إدارة التعددية .. الدعائم والركائز الأساسية في تجربة موريشيوس
موريشيوس أو كما يطلق عليها جنة أفريقيا
نموذجًا أفريقيًا فريدًا من نوعه في تحقيق المعادلة السياسية والاقتصادية، ونجاحها
داخل القارة الأفريقية التي طالما انتشرت فيها الصراعات السياسية والإخفاقات
الاقتصادية؛ نحاول هنا الوقوف على أهم الدعائم التي مكنت موريشيوس لتكون تجربة
فريدة ونموذج مختلف.
فمن حيث الموقع تقع دولة موريشيوس
في شرق القارة الافريقية، وتعد بمثابة بوابة للعبور إلي أفريقيا، كما تطل على
المحيط الهندي، وربما كان سببًا لكونها موطنا للكثير من الجماعات العرقية كالهنود
والصينين والفرنسيين والموريشيسيين، فهي دولة صغيرة من حيث الحجم ويبلغ عدد سكانها
قرابة المليون والنصف. (1)
لم تكن التعدية الثقافية والدينية
والعرقية عقبة أمام موريشيوس لتحقيق قدرًا من التنمية السياسية والاقتصادية، بل
كان التعدد سببًا في النجاح والتنمية فكل جماعة عرقية لجأت للأخرى؛ من أجل البناء
والتعاون، فكل يتعلم ويعمل جنبًا إلى جنب، وتعد اللغة الإنجليزية والفرنسية هما
اللغتان الأساسيتان إلى جانب لغة الكريول، بينما يرجع البعض اندماج الجماعات
العرقية معًا، والابتعاد عن الصراعات العرقية؛ لكونها تبعد عن أفريقيا بعدة أميال فلم
تتأثر بمشكلات القارة الأفريقية فضلًا على اعتماد اقتصادها على السياحة بالمقام
الأول مما يجنبها الصراعات والحروب الأهلية.
مقومات
نجاح تجربة موريشيوس
§
الاندماج الوظيفي
إن تحقيق الاستقرار داخل أي دولة
متعددة العرقيات ليس بالأمر السهل، وكثيرًا ما يواجه صعوبات، وفي حالة موريشيوس
نجد أن الجماعات العرقية داخل الدولة هي التي ارتضت ذلك الأمر طوعًا دون إكراه؛ سعيًا
منها لبناء الدولة وتحقيق قدر من التنمية فلم تسيطر جماعة على الحكم وتفرض هيمنتها
ولغاتها على الدولة، كما أن النظام السياسي اتجه ليكون نظامًا برلمانيًا تمثل من
خلاله كافة الجماعات المتواجدة بالدولة.
§
التحول الديمقراطي وتداول السلطة
على
الرغم من التعددية العرقية والثقافية واختلاف التيارات والتوجهات الثقافية
والسياسية للجماعات داخل موريشيوس، إلا أن النظام السياسي نجح في تداول السلطة
بطريقة سلمية وأرسى مبادىء التعددية الحزبية، فهناك ثلاث أحزاب سياسية رئيسية
تتداول السلطة فيما بينهم بطريقة سليمة وهم (حركة موريشيوس الاشتراكية – حزب
العمال- الحركة الكفاحية الموريشية التي تمثل المعارضة إلى جنب عدد من الأحزاب
الصغيرة الأخرى والتي من بينهم أحزاب إسلامية كحزب الله)
إلى جانب
ترسيخ مبدأ الانتخابات الدورية. مما جعلها بمثابة تجربة سياسية رائدة داخل القارة الأفريقية.
كما تصنف موريشيوس كواحدة من الدول الأفريقية التي نجحت في تحقيق تغييرات ملموسة
فيما يتعلق بمجال التحول الديمقراطي.
