تعضيد الجهود .. ميدوزا -9 وأمن الطاقة في منطقة شرق المتوسط
في ظل التوترات التي تشهدها مصر واليونان وقبرص مع تركيا
حول الثروة النفطية المكتشفة في منطقة غاز المتوسط، قامت الدول الثلاث بتنفيذ
مناورة ثلاثية مشتركية بينهما، وذلك وفق ما أعلنه الجيش المصري، في 3 نوفمبر 2019 عن
انطلاق مناورات عسكرية بحرية وجوية بالاشتراك مع اليونان وقبرص في البحر المتوسط، لمواجهة
أي تهديدات محتملة، وذلك وسط التوتر بينهم وبين تركيا حول التنقيب عن الغاز والنفط
في المتوسط.
وتتم فعاليات التدريب البحري الجوي المشترك "ميدوزا
- 9" بمشاركة عناصر من القوات البحرية والقوات الجوية والقوات الخاصة المصرية
واليونانية والقبرصية، والتي تستمر لعدة أيام بمسرح عمليات البحر المتوسط بدولة اليونان،
وتشارك فيها حاملة المروحيات جمال عبد الناصر "طراز ميسترال" والفرقاطة
"الفاتح "طراز جوويند" والغواصة طراز "209 "، ولنش الصواريخ
"طراز سليمان عزت" وصائدة الألغام "الصديق"، بالإضافة إلى عدد
من الطائرات المقاتلة طراز إف – 16 المتعددة المهام وطائرات الهل.
ويهدف التدريب إلى صقل مهارات الضباط المشاركين في العمليات
البحرية المختلفة وتبادل الخبرات القتالية والميدانية بين الدول المشاركة، والاستعداد
لتنفيذ أي مهام مشتركة تحت مختلف الظروف وحماية الأهداف الحيوية والاقتصادية بالبحر
المتوسط ضد أي تهديدات محتملة.
التنسيق
الثلاثي
لا يمكن فهم التنسيق العسكري الثلاثي بين مصر واليونان
وقبرص دون فهم التوافق السياسي والاقتصادي حول العديد من الأهداف والتي بادرت مصر بتحقيق
التقارب معهما من خلال استحداث منتدى غاز شرق المتوسط مقره العاصمة المصرية القاهرة،
والذي يمثل الآلية السياسية والاقتصادية للدول المتوسطية لتحقيق تعاون فيما يتعلق
بالتنسيق المتبادل بينهم خاصة مع وجود احتياطات كبيرة من الغاز في هذا الإقليم تقدر
بنحو 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، ويتضمن المنتدى الدول بالإضافة إلى مصر
هي: إيطاليا، واليونان، وقبرص، والأردن، وإسرائيل، وفلسطين، على أن تكون العضوية مفتوحة
لمن يرغب بذلك.
الجدير بالذكر أن هذه المناورات ليست الأولى من نوعها؛
حيث شاركت مصر نوفمبر 2017 في مناورات عسكرية مشتركة مع اليونان في جزيرة رودس اليونانية
منزوعة السلاح لقربها من الأراضي التركية، كما شاركت اليونان في مناورات النجم الساطع
عامي 2017 و2018 بعد إعادة إحياءها مرة أخرى في قاعدة محمد نجيب العسكرية المصرية،
ويأتي هذا التدريب الأخير كامتداد لتنامي علاقات الشراكة والتعاون العسكري بين القوات
المسلحة المصرية والدول الشقيقة والصديقة، وإظهار ما وصلت إليه القوات المشاركة من
القدرة القتالية العالية والمستوى الراقي من التدريب لمواجهة التحديات المتنامية بمنطقة
البحر المتوسط.
وفي نفس الإطار عُقدت قمة ثلاثية بين رؤساء مصر واليونان
وقبرص في 8 أكتوبر 2019، تم التباحث فيها سبل تعزيز العلاقات بينهم والتأكيد على
حقوق الثلاث بلدان الأساسية في حماية ثرواتها النفطية، ودعم جهود قبرص للتوصل إلى حل
للقضية القبرصية على أساس قرارات مجلس الأمن. وأعلنت
الدول الثلاث مواجهتها للأعمال الغير مشروعة التي تقوم بها تركيا داخل منطقة شرق
المتوسط وخاصة في المنطقة الاقتصادية الخالصة (الجرف القاري) لقبرص، في مناطق بحرية
تم ترسيم حدودها بالفعل وفقًا للقانون الدولي، والتي تمثل انتهاكا للقانون الدولي،
وأعربت الدول الثلاث عن رفض زيادة التواجد العسكري في المنطقة، وهو ما يهدد الأمن والاستقرار
والسلام في المتوسط.
