في ديسمبر 2019 ستجرى الانتخابات العامة في بريطانيا
الأكثر أهمية وتعقيدًا في تاريخها وذلك بعد تخلي حكومة المحافظين عن محاولة الحصول
على موافقة البرلمان على صفقة الخروج من الاتحاد الأوروبي ودعوتها إلى إجراء
انتخابات مبكرة. تكتسب أهميتها وتعقيدها من صعوبة تنبؤ نتائجها وكذلك صعوبة توقع
آثار تلك النتائج على مستقبل بريطانيا. فستؤثر النتائج على مصير خروج بريطانيا من الاتحاد
الأوروبي، وضع إيرلندا، مصير اسكتلندا ما إذا كانت ستبقى أم ستنفصل عن بريطانيا، السياسة
الخارجية والأمنية لبريطانيا، ومكانتها في النظام الدولي الأوسع.
توقعات
متباينة
قامت عدة مراكز وشركات لاستطلاع الرأي، قبيل بدء الحملات
الانتخابية، بعمل استطلاعات للتنبؤ بحصص
كل حزب من الأصوات وبالتبعية من المقاعد البرلمانية. وقد جاءت نتائج هذه
الاستطلاعات متباينة بما يجعل هذه الانتخابات الأصعب في التنبؤ. ففي الاستطلاع
الذي اجرته الجارديان توقع أن يأتي المحافظون في المقدمة بنسبة 39% من الأصوات،
قبل حزب العمال المعارض الذي سيحصد نسبة 27%، بينما يحصد الديمقراطيون الليبراليون
16% وحزب البريكست يحصد 9% فقط. هذا يعني أن رئيس الوزراء بوريس جونسون وحزبه
سيحصل على أغلبية مريحة إذا توافقت هذه النتائج مع نتائج الانتخابات. (1)
ومن جانب آخر جاءت نتائج الاستطلاع الذي أجرته
شركة (YouGov) مغايرة، ففيه تقدم حزب العمال ومع توقع حصوله على نسبة 39% من
الأصوات، أما المحافظون فقد يحصلون على 29%، بينما يتوقع أن يحصل حزب الديمقراطيين
اللبراليين على 19% وهو ما يعني خسارة جونسون لمعركة خروج بريطانيا من الاتحاد
الأوروبي أمام حزب العمال إذا تحققت تلك النتائج في الانتخابات القادمة. (2)
وبرغم صعوبة وصول الاستطلاعات إلى توقعات موحدة عن نتيجة
الانتخابات، سعت بعض الشركات للقيام بأمر أصعب وهو محاولة التنبؤ بعدد المقاعد
البرلمانية التي سيفوز بها كل حزب من بينها (Electoral Calculus) التي أشارت إلى أن المحافظين بقيادة جونسون يتقدمون بحوالي 10%
على حزب العمل لجيرمي كوربن. فتتوقع أن يحصل المحافظين على 35.5% من الأصوات و363
مقعدًا في البرلمان، وأن يحصل العمال على 25.5% و186 مقعدًا ويحصل الديمقراطيين
الليبراليين على 18.1% و31 مقعدًا، وأن يحصل حزب القوميين الاسكتنلدنيين على 3.2%
من الأصوات و48 مقعدًا، بينما يحصل حزب البريكست على 0.7% فقط من الأصوات وثلاثة
مقاعد. (3)
أسباب
صعوبة التنبؤ
لا يمكن التعويل كثيرًا على نتائج الاستطلاعات هذه المرة
–بخلاف الانتخابات الماضية- لكون المجريات تخفي كثير من التحولات الأخرى والتي
تجعل من الانتخابات العامة لعام 2019 غير متوقعة. إحدى هذه التحولات أنه وبالرغم
من المعارضة والانتقادات التي يواجهها رئيس الوزراء جونسون، إلا أنه يتمتع
بتقييمات قيادية أفضل من جيرمي كوربن إلا أن هذا لا يعني أن فرص جونسون أكبر نظرًا
لأنه حصل على أدنى تنصيف لأي رئيس وزراء جديد وكذلك كوربن الذي لديه أدنى تصنيفات
لأي زعيم معارض.
