شهدت
تركيا في 25 نوفمبر 2019، إجراء التجارب الأولية على منظومة الدفاع الجوي إس – 400
الروسية، والتي تم استلام المعدات الأولية لها في 12 يوليو 2019، على الرغم من الاعتراضات
الأميركية ومطالبة واشنطن لأنقرة بالتخلي عنها لعدم توافقها مع النظام الدفاعي لحلف
شمال الأطلسي (الناتو)، ولعل هذا الأمر سيمثل إشكالية جديدة وإن كانت متجددة في
مسار العلاقات التركية – الأمريكية، إضافة إلى الإشكاليات المتعلقة بزيادة مستوى
التسلح الإقليمي بجانب تداعياتها السلبية على مستقبل المنظومة الأمنية لحلف الناتو،
وكذلك مصير وحدته في ظل الاحتمالات المتعلقة بخروج تركيا من الحلف، كما طلبت تركيا
شراء 100 طائرة طراز "إف-35" واستثمرت صناعاتها الدفاعية مبالغ طائلة في
مشروع تطويرها، حتى استبعادها من البرنامج بسبب شراء منظومة إس-400. ويشار إلى أنه
تم إيصال المنظومة الروسية إلى قاعدة جوية في أنقرة.
من زاوية أكثر اتساعًا فمن المحتمل أن يتسبب ذلك في
زيادة معدل التوترات مع العديد من الفاعلين الإقليمين والدوليين وكذلك بعض الملفات
الأمنية المرتبطة بمستقبل الصراعات في المنطقة مثل الصراع في منطقة شرق المتوسط
حيث الثروة النفطية الكبيرة، ومستقبل العلاقات مع الدول الأوروبية التي تمثل المصدر
الرئيسي لتوريدات الأسلحة، بجانب التخوفات الإقليمية من دول الجوار التركي خاصة
الدول العربية وإيران التي ترى في امتلاك تركيا تهديدًا لأمنها.
الموقف
الأمريكي والتركي
اعتبر السيناتور الأمريكي كريس فان هوللين أن تركيا تجاوزت
الحدود حين بدأت تختبر رادارات منظومات صواريخ "إس-400" المضادة للطائرات
التي اشترتها من روسيا متجاهلة بذلك تحذيرات متكررة من الولايات المتحدة من أن ذلك
قد يؤدي إلى عقوبات؛ حيث حلقت طائرات، بينها مقاتلات إف-16، لاختبار المنظومة التي
تم شراؤها مؤخرًا، وعلى الرغم من رفض حلفائها في حلف شمال الأطلسي وخاصة الولايات المتحدة
بفعل تخوفاتها من إمكانية خرق معلومات تكنولوجية حساسة في حال استخدام المنظومة مع
معدات غربية مثل مقاتلة إف-35 الأمريكية الجديدة.
على الجانب التركي أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تأكيده على أن أنقرة لن تتخلى عن منظومة صواريخ "إس-400"
الروسية لشراء صواريخ "باتريوت" الأميركية في هذه المرحلة من العلاقات مع
روسيا، وذلك بعد عودته من واشنطن في 13 نوفمبر 2019.
وبدأت التداعيات السلبية على الجانب التركي على الرغم من
أن الولايات المتحدة لم تتجه نحو فرض عقوبات اقتصادية على أنقرة؛ حيث دفعت أنباء بدء
التجارب على المنظومة الروسية الليرة التركية إلى التراجع إلى مستوى 5.7380 ليرة مقابل
الدولار في تعاملاتها، مقابل 5.7140 عند إغلاق تعاملات الأسبوع الماضي من بدء
التجارب، إضافة لذلك تسبب الإعلان بشراء منظومة الدفاع الروسية، كما وتسبب توتر العلاقات
بين الولايات المتحدة وتركيا بشكل رئيسي في هبوط الليرة التركية بنحو 30 في المائة
العام الماضي، ولا تزال العملة التركية لم تتعاف وتواصل تذبذبها حتى الآن، لا سيما
مع كل حدث تكون الولايات المتحدة طرفا فيه، وحتى الآن امتنعت إدارة الرئيس ترامب على
ما يبدو عن فرض عقوبات على تركيا بسبب شراء
المنظومة، وقال مسؤولون إنها يمكن أن تتجنب العقوبات في حال عدم استخدامها رغم رفض
تركيا هذا الاحتمال.
