. مساعدات إنسانية ودعم الإرهاب!!
تتسم السياسة الخارجية لدولة قطر بدرجة عالية من الاستقلالية
عن دول الجوار وكذلك بالبرجماتية في جوهرها رغم إعلانها النقيض. ساعدها على القيام
بدور نشط رغم صغر حجمها جغرافيًا، الاستقرار السياسي والمالي الداخلي. مع وجود
أعلى نصيب للفرد من ناتج محلي إجمالي، وحد أدنى من المطالب الشعبية بالديمقراطية
أو التدخل في السياسة الخارجية، تمكنت من متابعة تداخلاتها في دول المنطقة بما أثر
على الاستقرار والأمن الإقليميين.
ومن صور التدخل القطري؛ التدخل الإنساني الذي تستخدمه
كغطاء لدعم الجماعات المتطرفة والنزاعات العرقية القبلية في دول المنطقة ومنها
السودان –موضع التناول-. على ذلك سيتم عرض أبرز مظاهر هذا التدخل في السودان كونه
مؤشرًا هامًا على ازدواجية سياستها الخارجية تجاه الأخيرة، من خلال التركيز على
المساعدات الإنسانية من ناحية، ودعم الإرهاب من ناحية أخرى.
قطر والدبلوماسية
الإنسانية
تحاول قطر تقديم نفسها للعالم على أنها المغيث للدول
المستضعفة. فمن وجهة نظرها، تقديم المساعدات هو التزام أخلاقي يعكس مدى تمسكها
بالمعايير الأخلاقية المتأصلة في المعتقدات الدينية الإسلامية، والالتزام بالسلام
والاستقرار. لهذا قامت بالتدخل الإنساني في البيئات المتأثرة بالنزاعات على مدار العقدين
الماضيين، مع إعطاء أولوية واضحة لمعالجة الأزمات في الدول العربية والإسلامية
والأفريقية. وكان تركيزها في السابق منصب على تقديم الإغاثة العاجلة (مثل توزيع
المواد الغذائية والمساعدات الطبية وتوفير المأوى للاجئين) بدلًا من مشاريع
التنمية طويلة الأجل.
ورغم الترويج لمبادئ الدبلوماسية الإنسانية لم تعترف قطر
رسميًا بالمصطلح كأداة لسياستها الخارجية. ومع ذلك، يظهر تتبع تدخلاتها الإنسانية
عن وجود مستويين من التطبيق:
الأول: مستوى تدخل الوكالات
يوجد في قطر وكالتان تنفيذيتان دوليتان رئيسيتان فقط هما
مؤسسة قطر الخيرية، وجمعية الهلال الأحمر القطري، وكلاهما يقومان بدورًا كبير في
التدخل في السودان. ومن مظاهر ذلك: تسليم وتوزيع مساعدات طبية قطرية بلغت 70 طنًا من
شركة Sidra Medicine ، حيث تم نقلها إلى السودان عبر الهلال الأحمر القطري (QRCS) والقوات الجوية
القطرية (QEAF)، وذلك بمبادرة من جمعية الأطباء السودانيين في قطر (SUDAQ) ومتطوعي QRCS، بهدف دعم
القطاع الصحي في السودان.(1) وقيام مؤسسة قطر الخيرية بإرسال قافلة إنقاذ بقيمة
1879 مليون دولار للسودان للسكان المتضررين من الفيضانات عام 2019.
يجدر الإشارة إلى أن تقديم الوكالات قطرية للمساعدات
الإنسانية لدعم البيئات المتأثرة بالصراعات لم يكن دائمًا ذا تأثير إيجابي ليس فقط
في السودان ولكن في الدول الأخرى، فجاءت المساعدات القطرية على حساب دولة لبنان
واليمن، فبدلًا من إنهاء التوترات القائمة فيهما زادت في البلدين. وفي السودان
عملت وكالات قطر على دعم الإرهابيين رغم أن الدور منوط بها هو تقديم المساعدات
للضحايا. هذا دفع بعض الدول مثل مصر والسعودية والإمارات والبحرين، لتصنيف تلك
الوكالات ومن بينها مؤسسة قطر الخيرية ومؤسسة السلاح الجوي القطري في قوائم
الإرهاب بسبب دورهما في دعم الجماعات الإرهابية والمتطرفة.
