المعاناة
الإنسانية لأنهم لم يعتادوا أن يجدوا حلولًا ممكنة لمشكلاتهم.
من هنا
تتزايد الحاجة لدينا في بيئتنا العربية بوجه خاص -والتي نعاني من انتشار وكثرة أخبارها
السلبية- لبحث هذا النوع من الصحافة والاهتمام به سواء من حيث المضمون أو دراسة
تأثيراته على القائم بالاتصال والجمهور.
في هذا
الإطار، جاءت الدراسة المهمة التي أجرتها د. رحاب محمد أنور مدرس الصحافة بقسم
الإعلام بكلية الآداب جامعة المنيا، والتي استهدفت رصد أبرز محددات صحافة الحلول
في المواقع الإخبارية الإلكترونية المصرية، وكذلك رصد تصورات المحررين الصحفيين
حول هذه الصحافة وأهميتها في بيئة العمل الصحفي، وتأثير ممارستهم لهذا النوع على
الرضا الوظيفي لديهم، وكذلك التعرف على الآثار الإيجابية لتعرض الشباب لصحافة
الحلول.
وتوجد
ثمة تعريفات عديدة لصحافة الحلول في المجال المهني وأبرزها يأتي من "شبكة صحافة
الحلول"؛ التي تصفها بأنها تقارير إخبارية تركز على استجابات الناس للمشكلات الاجتماعية،
حيث تتناول الإجابة عن أسئلة "مَن؟ وماذا؟ ومتى؟ وأين؟" التي غالبًا ما تحدد
المشكلة، لكنها تركز بشكل كبير على الإجابة عن سؤال: ما الذي يفعله الناس حيال
ذلك؟"، ومن ثم فهى تُعيد صياغة المقاربات الصحفية التقليدية للإبلاغ عن المشكلات
الاجتماعية لأنها تسعى إلى إشراك القراء والجمهور، وتقديم مخطط للتغيير، وتغيير لهجة
الخطاب العام.
وعندما قام
صحفيون في صحيفة "سان دييجو يونيون تريبيون" San Diego Union-Tribune الأمريكية بتخصيص عمود موجه نحو الحلول أشاروا فيه إلى تعريف التغطية الخاصة
بهم كطريقة "لإبراز الناس الذين يحدثون فرقًا في مجتمعهم، ويجب أن تكون مساهماتهم
طَوْعية ومستمرة، ولها سجلٌ حافل بالإنجازات. وثمة عمود آخر، شارك في كتابته أحد مؤسسي
شبكة صحافة الحلول يتناول المبادرات الإبداعية التي يمكن أن تخبرنا عن الفرق بين النجاح
والفشل.
وقد تم استخدم
مصطلح صحافة الحلول من قِبَل الممارسين منذ التسعينات، ففي عام 1998 نشرت مجلة
"كولومبيا ريفيو" Columbia
Journalism Review مقالًا بعنوان "صعود صحافة الحلول"، وهى ليست المرة الأولى التي
يكتب فيها محررو الصحف عن الحلول، لكنها كانت من أوائل المرات التي كُتبت فيها فكرة
صحافة الحلول وعُرِفت بأنها "الإبلاغ عن الجهود التي يبدو أنها تنجح في حل مشكلات
اجتماعية معينة"، وبَيّن المقال أن عديدًا من المراسلين قد قرروا البدء في إعداد
التقارير حول ما تم عمله لحل مشكلات مثل الجريمة وتعاطي المخدرات، إلا أن هذه الممارسة
لم يتم إضفاء الطابع الرسمي عليها إلا مؤخرًا من قِبَل مؤسسات مثل الاتحادات الفرنسية
"Reporters d 'Espoirs" أو شبكة "سبارك نيوز" Sparknews أو "شبكة صحافة الحلول" Solution Journalism Network بوجه خاص، وهى منظمة مستقلة غير ربحية تأسست في عام 2013 كانت
صاحبة الدور الأكبر في ذيوع وانتشار هذا النهج، حيث قدمت تدريبات للصحفيين في أكثر
من 80 غرفة أخبار حول كيفية الإبلاغ بفعالية عن القصص التي تركز على الحلول في
التقارير التي تتناول الاستجابات للمشكلات الاجتماعية.