التحول الأخر هو
التجزئة، حيث إنه منذ استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي تحول نظام الحزبين الذي
كان الأكثر استقرارًا في العالم إلى نظام
متعدد الأحزاب حيث شكل الحزبان الديمقراطيان المناهضان لخروج بريطانيا من الاتحاد
الأوروبي وغيرهم من الأحزاب، تحديًا خطيرًا للحزبين الرئيسيين من حيث تسببه في
تفتيت الكتلة التصويتية بما يؤدي إلى نتائج غير متوقعة على مستوى الدوائر
الانتخابية.
ومن التحولات التقلب والحراك المستمر المتسارع في النظام
السياسي والحياة السياسية في بريطانيا، فالانتخابات القادمة –ديسمبر 2019- هي
الانتخابات البريطانية الخامسة على مستوى البلاد في أربع سنوات فقط. فبعد
الانتخابات العامة في عام 2015 جاء استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي في عام
2016، تلاه الانتخابات العامة لعام 2017. تقلب
النظام السياسي انعكس على تفضيلات وولاء الناخبين الحزبي، من المحتمل أن يدفع عدد
كبير من الناخبين بإعادة تقييم ولائهم وهو ما توضحه الانتخابات البريطانية الماضية
التي ارتفع فيها معدل تبديل الأصوات حيث يحول الناس أصواتهم من انتخابات إلى أخرى،
بشكل غير مسبوق في فترة ما بعد الحرب فقد غير نصف الناخبين البريطانيين ولاءهم
الحزبي في انتخابات 2015 و2017. (4) يضاف للتحولات السابقة ضعف الولاء للأحزاب
السياسية بشكل عام والذي كان قد بدأ منذ الستينات لكنه تسارع بعد استفتاء الخروج،
وهو سبب آخر لصعوبة التنبؤ بنتائج
الانتخابات.
تداعيات
الانتخابات على مستقبل بريطانيا
سيعتمد مصير عديد من القضايا على الانتخابات القادمة
وذلك على النحو التالي:
1- البريكست
فيما يتعلق باتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي فمن
المحتمل أن يتم بشكل سريع وفقًا للصيغة النهائية من الاتفاق التي توصل لها رئيس
الوزراء جونسون مع الاتحاد في أكتوبر 2019، إذا تمكن من الفوز بأغلبية في
الانتخابات والحصول على موافقة البرلمان على الاتفاق الذي توصل إليه وفي تلك
الحالة يمكن أن تخرج بريطانيا في الأول من يناير 2020 وذلك بموجب الاتفاق وبموجب
مزاعم المحافظين الذين أكدوا أنه يمكن خروج في يناير والانتهاء من صفقة تجارية
جديدة أيضًا بحلول نهاية 2010 مع الاتحاد الأوروبي. ولكن يجدر الإشارة هنا إلى أن
مزاعم المحافظين مستحيلة التحقق خلال تلك المدة القصيرة لأن مثل هذه الصفقات
تستغرق سنوات للتفاوض بما يعني ضرورة تمديد الفترة الانتقالية لإعطاء مزيد من
الوقت. يضاف لذلك أنه عند الأخذ في الاعتبار تفتت الكتلة التصويتية بما يعني صعوبة
تمرير قرار في البرلمان دون موافقة باقي الأحزاب التي متوقع أن تحصل على نسب
متقاربة من المحافظين، في تلك الحالة قد لا يوافق البرلمان على الاتفاق مرة أخرى
وحينها يمكن أن ينفذ جونسون قراره بالخروج دون اتفاق.
وإن لم يتمكن جونسون من ذلك سيكون على رئيس الوزراء
الجديد أن يطرح اتفاقًا يوافق عليه مجلس العموم بحلول نهاية يناير 2020، لأن إذا
لم يحدث ذلك سيقع على عاتقه السعي لإجراء مباحثات أخرى مع الاتحاد الأوروبي وهو
خيار غير مرجح نظرًا لأن بريطانيا في نظره استفذت محاولات كثيرة للخروج في عهد
تريزا ماي ومن بعدها بوريس جونسون ومن ثم فإن العودة مرة أخرى إلى الصفر وبدء مباحثات
جديدة سيكون أمر غير مقبول وهو ما أكده الاتحاد الأوروبي الذي أشار إلى أن إعادة
فتح اتفاقية الانسحاب أمر غير ممكن. وبرغم موقف الاتحاد سيكون صعبًا تمرير اتفاق
جونسون دون تعديلات، ففي حال فوز حزب العمال بالأغلبية سيرغب بالتأكيد في إعادة
النقاش حول الاتفاق وبخاصة الحديث عن حقوق العمال بعد الخروج والتي من المتوقع أن
تكون قضية رئيسية في النقاش، بهدف دعم البقاء في الاتحاد الجمركي واستمرار علاقة
أوثق مع الاتحاد. أما إذا فاز الديمقراطيون الليبراليون والقوميون الاسكتلنديون
فمن المتوقع أن يتم إحالة قضية الخروج إلى استفتاء شعبي ثان وشن حملة للبقاء في
الاتحاد.
2- أيرلندا
إن خروج بريطانيا سيؤثر بالتبعية على إيرلندا
وعلاقتها بها، حيث إن القضية الأساسية لإيرلندا هي الشكل المستقبلي لخروج بريطانيا
والذي سيتم تحديده عقب الانتخابات. فشكل الخروج الذي يتخيله جونسون يثير خطر وجود
حواجز كبيرة أمام التجارة بين إيرلندا وبريطانيا على المدى الطويل وبتكلفة
اقتصادية مرتفعة لتجنبها سيكون على الطرفين إقامة علاقة تجارية أوثق تحد منها.
وعلى الجانب الآخر، كلما ابتعدت بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، زادت مشكلة إدارة
الترتيبات الخاصة بإيرلندا الشمالية عمليًا وسياسيًا، لأنه على سبيل المثال، إذا
غادرت بريطانيا دون اتفاق تجاري فمن المحتمل أن تبدأ تطبيق تعريفة منظمة التجارة
العالمية مما سيؤثر بشكل سلبي على التجارة
بين بريطانيا وإيرلندا. وعلى ذلك يكون خيار إجراء استفتاء ثاني أو خيار البقاء هو
الأفضل بالنسبة لإيرلندا.(5)
3- اسكتلندا
وفيما يتعلق بمصير اسكتلندا، فيرغب القوميون الاسكتلنديون البقاء في الاتحاد الأوروبي وهو ما يدفعهم للقيام بحملات لإبقاء المملكة المتحدة فيها. وعليه إذا فاز جونسون بأغلبية في الانتخابات ونجح في تمرير اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي فمن المحتمل أن تجري اسكتلندا استفتاءً للانفصال عن بريطانيا، حيث يرى الاسكتلنديون أن اتفاقية جونسون للخروج هي "صفقة فظيعة" كونها ستؤثر سلبًا على اسكتلندا، كما قد صوت 62% من سكان اسكتلندا ضد مغادرة الاتحاد الأوروبي وهو ما يجعل إجراء استفتاء ثان أمر مؤكد حال فوز جونسون وبخاصة أن الاسكتلنديون يعتقدون أن هناك مستقبلًا أفضل لاسكتلندا كدولة مستقلة داخل الاتحاد الأوروبي. أما إذا فاز أيًا من العمال والديمقراطيين الليبراليين والقوميين الاسكتلنديين بأغلبية فيرجح ألا تخرج بريطانيا من الاتحاد ومن ثم تبقى اسكتلندا ضمن بريطانيا.
الهوامش
(1) “Election polls: latest UK general
election 2019 polling tracked”, The guardian, 10/11/2019, available at: https://www.theguardian.com/politics/ng-interactive/2019/oct/31/uk-general-election-2019-poll-tracker.
(2)
YouGov, Available at: https://yougov.co.uk/topics/overview/all
(3) “General Election Prediction”, Electoral
Calculus, 30/10/2019, available at: https://www.electoralcalculus.co.uk/homepage.html
(4)
Robin Pomeroy, “Britain's Brexit election is its most volatile in memory - and
3 other superlatives about the snap poll”, The World economic Forum,
4/11/2019, available at: https://www.weforum.org/agenda/2019/11/brexit-uk-election-unpredictable-coldest-greenest-digital/.
(5) Cliff Taylor, “Explainer: What the UK election and the extension mean for Brexit”,Irishtimes, 29/10/2019, available at: https://www.irishtimes.com/news/politics/explainer-what-the-uk-election-and-the-extension-mean-for-brexit-1.4065933.