ملفات
ممتدة
لم يتوقف التنسيق الثلاثي بين مصر واليونان وقبرص على
منطقة شرق المتوسط، بل الأمر امتد ليشمل توحيد السياسات تجاه العديد من القضايا
خاصة تلك المرتبطة بأمن الدول الثلاث أو مواجهة مصادر التهديد من بعض الدول من
المنطقة خاصة تركيا؛ حيث أعلنوا معارضتهم للعملية العسكرية التركية نبع السلام في
الشمال السوري التي وصفوها بغير المشروعة والتأكيد على سيادة الدولة السورية ووحدة
وسلامة أراضيها، وأن الممارسات التركية تأتي لتقويض وحدة الأراضي السورية وإحداث
تغيرات ديموغرافية متعمدة.
ولم تتوقف حدود التعاون عند هذا الحد بل تم التطرق
بالتنسيق الثلاثي المشترك في ملف سد النهضة الإثيوبي، ودعم الجهود المصرية
والدولية للتغلب على الجمود الذي شهدته المفاوضات الثلاثية بين مصر وإثيوبيا
والسودان خاصة بعد مرور 8 سنوات من المفاوضات المباشرة دون تحقيق نتائج ملموسة، وتأكيدهم
على أن الاتفاقيات السابقة، خاصة إعلان المبادئ الموقع في عام 2015، والذي ينص على
ضرورة التوصل إلى اتفاق مصر وإثيوبيا والسودان على قواعد الملء والتشغيل الخاصة بسد
النهضة، والالتزام بعدم التسبب في ضرر جسيم، والعمل بمبدأ الاستخدام العادل والمنصف،
يجب أن تكون الأساس للتوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن.
ولعل زيارة الفريق أول محمد زكي، القائد العام للقوات المسلحة،
وزير الدفاع والإنتاج الحربي، إلى اليونان لحضور فعاليات المرحلة الرئيسية للتدريب
البحرى الجوى المشترك "ميدوزا -9"، تؤكد على رغبتهم في تعزيز التعاون في
مجالات استكشاف ونقل الغاز الطبيعي من خلال عدد من الاتفاقيات ذات الصلة، وحماية
الأهداف الاقتصادية في تلك المنطقة، من خلال عقد لقاءات رسمية مع وزيري دفاع اليونان
وقبرص وكبار المسئولين فى القوات المسلحة اليونانية والقبرصية لمناقشة تطورات الأوضاع
على الساحتين الإقليمية والدولية وزيادة مجالات التعاون العسكرى والأمنى المشترك.
الأهداف
والدوافع المصرية
هناك جملة من الأهداف والدوافع المصرية من الوصول بمستوى
التعاون مع اليونان وقبرص إلى حد التنسيق الثلاثي الإقليمي سواء فيما يتعلق بالعلاقات
الاقتصادية في منطقة شرق المتوسط، أو امتداها وتمثل الأهداف المصرية في عدة محددات
أهمها: تعظيم التعاون مع دول المنطقة فيما يتعلق بالانتفاع العادل من الثروات
الاقتصادية المكتشفة والتصدي للتهديدات من جانب الدولة التركية الأمر الذى يمثل خطرًا
على مستقبل الأمن الإقليمي، إضافة إلى تعظيم المكاسب الاقتصادية من خلال تأمين
العرض والطلب على الموارد الاقتصادية وتحسين الشراكات الاقتصادية مع دول المنطقة.
وتمثل العمليات العسكرية المشتركة بين مصر واليونان
وقبرص امتدادًا لتعزيز آليات الدفاع عن الأهداف المشتركة المتوافق عليها بين
الأطراف الثلاثة والتي تؤشر على عمق تلك الشراكات، وتستهدف مصر بصفة خاصة من هذه
العمليات إظهار قدرتها على حماية أهدافها الاقتصادية خاصة في ظل الاعتداءات
التركية غير المشروعة على بعض المناطق الاقتصادية الخاصة ببعض الدول مثل اليونان
وقبرص.
الجدير بالذكر أن هذه التوجهات العسكرية المشتركة مع اليونان وقبرص تأتي بالتزامن مع العديد من الضغوطات الخارجية الإقليمية والدولية التي تتعرض لها أنقرة على خلفية العملية العسكرية التي قامت بها الشمال السوري، ويمكن لمصر الاستفادة من حالة الرفض الأوروبي والأمريكي للسياسات التركية حول تهديد أمن واستقرار الأوضاع في سوريا، إضافة إلى شرق المتوسط، والتوترات مع الدول الواقعة في المنطقة خاصة قبرص واليونان لتحقيق انتشار إقليمي لكي تصبح مركز إقليمي للطاقة.
المراجع
1) وسط توتر مع تركيا.. مصر واليونان وقبرص يطلقون مناورات عسكرية
في البحر المتوسط، على الرابط:
2) وزير الدفاع يغادر إلى اليونان لحضور التدريب البحري الجوى
المشترك، على الرابط:
3) قمة بين مصر وقبرص واليونان تبحث الإرهاب والهجرة والطاقة،
على الرابط: