إثيوبيا والقضايا العالقة .. العنف الاثني ومعضلة الاستقرار السياسي
وعد رئيس الوزراء أبي أحمد، عقب توليه السلطة عام 2018
بتنفيذ إصلاحات ومبادرات سياسية عديدة من شأنها معالجة العلاقات الإثنية المتدهورة
في إثيوبيا، بناء الوحدة الوطنية، إعادة إحياء العملية الديمقراطية المتوقفة لفترة
طويلة وإجراء انتخابات حرة ونزيهة في عام 2020، إطلاق سراح السجناء السياسيين
واستقبال المعارضة المنفيين، وضمان حرية الصحافة ومنح الجماعات السياسية المتنوعة حرية
التعبئة والتنظيم. وقد أسفرت جهوده لإنهاء الصراع المستمر منذ 20 عامًا مع إريتريا
عن فوزه بجائزة نوبل للسلام لعام 2019.
ولكن الجهود
التي بذلها أبي أحمد في الثورة الديمقراطية الإصلاحية التي بدأها لوضع بلده على طريق
أكثر ليبرالية قد شابها العنف المتزايد والتوترات الإثنية بما تسبب في زيادة عدم
الاستقرار . فعلى الرغم من هذا التكريم، أضحت إثيوبيا في عهد أبي أحمد تشهد حوادث
عنف إثني متكررة داخل حدودها تفاقم من الصراع بين الإثنيات المختلفة بها، وصراعًا
على السلطة، وخلافًا سياسيًا داخل الحكومة الفيدرالية. بما جعل الحماس الشعبي
لإصلاحاته وتأييده تأخذ في الانخفاض بشكل مستمر ومتسارع. وفي هذا الصدد يرى محللون
أن إصلاحات أبيي رفعت حدة التوترات التي تم قمعها منذ فترة طويلة بين العديد من الجماعات
العرقية في البلاد.(1)
أزمات
اقتصادية تخفيها المعونات
رغم أن التحول الاقتصادي في إثيوبيا هو إحدى قصص النجاح في
القارة ورغم تنبؤات صندوق النقد الدولي بأن إثيوبيا ستكون أسرع الاقتصاديات نمواً في
أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في عام 2018 إلا أن هذا الانجاز يمكن أن يهدم بسهولة
بسبب عدم الاستقرار والعنف الموجود بإثيوبيا. بجانب أن هذا التحول لم يتمكن بعد من
معالجة أزمات اقتصادية جمة تعاني منها الدولة منها النقص في الوظائف المتاحة في
مقابل وجود عدد كبير من الخريجين ، فيقع على عاتق الحكومة توفير فرص عمل للشباب
حيث إن 28% من سكانها تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة بحاجة إلى عمل.
وتواجه إثيوبيا نقصًا حادًا في العملات الأجنبية،(2) يتم حلها مؤقتًا
فقط عن طريق ضخ نقود من الإمارات العربية المتحدة. هناك تفاوت متزايد بين دخول
المواطنين، وأضرار بيئية كبيرة، بجانب وجود أزمات في الغذاء والصحة.(3)
النزوح
والتشرد
وجود نازحين في أية دولة يعد أحد مؤشرات عدم الاستقرار
السياسي بها، وتجاهل وجودهم هو مؤشر على فشل الإدارة. وفي إثيوبيا قد نزح حوالي
700000 العام الماضي 2018 بسبب نزاع جديو غوجي، في جنوب إثيوبيا، حيث
اشتبكت مجموعات غوجي وجيديو حول الوصول إلى الأراضي الزراعية المنتجة هرب بعضهم
إلى دولٍ أخرى وظلت الأغلبية في ملاجئ غير آدمية.
ومنذ سبتمبر 2018 تم تشريد أكثر من 200000 مواطن من
الأورومو من منطقة بني شنقول. وبحلول ديسمبر 2018 تم تشريد 2.9 مليون شخص –أي أكثر
من عدد النازحين من سوريا واليمن والصومال وأفغانستان مجتمعة- بما جعل أزمة النزوح
تشكل أكبر تهديد لأبي أحمد وطموحاته، حيث يرى البعض أن هذا النزوح الضخم –غير
المسبوق- فقط خلال السنة الأولى من توليه السلطة أكبر علامة سوداء في حكمه.
تتفاقم هذه الأزمة بسبب تركيزه على تحقيق تقدم ديمقراطي
وتجاهل هذه الأزمة الإنسانية والأمنية الخطيرة أو عدم إدراك خطورتها. (4) وقد أشارت
منظمة المعونة الدولية للاجئين أن تصرفات الحكومة تجاه الأزمة تزيد من حدتها، ورأى
البعض أنها لن تؤدي إلا إلى زيادة المعاناة المستمرة للنازحين.
احتجاجات
وعنف إثني
رغم ما روج من خطابات مبشرة عن التأييد الشعبي لأبي
والزعم بأنه يحظى بقبول ورضا جميع المواطنين، إلا أن الواقع يظهر خلاف ذلك، ففي
يونيو الماضي حين اجتمع بعض المؤيدين لأبي لإظهار الدعم الشعبي للإصلاحات في أديس
أبابا، تم إلقاء قنبلة يدوية عليهم أسفرت عن إصابة 150 ومقتل شخصين. هذا الحادث
كان ينذر باندلاع أحداث أكثر عنفًا.(5)
وبالفعل أعقب هذا الحادث ظهور موجة قوية من السخط شكلتها
مجموعات المصالح المختلفة، انعكست في احتجاجات واسعة النطاق ضد الحكومة بقيادة الشباب.
وقد بدأ العنف يغلب على هذه الاحتجاجات في 23 أكتوبر بعد إعلان جوهر محمد، وهو ناشط
من الأورومو، أكبر مجموعة إثنية في إثيوبيا، ويحظى بشعبية كبيرة خاصة لدى الشباب
حيث تؤيده مجموعة شبابية تعرف باسم "Qeerroo"، إنه تعرض لمحاولة اغتيال من قبل
الدولة. فخرج مؤيدوه إلى شوارع أديس أبابا في احتجاجات لدعم جوهر وقاموا بإغلاق
الطرق المؤدية إلى العاصمة وكذلك الشركات والمحلات. أدت هذه الاحتجاجات إلى ردود
أفعال عنيفة من قبل الأمهريين وبعض الأقليات لمواجهة أنصار جوهر –المنتمين إلى
الأورومو-.
وشهدت أداما أحداث عنف استغرقت وقتًا أطول وكانت أكثر
خطورة من احتجاجات أديس أبابا، فقد اندلعت اشتباكات بين الأمهرة، ثاني أكبر إثنية
في إثيوبيا، والأورومو تم فيها إحراق السيارات والمحلات التجارية والشركات، أسفرت
عن مقتل أكثر من 16 شخصًا من الأمهرة في هذه الهجمات التي كان بعضها على الكنائس
والمساجد بما ينذر باحتمالية تحول النزاعات الإثنية إلى صراعات دينية أيضًا.
وقد صمت أبي أحمد عدة أيام في وجه هذه الفوضى، أعقبها
حديثه عن ضرورة إنهاء هذه الأزمة وإجراء محادثات لنزع فتيل التوترات داخل الأورومو
نفسها من جانب وبين الأورومو والإثنيات الأخرى من جانب آخر. وفي هذا السياق دعا
جوهر أبي أحمد لتنظيم مؤتمر وطني للتوصل إلى حل وسط في ظل اقتراب الانتخابات.
ويمكن تفسير تفاقم العنف الإثني في إثيوبيا منذ تولي أبي
أحمد السلطة من خلال عاملين، الأول هو الصراع على السلطة داخل الأورومو. والثاني هو
أزمة الفيدرالية الإثنية التي خلقت الصراع بين الأورومو والأمهرة على السلطة، وذلك
على النحو التالي:
أ. الصراع على السلطة داخل الأورومو
يتجسد هذا الصراع في التنافس بين جوهر وأبي، فقد انتقد
جوهر خطة رئيس الوزراء لتشكيل حزب وطني يحل محل الائتلاف الحاكم متعدد الإثنيات في
إثيوبيا، كما قال إنه قد يخوض انتخابات العام المقبل (مايو 2020) في مواجهة أبي
أحمد. وفي المقابل هدد أبي جوهر ضمنيًا بقوله إنه سيتخذ إجراءات ضد مالكي وسائل
الإعلام الذين يحملون جوازات سفر أجنبية -في إشارة إلى جوهر كونه يحمل الجنسية
الأمريكية- إذا ما أثاروا عدم الاستقرار.
