الاحتجاجات اللبنانية الأخيرة .. هل ستقود لبنان الي الاستقلال الثالث؟
شهدت
لبنان بدءاً من ٢٥ أغسطس 2019 موجة احتجاجية كبيرة من كل الطوائف والمناطق، في
انتفاضة تفجرت في معظم المدن اللبنانية، من طرابلس تاني اكبر مدينة في لبنان ومركز
الثقل السني في الشمال، حتي الجنوب حيث العمق الشيعي مطالبين بتحسين الأوضاع
الاقتصادية والقضاء علي الفساد وإسقاط المنظومة السياسية التي حكمت البلاد منذ
انتهاء الحرب الأهلية، وتجاوز نظام المحاصصة الطائفية والاستقلال عن حزب الله الذي
يعد السبب الرئيسي للمشاكل والأزمات الحالية في لبنان.
وبناءً على
ذلك فقد بعثت هذه الاحتجاجات رسائل إلي الداخل اللبناني والمجتمع الدولي أن هناك
معارضة لإيران حتي داخل البيئة الشيعية، ما يعني أن لبنان ترغب في الاستقلال عن
التبعية لنظام الملالي المتمثلة في حزب الله، أي أنها تسعى لتحقيق الاستقلال
الثالث بعدما تمكنت من تحقيقه أول مرة عن فرنسا عام ١٩٤٣، والإستقلال الثاني عن
سوريا عام ٢٠٠٥ .
أسباب اندلاع الموجة
الحالية من الاحتجاجات
تعددت الاسباب التي
افضت الى الموجة الاحتجاجية الأخيرة في لبنان يمكن ابرازها فيما يلي:
· لعل أبرز الأمور التي حركت الشارع اللبناني وأشعلت
فتيل الثورة، هي الضريبة التي ابتكرتها السلطات اللبنانية علي مستخدمي تطبيق
التواصل الاجتماعي (واتساب) والتي بلغت ٢٠سنتًا عن كل يوم وهو ما يؤمن لخزينة
الدولة ٢١٦مليون دولار سنويًا.
· يري كثير من اللبنانين ان النظام السياسي الحالي في
لبنان الذي بني على أساس اتفاق الطائف الموقع عام ١٩٩٠ هو السبب وراء ما يعانيه
لبنان حاليا من أزمات حيث المناصب السياسية توزع وفقًا للطائفة وليس الكفاءة
فبالتالي خرجت المظاهرات لتنادي بإنهاء نظام المحاصصة الطائفية.
· تصرفات حزب الله في لبنان، فهو يدير السياسة ويقود
السيادة ويخرب الاقتصاد من خلال الهيمنة علي كل قرارات الحكومة، بل بات يسيطر علي
مفاصل الدولة من خلال عدد كبير من الوزراء الذين يدينون بالولاء لإيران وحزب الله
وليس للدولة اللبنانية.
· الأوضاع الاقتصادية التي تؤثر علي المواطن اللبناني،
حيث نرى أنها السبب الرئيسي لهذا الحراك الشعبي حيث وصلت قيمة الدين العام الي
اكثر من ٨٦ مليار دولار، في حين يستنزف الدين العام نسبة ١٥٢ ٪ من حجم الناتج
المحلي للبلاد ، كما ان العملة الرسمية للبلاد وهي الليرة فهي في تدهور مستمر أمام
العملات الأجنبية فقيمة الدولار الواحد ١٥٠٠ ليرة.
· غياب الكثير من الخدمات الرئيسية للمواطن كالكهرباء
والمياه حيث يعاني لبنان من مشكلة انقطاع الكهرباء فتصل الي ١٢ساعة مما جعل
المواطن يدفع فاتورتين واحدة للدولة وأخرى مرتفعة لأصحاب المولدات الكهربائية، كما
تعب اللبنانين من دفع ثمن مياه تصل إلى منازلهم إلا أنها غير صالحة للشرب او تحمل
انقطاع المياه المستمر.
· استشراء الفساد في معظم مؤسسات الدولة، لتحتل لبنان
المرتبة ١٤٣ بين ١٨٠ بلدًا في الترتيب الأخير الذي أجرته منظمة الشفافية الدولية
بشأن مؤشر الفساد.
