ارتدادات التوغل... الاحتجاجات الأفغانية في مواجهة التدخل الإيراني في كابول
عملت إيران منذ قيام الثورة الإسلامية في عام 1979 الأمر
الذي تزامن مع الغزو السوفيتي لكابول على تعميق وزيادة نفوذها في أفغانستان عبر
الأقلية الشيعية هناك و التي لا تتجاوز نسبتها 13%؛ حيث لجأ أكثر مليوني مواطن أفغاني إلي إيران هربًا من القوت
السوفيتية و الحرب التي اجتاحت بلادهم، مما اتاح الفرصة للنظام الإيرانى للتدخل في
شئونهم الداخلية فيما بعد، فضلاً عن استغلال النظام الإيرانى لوجود الأفغان على
أراضيه و العمل على تسليحهم و ارسالهم إلي أفغانستان لتشكيل ميليشيات تابعة لطهران
تعمل على تحقيق أهداف سياستها الخارجية، الأمر الذي ساهم في تعميق نفوذها في دول
الشرق الأوسط.
وعليه، تصاعدت احتجاجات عنيفة في افغانستان على خلفية
التدخل الإيرانى في شؤونهم الداخلية؛ على خلفية عودة ميليشيا "فاطميون" الشيعية
من سوريا و دعم طهران لحركة طالبان "السنية"؛ الأمر الذي يبدو أن عقد
هذه الميليشيات بدأت في التفكك و بدأت في التفكير بالعودة إلي أفغانستان مرة أخري،
في خلايا أصغر ستمثل بؤر لطهران في مناطق مختلفة؛ حيث ترغب طهران في أن يكون لواء
فاطميون بمثابة جيش إيراني في افغانستان، كما تحاول طهران دعم جماعة طالبان السنية
لتكون وسيلة لصد النفوذ الأمريكي في المنطقة.
أولاً-
جذور العلاقات الإيرانية الأفغانية
أشار بعض
الباحثين إلي أن النفوذ الإيراني في أفغانستان يختلف عن رغبتها في فرض هيمنتها على
بعض دول الشرق الأوسط؛ حيث تمتلك طهران مصالح بعينها تسعى لحمايتها في كابول مثل تأمين
حدودها الشرقية، الحفاظ على تدفق المياه من أفغانستان، التصدي لتجارة المخدرات والتعامل
مع أعداد كبيرة من اللاجئين الأفغان على أراضيها. و كانت إيران من الدول الحريصة
بشدة على منع انتصار طالبان التام في أفغانستان، وعارضت الوجود الأمريكي طويل
الأمد فيها، فضلاً عن أنها كانت القوة الإقليمية الوحيدة التي عارضت بشدة اتفاقية الأمن
الثنائي (BSA)للتفاوض بين كابول وواشنطن(1).
يتوازى ذلك، مع مساعدة إيران في التحريض على التحالف العسكري
الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في افغانستان؛ حيث تم استخدم قوى التحالف الشمالي
للإطاحة بنظام طالبان في نوفمبر 2001. و على الرغم من أن الوجود الأمريكي الموسع في
أفغانستان لم يضر بالمصالح الإيرانية كثيراً، و لكن النفوذ الباكستاني والسعودي المتنامي
في كابول أزعجهم أكثر.
كما شعر المسؤولون
الإيرانيون بالقلق إزاء محاولات باكستان المتكررة قبل وبعد الغزو السوفيتي في عام
1979 لتثبيت الحكومات التي يهيمن عليها جماعة البشتون في كابول؛ حيث تعتمد باكستان
على المساعدات المقدمة من المملكة العربية السعودية بهدف العمل على تحقيق المصالح السعودية
في المنطقة من خلال رعاية الجماعات السلفية، وتقديم الدعم السري للمتمردين العاملين
في مقاطعة سيستان وبلوشستان الإيرانية، وربما الأهم من ذلك يتمثل في إثارة الفصائل
المعادية لإيران داخل طالبان. فعلى خلفية هجمات عام 1998 في مزار الشريف، قام المسلحون
السنة بضرب أهداف إيرانية في أفغانستان ويمكنهم فعل ذلك مرة أخرى إذا تم توجيههم(2).
ثانيًا-
أليات النفوذ الإيرانى في أفغانستان
تمتلك طهران عدة أليات و وسائل مكنتها من تعميق نفوذها
في افغانستان منذ الغزو السوفيتي في عام 1979 و الحرب الأمريكية في عام 2001؛
الأمر الذي تمثل في العامل الثقافي الذي يتمحور بصورة كبيرة حول الثقافة و اللغة
المشتركة، و دعم طهران للجماعات الشيعية الموجودة هناك مثل جماعة الهزارة
الأفغانية، و لطالما اعتادت طهران على تقوية علاقاتها مع دول جوارها عبر العامل
الاقتصادي الذي يعد بمثابة عنصر محايد تلجأ اليه الدول لجعل عملية خروجها من دولة
ما صعبة الفكاك.
1- العامل
الثقافي و الديني
ركزت إيران مصالحها في أفغانستان على
بعض النواحي الثقافية و الدينية؛ حيث تمحورت جهودها حول تمكين الناطقين باللغة الفارسية في البلاد وحماية
الشيعة الأفغان - خمس الأفغان من الشيعة - الذين تعرضوا في السنوات الأخيرة لهجمات
مروعة من قبل المسلحين السُنة، بما في ذلك من قبل ما يعرف بالدولة الإسلامية في
العراق و الشام (داعش). كما تعد اللغة الفارسية لغة رسمية لكل من طهران و كابول، و
يهوى الإيرانيون و الأفغان نفس النوع من المادة الأدبية، التلفزيون والموسيقى.
في السياق ذاته، شكلت الهوية
الدينية المشتركة رابطًا مهمًا آخر عبر الحدود، و استثمرت كل من الملكية الإيرانية قبل الثورة والجمهورية
الإسلامية بكثافة في المجتمع الشيعي الأفغاني من خلال تمويل المساجد، الجامعات و المؤسسات
الخيرية عبر جماعة الهزارة التي تشكل غالبية
الشيعة في أفغانستان، فعلى الرغم من
اندماج تلك المجموعة في جماعة شيعية تدعى (حزب الوحدة الإسلامية في أفغانستان)، لكنها
كانت صغيرة نسبيًا مقارنة بجماعات المجاهدين السنة المدعومين من باكستان، المملكة العربية
السعودية و الولايات المتحدة الأمريكية(3).
2- العامل
الاقتصادي
اتبعت طهران سياسة جديدة تجاه جارتها الغربية افغانستان بداية
من عام 2001 تهدف إلي خلق حالة من الاستقرار، الأمر الذي تمثل في تقديم طهران أكثر
من 500 مليون دولار كمساعدات اقتصادية إلى كابول، وتم إنفاق معظم هذا المبلغ على الطرق،
البنية التحتية للطاقة و إنشاء الجهات التعليمية مثل المدارس و الجامعات. وتعد
إيران واحدة من أكبر شركاء أفغانستان التجاريين؛ حيث وصل معدل التبادل التجاري بين
البلدين ما يقرب من 1.98 مليار دولار من مارس 2017 الى مارس 2018، مما يشكل 22 %من
القدرة المالية للسوق الافغانية التي تبلغ 11 مليار دولار، و على الرغم من هذا الرقم
لا يبدو كبيرًا بالمعايير الأمريكية، إلا أنه يوضح وجود علاقة اقتصادية عميقة بين
كل من إيران وأفغانستان.
فعلى الرغم من أن العلاقات
التجارية بين البلدين غير متوازنة أي يميل الميزان التجاري لصالح إيران في مقابل
أفغانستان التي تعانى من ضعف القاعدة الاقتصادية والصناعية، إلا أن ايران تصدر المنتجات
الغذائية، الأدوية والأسمنت إلي كابول التي تعتمد اعتماداً كبيراً على طهران في سد
احتياجاتها من النفط والوقود. و لكن بطريقة غير مباشرة تعود العلاقات الإيرانية
الأفغانية القوية تجاريًا بالنفع على كابول أيضًا؛ حيث تساعد إيران القوى الإقليمية
الأخرى مثل الهند على تطوير أفغانستان؛ حيث نيودلهي في تجاوز باكستان وبناء علاقات
أفضل مع أفغانستان، وكابول تريد تنويع طرق التجارة في البلاد وتصبح أقل اعتماداً على
باكستان، فضلاً عن أن تعاون إيران مع الهند يساعد طهران على تقليل عزلتها الدولية
و تعزيز نفوذها الإقليمي(4).
ثالثًا-
محفزات الاحتجاجات الأفغانية في مواجهة التدخل الإيرانى
سادت أجواء من القلق داخل الأوساط السياسية الأفغانية بسبب
تدخل إيران في شؤونهم من خلال محورين؛ يرتبط الأول بعودة ميليشيا فاطميون "الشيعية"
من سوريا والثاني حول دعم طهران لحركة طالبان "السنية" الأمر الذي يؤكد بأن
النظام الإيراني يحاول احتكار أي ورقة ممكنة بغض النظر عن المذهب، الدين و القومية
في إطار خدمة مصالحه في أفغانستان، الأمر
الذي أدي إلي تنظيم مجموعة من الشباب الأفغان تظاهرات ضخمة في مدينة هيرات على الحدود
مع محافظة خراسان الإيرانية. و تركزت أبرز الشعارات التي نادى بها المحتجين حول
اتهام السلطات الإيرانية بدعم بعض الجماعات الإرهابية من قبيل حركة طالبان ولواء فاطميون،
فضلاً عن دعوة إيران للحد من مساعيها الهادفة للاستفراد بالسيطرة على مصادر المياه
الحدودية بين البلدين في الأراضي الأفغانية.
يتوازى ذلك، مع إشارة بعض المتظاهرين إلي أن استغلال السلطات الإيرانية حركة طالبان و لواء فاطميون ينبأ بإمكانية تحول كابول إلي سوريا جديدة، سيما بعد أن قام النظام الإيرانى بتوطين العناصر التابعة لجيش فاطميون في المناطق الغربية على الحدود مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتحقيق أهداف سياسية و استخباراتية؛ حيث تحاول طهران الاستفادة من هذه العناصر في حربها بالوكالة المتواصلة في الكثير من العواصم العربية مثل سوريا، العراق و لبنان(5).
الهوامش
1. Alireza Nader, Iran and Afghanistan: A
Complicated Relationship, RAND Corporation, 2014, available at:
2.
Mahan Abedin, How Iran Found Its Feet in
Afghanistan :Tehran Learns to Talk to the Taliban, Foreign Affairs, October 24, 2019, available at:
https://www.foreignaffairs.com/articles/afghanistan/2019-10-24/how-iran-found-its-feet-afghanistan
3. Annalisa Perteghella, Kabul and
Tehran: a Complex Relationship,
18/10/2018, international institute for international political studies,
available at:
https://www.ispionline.it/en/pubblicazione/kabul-and-tehran-complex-relationship-21461.
4. Alireza Nader, Iran’s Influence in Afghanistan
Implications for the U.S. Drawdown, op.cit, pp. 11-12.
5. محتجون أفغان لإيران: لن نقبل بتحويل بلادنا لسوريا أخرى، 14/12/2019، العربية. نت، متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/KrwWGz6 .