أدى الانقسام بين جوهر وأبي إلى انقسام مماثل في جماعتهم
الإثنية –الأورومو-بين مؤيدين لأبي وداعمين لإصلاحاته ومعارضين له لأنه لم يلب
مطالبهم والتي منها جعل الأورومو لغة رسمية للحكومة الفيدرالية، بجانب القول بإن
إصلاحات أبي لم تطل أداما وكذلك الشباب. ظهور هذا الانقسام بين الأورومو قد يكلفهم
الكثير مثل تولي إثنيات أخرى منافسة مثل الأمهرة السلطة بدلًا منهم بما قد ينذر
بتهميشهم مرة أخرى. فجدير بالذكر هنا أن تهميش الأورومو لعقود تسبب في النظر إلى أبي
على أنه غريب سياسي قبل أن يتم اختياره لهذا المنصب لانتمائه للأورومو التي اشتكت لعقود
من التهميش الاقتصادي والثقافي والسياسي.
ب. أزمة الفيدرالية الإثنية
قامت الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي، بقيادة
رئيسها ميليس زيناوي، بإصلاح جذري للنظام السياسي الإثيوبي. حول النظام الدولة المركزية
إلى الجمهورية الديمقراطية الاتحادية وأعاد تعريف الجنسية والسياسة والهوية على أسس
إثنية. كان القصد من ذلك هو إنشاء دولة أكثر ازدهارًا وعدالة وتمثيلا لجميع شعبها.
وقاد تحويل إثيوبيا إلى دولة فيدرالية جبهة تيغراي لتحرير الشعب، التي سيطرت على تحالف
الأحزاب العرقية القومية الذي يمثل الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي رغم
أن التيغريين كانوا أقلية ويمثلون 6% فقط من السكان بما أثار غضب الأمهرة، والأورومو،
أكبر مجموعات إثنية في البلاد، من معاملتهم كأقليات تابعة.. فمنذ إقرار دستور 1994
تحولت الحياة السياسية إلى ساحة معركة بين الإثنيات المتنافسة كونه قسم الدولة
تقسيمًا يقوم على التمثيل الإثني إلى 9 ولايات إثنية. والنتيجة أنه أضحت إثيوبيا
اتحادًا غير متماثل يجمع بين ولايات ذات كثافة سكانية كبيرة مثل أوروميا وأمهرة
وأخرى قلقة السكان ومتخلفة مثل جامبيلا والصومالي. كما أن هذا التقسيم منع
المعارضة من الوصول إلى السلطة عبر صندوق الاقتراع وعندما تفوقت انتخابيًا في عام
2005 واجهت تهديدات واعتقالات ونفي. يضاف لذلك أنه تسبب في تنافس بين الأورومو
والأمهرة منذ تولي الأورومو السلطة بعد التيغري، لخوف الأمهرة وبعض الأقليات من أن
تؤدي سياسات الأورومو إلى تهميشهم. (6)
ختامًا، يمكن القول بإن أب أحمد يواجه تحديات عدة تعيق مساعيه الإصلاحية خاصة أن تلك المساعي بدلًا من أن تجلب منافع لإثيوبيا أدت إلى خسائر جمة من تظاهرات وانتشار العنف الطائفي وأزمات اقتصادية وغيرها.
الهوامش
(1) Jason Burke, “Deadly unrest in Ethiopia hampers PM's
political reform attempts”, The Guardian, 1/11/2019, available at: https://www.theguardian.com/world/2019/nov/01/ethiopia-unrest-abiy-ahmed-jawar-mohammed-nobel-peace-prize.
(2)
“Ethiopia mulls comprehensive economic reforms to ease pressing forex
shortage”, Xinhua, 31/8/2019, available at: http://www.xinhuanet.com/english/africa/2019-08/31/c_138354197.htm.
(3)
“Abiy gives Ethiopia new
hope”, Press Reader, 13/7/2019, available at: https://www.pressreader.com/uk/the-guardian-weekly/20180713/281719795346519
(4)
Tom Wilson, “Ethnic violence in Ethiopia has forced nearly 3 million people
from their homes”,Latimes, 30/5/2019, available at: https://www.latimes.com/world/la-fg-ethiopia-ethnic-violence-millions-displaced-20190530-story.html.
(5)
Jason Burke, “'These changes are unprecedented': how Abiy is upending Ethiopian
politics”, The Guardian, 8/7/2019, available at: https://www.theguardian.com/world/2018/jul/08/abiy-ahmed-upending-ethiopian-politics
(6) “Ethiopia: Ethnic Federalism and Its Discontents”, International crisis group, 7/9/2009, p.2-4.