الأسباب والجذور .. نحو فهم ظاهرة العنف في جنوب أفريقيا
تعتبر جنوب أفريقيا من بين الدول التى
تشتهر بتصاعد حدة العنف المتمثل في الاعتداء على النساء وقتل الأطفال والاعتداءات
على الرعايا الأجانب، فتشير الاحصائيات إلى ارتفاع معدلات القتل والاعتداءات
والجرائم بشكل كبير في الفترة من عام 2018 وحتى عام 2019.
وفي هذا الإطار تطرح الباحثة " نيكوليت رومان" بجامعة "كيب
تاون" دراستها حول (العلاقة بين الروابط الأسرية والعنف في المجتمع) والتي ركزت
على دراسة عينة من الاسر في مدينة "كيب تاون" الجنوب أفريقية، اشتملت العينة
على أفراد وأسر من الحضر والريف والتي لديها معدلات عالية من العنف والجريمة
وتعاني من الفقر وإدمان المخدرات والتسرب المدرسي وغيرها.
وقد ركزت الدراسة على توضيح مدى
قدرة الأسر على التكيف المجتمعي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وأثر ذلك على النزاعات
العائلية والعدوان بين الأطفال الذين تتراوح اعمارهم من 10 إلى 12 عام.
وأشارت النتائج الأولية لهذه الدراسة
إلى أنه عندما يكون هناك سوء معاملة وإهمال وصراع وعنف، فإن هذا الأمر يؤدي إلى
عواقب وخيمة على المجتمع يعاني منها الأطفال أشد المعاناة على وجه التحديد، وغالبًا
ما يرتبط سلوك هؤلاء الأطفال بالعنف
والجريمة وصولًا للسجن، وهذا يعود إلى تأثير الصراع الأسري بالسلب على كفاءة الأشخاص
واستقلاليتهم مما يزيد من درجة العنف والعدوان في مرحلة المراهقة.
وتشير الدراسة إلى أن العنف يمكن أن
يتم انتقاله عبر الأجيال وأن الحل يتطلب تعزيز قدرة الأسر على فهم الآثار والتبعات
المترتبة على أفعالهم وكيفية نقلها للأطفال، كما توضح أنه من المهم لأفراد الأسرة
أن يكونوا قادرين على التواصل والتعبير عن مشاعرهم مع احترام الآخرين من نساء وأطفال
داخل الأسرة الواحدة، وضرورة تعزيز القيم الأساسية للإنسان مثل احترام حقوق الآخرين
والحاجة إلى ضرورة توفير الرعاية الاجتماعية للعائلات.
أهمية الأسرة
من الناحية المثالية، معروف أن الأسرة
توفر شبكة الأمان والحماية لأبنائها، إلا أن بعض هذه الأسر بجنوب أفريقيا لا ترقي في الكثير من الأحيان
إلى هذا المستوى، فغالبًا ما يعيش الأطفال هناك في حالة من العنف البدني واللفظي
إلى جانب الإهمال، الأمر الذي تكون نتيجة موجات العدوانية والدخول في بعض المشاكل
النفسية التي تؤدي في النهاية إلى العنف المتأصل في الشخصية، مما يعني أن هذه
العدوانية ستكون جزء من الممارسات داخل المجتمع، لذا فإنه لابد من أن يكون هناك
استقرار داخلي للأسر وخلق درجة من التواصل الإيجابي بين أفراد الأسرة الواحدة.
العائلات في خطر
تحمي الأسرة أفرادها من الخطر كما هو
معروف إلا أن هذه الدراسة كشفت أن بعض الاسر تعرض أطفالها للخطر، ففي دراستين حول
هذه القضية، صرح مرتكبو الجرائم والاعتداءات الجنسية أن الدافع وراء ذلك الامر هو
اقبالهم منذ الصغر على ادمان المواد المخدرة، والعنف العائلي، والبطالة وعدم توفر
برامج الدعم او الحماية الاجتماعية.
