التوظيف السياسي للأقليات الشيعية في الخليج لخدمة المشروع الإيراني
يعد التشيع أحد جناحي المشروع الإيراني للهيمنة على
منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة والخليج العربي خاصة، وتحقيق حلم إعادة أمجاد
الإمبراطورية الفارسية القديمة، وهو يقف بالتوازي مع التشيع المذهبي ليحقق في
النهاية منظومة محكمة دينية وسياسية وإقتصادية
تعمل على ترسيخ أقدامها، ومناطحة القوى الغربية والقوى الإقليمية التي
تحاول الإمساك بزمام الأمور، وتحقيق أهدافها في ظل معتركات ومتغيرات رئيسية عقب
تراجع ثورات الربيع العربي.
أولاً- تحولات
الإستراتيجية الإيرانية تجاه الخليج العربي في ضوء المتغيرات الإقليمية
لقد كشف الأحداث والتطورات
التي باتت تشهدها المنطقة العربية عن الحاجة في إعادة النظر في رسم إستراتيجية
جديدة في التعامل مع تلك التطورات تتلاءم مع المتغيرات الإقليمية لاسيما مع تصاعد
المكانة والنفوذ الإيراني وفق هذه التوجهات:
- إعادة
مركزية الدور الإيراني بدالة القيادة الإقليمية:
تسعى إيران إلى لعب دور
أكبر في السياسة الإقليمية بتوسيع دائرة نفوذها السياسي في المنطقة. فقد أسهم غزو
وإحتلال العراق في عام 2003 في تصاعد النفوذ الإقليمي لإيران وجعلها دولة محورية
وقوة إقليمية في ظل بيئة إقليمية غير مستقرة والسعي لإنجاز هذا الهدف، وأضحت حلقة
الوصل بين الشرق الأوسط وأسيا لما تمتع به من الإمكانات العسكرية التقليدية ونفوذ ثقافي وسياسي وإقتصادي متصاعد ومؤثر، وهي
تجيد إستخدام القوة الناعمة، أي القدرة على إستخدام السياسة والثقافة للسعي لتحقيق
مصالحها الإستراتيجية...، فضلاً عن أنها تتفوق على الغرب بإمتلاكها المعرفة
الدقيقة بالمنطقة، وإجادتها للغاتها وثقافتها، بما تملكه من علاقات تاريخية قوية.
ومن هنا رأت إيران في
نفسها على الدوام، أكثر من أي بلد آخر، المهيمن الطبيعي على جيرانها، إذ يمتلك
الإيرانيون عبر الأجيال حس التفرد بتاريخهم وعظمة حضارتهم، وقوة ما توالى على حكم
بلادهم من إمبراطوريات ملأت الدنيا وشغلت الناس...، وعلى الرغم من تقلص إمبراطوريتهم
على مر القرون، وتلاشي الثقافة الفارسية بحلول التقاليد الغربية الأكثر إغراء، إلا
إن ذلك لم يؤثر في تقدير الذات والنظرة المبالغة إلى إيران، وإيمان الإيرانيين
بالنظر إلى تاريخهم وعظمة حضارتهم، بوجوب إمتلاك بلدهم الريادة الإقليمية. ففي
ثمانينات القرن الماضي وضع محمد جواد لاريجاني إستراتيجياته لمستقبل إيران الإقليمي سميت بمشروع
الإستراتيجية الوطنية.
-
"نظرية أم القرى" ويعطي هذا المشروع لوضع إيران في العالم الإسلامي هالة
من القدسية، كما يعطي أهمية قصوى لموقع إيران الجيوبوليتكي في السياسة الخارجية من
أجل تحقيق التمدد الإقليمي، وتؤكد هذه الإستراتيجية في خطوطها العريضة على ثلاثة
عناصر رئيسية بالنسبة لإيران:
1- الحفاظ علي الطابع
الإسلامي للنظام الإيراني وعلى موقع إيران في العالم الإسلامي.
2- الدفاع عن أمن إيران.
3- التوسع إقليمياً.
