زيارة أردوغان إلى واشنطن .. ملفات عالقة وتوترات قادمة
تأتي زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى واشنطن يومي١٢و١٣ تشرين الثاني ٢٠١٩ تلبية لدعوة الرئيس الامريكي دونالد ترامب بعد عاصفة من التصريحات المتبادلة بين مسؤولي البلدين والمشحونة بالتوتر والمواقف المتضاربة بشأن قضايا مختلف عليها بين البلدين أثرت بشكل كبير على العلاقات بينهما كقضية صفقة منظومة الدفاع الصاروخي الدفاعي الروسيS400 المضاد للطائرات واستبعاد واشنطن لأنقرة من برنامج تطَوير الطائرات المقاتلةF35 على الرغم من الاستثمارات التركية الهائلة في هذا المشروع، وبالتالي تعيد تلك الزيارة الرسمية للرئيس اردوغان لواشنطن تسليط الضوء من جديد على العلاقات الأمريكية التركية والتي شهدت مزيداً من التوترات والأزمات بينهما أثرت على بشكل كبير على مسيرة العلاقات الثنائية بينهما كونهما عضوين في حلف شمال الأطلسي.
وتركت
العديد من الملفات العالقة بين واشنطن وانقرة أثرها على العلاقات بين الطرفين
ولاسيما في السنتين الأخيرتين، إذ بعد إعادة انتخاب الرئيس أردوغان في أواخر شهر
يونيو ٢٠١٨ بعد تعديل الدستور التركي وتحوله من نظام برلماني إلى نظام رئاسي مما
يعني تركز السلطة التنفيذية بيد الرئيس أردوغان، وقد مر عام ٢٠١٨ ثقيلا والقى بظلاله
على العلاقات بين واشنطن وأنقرة وصلت الى حد فرض العقوبات الاقتصادية الامريكية
على تركيا، إذ كان لقضية القس الامريكي اندرو برانسون دورها في تأزيم
العلاقات بينهما، فقد اتهمت انقرة القس الأمريكي
بالمشاركة في تنفيذ اعمال ارهابية داخل تركيا وبالتالي تمت محاكمته وفق القوانين
السارية في تركيا، ورفضت واشنطن المقترح التركي بشأن تسليمها المعارض التركي فتح
الله غولن والذي يستقر في الولايات المتحدة والذي تتهمه انقرة بتدبير محاولة
الانقلاب العسكري الفاشل في منتصف تموز ٢٠١٦،ونتيجة التهديدات الأمريكية المتزايدة
والعقوبات الاقتصادية الامريكية على تركيا والتي شملت وزيري العدل والداخلية
التركيين ومضاعفة الضرائب على واردات الولايات المتحدة الامريكية على الفولاذ
والالمنيوم التركيين، اضطرت انقرة الى اطلاق سراح القس برانسون، لتدخل العلاقات
بين البلدين في دوامة الازمات لتعكس توترات جديدة تمثلت بأزمة الصواريخ الدفاعية
الروسية المضادة للطائرات S400 التي
تم شراؤها من موسكو وهذا ما اعتبرته واشنطن تهديدا مباشرا لحلف شمال الاطلسي على
الرغم من احتجاج الولايات المتحدة لعقد تلك الصفقة، فقد تمسكت انقرة بإتمام الصفقة،
الامر الذي دفع واشنطن الى استبعاد تركيا من برنامج الطائرات المقاتلة F35 بالرغم من استثمارات انقرة الهائلة في هذا المشروع.
وقبل
زيارة الرئيس التركي هددت واشنطن بفرض عقوبات على انقرة بسبب تمسكها بشراء
الصواريخ الروسية، وفي هذا الصدد يقول روبرت اوبراين مستشار الامن القومي الامريكي
بإن الولايات المتحدة ستعمل ما بوسعها للحفاظ على علاقاتها مع تركيا كونها عضو في حلف
شمال الاطلسي وهي شريك مهم. وفي سياق اخر يشير اوبراين بإن واشنطن محبطة للغاية من شراء انقرة لصفقة الصواريخ
الروسية واذا لم تتخلص منها انقرة فإن واشنطن ستفرض عقوبات على انقرة، وهذا الامر سوف يبلغه الرئيس ترامب للرئيس
اردوغان عند زيارته.
واستمراراً
للازمات المتفجرة بين البلدين، فقد اثرت العملية العسكرية التركية المعروفة (نبع
السلام) في شمال سوريا على العلاقات الامريكية التركية، فقد استهدفت تركيا من تلك
العملية طرد المقاتلين الاكراد من المناطق الحدودية مع سوريا مع سعي تركي لإقامة
منطقة امنة فيها، وتأتي تلك العملية العسكرية في اعقاب سحب القوات الامريكية من
نقاط حدودية في شمال شرق سوريا، مما اثار غضب الولايات المتحدة الامريكية على تركيا
وذلك بتهديد الرئيس ترامب بفرض عقوبات اقتصادية جديدة على انقرة، إلا انه قد تم
رفع تلك العقوبات بعد توصل الطرفين الامريكي والتركي الى اتفاق بينهما حول تلك
المناطق الحدودية في منتصف شهرين تشرين الاول الماضي بعد زيارة نائب الرئيس
الامريكي مايك بنس ووزير الخارجية بومبيو الى انقرة لحل الازمة بشأن اكراد سوريا.
وفي
نهاية شهر تشرين الاول، استمر وضع العلاقات بين البلدين في التوتر بعد إقرار مجلس
النواب الامريكي لقانون الابادة الجماعية للارمن وتحميل تركيا المسؤولية الكاملة
عن تلك المجازر وهو ما اثار غضب الشارع التركي ازاء ذلك الامر مما عمق
التشنجات بينهما واعتبره الرئيس اردوغان "اكبر اهانة" موجهة
للشعب التركي في تأريخه.
ويمكن
القول بإن الولايات المتحدة الامريكية لا يمكنها التفريط بحليف إستراتيجي مهم في
المنطقة بوزن وحجم تأثير وفاعلية دولة مثل تركيا حتى وان توترت العلاقات الثنائية
بينهما وصولا لفرض عقوبات اقتصادية عليها وفرض ضرائب عالية على صادرات الاتراك من
الفولاذ، وذلك بسبب المصالح المتشابكة بينهما وطبيعة الدور التركي الحالي في
المنطقة سيما بعد دخولها على خط قيامها بتنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق في شمال
شرق سوريا وهي امتدادا للعمليات العسكرية السابقة التي شنتها انقرة لتأمين الحدود
مع سوريا والقضاء على المجاميع المسلحة التي تهدد امنها واستقرارها.