وفي ذات السياق، كشفت دراسة أخرى أجريت
حول (الخصائص العائلية لمرتبكي هذه الجرائم) أن غالبية من تعرضوا للعنف العائلي وانفصال الوالدين عن بعضهم
البعض، يتخذون سلوكيات عدوانية ويتجهون نحو الاعتداءات الجنسية والعنيفة، وفي دراسة
اخري اجريت على الاطفال في الفئة العمرية
من 10 إلى 12 ممن واجهوا مشاكل المدرسة، توصلت الدراسة أن الصراع العائلي أحبط احتياجاتهم الاساسية، نتج
عنه سلوك المعادي للمجتمع.
وجزء أخر مما اشارت إلية الباحثة
" نيكوليت" في دراستها يدور حول
تعرض النساء للعنف العائلي، إذ اشارت إلى أن العنف العائلي حدث لمعظم السيدات قبل
فترة البلوغ، وكانت اسبابه تعود للخلافات بين الاب والام، وهو الامر الذى انعكس
على شخصية البعض منهم واصبحوا يميلون إلى العنف تجاه الاخرين في علاقاتهم الخاصة .
كسر القاعدة
كما هو معروف أن العنف يولد العنف، لذلك تكشف الدراسة أن العنف يتم نقله عبر الأجيال
وبأنه يجب كسر هذه القاعدة حتى تصبح جنوب أفريقيا أقل عنفًا .
وضعت منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة
"اليونيسف" الاهتمام بالأسرة على اعتبار أنها أساس تحقيق التنمية
المستدامة، إلى جانب الحاجة لسياسات وبرامج صديقة لها، للحد من أشكال العنف، فالعنف جزء أساسي في أعاقة
جهود تحقيق التنمية المستدامة، لذلك فإن الحلول التي قدمتها المنظمة تتمثل في
القضاء على الفقر، وتعزيز الصحة الجيدة والتعليم والمساواة بين الجنسين، وتشغيل
الشباب .
وفي ذات السياق، يتمثل دور الحكومة في
حماية الأسر ببرامج الرعاية الاجتماعية عبر الاستعانة بفرق من المتخصصين النفسيين وغيرهم،
إلى جانب تشجيع العائلات على تكوين شبكات مجتمعية لدعم ومشورة بعضهم البعض بشأن
رعاية الاسرة .
دروس من مكان آخر
هناك دروس اخري يمكن لجنوب أفريقيا
الاستفادة منها في الحد من النزاعات الاسرية، إذ أن هناك دول طبقت برامج شبيهة
كهولندا واستراليا والبرازيل.
فأمستردام بهولندا لديها مراكز للشباب والاسرة في كل مقاطعة، حيث
تقدم هذه المراكز نهجًا متكاملًا متعدد التخصصات لمساعدة الأسر، بما في ذلك تدريب
الوالدين، أما استراليا فتركز على إقامة شبكات اجتماعية لتعزيز الارتباط
بين الوالدين وأبنائهم.
وفي البرازيل انشئ عام
2017 برامج لتدريب الوالدين ضم هذا البرنامج
4 ملايين زوج وزوجة، وفيه يقوم فريق من الاخصائيين الاجتماعيين بزيارات منزلية للأسر
الفقيرة للغالية لمساعدتهم على تحسين علاقتهم بإنبائهم منذ الطفولة، ومن المتوقع
أن ينتهي هذا البرنامج عام 2020.
وختامًا، يمكن القول إن للعائلة دور هام في تحقيق التنمية
البشرية، لان الأسرة هى المكان الذي يحصل فيه الأطفال على أول تجاربهم وبالتالي فإن
الأسرة هي مفتاح التصدي للعنف في المجتمع.
Nicolette V Roman, Violence in South Africa: the search for root causes,
at:
https://theconversation.com/violence-in-south-africa-the-search-for-root-causes-123940