ويفسر النقطة الأخيرة
بقوله "إن هذه الإستراتيجية تحتم علي إيران أن لا تحد حدودها الجغرافية من
دورها، إذ لا دولة بإستثناء إيران بإستطاعتها قيادة العالم الإسلامي وهذه لحظة
تاريخية لتحقيق ذلك، وبهذا الصدد يقول كيهان برزكار" إن حضور إيران الفعال في
القضايا "السياسة والأمنية" للخليج الفارسي والعراق والعالم العربي يزيد
من قدرة إيران في القضايا الإقليمية وفي علاقتها مع القوى الكبرى، ويضيف
"ولما كانت قضايا إيران مرتبطة بالقضايا العالمية، فإن تقوية الإقليمية
وزيادة مساحة دور إيران ونفوذها يمكنه أن يخدم أهداف التوسعة، ويدفع المخاطر
الأمنية عنها، وهذا ما أكده أيضاً محسن رضائي إنه "منذ أكثر من 300 عام لم
تتمكن أية دولة إقليمية من مواجهة القوة الإيرانية السياسية والأمنية والعسكرية في
المنطقة، وإذا أردنا أن ننظر اليوم إلى وضع المنطقة بعد هذه ال 300 عام، فإن إيران
هي صاحبة القوة الإقليمية الأولي من بين كافة الدول في المنطقة، وهذه القوة في
الإقليم من شأنها أن تمكننا من توسيع التأثير الإيراني على مستوى العالم، لتصبح
إيران هي القوة العالمية المؤثرة والفاعلة في أهم القضايا، مما يكشف عن فاعلية
القوى الإقليمية لإيران وبإعتبارها المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط.
إن تركيبة إيران الإقليمية
المتعددة يمنحها القدرة على أداء دور محوري بارز في منطقة الشرق الأوسط بإعتبارها
من أكبر الدول الإقليمية التي لها مقومات أساسية، فهي تمتلك كتلة بشرية ضخمة
وموقعاً جغرافياً إستراتيجياً وإمتداداً تاريخياً عميقاً وتأثيراً معنوياً
متواصلاً على جوارها الجغرافي، هذه المقومات دفعتها لأن تكون طرفاً في المعادلات
الإقليمية.
وهذا التأثير الذي تتمتع
به إيران لبلوغ مرتبة القوة الإقليمية الرئيسية يمكن الإستناد إليه في تفسير
التطور الذي شهدته التهديدات الإيرانية لدول الخليج العربية، لإبراز عناصر قوتها
وقدرتها في التأثير على الأوضاع في المنطقة للجانب الأمريكي، وهو ما أشار
إليه" حامد زهري"، مسؤول حكومي سابق، من إن إيران هي بالفعل قوة عظمى في
المنطقة وإنها إحتلت المكانة الصحيحة، ولا مجال للعودة إلى الوراء"، وهذا ما
ردده أيضاً "محسن رضائي" بقوله: "لماذا لا تكون إيران هي حامل راية
السلام والتنمية والديمقراطية في المنطقة، إن المنطقة لا يمكن أن تنعم بالأمن
والإستقرار في غياب إيران وكل الدول بحاجة إلي الوجود الإيراني حتى الأمريكييين،
ومعنى ذلك لإيران تحقيق الهدف الإستراتيجي المتمثل في ترسيخ مكانتها بإعتبارها
القوة الصاعدة في منطقة الشرق الأوسط.
لذلك فإن التأثير الذي
تركته حركات التغيير في المنطقة العربية قلب موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط،
لتعيد تشكيل المشهد الإستراتيجي في المنطقة برمتها، وهو ما تحدث عنه بعض الباحثين
في العلوم السياسية لدي الحديث عن حركات التغير أو ما بات يعرف بـ "الثورات
العريية" واصفين إياها بأنها صدمة نظرية فلم يكن أحد قادراً على التنبؤ بما
حدث رغم وجود نظريات العدوى ونماذج الدومينو، وقد رحبت إيران بالتغيير وإعتبرت ذلك
جزءاً من "الصحوة الإسلامية" في العالم العربي وعدته وسيلة لتقوية المحور
المناهض للولايات المتحدة في المنطقة. وعليه يمكن القول إن نتيجة الأحداث
والمتغيرات التي شهدتها المنطقة من إحتلال العراق وحركات التغيير ومخرجاتها غيبت
القوى الإقليمية العربية كسوريا ومصر مما أحدث فراغاً تحركت إيران لملئه.
