المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
محمد عثمان
محمد عثمان

سياقات متعددة ... البعد الديني في الصراعات الداخلية الإثيوبية

الخميس 21/نوفمبر/2019 - 06:45 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

تلعب إثيوبيا دورًا كبيرًا في خلق التوازنات بمنطقة القرن الأفريقي وهو ما يجعلها محل اهتمام للكثير من القوي الإقليمية والدولية التى تنظر إليها على أنها نطقة إنطلاق نحو التواجد في تلك المنطقة من العالم، وهو الأمر الذي يجعل إستقرار هذه الدولة أمر في غاية الأهمية لخلق والحفاظ على درجة ما من الاستقرار  في منطقة القرن الإفريقي.

وتعاني إثيوبيا من وقت لأخر من تصاعد للعنف المجتمعي بسبب مكوناته إضافة إلى أسباب أخري، إلا أن الحديث عن البعد الديني في طبيعة هذه الصراعات قد يكون أمر تغافل عنه عدد من الباحثين المهتمين بدراسة طبيعة هذه الدولة.

 وعلى الرغم من إعلان الحكومة الإثيوبية بقيادة " أبي أحمد" بالتوجه نحو مزيد من الإصلاحات السياسية والإقتصادية وغيرها، إلا أن العنف والصراع القائم على أسس عرقية ودينية لا يزال هو أحد أهم المشكلات التى تعاني منها البلاد.

الدين والإندماج الوطني

تعتبر إثيوبيا موطن لما يقارب من 80 مجموعة عرقية، وفي عقود سابقة  كان ينظر إلى إثيوبيا على أساس أنها حالة فريدة من التعايش السلمى بين الاديان، فنجد أن نسبة المسلمين في إثيوبيا تقدر بـ 25% مما يجعلهم في المرتبة الثانية بعد الأرومو الذين يشكلون حوالي 40% من حيث تعداد العرقيات، إلا أن المسلمين في إثيوبيا ليسوا مركزين في عرقية واحدة(1)  

وقد شوهت طبيعة النظم السياسية التى تعاقبت على الحكم في البلاد تلك الحالة الفريدة عبر فشلها في التعامل مع أزمة الإندماج الوطني، الأمر الذي نتج عنه تصاعد في حدة العنف والهجمات القائمة على أسس وابعاد دينية .

وبشكل عام يأخذ الصراع الديني وتداخله مع أزمة الإندماج الوطني  في إثيوبيا عدة سمات هما :

1- الإرتباط بالهوية العرقية: تشير بعض التقارير إلى أن الإنفصال والنزاع شب في داخل الإرثوذكوس من خلال تحريض البعض  للإنقسام على أسس عرقية الأمر الذى دفع المجمع المقدس إلى التدخل لحل تلك الاشكالية(2).

 وعلى الجانب الأخر هناك بعض الأجزاء التى ينتشر فيها المسلمين بشكل كبير ويقل فيها إنتشار الأديان الأخرى وهناك خطاب يغزى من فكرة عدم أحترام الأقليات هذا الخطاب قائم على اسس مناطيقة(3)، مما يعزز من فكرة إرتباط الهوية العرقية بالدين وذلك عبر عبارات طائفية ترفع بين المكونات الإجتماعية كعبارة " أنا مسلم و أنت أمهرة".

2- تجاهل محتوى الخطاب "الديني": هناك شعارت ترفع تحاول أن تجعل الكنيسة فوق سلطة الدولة بل وتسعى إلى طمس كافة الهويات الدينية الاخري في البلاد، عبر خطاب يعزز من فكرة إرتباط الكنيسة بالهوية الإثيوبية، وهى الفكرة التى تجد من يؤيدها من الداخل الإثيوبي(4) وتميل هذه النظرة إلى أعتبار أن باقي الديانات الأخرى في إثيوبيا غير مرئية.

 وكنتيجة لهذا الخطاب الذي يرى فيه البعض استفزاز للمشاعر فقد دمر 10 كنائس في فبراير من هذا العام بعد أن تم الهجوم على مسجد في المنطقة الجنوبية ذات الاغلبية المسلمة(5) .

3- تجاهل البعد الديني في تحليل الصراع: تعمدت التحليلات الإجتماعية والسياسية في إثيوبيا تجاهل البعد الديني في الصراعات التى تشهدها البلاد، وذلك يرجع إلى المنطلقات التى قامت عليها هذه التحليلات إذ أن تحليل الصراع قام على أساس طبقي، تم فيه التغاضي عن الدين ويمكن أن نلتمس ذلك عبر تعليق أحد المشاركين في إحدي المحاضرات التى عقدت عن الإسلام في إثيوبيا إذ جاءت في هذا التعليق عبارة " كنا نظن أن العامل الديني في إثيوبيا سوف يزول لكنه يستمر في الظهور مرار وتكرار".

الدين والسياق الإجتماعي

لعب البعد الديني دور في تشكيل العلاقات بين الطوائف في إثيوبيا، فتاريخيا لعبت الحملات التى كان يقودها الأمبراطور الإثيوبي "مينيلك الثاني" دورًا في تعزيز ذلك البعد عندما كان يسعى إلى أن يصبح جنوب البلاد ذو هوية دينية مسيحية ، الأمر الذى كرث نظرة أشبه بالعنصرية  لدى الشماليين إلى أبناء الجنوب  على أساس أنهم "متخلفون"و" بدائيون"و" بربريون"، وتشير حالة الصراعات التى تنشأ في إثيوبيا من وقت لأخر إلى درجة التداخل بين العرق والدين مما  يشير إلى سيطرة العرق في معناه الواسع.