الثاني: مستوى تدخل الدولة
تقدم الدولة مساعداتها للسودان وغيرها من الدول العربية
والأفريقية عبر عدة آليات –في حقيقتها هي آليات للهيمنة وليس المساعدة- منها الدعم
المباشر، أو عبر صناديق تابعة للدولة. فعلى المستوى الرسمي قدمت الدوحة دعم سياسي
ومالي للبشير تنفيذًا لوثيقة الدوحة لعام 2011، واستمر هذا الدعم رغم الرفض الشعبي
للبشير. وعندما اندلعت الاحتجاجات في عام 2013 قامت قطر بإيداع مليار دولار أمريكي
في البنك المركزي السوداني بعد أن أجرى البشير محادثات في الدوحة مع الشيخ حمد بن
خليفة. وفي عام 2018 قامت قطر بتوقيع اتفاقية لتطوير ميناء سواكن المطل على البحر
الأحمر بتكلفة 4 مليار دولار.(2)
واستخدمت الدولة صناديقها السيادية كأحد الأدوات للتدخل
منه الصندوق القطري للتنمية. فقام هذا الصندوق في عام 2013 بتمويل خمسة مشاريع في
دارفور بلغت تكلفتها أكثر من 32 مليون دولار، كما قام بتمويل مشروع بناء قرى
للنازحين واللاجئين في دارفور عام 2017 بتكلفة 70 مليون دولار بحيث يتم بناء
قريتين في كل ولاية من الولايات الخمس كي ينتقل إليها اللاجئين من المخيمات. ورغم
هذه الجهود رفض النازحين ترك المخيمات وخرجوا إلى الشوارع احتجاجًا على بناء تلك
القرى لأن الوضع في المنطقة الغربية بعيد عن أن يكون آمنًا بما يكفي لمغادرة
المخيمات، كما أنهم رفضوا استبدال بلادهم بتلك القرى.(3) وقام الصندوق أيضًا
بتقديم مساعدات الإغاثة لضحايا الفيضانات في السودان بقيمة 5 مليون دولار عام
2019، وقام بإرسال حوالي 65 طن من المواد الإغاثة والأدوية بهدف المساعدة في تخفيف
أضرار الكارثة. كما قام بدعم المؤسسات الإنسانية في الخرطوم لتقديم المساعدة في
حالات الطوارئ، فضلًا عن دعم قطاع المياه والصرف الصحي وتوفير رعاية صحية
للمتضررين.(4)
دعم الجماعات الإرهابية
رغم أن الدستور القطري لعام 2003 ينص في المادة السابعة
منه على أن السياسة الخارجية للدولة تستند إلى مبدأ تعزيز السلام والأمن الدوليين
عن طريق تشجيع الحل السلمي للنزاعات الدولية، إلا أنها تسببت في زعزعة الاستقرار
والأمن في المنطقة في محاولة منها للتأثير على نتائج الثورات من خلال دعمها
للجماعات المسلحة الإرهابية. وفي السودان؛ عملت الدوحة على تقوية أذرع جماعة
الإخوان المسلمين المصنفة كمنظمة إرهابية من خلال توفير الدعم لهم حتى يتمكنوا من
تنفيذ أهدافهم المتمثلة في ممارسة النفوذ والهيمنة على السلطة أو زعزعة استقرار
السودان. وعقب محاولات الانقلاب الفاشلة قام النظام القطري بعد إنشاء جبهة الإخوان
الجديدة في السودان بدمج كافة أحزاب الإخوان السودانية سعيًا لتكوين اتحاد واحد
مؤلف من مؤتمر الشعب الذي أسسه حسن الترابي، وحركة الإصلاح لجماعة الإخوان
المسلمين برئاسة غازي صلاح الدين، ومنصة العدالة من أجل السلام بقيادة الطيب مصطفى،
وذلك ليكون الاتحاد قوى سياسية مؤثرة في السودان. بالإضافة للاتحاد تضمن المخطط
القطري في السودان إنشاء تيار الشريعة وسيادة القانون بقيادة محمد على الجزولي
وعبد الحي يوسف –المصنفون كإرهابيين ومتطرفين- وقوى سياسية أخرى كانت متحالفة مع
نظام البشير.
إلى جانب السعي لجمع فلول الإخوان المسلمين –الإرهابيين-
في كيان واحد، أكدت السلطات السودانية أن قطر تعمل على إحباط الإجماع السياسي في
البلاد ومنع الوصول إلى حل سياسي لأزمة السودان. لتحقيق هذا قام المسؤول عن الملف
السوداني في المخابرات القطرية بلقاء قادة الحركات الإرهابية السودانية وهم
طاهر حجر قائد إحدى الحركات المسلحة، وهادي إدريس زعيم
حركة تحرير السودان وهو الجبهة الثورية.(5) وحتى بعد تشكيل حكومة في السودان وهدوء
المشهد السياسي نسبيًا أصدر تميم بن حمد أمير قطر، أوامر بضرورة إسقاط حكومة حمدوك
وتقويض دورها.(6)
وقامت الدوحة بتعزيز الجماعات الإرهابية بشحنة أسلحة آلية
ونصف آلية وذخيرة ضبطتها السلطات السودانية في حين زعم الإعلان القطري إنها طائرة
محملة بالمساعدات الطبية والأدوية، مما أثار غضب شعبي ورسمي كونها تسعى لنشر
الإرهاب في السودان بعد محاولات طويلة لإرساء الاستقرار.(7)
وختامًا،
يتضح من العرض السابق كيف تتسم السياسية الخارجية القطرية بالازدواجية، فمن ناحية
تقوم بتقديم مساعدات إنسانية ومن ناحية أخرى تقوم بتدعيم الإرهابيين بالأسلحة
والأموال بما يزعزع استقرار السودان وأمنه ويؤثر سلبًا على مساعي الدول العربية
والأطراف الداخلية السودانية في استقراره.
الهوامش
1-
الهلال الأحمر القطري، "زيارات موسعة مع
مختلف الجهات الفاعلة لتعزيز الشراكة الإنسانية"، 22/1/2020، متاح على: https://bit.ly/2U0jsQK.
2- “Sudan, Qatar to sign $4 billion deal to manage Red Sea port –ministry”,
Reuters, 26/3/2018, available at: https://www.reuters.com/article/us-sudan-qatar/sudan-qatar-to-sign-4-billion-deal-to-manage-red-sea-port-ministry-idUSKBN1H22WH.
3- “Qatar grants $70
million for Darfur model villages,” Daranga Sudan, 22/8/2017,
available at: https://bit.ly/2O6lXxh.
4- Qatar fund for developmet, “The State of Qatar responds urgently to
relief the flood victims in Sudan,” 1/9/2019, available at: https://qatarfund.org.qa/en/the-state-of-qatar-responds-urgently-to-relief-the-flood-victims-in-sudan/.
5-
"إثيوبيا منعت دخول قياديين بحركات مسلحة سودانية
بسبب قطر"، سكاي نيوز العربية، 23/7/2019، متاح على: https://bit.ly/36rDiak
6-
ريهام عبدالله، " قطريليكس:
تميم أصدر أوامر لرجاله بإسقاط الحكومة السودانية الجديدة"، اليوم السابع،
26/1/2020، متاح على: https://bit.ly/2O4xTzG.
7- مريم بدر
الدين، " أكاذيب قطر.. أخرها تهريب شحنة أسلحة للسودان والجزيرة تدعي إرسال مساعدات
طبية"، اليوم السابع، 21/1/2020، متاح على: https://bit.ly/2O0l2OX.