وفي إتجاه ترسيخ نفوذها
حاولت إيران أن تأخذ الحركات العربية الجديدة لمصلحتها ولفائدتها تبعدها عن
الولايات المتحدة وحلفائها، كما إن التحرك الخاطئ من الولايات المتحدة والسعودية
ربما خلق فرصاً لإيران في إستغلال هذه الثورات، لا سيما وإن الولايات المتحدة
الأمريكية سعت لتخفيف إلتزاماتها، والتخلص من أعبائها في الشرق من خلال طرحها فكرة
التوجه شرقاً لتعزيز علاقاتها مع دول المحيط الهادي بهدف خلق شراكة إستراتيجية مع
هذه الدول، إذ أشار الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" إلى أن
الولايات المتحدة قوة باسيفيكية، كما عبرت عن هذا التوجه وزيرة الخارجية السابقة،
بالقول "قرن أمريكا الباسيفيكي"، وتدرك إيران أن لعبها دور القوة
الإقليمية، يتطلب شرعية إقليمية ودولية، ويتوافر تصور لدي دوائر صنع القرار في
إيران هو أن توفير الشرعية الأمريكية لهذا الدور هو المفتاح للحصول على الشرعية
الإقليمية، خاصة أن بعض الدوائر في واشنطن لا ترى في دول الخليج موازناً لإيران،
ولا يتم التعامل معها على أنها طرف في أية صفقة يمكن التوصل إليها مع إيران.
فعلى الصعيد الخارجي، أدرك
الرئيس "حسن روحاني" للدور الإستراتيجي الذي يمكن أن تلعبه إيران في
الإقليم في ظل المتغيرات الإقليمية التي شهدتها المنطقة بعد عام 2010، لذا كان من
الضروري إخراج إيران من عزلتها وجعلها من الدول الإقليمية الفاعلة، ولضمان توسيع
دور إيران من خلال أدوات جديدة، تقوم على الدبلوماسية الهادئة، والحوار مع الدول
المهمة في الإقليم والعالم، وأضاف قائلاً: "لدي إيران الآن الفرصة لتظهر كقوة
إقليمية بدلاً من مجرد العمل بدهاء على حماية إستقلالها والحفاظ على نظامها، فقد
أدرك الإيرانيون أن أوضاع القوة العالمية قد تغيرت بشكل لم يتوقعه أحد، وخاصة
بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فإنهم يعلمون أنه كلما أصبحت إيران
في وضع هجومي/ عدائي أكثر، ألزمت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها التحرك عسكرياً
لإحتواء إيران، ويمكن في الوقت ذاته أن تقوم أمريكا بذلك حتى ولو لم تقم إيران بأي
عمل، وعلى إيران البحث عن إستراتيجية لترسخ نفوذها الإقليمي، ولتجنبها التعرض
لإنتقام الولايات المتحدة الأمريكية.
ولعل أبرز دلالات تنامي
المكانة الإقليمية لإيران سعيها المتواصل والحثيث
نحو تجنبها لأية توترات مع مجموع الدول المحاذية لها، وميل إيران لتصالح
تدريجي مع البيئة الدولية إستخدام البعد
الطائفي في سياستها الخارجية، وستعرف علاقات إيران بآسيا الوسطي تنامياً متواصلاً
يعزز المكانة الإقليمية لها في بيئاتها الإقليمية المختلفة. ثمة وجه آخر نعده
حدوداً لفكرة المكانة الإقليمية لإيران من خلال دورها كبديل إستراتيجي، فإيران
شريك للعرب بحكم الصلات التاريخية والجوار الجغرافي والتداخل السكاني فهي تطل علي
الخليج العربي...، وباقي الدول المطلة على الخليج العربي هي دول عربية، ولما كان
الخليج العربي هو أحد المنافذ البحرية لإيران والمعبر الرئيسي لنحو 80% من صادرات
نفطها، فإن العلاقات العربية الإيرانية تكتسب أهمية خاصة، ونتيجة الصراع الإيراني
الإمريكي، بشأن البرنامج النووي الإيراني، فإن إيران لا تشكل ف الوقت الراهن
بديلاًإستراتيجياً أساسياً للعرب في ما يتعلق بالقضايا الأمنية، وخاصة إذا كانت
الإستراتيجية العربية هي للتسوية السلمية للصراع العربي الإسرائيلي، ولكنها بديل
مهم إذا كانت تلك الإستراتيجية تدور حول المقاومة، ولذلك تظل إيران بديلاً
إستراتيجياً في المدى البعيد إلى أن تحل الأزمة النووية.
لقد جعلت تلك الأهداف تصب
مجتمعة في المصلحة القومية العليا لإيران ألا وهي الإعتراف بها قوة إقليمية في
المنطقة تمتلك نفوذاً ينافس النفوذ الأمريكي فيها، بإعتبارها موازناً نداً "Counterpart" لا يمكن تخطية عند مناقشة أية ترتيبات
خاصة بما تعتبره مجال النفوذ المباشر لسياستها الخارجية وأمنها القومي.
ثانياً- التشيع السياسي أداة إيران الناعمة
للتدخل في شؤون الخليج
يمثل التشيع السياسي أحد
جناحي المشروع الإيراني للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط وفي القلب منها
"الخليج العربي"، وتحقيق حلم إعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية
القديمة، وهو يقف بالتوازي مع التشيع المذهبي ليحقق في النهاية منظومة محكمة دينية
وسياسية وإقتصادية تعمل على ترسيخ أقدامها، ومناطحة القوى الغربية والقوى
الإقليمية التي تحاول الإمساك بزمام الأمور وتحقيق أهدافها في ظل معتركات ومتغيرات
رئيسية عقب ثورات الربيع العربي.
من
أدوات التوسع الإيراني في المنطقة:
§
تشكيل التحالفات
مع بعض الأنظمة العربية
§
التأثير المذهبي بإستخدام الطوائف الشيعية
في لبنان واليمن والخليج العربي
§
الدعم العسكري
والإقتصادي المباشر لوكلائها في اليمن والعراق وسوريا
ينقسم التشيع السياسي إلى
شقين، شق خاص بالمؤمنين يعقيدة الشيعة الإمامية، شق آخر خاص بالمؤمنين بعقيدة أهل
السنة.
§ التشيع
السياسي للشق الأول:
الاعتقاد في أحقية الأئمة
الإثنا عشر في الإمامة الدينية الدنيية، الاعتقاد في قدسية تملكهم للسلطة والحكم،
وشرعية ممارستهم لتلك السلطة، من ثم وجوب الدخول في طاعتهم دينياً وسياسياً
وإجتماعياً، وإقتصادياً... إلخ، وذلك عبر الإيمان بفتوى النيابة عن الإمام الغائب في
الحكم حتى عودته في آخر الزمان ليملئ الأرض عدلاً، كما يعتقدون، فضلاً عن إستشراف
المستقبل بالعمل على تأسيس إمبراطورية شيعية كبرى في منطقة الشرق الأوسط تعيد
أمجاد إيران، وتنتصر على أعداء العقيدة.
والفرق بين العقيدة
التاريخية للشيعة الإمامية، وما إستحدث فيها بعد ثورة الخميني 1978، هو فتوى
الخميني الخاصة، بوجوب تمكين نائب الإمام الغائب لتولي الإمامة الدينية والدنيوية،
وتمكينه من تولي السلطة، وممارسة الحكم في كل مناحي الحياة، وإعتبار مكانته من
مكانة الإمام الغائب، من حيث العصمة والأفضلية، بإعتباره في مقام أعلى من مقام
النبوة والملائكة المقربين، كما ذكر ذلك الخميني.
§ التشيع
السياسي للشق الثاني:
أما فيما يخص أهل السنة
المخالفين لعقيدة الشيعة الإمامية، فإن التشيع السياسي يتمثل عندهم في السمات
التالية:
1. التأييد والتعاطف السياسي
مع النظام السياسي الإيراني فيما يخص مواقفه "المشرفة" مع المقاومة
الفلسطينية للعدو الإسرائيلي، ومواقفه السياسية من إسرائيل وأمريكا والغرب،
وإنحيازاته في السياسة الدولية عبر منظمات الأمم المتحدة للقضية الفلسطينية.
2. تشجيع التعاون التجاري
والسياحي بين إيران والدول السنية لتحقيق المصلحة العامة للمسلمين، بعيداً عن
الحساسيات التاريخية والحالية بين المذهب الشيعي والمذهب السني.
3. تأييد وتشجيع محاولات
التقريب الفقهي بين الشيعة والسنة.
يمثل التشيع المذهبي مع
التشيع السياسي، منظومة متكاملة وتمتاز بالآتي:
- التشيع المذهبي والتشيع
السياسي يمثلان منظومة واحدة تستوجب الإيمان بها لدى المنتسبين لعقيدة الشيعة
"الإمامية".
- تستخدم القيادات الشيعية
الإيرانية مبدأ التقية، من أجل جذب قطاعات عريضة من أهل السنة لتأييد إيران،
والتعاطف معها، وكسر الحاجز الديني المعارض لها، عن طريق التركيز على الجانب
السياسي الذي يحقق لهم نجاح مشروعهم، وحلمهم في الهيمنة الإمبراطورية، والإنتصار
لمذهبهم والإنتقام من الذين يعتقدون أنهم إنتزعوا الإمامة من الإمام علي بن أبي
طالب- رضي الله عنهم أجمعين- حيث يعتبرون أن أهل السنة الحاليين هم نفس السلالة
التي قهرت أهلهم وأذلته، كما يعتقدون.
- يمثل كل من التشيع المذهبي
والتشيع السياسي ذراعي المشروع الإيراني للهيمنة الإمبراطورية علي منطقة الشرق
الأوسط، وهما يعملان سوياً للوصول بأهل السنة إلى الخضوع والإذلال تحت إمرة الدولة
الشيعية المرتقبة، كما يحدث لأهل السنة في إيران من القهر والإستبعاد والتهميش
السياسي والإجتماعي، وعدم تمكينهم من إقامة شعائرهم، أو إظهارها ما يعتبر مثالاً
لما يمكن أن يحدث لهم في ظل دولة إمبراطورية كبرى للشيعة.
مستويات التشيع
السياسي وأهدافه وأدواته:
أ.
مستويات التشيع السياسي
يمكن تقسيم التشيع السياسي
إلى أربعة مستويات:
المستوى الأول: مستوى
حكومي "تشيع الدول والأنظمة السياسية".
ونقصد بها الحكومات التي
تؤيد سياسة إيران في المحافل الدولية، وتتعاون معها سياسياً وإقتصادياً وعسكرياً
في الوقت الذي قد تكون مخالفة لها في الديانة أو المذهب، تلك الأنظمة تناصر
القرارات السياسية للحكومات الإيرانية، وتبرر تصرفاتها وتدعو إلى حرية ممارسة الشيعة
لشعائرهم الدينية.
ومن أمثلة هذه الدول في
الخليج العربي "قطر".
المستوى الثاني: مستوى
شعبي.
يتمثل في التعاطف الشعبي
مع إيران عبر مدخل حب آل البيت، والإعتقاد
في أن إيران هي التي تواجه إسرائيل، وتواجه الإستعمار الغربي الذي يقف خلف
إسرائيل، وأمريكا وأوروبا، وأنها تتصدى بكل قوتها لنصرة القضية الفلسطينية.
المستوى الثالث: مستوى
مؤسساتي.
التأييد السياسي لإيران من
قبل مؤسسات دينية مثل المجلس الأعلى للطرق الصوفية في مصر، من خلال الدعوة للوحدة
بين الدول الإسلامية، بعيداً عن التعصب المذهبي الشيعي أو السني، وعن طريق تجاوز
الخلافات للوقوف أمام أعداء الأمة الإسلامية.
المستوى الرابع: مستوى
نخبوي:
إستقطاب شخصيات- من
التيارات الليبرالية واليسارية والقومية وصحفيين وكتاب وسياسيين، وكذلك بعض
الأحزاب السياسية – تؤمن بضرورة توطيد العلاقات السياسية والإقتصادية مع إيران،
وتؤيد الكثير من توجهاتها، وتدعو إلى إستبعاد التعصب المذهبي، والدعوة إلى وحدة
الدول الإسلامية لمواجهة أعداء الأمة الإسلامية، فضلاً عن تحقيق التواصل مع
الحركات والتيارات الإسلامية السنية من منطلق ديني إسلامي يعلو فوق التعصب المذهبي
في زعمهم.
ب.
أهداف التشيع السياسي
يمكن تركيز أهم أهداف
التشيع السياسي في النقاط التالية:
1) إستقطاب حكومات الدول
والنظم السياسية السنية للدخول في علاقات تشاركية سياسية وإقتصادية من مدخل الوحدة
الإسلامية، مع إستبعاد العامل المذهبي، وذلك لتحقيق الهيمنة الإيرانية الإقليمية
بالمنطقة.
2) خلق ظهير شعبي من جماهير
الدول الإسلامية السنية تقبل بزعامة إيران للأمة الإسلامية في مواجهة أعدائها
إسرائيل، ومن خلفها أمريكا والغرب، هذا الظهير يؤيد إيران، ويدعم قرارات حكوماته
التي تسعى للتعاون مع إيران، وتمهد بعد ذلك لقبول تواجد شيعي بجانب السنة، يسمح
لهم بالحراك السياسي والديني وتأدية مناسكهم وشعائرهم.
3) العمل على قبول السنة
للمذهب الشيعي، بمعنى إعتباره أحد المذاهب المعتمدة لدى الفقه السني، عن طريق مدخل
حب آل بيت النبي – صلى
الله عليه وسلم- عبر شيوخ الطرق الصوفية الذين يعتمدون في طرقهم على حب الرسول-
صلى الله عليه و سلم- وحب آل بيته- رضي الله عنهم. وهو عمل ديني، لكن له مردوداً
سياسياً فيما بعد، يتمثل في مناصرة إيران ودعمها وتأييدها سياسياً.
