ماذا يحدث سؤال؟ تردد على لسان الكثيرون الآن هل نحن بصدد حرب عالمية ثالثة كما يتشدق البعض؟ هل مقتل سليماني كان قراراً صائباً؟ أم ستكون تبعاته أخطر مما توقع ترامب، أم إنها مسرحية متفق عليها؟ أم أن الأمر هو تصعيد قبيل الحملة الانتخابية لترامب؟ هل تبعاته كانت لصالح ترامب؟ أم أنها لم تكن إلا في صالح ايران؟ أم أن إيران تعيش أسوأ أوقاتها كما تتشدق بعض القنوات الإعلامية؟ أم أنها قلبت الطاولة على ترامب وإدارته؟ أم ماذا؟

أسئلة كثيرة ثارت وتثور حول مقتل سليماني منذ 3 يناير 2020 ولا أحد يملك الإجابات حولها بشكل قاطع ولكن كلها اجتهادات قد تصدق أو تخطئ كل له قراءته ورؤيته التقيمية للاحداث. وهذا ما سأطرحه اليوم وأبدئه بأن

ما حدث هو في صالح إيران بنسبة كبيرة جداً وأثبتت الولايات المتحدة عنترية غير مفهومة أو مبررة دفعت ثمنها في هيبتها وصورتها أمام العالم وكان ترامب هو الفاعل والجاني الذي حرصت البنتاجون أن يتحمل مسئولية تهوره امام الراي العام الامريكي والعالمي.

هنا قد يعارضني البعض ويعتبره حكم مسبق ومتسرع لذا من المهم ذكر الحقائق التالية:

-         قرار تصفية سليماني عرض من قبل منذ ادراة بوش الابن وتم اعادة عرضه على ادارة اوباما وكلاهما قاما برفضه باعتباره عمل استفزازي

-         القرارات المثيرة والاكثر جراءة هي نهج الرئيس ترامب الذي يفضل دائما المخاطرة دون تراجع كرجل اعمال مقامر اعتاد على المخاطرة لإدارة اعماله ولكن الجديد ان تدار الامور السياسية بفكر المخاطرة وهذا ما تم بالفعل في قرار نقل السفارة الامريكية للقدس والاعتراف بسيادة اسرائيل على الجولان وشرعنة بناء المستوطنات ولكنه نجح في الثلاث ساحات الاخيرة بسبب الضعف والانقسام العربي، فصدق حاله أنه قادر على ان يقامر في كل الساحات ولكن الأمر مختلف.

-         قرارات تصفية القادة العسكريين امر غير معتاد في النهج الأمريكي فأخر قيادة كبيرة تم تصفيتها في الجبهة المعادية لها كان اللواء الياباني ازوروكوا ياماموتوا Isoroku Yamamoto في الحرب العالمية الثانية عندما ضربت الطائرة التي كان يقلها، ومنذ ذلك الحين لم يفعل أمر كهذا مرة ثانية.

اذا قرار قتل سليماني هو اختيار الرئيس الأمريكي بالأساس، ولكنني لم اجيب على كيف نجحت ايران واخفقت الولايات المتحدة، هنا سأطرح الآتي:

-         هل سألنا انفسنا لماذا اخبرت ايران موعد ومكان الضربة الايرانية على القاعدتين العسكريتين الأمريكيتين في "عين الاسد بالانبار" وحرير باربيل"، هل ايران تجهل ان ذلك سيسوق اعلاميا ليتشدق البعض أن الامر مسرحية وأن ايران عاجزة كما فعل بعض المحللين.

الإجابة بالطبع لا لا تجهل ذلك وانما خططت لذلك لترسل رسالة قوية مفادها:

§        أنها ضربت القاعدة الامريكية التي ضرب منها القائد الإيراني سليماني ومن ثم انتقمت له

§       موعد قبل الضربة محدد بالضبط بإحداثيات الضربة ونطاقها ومكان وصولها مما يعكس قوة ودقة الاسلحة الايرانية ومن ثم يعطي رسالة للبنتاجون انهم قادرون على توجيه ضربات شديدة الدقة للمواقع الامريكية في المنطقة المحيطة "بالشرق الاوسط"

-         جاء لقاء ترامب عقب الضربة الايرانية مخذي وعلى غير المتوقع:

§       لغة الجسد: منذ أن رأينا الرئيس ترامب وهو من أكثر القادة التي تفضحه لغة الجسد، فعهدنا ملامح وجهه تذكر الكثير، أما في التصريح الصحفي فكان متعب يحرك قدميه في وهن، انفاسه سريعة، متجهم، غير سعيد، غير قوي كعادته، نبرة صوته ضعيفة وكأنه كان في شجار قبيل الحديث.

§       الموقف العسكري: مشهد اللقاء كان على جانيه قادة البنتاجون ليؤكدوا للعالم أنهم موافقون على ما يقوله الرئيس الأمريكي الذي اعلن أمام الجميع انه لن يفرض عقوبات عسكرية على إيران ولكن سيستمر في العقوبات الاقتصادية –التي عهدناه منه واعتادت عليها إيران- إذا فخيار التصعيد العسكري رفضته المؤسسة العسكرية الامريكية مما يؤكد أن الرسالة الإيرانية قد وصلت.

§       سلامة المواطنين، والدبلوماسيين، والقوات الأمريكية: حرص الرئيس ترامب اكثر من مرة على ترديد سلامة المواطنين الامريكان وما كان يعنيه بالأساس سلامة القوات والمواقع الامريكية التي تنتشر في المنطقة. ويوضح الجدول رقم 1 عدد القوات الامريكية بالمنطقة قبل إرسال الولايات المتحدة للتعزيزات الأخيرة التي بإرساله لها أصبح عددها يتجاوز 70 الف جندي مقاتل أي أن اعدادهم كبيرة ولا يمكن تهديد وجودها.

عدد القوات الأمريكية بالمنطقة

المصدر: واشنطن بوست

-         لغة الخطاب:

§       بدء ترامب ان ايران لن تستطيع امتلاك القنبلة النووية ليس بشكل مطلق ولكن حددها خلال وجوده بالحكم، اي انه حتى وإن لن يمنعها فترة التخصيب ستتجاوز فترة ولايته الثانية ومن ثم فلن تمتلك وهو رئيس ولكنه لم يقل هذه المرة لن تمتلك ابدا كعادته.

§       اصر ترامب على ان يذكر نجاحاته في بعض الملفات كتصفية ابو بكر البغدادي ورغم انه وصف سليماني بالبغدادي في قتل الامريكان والابرياء، ولكنه وصل ان قتل البغدادي في مصلحة ايرن فامريكا تعمل ايضا في صالح ايران وأنه مجال يمكن للتعاون فيما بينهما اذا اقلعت عن القنبلة النووية. اي انه بدء يبحث عن مجالات مشتركة في الحوار.

§       ما ذكره من جهد امريكي في المنطقة كان من قبيل الدفاع عن ذاته لانه مشرف على الانتخابات ولكنه كان يعي جيدا زيادة موجة الكره ضد الولايات المتحدة المتزايدة بالعالم خاصة في فترة ولايته وذكرها اننا رغم ما قمنا به لم يقل احد لنا شكرا

§       ترامب حاول تقديم رسالة أننا لم نعد نحتاج إلى بترول الشرق الاوسط الذي عليه ان يدبر اموره بنفسه، بل وبعد الخطاب بدء في حديثه عن توسيع عضوية الناتو ليضم دول من الشرق الاوسط والمقصود دول عربية بالطبع لتشارك في الاعباء المالية للناتو الذي يمر بمشاكل مالية، وكذا لتشارك قوتها في التواجد على الارض بإرادة امريكية فيجب الا نفرح بمثل هذا القرار الذي يضعنا في صدام مع روسيا الموجه ضدها الحلف بالاساس والصين العدو الاول للولايات المتحدة.

§       بدء بالحديث عن  زيادة دور الناتو والاتحاد الاوروبي وروسيا والصين واهمية ان يتخذوا موقفا تجاه النووي الايراني رغم علمه ان كلا من روسيا والصين لا يجدوا اية غضاضه في امتلاك ايران للسلاح النووي من اجل الردع. وان الاتحاد الاوروبي بانسحابه من الاتفاق النووي مع ايران 5+1 هو من وضعهم في حيز عثر بعد اعلان ايران عقب مقتل سليماني انها ستكمل جهودها النووية ولن تهتم بالاتفاق مما ادي ليعرب الاتحاد الاوروبي عن اسفه عن التصريحات الايرانية

الرغبة الامريكية في عدم التصعيد تلاقت مع الموقف الايراني المعلن في عدم التصعيد رغم ان ايران وفقا لتصريحات ترامب أنها تقتل الجنود الامريكان وتدعم الإرهاب.