وقد تم اعتماد
صحافة الحلول بشكل متزايد من قبل الصحف الكبرى، والتي تكرس أعمدة كاملة للقصص التي
تركز على الحلول (كما فيHuffPost's Impact ، The
New York Times 'Fixes أو The Guardian's Half
Full sections). وفي الآونة
الأخيرة ، بدأت هيئة الإذاعة البريطانية مساعيها الخاصة لتقديم تقارير أكثر اتجاهًا
نحو الحلول، لأن الفكرة الأساسية لـ "بي بي سي نيوز" هى أن ترسم صورة كاملة
وتقدم قصصَ العالم بشكل أكثر دقة؛ وتُطلق على نفسها الصحافة التي تركز على الحلول،
هذا النهج "يؤكد على "كيف"؛ كيف يتم حل المشكلات؟ وكيف تعمل الحلول؟
".
خامسًا- خصائص
صحافة الحلول وتطبيقاتها
ترى د.
رحاب محمد أنور مدرس الصحافة بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة المنيا في دراستها الضافية
بعنوان: "محددات صحافة الحلول في المواقع الإخبارية الإلكترونية وانعكاساتها
على القائم بالاتصال والجمهور" أن صحافة الحلول تعد حركة إصلاح صحفي هدفها
الأساسي هو إلهام الصحفيين للإبلاغ عن الحلول الممكنة للمشكلات المجتمعية بدلًا من
الوقوف عند مرحلة الإبلاغ كما تفعل معظم الصحافة التقليدية التي تكتفي بالإشارة
إلى أن بعض المشكلات موجودة ويجب معالجتها، وبالتالي تمثل صحافة الحلول إعادة
توجيه أساسية لماهية الصحافة، فبدلًا من تصور الصحافة كوسيلة لتسليط الضوء على المشكلات،
فإنه يتصور الصحافة كوسيلة لاستكشاف الحلول.
ويؤكد
البعض أن صحافة الحلول من النماذج التي يمكن أن تساعد كليات ومعاهد الصحافة
والإعلام على إعادة تنشيط المناهج الدراسية لتناسب الصناعة المتغيرة. ويذكر ديفيد بورنشتاين
David Bornstein الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشبكة صحافة الحلول أن هناك
ثلاثة أسباب وراء ذيوع وصعود صحافة الحلول، وهى انتشار رواد الأعمال الاجتماعيين والمنظمات
الأخرى التي تخفف بدورها من حدة الأمراض الاجتماعية، وانفجار المعلومات عبر الإنترنت
التي توفر بدائل للأخبار السلبية لوسائل الإعلام السائدة، ورغبة الصحفيين في تغطية
التغيير الاجتماعي الإيجابي.
وتتميز
صحافة الحلول بعدة خصائص على النحو التالي:
Ø
لا بد أن تكون الحلول المتناولة في القصة في سياق
المشكلة وتسعى لمعالجتها وليست بعيدة عنها.
Ø
صحافة الحلول مثل الصحافة التقليدية، تدور حول موضوع معين
وتقدم معلومات مفيدة بشأنه، فهى يجب أن تتضمن بعض الشخصيات التي تواجه عددًا من
التحديات، كما تتناول خبراتهم ونجاحهم وفشلهم، مع مراعاة أن تكون مرتبطة بوضع حلول
للمشكلات.
Ø
صحافة الحلول تدور حول فكرة ما، يتم تحديد أبعادها للعمل
على تدعيمها حيثما أمكن ذلك من خلال حجة قوية، وفيما يتعلق بالأفكار الناشئة ربما
يكون الدليل الوحيد هو المشاهدون الموثوق بهم، فيعد هذا مفتاح تسلسل القصة أو
التقرير.
Ø
من أفضل المجالات التي تسعى صحافة الحلول لتناولها
المجال الاجتماعي، مع مراعاة أن كل استجابة وحل يتضمن محاذير وقيود ومخاطر، وأن صحافة
الحلول الفعالة هي التي لا يشوبها الخلل في تناول الموضوعات.
Ø
أن صحافة الحلول لم تتبن نماذج أو أفكار بعينها، ولكن
يسعي الصحفيون من خلالها إلى البحث والتنقيب عن الحلول الممكنة عبر تحليل الأفكار
واتخاذ الأساليب الملائمة لكل موقف، فهي ليست مدفوعة بأجندة ما أو اتجاه محدد.
Ø
هناك فرق واضح بين صحافة الحلول و بين الأخبار السارة
"Good News"، حيث تميل القصص السارة إلى الاحتفالات والأفعال والموضوعات
الملهمة، أما صحافة الحلول تتعلق بأفكار تسعى من خلالها إلى جعل الأفراد يواصلون
العمل، ومتابعة الآثار المترتبة على ذلك.
وقد شبه الباحثون
النهج الذي يتبعونه في صحافة الحلول بأنواع أخرى من الصحافة فذكروا أنها تقع ضمن فئة
مماثلة تسمى الصحافة البنّاءة، والتي"تنطوي على تطبيق ميكانيزمات علم النفس الإيجابي
للعمل الإخباري في محاولة لخلق قصص أكثر إنتاجية وجاذبية مع الاحتفاظ بالوظائف الأساسية
للصحافة"، وكذلك تتشابه مع صحافة السلام ، والصحافة المدنية ، والسرد التصالحي،
وصحافة الدعوة؛ فصحافة السلام هي التي تشجع مبادرات السلام مقابل ما هو متصور من
التحيز الإعلامي تجاه العنف، والصحافة المدنية تشجع المشاركة الديمقراطية من خلال إعطاء
الصحفيين علاقة مباشرة مع المواطنين، و السرد التصالحي يشجع على تغطية عملية الاستعادة
والترميم بعد فترة طويلة من المآسي ذات التأثير الكبير، وبالتالي فهي تشترك مع هذه
الأنواع في هدف مشترك هو تحسين المجتمع، الأمر الذي يتطلب من الصحفي أن يلعب دورًا
أكثر نشاطًا في الإبلاغ عن القصة.
وقد رأى
صحفيو صحافة الحلول نجاحًا لقصصهم؛ وشَهِدوا بوجود تغير اجتماعي حقيقي ناتج عن
تغطية الحلول، إضافة إلى أن تبني هذا الأسلوب الجديد في التغطية رفع معدلات توزيع
الصحف المطبوعة، وجاء هذا التغيير الإيجابي من منطلق أن الأخبار القائمة على
الحلول تتضمن أساسًا معلومات عن حل لمشكلة ما، وبما أن معلومات صحافة الحلول أصلها
الإيجابية لا الصراع الذي هو أساس الإعلام الصادم الذي يتضمن تفاصيل مزعجة، فمن
المنطقي إذن أن الأخبار القائمة على الحلول قد تثير مشاعر إيجابية لدى المستهلكين
أكثر من الإعلام الصادم.
وتوصلت
نتائج الدراسة التحليلية للدكتورة رحاب أنور، والتي طُبقت على قصص صحافة الحلول في
موقع "مصراوي" خلال عام 2018 إلى أن الموقع التزم إلى حدٍ كبير جدًا
بالسمات الرئيسية لصحافة الحلول كما هي في الصحف الغربية، حيث كانت أبرز سمات
القصص المعتمدة على الحلول أنها جميعًا تناولت أسباب المشكلة التي عرضت لها الحل،
وكلها بلا استثناء تناولت بالشرح الاستجابة للمشكلة أو الحل، والغالبية العظمى
منها شرحت تفاصيل حل المشكلة، وأن غالبية القصص المعتمدة على الحلول احتوت على
رؤية أو درس قابل للتعلم، وكل القصص دون استثناء ركزت في المقام الأول على كيفية
تنفيذ الحل وليس الثناء على الحل أو تعظيمه، و كل القصص المعتمدة على الحلول أعطت
اهتمامًا بالاستجابة أو الحلول التي قدمها المواطنون، دون توجيه الاهتمام للأفراد
الذين قدموا هذه المبادرات.
وأجمع المحررون الصحفيون المصريون أن السبب
الرئيس وراء اهتمامهم بصحافة الحلول إنما يرجع إلى رغبتهم الشخصية فى تقديم أخبار
إيجابية ونماذج ملهمة وسط أحداث سيئة موجودة على الساحة، وأكدّوا أن مشاركتهم فى
إجراء هذا النوع من الصحافة كان له تأثيره الإيجابي عليهم وعلى شعورهم بالسعادة
والتفاؤل، واتفق غالبيتهم على أن لصحافة الحلول تأثير على شعورهم بالرضا الوظيفي
فهم يرون أن مجال الصحافة مرهق ومحبط ويعانون فيه من عدة أمور سلبية ولكن شعورهم
بإحداث تغيير إيجابي في حياة غيرهم يشعرهم بقيمة عملهم ويزيد رضاهم عن مهنتهم.
وأجمع
المبحوثون على شعورهم بالتفاؤل بعد قراءتهم لهذه القصص المعتمدة على الحلول، وعلى
زيادة معرفتهم حول القضية. وأجمع المبحوثون على أن قراءتهم لقصص صحافة الحلول زادت
من رغبتهم فى قراءة قصص مشابهة، وهو ما يتفق مع ما تفترضه نظرية إدارة المزاج Mood Management من أننا نسعى جميعًا إلى تحقيق
المزاج الإيجابي والحفاظ عليه، لذلك يتجه الجمهور إلى قراءة قصص مشابهة من شأنها
أن تبعث في نفوسهم التفاؤل والأمل وبالتالي تحقق لهم المزاج الإيجابي.
وانتهت
الدراسة إلى عدد من التوصيات أهمها تخصيص صفحة أسبوعية أو نصف شهرية في كل صحيفة
تتناول المبادرات المختلفة للأفراد للحث على العمل وبث الأمل في نفوس القراء،
ومحاولة تطبيق نهج صحافة الحلول في الصحافة الإقليمية بشكل خاص من شأنه أن يساهم
في الترويج لهذه الصحافة فإذا وجد القاريء في هذه الصحف ما يفيده ويساهم في حل
مشكلاته من المؤكد أنه سيتسع انتشارها، أيضًا واجب هذه الصحف تبني ودعم أصحاب
المبادرات من خلال النشر عنهم وهو الأمر الذي قد يجعلهم أكثر حبًا لصحفهم وأكثر
حرصًا على شرائها، وتكليف المحررين الصحفيين بمختلف الأقسام بعمل موضوعات صحافة
الحلول بالتبادل وعدم الاقتصار على قسم معين يتولى إجراء مثل هذه الموضوعات.
سادسًا- تبني مفهوم
جديد لصحافة البيانات
منذ وقت
ليس ببعيد، كان من الصعب أن يصل الصحفيون إلى قواعد البيانات إلا بشِقِ الأنفس،
وفي كثير من الأحيان يقوم الصحفيون باتباع طرقٍ تقليدية لتجميع البيانات بأنفسهم
من سجلات ورقية، لكن مع انتشار الإنترنت وتوغلها في أركان العمل الصحفي تغيرت
قواعد اللعبة. فنحن نعيش الآن في ذروة العصر الرقمي حيث تتراكم فيه البيانات لحظيًا
أكثر من أي وقت مضى، إلى درجة جعلت البعض يطلق على البيانات مصطلح «النفط الجديد»
لكون النفط متاحًا ما دمنا ننقب عنه، البيانات كذلك متاحة إذا ما سعينا للوصول
إليها، لتبقى النُدرة مسألةً نسبية.
وفي
الواقع تزداد قوة العلاقة بين البيانات والصحافة في جميع أنحاء العالم؛ ففي عصر
البيانات المكثفة تكمن الأهمية المتزايدة لصحافة البيانات في قدرة ممارسيها على
إيجاد المضمون ووضوح الرؤية، وربما يكون الأهم هو إيجاد الحقيقة من بين الكم
الهائل للبيانات في العالم. وهذا لا يعني أن وسائل الإعلام ليس لها دورٌ أساسي
اليوم، بل بالعكس تمامًا ففي عصر المعلومات نحتاج للصحفيين أكثر من ذي قبل للإشراف
علي المعلومات والتحقق منها وتحليلها والجمع بينها. وفي هذا السياق نجد لصحافة
البيانات أهميةً قصوى في المجتمع.