4) مد جسور التواصل مع
التيارات الليبرالية والقومية واليسارية، وإستغلال إيمان تلك التيارات بمبدأ حرية
الإعتقاد والتعددية السياسية والتعددية الدينية في إعتبار إيران دولة قيادية في
المنطقة، وقبول المذهب الشيعي "الإمامية الإثنا عشرية" كأحد المذاهب
التي حقها التواجد جنباً إلى جنب مع المذاهب السنية الأخرى.
5) التواصل مع الحركات
والتيارات والتنظيمات الإسلامية السنية عبر مبدأ تصدير فكرة الثورة الإيرانية حول
إقامة الدولة الإسلامية ونظامها السياسي، ونقل تجربة دولة ولاية الفقيه، ومنظومة
الحكومة الإسلامية الشيعية كنموذج يحتذي بالخلفية السنية، وإستخدام هذا التواصل
ككروت ضغط وأوراق فاعلة في التفاوض مع الغرب، ومع أعداء إيران في الشرق الأوسط،
فضلاً عن التوازن في تعاملها مع القوى الكبرى أمريكا وأوروبا، ومناطحة إسرائيل في
المكانة الإقليمية.
ج.
المؤسسات الإيرانية المنوط بها الترويج
للتشيع في العالم
م |
المؤسسة |
الهدف من إنشائها |
1 |
المستشاريات الثقافية
الإيرانية |
تقوم على نشر وتدريس
الثقافة الفارسية وكسب المتعاطفين ونقلهم لإيران لإكمال التعليم باللغة الفارسية
وتغذيتهم بمزيد من الثقافة والأفكار ومن ثم تجنيدهم عبر تقديم المغريات المادية
والمعنوية. |
2 |
المجمع العالمي لأهل
البيت |
وهو تنظيم سياسي بواجهة
دينية، ويرأسه حاليا الشيخ محمد حسن أختري، السفير الإيراني الأسبق في سوريا،
ويعمل هذا المجمع سنويا على عقد مؤتمرات لوضع الخطط للشيعة في العالم ومراجعة ما
تم إنجازه من الخطط في الأعوام السابقة. |
3 |
مجمع التقريب بين
المذاهب |
الذي يرأسه الشيخ محسن
الأراكي، وهو رئيس المحاكم الثورية السابق في الأحواز وعضو في حزب الدعوة
العراقي. ويقوم المجمع المذكور على عمل دعائي لذر الرماد في العيون بهدف إبعاد
تهمة الطائفية عن النظام الإيراني, ودعم مشروع نشر التشيع في الدول العربية وكسب
أصحاب الحركات الصوفية ومشايخ وجماعات إسلامية سياسية معروفة تحت عنوان الوحدة
الإسلامية. وأسس المجمع عام 1990م بأمر من علي خامنئي. |
4 |
منظمة التبليغ الإسلامي |
تقوم بالإشراف على
الحسينيات والمراكز الدينية الشيعية في الخارج وتقديم الدعم والرعاية لها, ومد
هذه المراكز بمبلغين (قراء المراثي) الذين يتم إرسالهم من إيران بعد أن يجري
إعدادهم إعداداً جيداً للمهام المنوطة بهم. بالإضافة إلى ذلك تقوم المنظمة بطبع
الكتب الدينية والثقافية وتوزيعها بالمجان وتعقد المؤتمرات لنشر ثقافة التشيع
وتمجيد النظام الإيراني ورموزه. |
5 |
الحوزات الدينية في
الخارج |
تقوم على نشر تعاليم
وفقه العقيدة الشيعية وقبول الطلبة من غير الشيعة وإعطائهم المنح الدراسية في
قُم بعد إكمالهم مرحلة ما يعرف بالمقدمات في بلدانهم. |
6 |
ممثليات المرشد الأعلى
في الخارج |
وتقوم على تقديم الدعم
المالي لطلاب الحوزات الدينية والإشراف
على أداء عمل المؤسسات الإيرانية في الخارج وترويج مرجعية مرشد الثورة على
خامنئي |
7 |
مؤسسة جهاد البناء |
ولها أفرع في السودان
وسورية ولبنان, وتقوم بمد خطوط الكهرباء ومد أنابيب المياه وحفر الآبار وبناء
المساكن والمدارس والطرق. |
8 |
لجنة الإمام الخميني
الإغاثية |
وهي مؤسسة خدمية تقدم
المعونات المالية والخدمات الصحية والاجتماعية، وتعد من المؤسسات الثورية. ولها
فروع في العراق, سورية, السودان ولبنان. |
9 |
مركز حوار الحضارات |
تابع لرئاسة الجمهورية
ويقوم على الترويج للثقافة والحضارة الوطنية الإيرانية وتلميع صورة النظام
الإيراني تحت يافطة الحوار بهدف كسب المؤيدين لإيران من خلال بناء العلاقات مع
المثقفين والمفكرين العلمانيين والليبراليين العرب ودعم المؤتمرات والتجمعات
القومية والوطنية العربية. |
10 |
مؤتمر دعم الإنتفاضة
الفلسطينية |
يرأس هذا المؤتمر الشيخ
علي أكبر محتشمي بور، السفير الإيراني الأسبق في سوريا، المؤسس الأول لحزب الله
في لبنان. ويعقد المؤتمر في طهران مرة كل عام ويجري فيه دعوة قيادات من الفصائل
الفلسطينية وبعض قيادات التنظيمات الإسلامية والقومية العربية ممن لهم علاقات
متينة بإيران. أما السواد الأعظم من المدعوين لهذا المؤتمر فهم كتاب وصحفيون
ونخب ثقافية من عدة دول عربية وإسلامية. |
وتعمل جميع هذه المؤسسات
في كل بلد تتواجد فيه تحت إشراف لجنة مشتركة مكونة من السفير, مدير مكتب المخابرات, وممثل المرشد
الأعلى وممثل من فيلق القدس. ويرأس هذه اللجنة السفير.
إن بعض هذه الدوائر والمؤسسات تعمل في أغلب
الدول العربية بحرية تامة وفي أحيان كثيرة تلاقي تعاوناً ودعماً من جهات رسمية في
بعض هذه الدول لتسهيل مهامها.
د.
إنعكاس إستخدام أداة التشيع على الداخل
الخليجي
لقد إستطاعت إيران في ظل
غياب مشروع عربي موحد لمواجهتها, من تحقيق الكثير من حلقات مخططها حيث تمكنت من
بناء الخلايا والشبكات التجسسية والجماعات الإرهابية والتنظيمات السياسية المعارضة
في كثير من دول الخليج العربي إن لم يكن في أغلبها. كما إستطاعت نشر برامجها
الثقافية وسط شرائح واسعة من مجتمعاتنا العربية بكل سهولة.
وعلى الرغم من كل هذه
الإختراقات التي أحدثتها إيران بقيت في مأمن من أي ردات فعل أو عمل خليجي أو عربي
مماثل, فلم تعلن إيران - ولو لمرة واحدة- كشفها خلية أمنية أو جماعة سياسية مرتبطة
أو تعمل لصالح دولة خليجية. وأصبح عدم التعامل مع إيران بالمثل مفخرة لدى الدول
العربية عامة والخليجية منها خاصة بدعوى عدم تدخلها في شؤون الغير! رغم أن لدى هذه
الدول أوراقا كثيرة تشكل نقاط ضغط فعلية
على إيران ولكن من المؤسف أنه قد جرى إغفال هذه الأوراق, ومنها على سبيل المثال,
الخلافات الفكرية بين مراجع الحوزة الدينية, ورقة المعارضة الإيرانية, ورقة السنة
والقوميات غير الفارسية, ورقة عرب الأحواز والجزر الإماراتية, وغيرها من الأوراق
الداخلية الأخرى.
يضاف إلى ذلك أن الإعتقاد
السائد لدى بعض القوى والأطراف الخليجية والعربية, دينية وسياسية وثقافية, أن
إيران إعتمدت الشيعة فقط لتنفيذ مخططها, وهذا خطأ إستراتيجي ساعد في تمكين إيران
من إبعاد الكثير من خلاياها وأعوانها العاملين على تنفيذ مخططها عن أنظار
الرقابة.
فمعظم الدول العربية،
والخليجية منها تحديداً، دول مفتوحة وفيها جاليات من مختلف الجنسيات وقد إستطاعت
إيران أن تبني مؤسسات وشركات تجارية وإقتصادية مع أفراد وجماعات أجنبية وغير مسلمة
في هذه الدول, وعملت على إستغلالها في تنفيذ مآربها الخاصة.