سمات هذه الاحتجاجات
· تجاوز الاحتجاجات الخطوط الطائفية،
فلأول مرة علي الإطلاق هناك وحدة حقيقة وليست زائفة وفقًا لشعار الاحتجاجات(كلنا
يعني كلنا) فالناس ادركوا ان المسيحي الذي يعيش في فقر لا يمتلك أي ميزة عن السني أو
الشيعي الذي يعيش في فقر أيضاً.
· التفاوت في أعمار المشاركين فيها والطبقات
الاجتماعية التي ينحدرون منها ولكن كان يغلب عليها الطابع الشبابي وهذا يرجع لأن
معدل البطالة ٣٦٪.
· أظهرت الاحتجاجات المشاركة القوية
للمرأة فدور المرأة كان واضح جداً وله تأثير كبير وهذا دائمًا ما اعتدنا عليه من
المرأة العربية ومشاركتها الكبيرة بالحراك السياسي الذي شهدته عدد من دول المنطقة.
· عفوية مفتقدة لقيادة موحدة أو ناطقة
باسمه كما أنها كانت سلمية ولا توجد أية
أيادي خارجية في هذه الاحتجاجات رغم الكذب الذي نشره أعداء هذه الانتفاضة سواء حزب
الله في مقدمتهم أو خامنئي وهذا دائمًا ما يصرح به المستبدون لكي يشعلو نظرية
المؤامرة الكاذبة في كل الثورات.
نتائج الاحتجاجات
في حقيقة
الأمر فإن النتائج التي حققتها الاحتجاجات تعد ضعيفة ولكنها صرخه كبيرة ضد الفساد
السياسي الذي ترتب عليه فساد اقتصادي وصرخه في وجه حزب الله والدولة الإيرانية
فهذه المرة الأولى التي يخرج اللبنانيين
في مظاهرات رافعين علم لبنان فقط دون إعلان كل شخص عن طائفته، كما نجحت أيضاً في إسقاط
الأقنعة عن زعماء فاسدين بعدما خرج سعد الحريري وحسن نصرالله وميشال عون وكل
مجموعة تزعم بأنها أعيقت عن الإصلاح بسبب الأخرين.
ومن أهم
النتائج جاءت استقالة الحريري" في ٢٩ أكتوبر الماضي تحت ضغط الحراك الشعبي
المستمر منذ يوم ١٧من نفس الشهر حيث كان من الضروري ان يقدم الحريري استقالته
لتشكيل حكومة من الاختصاصين القادرين على إخراج البلاد من الأزمة السياسية
والاقتصادية التي تعصف بها، وتكليف "حسان دياب" برئاسة الحكومة، من خلال
حصوله في الاستشارات النيابية علي دعم كتلة حزب الله وجميع الكتل المتحالفة معها
وعدد قليل من أصوات النواب السنية المقربين من حزب الله، أدى إلى استمرار
الاحتجاجات ورفع المحتجون شعارات تصفه بأنه مرشح حزب الله ووصلت الاحتجاجات إلى
محيط منزل رئيس الحكومة المكلف.
فتكليف
"دياب" برئاسة الحكومة لم يخرج لبنان من أزمته الحالية ولكن يؤكد أن حزب
الله هو الممسك بالواقع السياسي والأمني اللبناني، فكيف سيكافح "دياب"
الفساد والفاسدين وهو تم تكليفه من قوى الفساد المهيمنة علي السلطة، وبالتالي هذا
التكليف له تداعيات خطيرة والحل يكمن في اعتذار الرئيس المكلف حسان دياب وتكليف رئيس حكومة غير مرتبط بحزب الله ومن
خارج المجموعة السياسية الحالية وتشكيل حكومة اختصاصين قادرين علي اخراج لبنان من
ازمتها وتشكيل هذه الحكومة يعد حل مؤقت
للواقع اللبناني.
أما الحل طويل الأجل يتمثل في حل حزب الله وهذا يحتاج تدخل عربي لمساندة لبنان ضد حزب الله لأن الجيش اللبناني غير قادر علي حزب الله وميليشياته ونشاطه العسكري وإذا استطاعت لبنان التخلص من سيطرة حزب الله علي البلاد فبالتالي هكذا تكون وصلت الي استقلالها الثالث وهو الاستقلال عن إيران.