وقد أكدت
الدراسات التي تناولت التصميم والإخراج أن من أهم وسائل جذب القرَّاء إلى مواقع
الصحف الإلكترونية والتأثير على العملية الإدراكية لديهم جودة الأساليب الإخراجية
التى تقدمها هذه المواقع، بالإضافة إلى أشكال تقديم الأخبار ومدى اعتمادها على الصور
والرسوم والوسائط المتعددة؛ فالنص الصحفي المصاحب بالرسوم المتحركة أفضل من النص
الذي يظهر بالأسود دون صور أو رسوم، وكذلك الأخبار إذا صُممت بشكلٍ متحرك تجمع بين
العناصر التفاعلية المختلفة؛ مثل الصورة والفيديو يزيد من العملية الإدراكية
للمعلومات المقدمة، كما أن الرسوم الصحفية تقف جنبا إلى جنب مع الحروف، سواء حروف
المتن أو العناوين في نقل الرسالة الإعلامية إلى القراء.
والآن
ينتشر بين الصحفيين مفهوم خاطئ مفاده أن الصحافة الإلكترونية هي صاحبة السبق في
استخدام "صحافة البيانات"، لكن أرشيف الصحف المصرية والعالمية تحمل
تاريخًا لافتًا في استخدام "الإنفوجراف" والرسوم التوضيحية المعلوماتية
الجاذبة للانتباه لتوصيل المعلومات للقارئ دون استخدام الكثير من الكلمات.
لكن
الأشكال البيانية التقليدية- كالدوائر أو الأعمدة البيانية أو الرسم البياني
الخطي- تتناسب أكثر مع الصحف أو المجلات المطبوعة، نظرًا لافتقار وسائل الإعلام
المطبوعة إلى التفاعل مع القارئ. لكن إذا أردنا أن نستخدم تلك الأشكال البيانية في
المواقع الإخبارية أو حتى في المدوّنات الشخصية فمن الأفضل أن نضيف إليها الجانب
التفاعلي الذي يتيح للمتصّفح اكتشاف المزيد من المعلومات، دون الخروج عن سياق
التصميم أو جعل الصورة مزدحمة بالمعلومات.
ومن الملاحظ
ان الصحافة الإلكترونية وصحافة المواطن وشبكات التواصل الاجتماعي أدت إلى تطور
سريع في مجال النشر الصحفي، وخلقت جيلاً جديدًا من القرّاء يسعى وراء أبسط وأسرع
وسيلة لإيجاد الخبر، ونتيجة لتلك السرعة في إيقاع الحياة عمومًا وفي عملية نقل
الأخبار، بالإضافة لتسارع الأحداث نفسها، اتسم القارئ المستخدم للصحافة
الإلكترونية بمختلف أشكالها بالملل. ولم يعد يطيق قراءة موضوع تصل كلماته إلى 700
كلمة أو أكثر. ولم يعد "سحر الكلمات" جاذبًا له كما
كان في الماضي، وأصبح يسعى وراء الجديد سواء في شكل المادة المعلوماتية المقدمة أو
المضمون وأيضًا بدأ يعزف عن ارتياد المواقع الإخبارية التي اعتاد عليها، نظرًا لما
تقدمه شبكات التواصل الاجتماعي من تغطية
سريعه للخبر.
ولذلك
ظهرت "صحافة البيانات" التي تعد أحد الأشكال الصحفية التي انتشرت في
المواقع الإلكترونية كمحاولة لجذب القارئ وكوسيلة للمنافسة بين الوسائل الإعلامية. ومن هنا نجد أنفسنا أمام شكلٍ جديد من الصحافة بدأ ينتشر بشكل ملحوظ فى
المواقع الالكترونية وإن اختلفت درجة الاهتمام به من موقع لآخر. ولكن تبقى صحافة
البيانات نوعًا من الصحافة يتميز بقدرته على جذب عدد كبير من القراء من خلال تبسيط
المعلومات والأرقام وتقديمها فى أشكال بصرية تفاعلية، لذلك أصبحت الحاجة ماسة إلى
دراسة هذا المجال الجديد للتعرف على أهم تطبيقاته بالإضافة إلى البرامج والأدوات
المستخدمة فى إنتاج الموضوعات المتعلقة به، وكذلك رصد الدور الذى تمارسه صحافة
البيانات في تسهيل عملية استيعاب وتحليل الأرقام والإحصاءات التي تحتوي عليها
القصة الصحفية، ورصد المهارات والمتطلبات التي يحتاجها القائم بالاتصال الذي يعمل
في مجال صحافة البيانات بالإضافة إلى التحديات التي تواجهه.
في هذا
الإطار جاءت رسالة الباحثة دينا طارق محمود المعيدة بقسم الصحافة بكلية الإعلام
جامعة القاهرة وعنوانها: "مُحدِّدات توظيف صحافة البيانات في المواقع
الإخبارية المصرية والعالمية: دراسة للمضمون والقائم بالاتصال"، والتي أشرفتُ
عليها ونوقشت مؤخرًا.
اهتمت
الرسالة بواحدة من أهم الظواهر الصحفية التى أدت إلى تغيير كبير فى الممارسات
الصحفية وطرق عرض القصة الصحفية وهى "صحافة البيانات"، والتى ظهرت بفضل
الكم الهائل من البيانات المتاح الآن عبر شبكة الإنترنت وكذلك نتيجة لتزايد قدرة
الصحفى على الوصول للوثائق وقواعد البيانات المختلفة، وهنا أصبح التحدى الأكبر
أمام الصحفى متمثلاً فى كيفية استغلال هذه البيانات لتقديم قصة صحفية شيقة تحتوى
على حجم كبير من البيانات يسهل على القارئ الحصول عليه واكتشافه من خلال طرق العرض
البصرية التى يعتمد عليها الصحفى فى رواية القصة.
والآن
يتصاعد الوعي بأهمية صحافة البيانات في العالم أجمع يوما بعد يوم، وأصبحت صحافة
البيانات هى حاجة ملحة لدى المؤسسات الصحفية التي تريد البقاء في واجهة المشهد وأن
يستمر تأثيرها في الرأي العام، خاصة مع تحرك صناعة الإعلام بوتيرة سريعة واستمرار
ظهور أساليب جديدة لرواية القصص الخبرية والاستفادة من أسلوب السرد القصصي وعرض
المحتوى.
وقد
استهدفت هذه الدراسة رصد واقع صحافة البيانات فى مصر بشكلٍ عام، وبحث كيفية توظيف
صحافة البيانات بالمواقع الإخبارية المصرية بالمقارنة بالمواقع العالمية بشكلٍ
خاص، والوقوف على الاختلافات في تقديم القصص الصحفية المدعمة بالبيانات بمصر
والعالم سواء من خلال حجم البيانات المستخدمة أو مصادرها أو طرق عرضها، بالإضافة
إلى التعرف على أهم البرامج والأدوات التي تعتمد عليها المواقع الإخبارية المصرية
في تقديم قصص صحافة البيانات، كذلك اهتمت الدراسة باكتشاف أهم المهارات والمتطلبات
التي يحتاجها الصحفى ومصمم البيانات علاوة على التحديات التي تواجهها، كما سعت
الدراسة لرصد دور الإدارة فى المؤسسات الصحفية المصرية في تدعيم صحافة البيانات
والعاملين بها من خلال توفير المناخ المناسب لنشر هذا المجال الجديد وتطويره.
وقد عرضت الدراسة فى جانبها النظرى لنشأة ومفهوم صحافة البيانات وكذلك أهم عناصر فريق العمل والمهارات التى يحتاجونها، بالإضافة إلى مراحل إعداد قصة صحفية مدعومة بالبيانات بداية من جمع البيانات والتحقق منها مرورًا بتحليلها ثم عرضها فى شكلٍ بصرى جذاب يمكن القارئ من اكتشاف البيانات بسهولة، واهتمت الباحثة بعرض أهم النماذج الرائدة فى صحافة البيانات والتى تمثلت فى كل من "الجارديان" البريطانية و"نيويورك تايمز" الأمريكية وهما من أولى الصحف التي اهتمت بتطبيق صحافة البيانات في العالم.