المراجع
1- محمد ياس خضير، أمن الخليج في ظل التحولات الإقليمية
الجديدة ، مجلة دراسات دولية، العدد53، (جامعة بغداد: مركز الدراسات
الدولية، 2012، ص 138.
2-
رأي تقيه، إيران الخفية، إيهم
الصباغ "مترجم"، (الرياض: مكتبة العبيكان، 2010)، ص81.
3-
محمد جواد لاريجاني "صاحب
نظرية "إيران أم القري" في كتابه المعنون "مقولات في الاستراتيجية
الوطنية".
4-
علي
حسين باكير، إيران والتنافس الشرق أوسطي التقاء وتصادم المشاريع "تركيا
وإيران"، "في": صباح الموسوي وآخرون "محررون"،
المشروع الإيراني في المنطقة العربية والإسلامية، (عمان: دار عمان للنشر والتوزيع،
2013)، ص62.
5-
محسن رضائي، أمين عام مجمع
تشخيص مصلحة النظام منذ العام 1997.
6-
علي رضائي، إيران تعمل لتشكيل حزام ذهبي
يقود المنطقة، 9 سبتمبر 2014.
7-
أيمن المشاقبة وسعد شاكر شلبي، التحديات
الأمنية للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط: مرحلة ما بعد الحرب الباردة،
ط1، (عمان: دار الحامد للنشر والتوزيع، 2012)، ص173.
8-
محمد سعد أبو عامود، إيران ودول الخليج
العربية... علاقات متوترة، مجلة السياسة الدولية، العدد 176، (القاهرة:
مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يوليو 2009)، ص197.
9-
مجموعة باحثين، التحولات السياسية
والاجتماعية في الوطن العربي والدور الأمريكي، كوثر عباس الربيعي
"محرر"، (جامعة بغداد: مركز الدراسات الدولية، 2013)، ص109.
10- مارك لنج، السياسة الأمريكية تجاه إيران ومتغيرات
الشرق الأوسط، حسين شلوشي "مترجم"، مجلة جمورابي، العدد1،
(بغداد: مركز مورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 2011)، ص170.
11- أبو بكر الدسوقي، تحولات القوى الكبرى في الشرق
الأوسط، مجلة السياسة الدولية، العدد 195، (القاهرة: مركز الأهرام
للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2014)، ص8.
12- إيمان رجب، عودة خيار الصفقة: هل ينهي الانخراط
البناء القطيعة بين طهران وواشنطن، 25 سبتمبر 2013.
13- ليلي فوعاني، السياسة الخارجية الإيرانية... بعهد
روحاني، 23 يوليو 2013.
14- فاطمة الصمادي، عرض كتاب الأمن القومي
والدبلوماسية النووية، مركز الجزيرة للدراسات، 23 أبريل 2013.
15- وليد عبد الحي، بنية القوة الإيرانية وآفاقها، مركز الجزيرة للدراسات، 16 أبريل 2013.
16- يوسف هنداوي، استراتيجية إيران للهيمنة علي الشرق
الأوسط، (عمان: دار الأزهار، 2010)، ص152.
17- عصام فاعور ملكاوي، تركيا والخيارات الإستراتيجية
المتاحة، بحث مقدم في الملتقي العلمي "الرؤى المستقبلية العربية
والشركات الدولية، الخرطوم،3 مايو 2013.
18- حمد الكاتب، التشيع السياسي والتشيع الديني،
ط3، (بيروت: مؤسسة الانتشار العربي، 2010)، ص164.
19- محمد بدري عيد، التقارب الإيراني – الأمريكي وأمن
الخليج: التداعيات المحتملة والخيارات المتاحة، موقع الجزيرة للدراسات، 22
أكتوبر 2013.
20- وجيه كوثراني، فقه الإصلاح الشيعي وولاية الفقيه،
(بيروت: دار النهار، 2007)، ص85.
21- عبد المعين رزيق، قراءة في التشيع السياسي
وإرهاصات الحرب المذهبية، 4 ديسمبر 2014.
22- أحمد محمود السيد، ظاهرة التشيع السياسي: أبعادها
ودورها في نجاح المشروع الإيراني، التقرير الاستراتيجي الثالث عشر
"الأمة في مواجهة الصعود الإيراني"، مجلة البيان، (القاهرة: المركز
العربي للدراسات الإنسانية، 2016)، ص 64.
23- جمال سلطان، انتصار إبراهيم عيسي للتشيع،
24- صباح الموسوي الأحوازي، أذرع وزارة الخارجية الإيرانية في تنفيذ المشروع الإيراني في المنطقة العربية، 22 يناير 2015.