§
احترام الحقوق والحريات
لا شك أن
التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة لابد وأن يتبعه احترام للحقوق والحريات السياسية،
الثقافية،الاقتصادية والدينية، وفيما يتعلق بالحقوق الدينية فقد أشار تقريرهيومان
رايتس حول الحرية الدينية في موريشيوس" إلى أنها من الدول التي تتمتع بحرية
في هذا الشأن، كما أشار التقرير إلى أن التعددية الدينية في موريشيوس كبيرة"
حيث نجد
الديانة المسيحية ولاسيما الكاثوليكية تمثل 26%إلى جانب الهندوسية والتي يمثل
معتنقوها حوالي 48%، فيما يمثل الإسلام 17%,وتمثل المذاهب المسيحية الأخرى حوالي6%
كما تمثل اليهودية والبوذية 3%
§
العدالة الاجتماعية
العدالة الاجتماعية
ومراعاة الفئات الاجتماعية الدنيا أحد أهم مقومات نجاح التجربة التنموية في
موريشيوس، فقد حرصت الحكومة على إنشاء إدارة تختص برعاية الفئات الاجتماعية الدنيا
وتقديم معاشات،ليس ذلك فحسب بل العمل على تطوير القطاع التعليمي والصحي وجعل
التعليم مجانيًا حتى المرحلة الثانوية، وقد ظهر أثر ذلك واضحًا في تقرير التنمية البشرية
الصادر عام 2016
كما
تمكنت موريشيوس من الاهتمام بالقطاع الصحة مما أدى إفى رفع متوسط العمر عند
الميلاد وتخفيض عدد الوفيات
§
الأداء الاقتصادي
على عكس
كل التوقعات الاقتصادية التي تنبأ بها الاقتصاديون من انهيار افتصاد دولة موريشيوس،
حيث إنه اقتصاد ريعي غير سلعي يقوم على نوع واحد من المحاصيل وهو السكر فنحو 90%
من الأراضي الزراعية تزرع به، إلا أن التخطيط الاقتصادي الذي قدمته القيادة
السياسية داخل الدولة نجح في تخطى كافة هذه التوقعات، فقد اتخذت القيادة السياسية
عدد من الإجراءات من أهمهم:
§
العمل على تنوع اقتصادها بدلًا من الاعتماد على السياحة
كأحد موارد الدخل القومي
§
تشجيع الاستثمار الأجنبي وتسهيل الإجراءات للمستثمرين
الأجانب
§
إصدار عدد من التشريعات السياسية لتهيئة بيئة جاذبة
للاستثمار
§
تطوير قطاع تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات
§
تشجيع وتنويع القطاع التجاري والتوسع في زراعة محاصيل
أخرى غير محصول السكر
§
الاهتمام بمشروعات البنية التحتية.
كافة هذه الإجراءات أسهمت في
تحقيق معدل نمو اقتصادي مرتفع. فقد ارتفع معدل النمو الاقتصادي ليتخطى 5% من عام
1977 حتى عام 2008. كما ارتفع متوسط دخل الفرد ليحدث طفرة فقد تضاعف من 500 دولار
عام 1970 ليصل إلى 9770 دولار عام 2016 . (2)
ومن ثمّ يمكننا القول بأن
تجربة موريشيوس وما وصلت إليه يعد إنجازًا فريدًا داخل القارة الأفريقية، ولاسيما
كونها دولة جزرية وصغيرة. وتعتمد بالأساس على السياحة كمورد للدخل القومي إلا أن
الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تم اتخاذها قد أسهمت في تحقيق قدر هائل من
التنمية
وعلى
الجاب الأخر يشكك البعض في هذه التنمية سياسيًا
من منطلق أن النزعة العرقية تلعب دورًا كبيرًا في اختيارات الناخبين. فضلًا عن مبدأ
توريث السلطة إشارة إلى حيث تنازل جاجنوث عن منصبه في رئاسة الوزراء لصالح ابنه
برافيند جاجنوث. الأمر الذي من شأنه مستقبلًا إتاحة المجال لتكريس ذلك المبدأ،
بينما يرى البعض أن التعددية الحزبية في موريشيوس ماهي إلا نص دستوري وأن الأحزاب
تتبادل السلطة فيما بينهم عن طريق التحالفات أو حصول الحزب الأكثر شعيبة على
التأييد الانتخابي، كما أن الأحزاب الصغيرة لا يمكنه خوض السباق الانتخابي.
وإجمالًا يمكننا القول بأن ما
نجحت موريشيوس في تحقيقه فشلت الكثير من دول القارة الأفريقية في تجاوزه، ولاسيما
أزمات الاندماج الوطني والتعايش السلمي معًا بعيدًا عن الحروب والصراعات الطائفية.
فمتى تحقق الاستقرار السياسي تحققت معه التنمية الاقتصادية وهي المعادلة التي تمكنت
موريشيوس من تحقيقها.
المراجع
(1) حكيم نجم الدين، جمهورية
موريشيوس ... من دولة أفريقية صغيرة الى عملاق الاستقرار والتقدم، متاح على
الربط التالي:
https://cutt.us/xgPkc
(2) حامد المسلمي، موريشيوس.. نموذج أفريقي واعد، متاح على
الرابط التالي:
https://cutt.us/pL5SL