فالمشهد الديني في إثيوبيا معقد إلى الدرجة التى تجعله مكون من ثلاثة أركان أساسية هما المسلمين والارثوذكس والبروتستانت، في حين أن كلًا منهما يظهر بشكل منفصل إلا أنهما يظلوا متشابكين في الطريقة التى يتأثر بها كل طرف بالأخر، وهذا يتضح في حالات تصاعد ، وهو ما عجل من فكرة ظهور حركات " الإصلاح الديني" في البلاد بين مكونات هذه الطوائف لا سيما بين المسلمين، خاصة أن هناك تقارير تشير إلى التوسع في تحركات من البروتستانت في البلاد من أجل التبشير بين الإرثوذكس والمسلمين(6).

ولفهم طبيعة هذه السياقات والعلاقة بين ماهو إجتماعي وسياسي في الصراعات الداخلية الإثيوبية يمكن الإشارة إلى السيناروهين التاليين وهما:

1.الرغبة في الاستحواذ على "الفضاء الديني":  تشير تقارير إلى أن هناك تزايد في دور العبادة التى تشهدها البلاد وأن هناك رغبة من قبل كل الطوائف في إختراق مؤسسات الدولة الرسمية لتكريس فكرة الاستحواذ والهيمنة.

2. حماية الفضاء الديني: عبر الدفاع عن دور العبادة من أى هجمات،وذلك عبر تحدي الهيمنة الثقافية لكل طائفة دينية علي أخرى ، إلا أنه على الرغم من أن دستور الدولة علماني ويطلق حرية الاعتقاد لا يزال هناك ملاحظات على ممارسة المسلمين لشعائرهم الدينية(7).

تصاعد العنف

عكست الإحتفالات الدينية التى قام بها المكون المسيحي في أكتوبر الماضي  حالة تصاعد العنف الديني في البلاد، فقبل أسبوع من بدء الإحتفال بما يعرف بـ  "عيد الصليب" خرجت مظاهرات بجميع أنحاء البلاد  ضد الإعتداء على الكنائس إذ تعرضت ما يقارب من 30 كنيسة للإعتداء منذ تولى "أبي أحمد" رئاسة الحكومة وقتل 45 رجل دين ، حيث وقعت هذه المظاهرات على بعد 200 كيلو متر من شمال العاصمة أديس أبابا، وقد رفع المتظاهرين لافتات كتب عليها عبارات عديدة كان اشدها لافتا للانتباه شعار " الكنيسة والسياسة منفصلين".

ومما يؤكد على ذلك الأمر ما أشار إليه " أبي أحمد" بأن العوامل الدينية باتت جزء من الصراعات التى تشهدها البلاد وأن هناك تشابك بين الأسس العرقية والدينية ، وجاء ذلك التصريح في الثالث من نوفمبر من هذا العام، حيث أوضح  أنه نتيجة لهذه الصراعات قتل  76 شخص ، 40 مسيحيًا و36 مسلمًا(8) بمنطقة الاورمو.

وفي يوليو الماضي قتل ما يقارب من 100 شخص نتيجية لصراعات دينية في الاجزاء الشرقية من البلاد بل وأحرق ما يقارب من 30 دور عبادة(9)، وهذه الحوادث تشير صراحة إلى تطور طبيعة الصراعات، وقد أدى  ذلك إلى نزوح 3 ملايين شخص(10).

وكحالة من الرد على العنف خرج عدد من المسلمين إلى جانب المسيحيين في إشارة إلى نبذ العنف ورفعت لافتات كتب عليها عبارات " هلال وصليب جبنًا إلى جنب".

وختامًا، يمكن القول أن إثيوبيا تقف الأن على مفترق طرق وذلك لحالة الإنقاسامات الداخلية القائمة على أسس عرقية ودينية، ولذلك يجب الدخول في حوار وطنى شامل مع مراعاة أن يركز هذا الحوار على إزالة أى مخاوف بين أبناء المجتمع الواحد، فالسياقات الحاكمة للوضع الديني في إثيوبيا غير مستقرة ومعرضة للإنفجار في أى وقت ، ومن الواضح أن النظام السياسي في إثيوبيا أمام إختبار حقيقي في كيفية التعامل مع الصراعات الداخلية التى تتصاعد من وقت لأخر، وهو الأمر الذى دفع عدد من الزعماء الدينيين في البلاد إلى إنتقاد تعامل الحكومة الإثيوبية مع المشاكل الدينية والهجمات العرقية. 


قائمة المراجع

1-حمدى الحسيني،  إثيوبيا.. التي لا يعرفها المصريون،  صحيفة المصري اليوم،  متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/32UTrDc

2- Ethiopians Protest Church Burnings as Ethnic Tensions Rise, at: https://bit.ly/2qmUkHs 

3- Nathan Johnson, Religious Persecution Hides Among Political and Ethnic Tensions in Southern Ethiopia, at: https://bit.ly/33RpCVu.

4-ibid.

5- Terje Østebø, Special Edition: the Role and Relevance OF Religion IN Ethiopia’s Current Conflicts, at: https://bit.ly/2KoBqa4

6- المسلمون في إثيوبيا.. عقود من الاضطهاد والتهميش،  صحيفة الوطن،متاح على الرابط التالي https://bit.ly/2NTHl9q

7-Pope prays for people killed in ethnic, religious clashes in Ethiopia ,at: https://bit.ly/358DD1s

8-"السيداما".. أكبر قوميات إثيوبيا تتجه لتأسيس الإقليم العاشر،بوابة العين الاخبارية،  متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/2NTgFW5 

9-Terje Østebø, op.cit.

10-ibid.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