إذاً، ما هي المكاسب الايرانية من الضربة:

-         توحيد الصف فقبيل مقتل سليماني كان الشارع الايراني منتفض بسبب غلاء الاسعار وبعد مقتل سليماني بدت الجنازة مهيبة بل وسقط العشرات بسبب التدافع لتقدم رسالة للعالم بأن الشعب الايراني على قلب رجل واحد وتم توحيد الصف مرة أخرى. فشكرا للأمريكان

-         تقديم الرسالة للأمريكان والعالم حول قدرة ودقة الاسلحة الايرانية المستخدمة وامكانية توجيه الضربة بدقة لمواقع امريكية مكشوفة او لاحد حلفائها بالمنطقة

-          أن ما يفعله الامريكان ضدها في كثير من مناطق النفوذ الايراني يجب ان ينتهي كما يحدث في العراق ولبنان واليمن خاصة ان الاحتجاجات العراقية بدأت برفض الفساد واقترانه برفض التواجد الايراني

-         احراج الرئيس الامريكي امام الراي العام الامريكي والعالمي واظهار الخلاف بيتنه وبين البنتاجون

-         اعلان الجانب الامريكي انه لم يعد مهتم ببترول الخليج ومن ثم بحمايتهم ليعيدوا التفكير في علاقاتهم مع الجانب الايراني

-         اعلان الامريكان عن ان يلعب الناتو دورا اكبر رغم ضعف الناتو وما شاهدناه في القمة الاخيرة التي عقدت في نهاية عام 2019 من انقسام وتخاذل بشأن قضايا مصيرية كالتهديد التركي لقبرص واليونان مثلا والتهديد التركي لدول الاتحاد الاوروبي باستغلال داعش واللاجئين السوريين. ومن ثم  فما ذكره ترامب أمر سيكون حبيس الأدراج.

-         تصريح ترامب بشأن امكانية فتج الناتو امام عضوية الدول الشرق أوسطية والمقصود بها الدول العربية سيضعها في اشكالية كبيرة امام روسيا والصين خاصة ان الناتو هو تنظيم قائم  بالأساس ضد روسيا ودورها. والصين احد القوى الصاعدة بالعالم التي قد تفوق قوتها القوة الامريكية خلال الفترة القادمة.

-         احتمالية اعادة التفكير في اقامة تحالف عسكري شرق اوسطي MESA ميسا الذي كانت تقوده امريكا واسرائيل مع الدول الخليجية ضد ايران وبدأ الترتيب له منذ عام 2017، فلم تعد امريكا قادرة على احتواء الخطر الايراني فكيف ستقود تحالف مثل هذا

هنا أتوقع ان يزيد النفوذ الايراني في المنطقة خلال الايام القليلة القادمة، رغم ان البعض يعتبر ان ايران تعيش اسوء فتراتها خاصة بعد ضرب الطائرة الاوكرانية ولكني اعتقد ان هذا الحديث امر عاري من الصحة فحتى اذا تم ادانه ايران في اسوء السيناريوهات ما هي العقوبات التي ستفرض عليها لن تكون الا عقوبات اقتصادية. "فشكرا للأمريكان مرة اخرى الذين أعطوا ايران القدرة على التأقلم مع العقوبات الاقتصادية" هذه الرسالة هي المفترض ان يقولها الايرانيون للأمريكان بالفعل.

إذاً، ما هو المفترض علينا في المنقطة العربية أدائه:

-         إعادة النظر للدور الإيراني عبر التفاهم والتباحث بشأن القضايا الخلافية والحديث عن التعاون الاقتصادي كبداية لتهدئة الأوضاع.

-         إعادة النظر في التقارب مع إسرائيل فالأب المدلل أصبح في موقع أضعف وروسيا لن تخسر كل المنطقة لصالح إسرائيل فهي أكثر نفعية من ذلك.

-         إعادة النظر في الترتيبات العسكرية والامنية التي تقودها الولايات المتحدة بالمنقطة فلم يعد هناك مجال للحديث عن ميسا او الانضمام للناتو او اقامة ناتو عربي فالعالم يتغير وأمريكا لم تعد القطب الأوحد.

-         الحفاظ على العلاقات الطيبة مع الجانب الأمريكي ولكن بما يحفظ السيادة العربية مع اهمية تنويع العلاقات مع الجانب الروسي والصيني.

فالقوة هي التي يعيها العالم ككل فلا تتفاوض من منطلق ضعف أو رافعاً شعارات السلام فقطـ، فالسلام سيفرضه قوتك المشروعة لحماية أراضيك وبقائك.