الخلاف
المتجدد
برغم الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس التركي
أردوغان إلى الولايات المتحدة في 13 نوفمبر 2019، والتي تم التباحث خلالها حول الكثير
من الملفات العالقة بين الجانبين إلا أن استمرار تركيا في انتهاج نفس التوجهات
التي تسبب تخوفات لدى الولايات المتحدة سيدفع مسار العلاقات الثنائية بينهما إلى
مزيد من التوتر والتي أفرزت عدة تحولات سلبية فيما يتعلق بإمكانية تحقيق التقارب
الذي كان يمثل في السابق تحالف استراتيجي بين الجانبين، وفيما يلي أبرز الخلافات
بين الجانبين:
1) الدعم
الأمريكي للأكراد: تصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة وتركيا على خلفية الدعم
العسكري الذي تقدمه واشنطن للأكراد في سوريا، الذي يمثل بالنسبة للجانب التركي
امتدادًا لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية.
2) حركة
الخدمة: تمثل قضية تسليم الداعية فتح الله جولن أحد الملفات المهمة التي أدت إلى
خلافات بين الجانبين؛ حيث لم تتجاوب الولايات المتحدة مع المطالبات التركية المتعلقة
بتسليم جولن والمتهم من قبل تركيا بتنفيذ عملية الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو
2016.
3) الملفات
الحقوقية: علقت البعثة الأمريكية في أنقرة والبعثة التركية في واشنطن خدمات إصدار التأشيرات
بعد اعتقال أحد موظفي البعثة الأمريكية في تركيا في أكتوبر 2017، بتهمة الانتماء إلى
حركة الخدمة بزعامة «جولن» وأرجعت كل بعثة القرار لحاجتها إلى إعادة تقييم التزام الطرف
الآخر بأمن أفرادها، وفتحت السلطات الأمريكية التحقيق بحق 15 شخصًا من أفراد حماية
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على خلفية الأحداث التي وقعت أمام السفارة التركية
في واشنطن، خلال زيارة أردوغان لها مايو 2017، تبع ذلك قيام السلطات الأمريكية بفتح
تحقيق آخر بحق 19 تركيًا بينهم 15 عنصر أمن، بتهمة الاعتداء على محتجين، وجرى إعداد
لائحة اتهام بحقهم، فيما أعربت الخارجية التركية، عن أسفها لقبول محكمة أمريكية لائحة
الاتهام.
4) القس
الأمريكي أندرو برونسون: شكلت قضية القس «برونسون» محورًا جديدًا في محاور تلك التوترات
وبموجبها قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على أنقرة تسببت في تراجع سعر الصرف لليرة التركية؛ حيث فرضت
واشنطن عقوبات نوعية على تركيا، الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي، بدأها الكونجرس
بقرار منع بيع مقاتلات من طراز "F - 35" لتركيا، وقبلها فرض عقوبات على وزيري العدل
والداخلية التركيين، كما هددت أيضًا "بإلغاء الإعفاء الجمركي الذي تتمتع به تركيا،
ما تسبب في انهيار سعر صرف الليرة التركية برغم محاولات البنك المركزي التركي التدخل
لوقف انهيار قيمة العملة المحلية.
في حين أفاد الرئيس الأميركي دونالد
ترمب، لنظيره التركي رجب طيب إردوغان، إن أنقرة بحاجة للتخلص من منظومة «إس 400»، وإن
الولايات المتحدة في المقابل مستعدة لبيعها صواريخ «باتريوت» الأميركية. لكن إردوغان
صرح بإنه أبلغ ترمب بأن تركيا لن تتخلى عن المنظومة الروسية، وعزا ذلك إلى العلاقات
القوية مع موسكو. وأضاف أن تركيا يمكنها أيضًا اقتناء منظومة «باتريوت» الأميركية،
لكن دون التخلي عن «إس 400»، كما أنه في وبرغم ذلك أعلنت تركيا بأنها ملتزمة بالاتفاقات
التي أبرمتها مع روسيا والولايات المتحدة بخصوص سوريا، وإنها لن تستأنف هجومها العسكري
هناك؛ حيث توصلت أنقرة إلى اتفاقين منفصلين مع موسكو وواشنطن في أكتوبر 2019 لإبعاد
مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية من منطقة في شمال شرق سوريا على الحدود مع تركيا،
التي أوقفت في المقابل هجومها العسكري على المقاتلين الأكراد.
5) غاز
شرق المتوسط: أعلن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في 5 أكتوبر 2019، خلال زيارته
لليونان، إن واشنطن أبلغت تركيا رفضها أعمال التنقيب غير القانونية شرق المتوسط،
وذلك بعدما وقع في أثينا اتفاقًا لتعزيز التعاون الأمريكي اليوناني، كما أن هذا
التوافق من شأنه أن يمثل أحد الأوراق الضاغطة على تركيا من جانب واشنطن.
مسارات
متشابكة
كان شراء أنقرة لمنظومة «إس 400» في نهاية العام 2017 عاملًا
أساسيًا في توتر العلاقات مع واشنطن، التي تقول إن المنظومة لا تتوافق مع دفاعات حلف
الناتو، وتشكّل تهديدًا للطائرة المقاتلة الأميركية «إف 35» القادرة على التخفي عن
أجهزة الرادار، وعليه علقت الولايات المتحدة مشاركة تركيا في إنتاج وتطوير
المقاتلات إف 35، كرد فعل على السياسة
التركية بالتسلح من جانب روسيا، وهددت بفرض عقوبات بسبب الصفقة، وأن تركيا في حاجة
للتخلص من منظومة صواريخ «إس 400»، التي اشترتها من روسيا، إذا كانت ترغب في تجاوز
الأزمة مع واشنطن. وأن هناك فرصة لتعود تركيا إلى الطاولة. يعرفون أنهم، لإنجاز هذا
العمل، بحاجة إما لتدمير (إس 400)، أو إعادتها، أو التخلص منها بطريقة ما.
إن نمط العلاقات بين الجانبين أضحى يتسم بحالة من
الإخفاقات المتتالية بعدما شهدت توافقًا استراتيجيًا، ولعل السياسات المتبعة من
جانب أنقرة والتي محورهاالعمل على خلق مساحات فردية يمكن من خلالها الحفاظ على هامش
واسع للحركة الخارجية، بعدما أدركت أن ارتباطاتها وفق آليات الأمن الجماعي الخاصة بالولايات
المتحدة وحلف الناتو لم تعد تلبي تطلعاتها العسكرية الداخلية والخارجية، ومن ثم عملت
على تفكيك جزء كبير من ارتباطاتها الأمنية بالمعسكر الغربي بالتقارب مع روسيا.
وتأسيسًا على ذلك فإنه من المحتمل أن تشهد تركيا حالة من الانعكاسات التي تمثل في معظمها سلبية برغم امتلاكها لمثل هذه المنظومة المتطورة من الأسلحة، الأمر الذي سيتكشف بصورة كبيرة خلال الفترة القادمة، سواء من جانب الولايات المتحدة أو من جانب الدول المنضمة لحلف الناتو.
المراجع
1) تركيا تبدأ التجارب على
منظومة «إس 400» الروسية رغم اعتراض واشنطن، على الرابط:
2) س و ج.. ما هى منظومة صواريخ
"S 400" التى تمانع أمريكا امتلاك
تركيا لها؟، على الرابط:
3) قبل زيارة أردوغان.. مستشار
ترامب يهدد بفرض عقوبات على تركيا، على الرابط:
4) "إس 400" تضع
أمريكا وتركيا على أعتاب أزمة.. خبراء يكشفون السيناريوهات، على الرابط: