إعادة المواجهة .. القمة الخليجية محددات التوافق والخلاف والرؤية المستقبلية
انعقدت في العاصمة السعودية الرياض في 10 ديسمبر 2019، القمة
الأربعين لدول مجلس التعاون الخليجي، وتستضيف المملكة العربية السعودية القمة التي
سبق لها الرياض أن استضافت الاجتماعات الخليجية 8 مرات في ظل وجود عدة مؤشرات
تتعلق بانفراج محتمل فيما يتعلق بالأزمة الخليجية، حيث أعلن وزير الخارجية القطري محمد
بن عبد الرحمن آل ثاني عن مفاوضات بين بلاده والسعودية فيما يتعلق بالأزمة وطرق
تسويتها، وفي هذا الإطار تم توجيه دعوة من جانب العاهل السعودي الملك سلمان بعد عبد
العزيز، لأمير قطر الشيخ تميم بين حمد بن خليفة آل ثاني، للمشاركة في القمة، بجانب
ذلك أعرب نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله، حسبما نقلت وكالة الأنباء الكويتية
كونا، إن ھناك مؤشرات إيجابية لـ"طي صفحة الخلاف بين الأشقاء، وأشار إلى
الدور الذي تضطلع بلاده بدور الوساطة في الأزمة الخليجية، إلى أن اجتماع أبناء الخليج
في بطولة (خلیجي 24) في الدوحة، بالإضافة إلى القمة ھو حتمًا مؤشر إیجابي، وعلى
الرغم من ذلك فسوف يترأس رئيس الوزراء القطري عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، وفد
بلاده في اجتماع القمة الـ40 لدول مجلس التعاون الخليجي.
وخلال الجلسة التحضرية تم التباحث من جانب وزراء خارجية مجلس
التعاون الخليجي الموضوعات المدرجة على جدول أعمال الدورة التحضيرية، بما في ذلك تقرير
الأمانة العامة حول ما تم تنفيذه بشأن قرارات المجلس الأعلى، والمجلس الوزاري، وما
تم إنجازه في إطار تحقيق التكامل والتعاون في مسيرة العمل الخليجي المشترك، بالإضافة
إلى التقارير والتوصيات المرفوعة من قبل المجالس المختصة واللجان الوزارية والأمانة
العامة تحضيرًا لرفعها إلى الدورة الأربعين للتوجيه بشأنها.
وتطرقت القمة إلى مناقشة عدد من الموضوعات والقضايا في مختلف
المجالات السياسية والدفاعية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب طرح التطورات
السياسية الإقليمية والدولية وانعكاس الأوضاع الأمنية في المنطقة على دول المجلس.
أبرز
الملفات المطروحة
إن عملية الديمومة فيما يتعلق بانتظام عقد القمم الخليجية
يمثل شاهدًاعلى حفاظ قادة دول المجلس على منظومة مجلس التعاون، التي أكدت الأيام والأحداث
بأنها منظومة متماسكة قادرة على تجاوز الصعوبات والتحديات، ومواصلة تحقيق الإنجازات
التكاملية وفق الأهداف السامية لمجلس التعاون، رغم وجود بعض المعوقات والتحديات
سواء بين دول المجلس أو تلك الإقليمية والدولية، إضافة إلى أن تولي السعودية رئاسة
مجموعة (العشرين) G20، يعكس المكانة الاقتصادية الرفيعة التي تتبوأها المملكة بين دول العالم،
والدور البناء الذي تقوم به في دعم ومساندة قضايا الدول النامية، وقضايا دول المنطقة،
والعمل على الإسهام في إعادة الاقتصاد العالمي إلى النمو وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وفي هذا الإطار عبر الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج
العربية عبد اللطيف الزياني عن أمله في أن تسفر قرارات قمة قادة دول المجلس عن دفع
مسيرة العمل الخليجي المشترك قدمًا إلى الأمام، وتحقيق تطلعات وآمال مواطني دول المجلس
نحو مزيد من الترابط والتعاون والتكامل، مضيفًا أن جدول أعمال القمة الخليجية الأربعين
حافل بالعديد من الموضوعات التي من شأنها تعزيز مسيرة العمل الخليجي المشترك في مختلف
مجالاتها السياسية والاقتصادية والدفاعية والأمنية والقانونية، بالإضافة إلى تطورات
الأوضاع في المنطقة والقضايا السياسية الراهنة والمواقف الدولية تجاهها، وأن المرحلة
المقبلة سوف تشهد تطورًا كبيرًا في تنمية علاقات مجلس التعاون مع عدد من الدول والتكتلات
العالمية، بما في ذلك استئناف مفاوضات التجارة الحرة وتعزيز الشراكات الاستراتيجية
مع الدول الصديقة، كما إن مجلس التعاون أثبت، رغم الظروف الصعبة والتحديات التي
تواجهه بأنه كيان راسخ قادر على تحقيق أهدافه وحماية إنجازاته ومصالحه، وسوف يظل دائمًا
مظلة لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام، وواحة للنمو والازدهار لخير وصالح مواطنيه والأشقاء
العرب والإنسانية جمعاء، وفيما يلي أبرز الموضوعات المطروحة:
1)
الموضوعات المتعلقة بالبيت الخليجي التي تهدف إلى تحقيق التكامل والترابط بين دوله
في جميع المجالات والحفاظ على المكتسبات التي تحققت منذ تأسيس المجلس، ومنها تأكيد
القادة على أهمية قوة وتماسك ومنعة مجلس التعاون، وتعزيز العمل الخليجي المشترك.
2)
المحيط الإقليمي والدولي؛ جاءت القمة بعد حوادث أمنية استهدفت المنطقة خلال العام 2018
مثل الهجوم على المنشآت النفطية لشركة أرامكو السعودية، والهجوم على سفن تجارية بالقرب
من سواحل الإمارات، والتهديدات الحوثية للأراضي السعودية، وتباحث القادة حول
السياسات الإيرانية وخاصة أن النظام الإيراني مستمر في سياساته العدوانية وتقويض استقرار
الدول المجاورة، ولمواجهة ذلك يتحتم على منطقة الخليج أن تتحد في مواجهة عدوانية إيران،
وعلى دول مجلس التعاون الخليجي تأمين نفسها في مواجهة هجمات الصواريخ الباليستية.
وأنه
يومًا بعد يوم تتأكد أهمية مجلس التعاون في حفظ أمن واستقرار المنطقة وتنميتها وازدهارها،
فدور المجلس محوري في صون أمن المنطقة من الاهتزازات التي تبثها إيران بين حين وآخر
في محاولات فاشلة لتوجيه المنطقة إلى العديد من الأزمات، ولكن حكمة وإدراك قادة دول
المجلس أفشلا كل المخططات الإيرانية، بل وجعلت من إيران دولة منبوذة في المجتمع الدولي
بكشف كل مخططاتها بالتدخل في الشأن العربي.
3) القضية
الفلسطينية: ناقش قادة القمة الأوضاع
الفلسطينية مؤكدين على موقف على دول المجلس الثابت والداعم لحقوق الفلسطينيين على ضوء
القرارات الدولية للحق في إقامة دولته المستقله وعاصمتها القدس الشرقية.
4) على الرغم
من انخراط دول المجلس في شأنها باهتمامها بأمنها واستقرارها وتنميتها إلا أن الشأن
العربي دائمًا ما يكون حاضرًا في بؤرة الاهتمام، فدول مجلس التعاون تعرف أنها القوة
الأكثر ثباتًا واستقرارًا، وأن عليها القيام بمسؤولياتها القومية، وهو أمر تقوم به
بالفعل على أعلى المستويات دون أن تغفل علاقاتها البينية التي هدفها المواطن الخليجي
في المقام الأول، والتي تسخر كل إمكاناتها من أجل رخائه ورفاهه وتنميته، فدول مجلس
التعاون تعمل جاهدة على تحقيقها، مذللة كل العقبات من أجل وصول التنمية الشاملة التي
نحن بصددها.
5) الأزمة
الخليجية: في 2017 أعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر مقاطعتها لقطر على خلفية
اتهامات للدوحة بتمويل جماعات إرهابية والتدخل في شؤون دول الجوار، وفي هذا الإطار
برزت العديد من الشواهد التي بدأت بتصريح نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله
بإن ھناك مؤشرات إيجابية ولكن برغم هذه الأجواء السابقة لعملية التفاوض إلا أن
وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، أعلن عن أسفه لعدم جدية
دولة قطر في إنهاء أزمتها مع الدول الأربع، وهو الأمر الذي كان واضحًا تمامًا في طريقة
تعاملها مع الدورة الأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي
انعقدت في الرياض بالمملكة العربية السعودية وسلبيتها الشديدة والمتكررة بإرسال من
ينوب عن أميرها دون أي تفويض يمكن أن يسهم في حل أزمتها.
إعلان
الرياض والأجندة الخليجية
تطرقت القمة الخليجية إلى العديد من الموضوعات سواء تلك
المتعلقة بدول المجلس أو تلك المتعلقة بالتطورات الإقليمية والدولية، وجاء إعلان
الرياض ليعبر عن التكاملية في موازنة هذه الأدوار؛ حيث أعلنت القمة في ختام أعمال قمة
المجلس الأعلى في دورته الأربعين، عن ضرورة التكامل العسكري والأمني، وتحقيق الوحدة
الاقتصادية، واستكمال متطلبات التنافسية العالمية ومنها تفعيل وتمكين الشباب وتشجيعهم
على ريادة الأعمال، وتطوير آليات العمل المشترك، إضافة إلى مواكبة التحولات المستجدة
في جميع المجالات، كما أن التحديات التي تواجهها المنطقة تبرز الأهمية القصوى لتعزيز
آليات التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي في جميع المجالات، وتحقيق أقصى مراحل التكامل
والترابط بين الشعب الخليجي الموحد وإعلاء دور منظومة المجلس في الحفاظ على الأمن والاستقرار
والرخاء في هذه المنطقة. وفيما يلي أبرز النتائج التي تبنتها القمة:
1) تعزيز
خطوات التعاون نحو التكامل العسكري الأمني وذلك عبر استكمال جميع الإجراءات اللازمة
لضمان أمن وسلامة أراضي دول المجلس ومياهها الإقليمية ومناطقها الاقتصادية، وفقًا لاتفاقية
الدفاع المشترك، وما نصت عليه رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز
بشأن تسريع خطوات التكامل العسكري وتعزيز التصنيع الحربي في دول المجلس.
2)
اعتماد مبدأ الأمن الجماعي المتكامل، والدفاع عن كيان ومقومات ومصالح دوله وأراضيها
وأجوائها ومياهها الإقليمية وعلى المبادئ التي تضمنتها اتفاقية الدفاع المشترك التي
تم إقرارها في عام 2000 من أن أمن دول المجلس وحدة لا تتجزأ وأي اعتداء على أي من الدول
الأعضاء اعتداء عليها جميعًا.
3) التأكيد
على أهمية دور المجتمع الدولي في الحفاظ على حرية الملاحة في الخليج العربي والمضايق
الدولية أمام أي تهديد، والعمل مع الدول الصديقة والشقيقة لمواجهة أي تهديدات عسكرية
أو أمنية.
4) استكمال
منظومة التشريعات والقرارات اللازمة التنفيذ لما تبقى من خطوات التكامل الاقتصادي بين
دول المجلس، بما في ذلك الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة، والتكامل المالي
والنقدي، وصولًا إلى تحقيق المواطنة الخليجية الكاملة والوحدة الاقتصادية بحلول عام
2025.
5) استكمال
متطلبات التنافسية العالمية عن طريق إرادة تكاملية تحت مظلة مجلس التعاون لصياغة أساليب
عصرية في توظيف ملفات المستقبل وتضمينها في الخطط المطروحة كافة، وفي مقدمتها استغلال
العلوم والتكنولوجيا المدعومة بالأبحاث لإيجاد حلول للتحديات المشتركة التي تواجه المنطقة.
6) تعزيز
الشراكات الاستراتيجية، التي تتطلب تعزيز علاقات التعاون والشراكة ورفع مستويات التنسيق
الاقتصادي والثقافي والأمني والسياسي مع كل الدول الشقيقة والصديقة والمنظومات الإقليمية
والدولية الفاعلة، واستكمال مفاوضات التجارة الحرة وتنفيذ خطط العمل المشترك وفق برامجها
الزمنية، بما يعود على مواطني دول المجلس بالفائدة ويعزز المكانة الدولية لمجلس التعاون،
ودوره في القضايا الإقليمية والدولية.
ختامًا: شهدت القمة الخليجية العديد من التحديات أبرزها تلك المتعلقة بتماسك البيت الخليجي الداخلي، إضافة إلى المهددات الأمنية الإقليمية والدولية التي تستهدف أمن ووحدة المجلس، وعلى الرغم من الأجواء الإيجابية التي سبقت انعقاد القمة بخصوص الأزمة الخليجية مع قطر إلا أن القمة لم تتوصل إلى إجراء خاص بهذه الأزمة، خاصة مع إبداء الجانب القطري رفضه للشروط الخليجية المتعلقة بتسوية الأزمة، ولكن في المجمل تم توحيد الجهود بصورة عامة من خلال الاتفاق حول الكثير من المبادئ التي ستنعكس بصورة إيجابية على أمن دول المجلس والمنطقة.
المراجع
1) الرياض تستضيف اليوم قمة
مجلس التعاون الخليجي وسط تفاؤل بحلحلة مع قطر، على الرابط: https://cutt.us/wg1CK
2) الملك سلمان: على منطقة
الخليج أن تتحد في مواجهة إيران، على الرابط: https://cutt.us/UxIID
3) مقالة خاصة: الرياض تحتضن
القمة الخليجية الـ40 وسط أمال متجددة بطي صفحة الخلاف ودفع مسيرة العمل المشترك،
على الرابط: http://arabic.china.org.cn/txt/2019-12/10/content_75498495.htm
4) «إعلان الرياض» يشدد على
تحقيق التكامل الخليجي، على الرابط: https://cutt.us/nATZE